01/10/2025
بعد اجتياح التتار لدمشق واستيلائهم عليها في عام 699 هـ (1299 م)، عمّ الخوف واليأس نفوس الناس.
في هذا الوقت العصيب، اتخذ شيخ الإسلام تقي الدين أحمد ابن تيمية موقفًا بطوليًا قل نظيره.
ذهب ابن تيمية ومعه وفد من الأعيان والعلماء لمقابلة غازان خان، ملك التتار، في قصره الذي اتخذه مقرًا له بدمشق.
كان هدف الوفد محاولة تخفيف وطأة حكم التتار على المدينة، وربما طلب العفو عن الأسرى والنفوس التي كانت تحت خطر القـ ـتل.
عندما دخلوا على غازان، كان معظم أفراد الوفد يتحدثون إليه بحذر شديد وربما بتذلل يليق بملك منتصر.
ولكن ابن تيمية كان مختلفًا تمامًا. جلس واثقًا، وبدأ يتحدث إلى غازان بلهجة فيها اعتزاز وعزة وقوة، وكأنه هو الآمر الناهي وليس ملك التتار الجبار.
ماذا قال ابن تيمية لغازان؟
يُروى أنه قال لغازان كلامًا شديدًا جريئًا، ذكّره فيه بعهوده التي قطعها على نفسه بعدم قـ ـتل المسلمين أو سبيهم، ووبخه على نقض تلك العهود.
ومما قاله له:
"أنت تزعم أنك مسلم، ومعك قاضٍ وإمام ومؤذن وشيخ، فكيف تقاتل المسلمين؟"
"لماذا تعد وتخلف؟ أليس هذا مما نهى الله عنه ورسوله؟"
وتذكر الروايات أنه قال له: "أنت لست كـ (ابن جنكيز خان - جده)، الذي اعتدى على المسلمين ولم يكن يدعي الإسلام،
أما أنت فتزعم أنك مسلم، ومع ذلك تفعل بالمسلمين ما لم يفعله جنكيز خان بأسلافهم."
ولم يكتف بذلك، بل طلب منه الإفراج عن الأسرى والسبي، وتوعده بأن الله سينتقم منه إذا لم يلتزم بالعدل.
رد فعل غازان والتتار:
اشتد غضب غازان من كلام ابن تيمية. كان الموقف خطيرًا جدًا، حيث أن أي كلمة قوية من عالم دين كان يمكن أن تكلفه حياته. حاول بعض الحضور من الوفد تهدئة ابن تيمية خوفًا عليه، لكنه لم يتوقف.
أحد قادة التتار أشار على غازان بقتل ابن تيمية، لكن غازان كان قد تأثر بقوة حجته وصدقه، أو ربما أدرك مكانة ابن تيمية في نفوس المسلمين، فلم يقدم على قتله. بل يقال إنه قال: "والله ما رأيت مثله، ولا أجرأ منه."
هذا الموقف صار رمزًا للشجاعة الفائقة والغيرة على الدين، ويُذكر كمثال على كيفية مواجهة العلماء للسلطان الجائر بالكلمة الصادقة.