05/06/2025
رهين الجن
في حارة شعبية هادية، كانت عايشة أمل، ست بسيطة، متجوزة وراجلها على قد حاله، وعندهم طفل اسمه آدم… طفل جميل، ضحوك، بس عنيد شوية وشقي.
كانت بتحبه حب مالوش حدود، بس زي أي أم، ساعات الغضب بيغلبها…
وفي يوم من الأيام، حصل اللي ما كانش يتحسب له حساب.
آدم كان بيجري وراها في الشقة، ماسك لعبته، يزن ويضحك، وهي مش قادرة تستحمل الصوت ولا الحركة… ضغط الحياة كتم على نفسها.
صرخت فيه، وبغضب دفعت الولد جوا الحمّام وقفلت الباب عليه بالمفتاح.
بدأ آدم يصرخ، ويعيط، وينادي:
– "ماماااااااااااااااااااااا!"
بس الأم، في لحظة عناد، سابت الباب مقفول.
عدت شوية دقايق، والصوت اختفى.
ولما فتحت…
ماكانش في غير هدومه على الأرض…
آدم اختفى…
كأنه عمره ما دخل.
الحمّام مفيهوش شباك، ولا أي مخرج.
قلبوا البيت، قلبوا الدنيا… بلغوا الشرطة… مفيش أثر.
ومن يومها…
أمل ما بقتش أمل.
كل يوم تبكي، كل ليلة تنام قدام باب الحمّام، وكل يوم تقول:
– "أنا اللي ضيّعت ابني… بإيدي."
سنين عدّت.
عشر سنين، وهي عايشة نص إنسانة…
كل المناسبات تمرّ وهي قاعدة لوحدها، ماسكة هدومه القديمة، وتبص في المراية اللي في الحمّام وتهمس:
– "يا ترى شايفني؟ يا ترى زعلان مني؟"
وليلة شتا، بعد عشر سنين بالتمام…
وهي قاعدة في الصالة، النور قطع فجأة.
ولمّا النور رجع…
لقىته واقف قدامها.
آدم.
نفس الوش، بس كأنه أكبر شوية، عنيه فيها نور غريب… ومش بيبتسم.
وقفت من مكانها، مش مصدّقة، وقالت:
– "آآآآدم؟!"
رد عليها بصوت هادي:
– "أنا جيت أطمنك يا ماما… بس مش هرجع."
حضنته وهي بتعيط زي الطفل، وقالت:
– "فينك؟! كنت فين؟! أنا بموت كل يوم من يوم ما روحت!"
بص لها، وقال:
– "أنا ما ضعتش يا ماما… أنا روحت للمكان اللي كنت مقدَّر لي من أول لحظة أتنفس فيها."
قالتله:
– "يعني أنا السبب؟! أنا اللي رميتك في العالم ده؟"
هز راسه وقال:
– "لا يا ماما… دي مش غلطتك. حتى لو ما كنتيش قفلتِ الباب، كنت هاروح… ده نصيبي."
سكت لحظة، وبعدين قال:
– "العالم اللي رحتله… مش زي هنا. هناك مفيش وقت، مفيش حزن، بس كنت سامعك… كل ليلة، كل دمعة، كل كلمة ندم."
ومد إيده، مسح دمعتها، وقال:
– "أنا كويس… بس إنتي لازم تسامحي نفسك… عشان أقدر أرتاح."
وبعدين…
النور قطع تاني.
ولما رجع…
ماكانش فيه حد.
بس في المراية اللي في الحمّام…
كان فيه بخار، مكتوب عليه بخط صغير:
"أنا كويس… بحبك."
ومن يومها، أمل رجعت تضحك… بس مش كتير.
بقت كل ما تبص في المراية، تقول:
– "أنا مسامحة… ومستنياك دايمًا يا آدم."
لكن آدم…
كان مجرد زائر من بين المرايات…
ظهر علشان يطمن… واختفى.