
13/07/2025
في الرواية نت - Alriwaya.net. أجرته الأستاذة سمية عبد الله مع الروائي بومدين بلكبير. قراءة ممتعة.
في زمن تتوالى فيه الأزمات الصحية وتتكاثر الأسئلة حول دور الإنسان في مواجهة الكوارث، تأتي رواية "عدو غير مرئي" للكاتب بومدين بلكبير كمرآة أدبية تسائل الواقع وتفكك تناقضاته. من خلال حبكة تتقاطع فيها الذاكرة الفردية والجماعية، يقدّم الكاتب رؤية عميقة للوباء لا باعتباره ظاهرة صحية فقط، بل تجربة ثقافية، سياسية، ودينية تُعيد تشكيل الوعي. في هذا الحوار، نقترب من عالم الرواية، نستقرئ أبعادها الرمزية، ونناقش مع الكاتب كيف يمكن للأدب أن يكون مساحة للمقاومة والفهم في مواجهة ما لا يُرى.
في زمن تتوالى فيه الأزمات الصحية وتتكاثر الأسئلة حول دور الإنسان في مواجهة الكوارث، تأتي رواية "عدو غير مرئي" للكاتب بومدين بلكبير كمرآة أدبية تسائل الواقع وتفكك تناقضاته. من خلال حبكة تتقاطع فيها الذاكرة الفردية والجماعية، يقدّم الكاتب رؤية عميقة للوباء لا باعتباره ظاهرة صحية فقط، بل تجربة ثقافية، سياسية، ودينية تُعيد تشكيل الوعي. في هذا الحوار، نقترب من عالم الرواية، نستقرئ أبعادها الرمزية، ونناقش مع الكاتب كيف يمكن للأدب أن يكون مساحة للمقاومة والفهم في مواجهة ما لا يُرى.
1- في رواياتك السابقة مثل "زنقة الطليان"، "خرافة الرجل القوي"، و"ثلاث حيوات لرجل واحد"، كنت تنحاز بوضوح للإنسان في صراعه مع السلطة بمختلف أشكالها، سواء كانت سلطة السياسي أو المجتمع أو رأس المال. لكن في رواية "عدو غير مرئي"، يبدو أن البوصلة قد تغيرت، إذ نلمس إدانة غير مباشرة لسلوك الإنسان المعاصر نفسه. هل يمثل هذا التحول مراجعة لموقفك من الإنسان؟ أم هو تطور طبيعي في رؤيتك لما آل إليه العالم؟
الأمر لا يتعلق بتحوّل بقدر ما هو محاولة لتعميق الرؤية. في أعمالي السابقة، كان انشغالي منصبا على كشف وتعرية البُنى الخارجية التي تَسحق وتقهر الإنسان وتشوّهه: سلطة السياسي، سلطة المال، ضغط المجتمع، وكل ما يضع الكائن البشري في موقع الضحية. لكن مع مرور الزمن، ومع تراكم التجربة والمراقبة وشيء من اليقظة، بدأت أكتشف أن الخطر لم يَعُد خارجيًا فقط، بل صار كامنًا في الداخل. الإنسان المعاصر، بانخراطه غير المشروط في منطق الاستهلاك، بهوسه بالتملك، وبأنانيته المغلّفة بوهم التقدّم، أصبح في يومياته يعيد انتاج ما يُهدد وجوده.
رواية "عدو غير مرئي" ليست مرافعة أو إدانة أخلاقية بما تعنيه الكلمة، بل محاولة لفهم هذا التحوّل والتغيّر الجذري: كيف تحوّل الإنسان من ضحية إلى فاعل مخرّب؟ كيف ضاعت منه البوصلة، وصرنا نمارس العنف والتدمير والافناء لا كأداة، بل كأسلوب حياة؟ من هنا، أرى أن الرواية ليست قطيعة مع موقفي السابق، بل استمرارية في خط أكثر عمقًا: أن تنتصر للإنسان لا يعني أن تُسقط عنه المسؤولية أو تُعفيه من المساءلة، بل أن تضعه أمام مرآة ذاته ليس من باب القسوة أو شيء من الإنتقام، لأن الصمت أحيانًا خيانة للحقيقة.
2- في الرواية، تجلى الوباء ليس فقط كحدث بيولوجي، بل كظاهرة تمتحن القيم والمعاني الانسانية في المجتمع وغيابها. كيف ترون دور الثقافة والمثقفين في مواجهة الأوبئة؟ وهل يمكن للثقافة أن تكون سلاحاً رمزياً في مقاومة "العدو غير المرئي"؟
في الرواية، يمثل وباء كوفيد-19 لحظة صادمة، تكشف وتعري المجتمع من أوهامه وتفضح هشاشة منظوماته الثقافية والأخلاقية. فالعدو غير المرئي هو الجهل، غياب الوعي، زيف الأخلاق، تشوه وانهيار القيم، غياب الثقافة والمسؤولية الاجتماعية. الثقافة، في هذا السياق، ليست ترفاً ولا أداة لتجزية الوقت، بقدر ما هي جهاز مناعي (رمزي) يسعف الوعي الجماعي وينعشه على الصمود أمام أزمة الانهيار العظيم. من خلالها يعيد الإنسان المعاصر إنتاج المعنى وسط العبث، الفوضى، والخراب، وتضعه أمام سؤال: أي إنسان يريد أن يكون؟ ويقاوم عبر الكلمة والفن والخطاب عدوّاً لا يُرى ولكنه يحاصر الوجود من كل الجهات. لذلك، دور الثقافة والمثقفين في زمن الوباء، يتجاوز مجرد التوثيق أو التفسير، ليكون تدخلاً يعيد تشكيل الوعي الجماعي، فالثقافة تتحول إلى فعل مقاومة رمزية، تستنهض، وتعيد تشكيل الإنسان، وتعيد له مركزه حين ينزلق العالم نحو الفوضى غير الخلاقة واللانظام والعدم.
3- في روايتكم، يتجسد المثقف كضمير حي يتحمل مسؤولية اجتماعية عميقة؛ فهل هذا تمثيل لواقع قائم أم لصورة مثالية لما يجب أن يكون؟ وهل يعي المثقف المعاصر حقاً عبء الدور المنوط به، أم أنه تراجع عن موقعه التاريخي؟
تجسيد المثقف كضمير حي في الرواية، ليس مجرد انعكاس لواقع قائم، بل هو استثناء أو طرح لصورة معيارية لا يقاس عليها، أشبه بصرخة في الفراغ لما يجب أن يكون. إنه استحضار لدور غائب، أين كان المثقف في موقع الطليعة؛ يقرأ التحولات قبل حدوثها، ويقاوم الابتذال وسط الضجيج والقطيع المستثار، ويجترح أسئلة ضد التيار. لكن في واقعنا المعاصر، ثمة رِدة ملحوظة؛ كثير من المثقفين انسحبوا (طوعاً أو قسراً) إلى ردود الفعل، إما استلاباً وعجزا أو استغراقاً في نرجسيات الذات المجروحة.
هذا التراجع أو الإنزياح لا يلغي بالضرورة وجود نماذج مشعة، لكنها باتت عملة نادرة. السؤال الجوهري هنا ليس فقط: هل يعي المثقف عبء دوره؟ بل: هل ما زال المجتمع يمنحه شرعية هذا الدور؟ في زمن سيطرت فيه التفاهة، وسطحية مؤثري وسائل التواصل الإجتماعي، وتسليع وابتذال كل شيء، واختلطت فيه العملة الرديئة بالعملة الجيدة حتى تميّع المشهد الثقافي، يصبح دور المثقف أكثر تعقيداً، وأكثر حاجة إلى إعادة تعريف.
4- في الرواية تظهر نماذج متعددة للمثقفين، من مثقف السلطة إلى مثقف الشارع وغيرهم، ويبدو واضحًا التباين في مواقفهم وأدوارهم. كيف يعكس هذا التعدد واقع المثقف في المجتمع العربي اليوم؟ ولماذا يبدو المثقف في كثير من الأحيان بلا موقف خاص أو مستقل، وربما يفتقر إلى الحياد الحقيقي؟ وهل يُمكن اعتبار تنوع هذه الشخصيات دليلاً على أن المثقف لا يقتصر على الكاتب فقط، بل يشمل كل من يملك تأثيراً فكرياً أو رمزياً في المجتمع؟
التباين بين نماذج المثقفين في رواية "عدو غير مرئي" مقصود وغير مقصود في الوقت ذاته، لأنه يعكس شيء من التنافس أو الصراع، ونوع من المفارقة في المواقف، بين الاصطفاف مع الموقف الحر أو التموقع المنفعي المريح. جراء منظومة زبائنية متشابكة تجعل نمطا من المثقفين يجنحون بسلوكياتهم المعتلة نحو النجاة أو التمكين. أما مثقف الهامش، بانخراطه في عالم الناس يعيش قلق الأسئلة الوجودي. ليس شرطا أن يكون هذا المثقف بطلاً أو مخلصًا، بل أن يكون شاهدًا حرًا غير خاضع (لا للسلطة، ولا للمجتمع)، يسائل، يثير الشك حين يغيب الوعي، ومساهما في إنتاج المعنى.
الرواية لا تُدين أحداً بقدر ما تُظهر المسارات المختلفة والمتعارضة أحيانا التي يفرضها السياق القائم، في حين يقف كل مثقف أمام امتحان أخلاقي يحدد خياراته أو أي مسار سيختاره في النهاية: هل يختار الحقيقة وقد يعزل أو يهمش او يحطم، أو ينكل به، لكنه يكون أكثر صدقاً مع ذاته، أم يستكين ويخضع ويتواطأ كغيره داخل آلة المنظومة السائدة، وهذا يدخله في مأزق لا ينجيه منه لا التبرير ولا المكانة او الحظوة، لا شيء ينجيه أمام فقدانه انسانيته وموقفه.
5- في روايتك حضوراً لمثقفٍ مستقل في عزلة يراقب التغيرات والمدينة من نافذته بيته، ويحاول أن يصنع عالماً خاصاً به بدل السعي إلى تغيير مجتمع يضيق بالمبادرة الفردية. في ظل تراجع مستوى المحتوى الثقافي مقارنة بما يُنتج في الغرب، وتحوّل أغلب الأعمال إلى تسلية سطحية، هل ترى أن مثقف اليوم يكتب من موقع المتفرج؟ وما هي الإكراهات التي تمنع المثقف الحقيقي من لعب دور تغييري في المجتمع؟ وهل يكفي أن يغير المثقف نفسه، حين لا يملك سلطة التغيير؟
المثقف الذي يكتب من نافذته لا يتهرب من الفعل، أو من القيام بأدواره، بل يمارس نوعاً من التأمل الصامت، الرافض والمقاوم للوضع الراهن. في عالم صاخب ومُتخم بالتفاهة، تصبح العزلة أحياناً موقفاً أخلاقياً وملاذًا أخيرًا. هذا المثقف الحر المستقل ليس سلبيا أو مُستقيلًا من أدواره، بل استطاع ان يعيش مع وباء "كورونا" بطريقته الخاصة ويؤدي رسالته. الإكراهات حوله كثيرة: في العمل، في حياته الخاصة، البيئة الثقافية، بنية سياسية تُقصي، وذائقة الجمهور تلهث خلف السطح لا العمق، تطلب التسلية لا المعنى. في مثل هذا السياق المعتل، لا يملك المثقف أدوات التغيير الجماعي، فيلجأ إلى أضيق الجبهات: ذاته. إنه يبدأ بنفسه أولا وقبل كل شيء، يصنع عالمًا خاصًا به، لكنه حين يغير نفسه، لا يفعل ذلك عجزًا أو فراراً، بل تأسيساً. فصناعة النموذج الفردي قد تكون نواة أو جوهر لتغيير مؤجل، هادئ، لكنه أكثر صدقًا من خطابات مثقف السلطة. الكتابة هنا ليست تعبيراً، بل إنقاذ. إنه يبحث عن خلاصة الفردي اولا، ليقوده في ما بعد إلى الخلاص الجماعي.
6- في روايتكم " عدو غير مرئي"، تناولتم وسائل الإعلام والتلفزيون، خصوصًا في ظل فترة الحجر الصحي، حيث أشرتم إلى دورها في تكريس الرتابة وربما حتى الجهل داخل المجتمع. كيف ترون واقع الإعلام اليوم مقارنة بما يجب أن يكون عليه؟ وما مدى تأثير العلاقة بين المثقف ووسائل الإعلام والسلطة في هذا السياق؟ وهل ترون إمكانية لالتقاء هذا "الثالوث" – المثقف، السلطة، والإعلام – بشكل يساهم فعليًا في خدمة المجتمع وتنويره؟
التلفزيون في الرواية كان نافذة او الوسيلة التى يتواصل بها الانسان مع العالم، انتشار الوباء، أحداث الحجر وأخبار الموتى.. لكنه لم يكن على قدر المتوقع بل تحول إلى مجرد خلفية أو قناع، لا يُظهر الواقع بل يعيد انتاجه أو تشكيله على هواه، يشوِّه الوعي ويكرِّس الاستهلاك، الإلهاء، التكرار والفراغ. للأسف ترضخ وسائل الاعلام اليوم لسلطة رجال المال ورجال السياسة، وهذا التواطوء يجعلها في الغالب، تبتعد عن السؤال النقدي والرأي التنويري، ولا تخدم الحقيقة؛ إنها مجرد شاشة تساهم في تخدير العقل وتجميد التفكير وصناعة الزيف والبلاهة.
لا يمكن الحديث عن علاقة سوِّية بين المثقف، الإعلام، والسلطة، على المثقف أن يتحوَّل إلى مهرج وبوق وكائن مهادن ومطيع لا يخرج عن تأدية الأدوار المطلوبة منه على أكمل وجه، كتلميذ نجيب أو كخادم من درجة عبيد المنزل؛ فهناك مثقفون لا يغادرون بلاتوهات البرامج التلفزيونية ليستضيفهم برنامج آخر، وكل هذا الظهور في سبيل أن تراهم السلطة وترضى عنهم وتمنحهم في نهاية المطاف والتزلف والتملق منصب صغير يليق بطموحاتهم البسيطة والمحدودة، في حين هناك من يخرج عن السرب، لكنه يُهمَّش ويُحاصر ويُستنزف ويُخوّن ويُشوّه وينفى ويدفع الثمن باهضًا (وحيدا لا أحد يدافع عنه) لتأديبه وإخافة أو ترهيب كل من تسوّل له نفسه رفع وجهه وإبداء رأيه أو الخروج عن قواعد اللعبة. السلطة في الكثير من البلدان غير مستعدة لسماع صوت العقل، ويضيق صدرها من الأصوات المختلفة والمعارضة والمستقلة والمنافسة، في حين تلك الأصوات لا تهدم كما يروّج الإعلام والسياسي، بقدر ما تبني وتطور وتنتج المعنى وتخلق القيمة وتخدم المجتمع والإنسان.
7- في زمن تتسارع فيه وتيرة الحياة وتخنقنا أنماط الروتين، نجد أن المجتمعات غالباً ما تلجأ إلى أشكال استهلاك ثقافي سريعة وسطحية، قد تُلهي لكنها نادراً ما تُثري. برأيك، هل خذلتنا النماذج الثقافية والإعلامية في تقديم بدائل ترفيهية ذات قيمة؟ وكيف يمكن للمثقف أن يستعيد دوره في هذا المشهد المزدحم، ليحوّل الترفيه المنزلي من وسيلة للهروب إلى أداة لغرس المسؤولية وتوسيع أفق الوعي؟ وهل تعتقد أن هناك فجوة تتّسع بين ما يُنتج من محتوى عميق وما يُستهلك فعلياً من قبل الجمهور؟
يمكن لأي ملاحظ رؤية اقتراب أغلب النماذج الثقافية والإعلامية السائدة في المنطقة أو خارجها، من الإستهلاك المفرط والمظاهر الفارغة وما يثير الحواس والغرائز، في حين يلحظ نفورها من الثقافة والجوهر وما يقدم لمخاطبة الوعي وينتج لتنمية الروح. وهذا محبط جدًا ومخيب للآمال وبمثابة خذلان مما هو منتظر منها من دور تنويري لا يتقاطع أبدًا مع السقوط في هوة الترفيه الفارغ والتسليع المبتذل.لا يمكن اعفاء المثقف من مسؤولية الصمت أو محاولة الانسجام والتأقلم مع هذا المشهد المليء بالشعارات والمزدحم بالصخب والصراخ والسرعة وتجمييل القبح.
كيف نربي الذائقة على المحتوى العميق؟ وكيف يمكن صناعة جمهور ذواق؟ وكيف يمكن إعادة تشكيل صورة المثقف والاعلام ومراجعة أدواره وفق عصر جديد.
8- عرضت الرواية مشهد التعليم الجامعي كجزء من سياق اجتماعي أوسع يبدو مأزوماً، وإذا تأملنا الواقع نجد أن تدهور مستوى التعليم غالبًا ما يُشكل قاسمًا مشتركًا في اختلالات مثلث (السياسة، الاقتصاد، والمجتمع). فهل هي رسالة مفادها أن الجامعة، بدل أن تكون مصنع النخب، تحوّلت بدورها إلى جزء من الأزمة؟ وهل هذا العجز عن إنتاج وعي نقدي ومجتمعي يعكس فشلاً مؤسساتياً أم هو امتداد لمشكلة أعمق في البنية الثقافية نفسها؟
سؤال عميق يتجاوز حدود الرواية ليطرح مأزق الجامعة والتعليم، فبدل أن تكون الجامعة مصدرا للوعي ولابداع الحلول أصبحت جزءًا من أزمة عميقة ومركبة ومربكة أيضًا! الجامعة كمؤسسة، تعيش خللا وظيفيا وبنيويا في ذات الوقت، إذ تحولت إلى مجرد جهاز بيروقراطي يوزع الشهادات والمناصب والدرجات العلمية ويكافئ على الولاء لمنظومة الحكم المستمرة والممتدة في الزمان والمكان. يمكن إرجاع هذا التراجع أو النكوص الخطير إلى عجز أو عقم البنية المجتمعية والثقافية ككل، التي تقوم على التلقين والحفظ لا الخلق والإبتكار.
9-في رواية "عدو غير مرئي"، نماذج وعينات مختلفة من الترفيه، مثل السينما باعتبارها أحد أشكال الترفيه ذات الخلفية الثقافية والاقتصادية والفكرية. كيف ترون العلاقة بين الرواية عموما والسينما؟ وهل يمكن – من وجهة نظركم ككاتب – خلق مساحات مشتركة بينهما تساهم في تشكيل وعي الجمهور وفتح آفاق جديدة للترفيه الهادف؟
العلاقة بين الرواية والسينما لا تتجسد فقط في الانتقال من الكلمات إلى الصورة والحركة، يتقاطعان في استثارة الخيال والحلم واعادة تشكيل التجربة الانسانية، بينما تتعدد وتتباين الوسائط التي يعتمدانها في تحقيق ذلك. فضلا عن التفاعل العميق في سرد الحكاية، الغوص في اعماق وتفاصيل الشخصيات، وتحفيز السؤال الوجودي او القيمي أو الهوياتي. قد يخدمان بعضهما ويتبادلان المنافع؛ الرواية خزان بالموضوعات والمضامين العميقة، في حين السينما تنمي وتطور الرواية على مستوى الايقاع والرؤى البصرية، علاوة على ان تفاعلهما يسهم في صناعة الترفيه والمتعة ويعيد تشكيل الوعي وتغيير الرؤية إلى الذات والعالم.
10- يصدق على هذه الرواية ما قاله هنرى ميلر عن يوميات الكاتبة آناييس نين: "سوف تحتل موقعها إلى جانب اعترافات القديس أوغسطين، وبترونيوس، وأبيلار، وجان جاك روسو، ومارسيل بروست.."، لأسباب مختلفة لعل أهمها أنها من أول الأعمال الأدبية في المنطقة تعالج قضايا عالمية وإنسانية. لماذا برأيكم ما تزال الرواية العربية، في كثير من الأحيان، حبيسة الإطار المحلي؟ ألا ترون أننا بحاجة إلى روايات تحمل أفقًا إنسانيًا كونيًا وتخاطب العالم كما فعلتم في هذا العمل؟
الرواية العربية، لا تزال مسكونة بهاجس إثبات الذات، حبيسة المحلي، تكتب بدافع النجاة، أو من عقدة أو من جرح لم يلتئم بعد؛ لأن المجتمعات التي أنتجتها لم تُنهِ بعد صراعها مع أسئلة الانتماء والهوية والوجود. المشكلة تكمن في كيف يمكن لحكاية شديدة المحلية أن تصبح مرآة لقلق الإنسان في أي مكان؟ فالمحلي ليس عائقًا بحد ذاته، لكنه يصبح كذلك حين يتحول إلى غاية الكتابة لا وسيلة. بينما الرواية التي تنشغل بالجوهر الإنساني – بالتأمل، بالشك، بالقلق، بالخسارة، بالحب، بالخوف من الزمن – هي وحدها من تتجاوز الحاجز الجغرافي واللغوي والوهمي. ما نحتاجه، في رأيي، ليس أن نحكي عن أنفسنا، أو التخلي عن المحلي، بل تجاوزه نحو الأعمق؛ أن نكتب من داخل تجاربنا، لا عنها فقط، أن نرى في الألم المحلي الخاص صورة لوجع كوني كلي، وأن ننصت لما يجعل من الإنسان إنسانًا، لأن الحقيقة الأعمق لا تُقال باسم القبيلة، بل باسم الإنسان. هناك، في هذا الالتقاء، يتجلى الأدب العظيم.
https://www.alriwaya.net/post/interviews/hoar-maa-alroay-algzary-bomdyn-blkbyr-aandma-tthol-alaob-l-mra-llthkaf-oalsyas-oalroh