06/07/2025
في صيف عام 1967، بينما كانت إسر..ائيل تحتفل بانتصارها في حرب الأيام الستة، كانت طوابير المهاجرين تتدفق ، المؤمنين بوعود الدعاية الص,.هيونية التي رسمت لهم صورة جنة الله على الأرض. في مطار تل.. أبيب، كان رجال الأ.من يفحصون أوراق الوافدين بعناية فائقة، يتأكدون من هوياتهم وجنسياتهم. ومن بين هؤلاء، برز شاب نحيل، شاحب الوجه، يرتدي ملابس رثة ويحمل حقيبة بالية. اسمه، كما ورد في أوراقه، "دافي كرينهال"، مها.جر سو.فييتي لم يلفت انتباه الحر.اس. بدا كمن لا يملك شيئًا يُذكر، سوى قصة حزينة وأملٍ هشّ بالحياة الجديدة.
بداية القصة: المهاجر الغامض
استقر دافي في إحدى مزارع "الكيبو.تس"، حيث يُرسل المها.جرون الجدد الذين لا يمتلكون مهارات بارزة ليعملوا في الزراعة حتى يُتاح لهم فرصة أفضل – وهي فرصة نادرًا ما تأتي. في تلك المزرعة، بدأ دافي يروي قصته لزملائه: يهو.دي سو.فييتي فقد والده في سن الحادية عشرة عندما ا.عتقله الحز.ب الشيو.عي، ثم تو.فيت والدته، فهر.ب مع رجل يوغوسلافي إلى تركيا، ومن هناك ركب سفينة متجهة إلى إسر..ائيل، حاملًا أحلامًا بمستقبل مشرق. كانت قصته مؤثرة، ومظهره الهزيل وملابسه البالية جعلت الجميع يتعاطفون معه. لم يكن يملك مهارة واضحة، ولا موهبة تؤهله للبقاء في مجتمع صلب كإسر..ائيل. لكنه، كما سيتبين لاحقًا، كان يملك شيئًا أكثر خطورة.
النبوءة الأولى: صدمة راشيل
في إحدى الليالي، بينما كان دافي يجلس مع زملائه في المزرعة، يتبادل الحديث مع جارته الشابة الجميلة راشيل وأمها العجوز إستر، حدث شيء غريب. زاغ بصر دافي فجأة، وتغيرت ملامحه، وخرج صوته عميقًا وكأنه من عالم آخر:
"لقد أخطأ يارون بلونسكي كثيرًا عندما رفض الاعتراف بما فعل. شعر بالخزي والندم، وقرر أن يدفع الثمن... وسيدفع قريبًا!"
تجمدت راشيل وإستر في مكانهما. يارون بلونسكي! الاسم الذي كانا يأملان أن يظل مدفونًا في الماضي. كان يارون ع.شيق راشيل في بغداد، ارتبطا بقصة حب تحولت إلى علا.قة غير. مشروعة، أثمرت عن حملٍ أنكره يارون تمامًا، ثم فرّ من العراق إلى وجهة مجهولة. أسرة راشيل بذلت جهدًا كبيرًا لإخفاء هذا السر، فكيف عرفه هذا المها.جر السو.فييتي الغريب؟ قبل أن يتمكنا من استجوابه، أغمي على دافي وسط ذهول الجميع.
عندما أفاق، نفى أن يكون قد قال شيئًا، مد.عيًا أنه لا يتذكر شيئًا. كاد الأمر ينتهي عند هذا الحد، لولا أن راشيل تلقت، بعد أسبوع، رسالة من أوروبا تحمل شيكًا بمبلغ ضخم، موقعًا باسم يارون بلونسكي، مع عبارة مكتوبة بخط يده: "تقبلي اعتذاري". كانت الصدمة كبيرة، والفرحة أكبر. انتشرت قصة "نبوءة دافي" في المزرعة، وتحول الشاب الهزيل إلى لغز يثير الفضول.
النبوءة الثانية: المحراث المكسور
في سهرة أخرى، عاد دافي ليذهل الجميع. زاغ بصره مرة أخرى، وقال بنبرة غامضة: "خسارة أن يتلف محراث جميل كهذا!" عندما عاد إلى وعيه، أنكر كعادته أن يكون قد قال شيئًا. سخر الشباب منه، وبحثوا عن المحاريث في المزرعة، وكلها كانت بحالة ممتازة. لكن في اليوم التالي، انكسر المحراث الرئيسي دون سبب واضح، فتحولت السخرية إلى ذهول. انتشرت شهرة دافي كـ"عراف" في المزارع المجاورة، وبدأ الناس يتوافدون إليه، يطلبون منه تنبؤات عن مستقبلهم. كان دافي يرفض دائمًا، لكنه في لحظات غامضة، كان يدخل في حالة الشرود تلك ويلقي بنبوءات تتعلق بماضي أو مستقبل الحاضرين، مما عزز إيمان الجميع بأن لديه موهبة خارقة لا يتحكم فيها.
الدعوة إلى تل أبيب
لم يمض وقت طويل حتى وصلت شهرة دافي إلى أسماع النخبة في تل.. أبيب. في يوم مشمس، زاره رجل ببدلة رسمية، وطلب منه الاستعداد للسفر إلى العاصمة. في السيارة الفارهة التي أقلته، جلس دافي يفكر في بداية هذه القصة. في الوقت نفسه، على بُعد مئات الأميال في قلب القاهرة، اندفع مسئول الش.فرة إلى مكتب رجل المخا.برات المصرية ، وهو يقول: "لقد ابتلعوا الطعم! استدعوه إلى تل ..أبيب!"
الحقيقة: اشرف فؤ اد الطحان
دافي كرينهال لم يكن سوى اشرف فؤاد الطحان، شاب مصري من أم أوكرانية وأب مصري. نشأ يتيمًا بعد وفاة والده في حادث أليم قبل ولادته بيوم، وعاش طفولته بين مصر وأوكرانيا، متقنًا اللغتين والثقافتين. بعد وفاة والدته، حاول جده الأوكراني إبعاده عن مصر، لكنه هرب عائدًا إلى الإسكندرية، ليجد منزل عائلته قد انهار، مدفنًا الجميع عدا ابنة عمه وفاء، التي اختفت. انتهى به المطاف متسولًا، حتى التقطته المخا.برات المصرية، التي رأت في ملامحه الغريبة وذكائه الخارق فرصة ذهبية.
كانت الخطة العبقرية: تحويل اشرف إلى "دافي كرينهال"، المها..جر السو.فييتي الذي يتسلل إلى إسرا..ئيل كجا..سوس تحت غطاء "العراف". استغلت المخا.برات مظهره الهزيل وذكاءه لخلق شخصية مقنعة، مدعومة بشبكة من العملاء لتزويده بالمعلومات التي تجعل نبوءاته تبدو حقيقية. نبوءة يارون بلونسكي؟ كانت عملية معقدة نفذتها المخا.برات للعثور على يارون وإجباره على إرسال الشيك. المحراث المكسور؟ دبرها عميل آخر في المزرعة. كل خطوة كانت محسوبة بدقة.
في قلب النخبة
في تل.. أبيب، استقبلت دافي زوجة الجنر.ال كوهين، إحدى سيدات المجتمع الراقي، التي أرادت استغلال شهرته في حفلاتها. في إحدى الليالي، وبينما كان يجلس وسط زوجات الجنرا..لات، دخل دافي في حالة الشرود، وألقى نبوءة عن زوجة سكر.تير وزير الصناعة، كاشفًا أسرارًا من ماضيها، ومحذرًا من خطر يهدد زوجها. في اليوم التالي، انفجرت فضي.حة فسا.د تورط فيها السكرتير، لتصبح دافي نجم المجتمع الإسر..ائيلي. لم يكن أحد يعلم أن المخا..برات المصرية هي من زودته بالو ثائق التي أدت إلى هذا الانكشاف.
تحول دافي إلى "العراف الرسمي" لجنر.الات إسر..ائيل، يتنقل بين منازلهم بحرية، يستمع إلى أحاديثهم السرية، وينقل المعلومات إلى القاهرة عبر شبكة مخا.براتية محكمة. حتى عندما حقق معه المو.ساد، نجح في خداع جهاز كشف الكذ.ب، بفضل تدريبه الدقيق. لست سنوات، من 1968 إلى 1973، عاش دافي كـ"الرجل الخفي"، يجمع المعلومات من قلب النخبة الإسرا..ئيلية.
المهمة الكبرى: خط با.رليف
في عام 1972، تلقى دافي رسالة شفر.ية من المخا.برات المصرية تطلب منه تنفيذ مهمة مستحيلة: التسلل إلى خط با.رليف، أقوى خط دفا.عي عسكر.ي في التاريخ. في إحدى الليالي، وبينما كان الجنر.ال كوهين يتحدث عن تحديات قيا.دته للخط، فاجأه دافي بسؤال: "كيف يبدو خط بارليف من الداخل؟" ثم دخل في حالة الشرود، وقال: "الجنرال كوهين... خط بارليف... التاريخ!" اقتنعت زوجة الجنرال، المتعطشة للشهرة، أن دافي ينبئ بمستقبل عظيم لزوجها، وأقنعته بأخذ دافي إلى الخط.
في مارس 1973، دخل دافي خط بارليف مرتديًا سترة بأزرار لامعة، تخفي بداخلها كاميرا دقيقة. تجول بحرية مع الجنرال، التقط صورًا لكل زاوية من التحصينات، وسلم الميكروفيلم لعميل آخر، ليصل إلى القاهرة. بناءً على هذه الصور، بنى الج.يش المصري نموذجًا ثلاثي الأبعاد للخط، وأعد نقاطًا مطابقة لتدريب قو.ات الصا.عقة والكو.ماندوز.
النهاية: العودة إلى مصر
في 1973، تلقى دافي أمرًا بمغادرة إسر.ائيل فورًا. في ليلة دراماتيكية، التقطته سيارة إلى مطار بن جور.يون، حيث ركب طائرة متجهة إلى روما ضمن وفد سياحي. هناك، التقى ظبا.ط ، الذي اصطحبه إلى القاهرة. بعد أسبوع، اندلعت حر.ب أكتوبر، وأدرك اشرف أن المخا.برات أخرجته خوفًا من انكشافه بعد الحر.ب.
في القاهرة، عاد اشرف فؤاد الطحان إلى اسمه الحقيقي. استقبلته المخا.برات بتكريم عظيم: راتب السنوات الست، شقة فاخرة، سيارة، ووظيفة مرموقة. والأهم، وجدوا له وفاء، ابنة عمه وحب عمره، التي اختفت بعد انهيار منزل عائلته.
قصة اشرف فؤاد الطحان، أو دافي كرينهال، ليست مجرد قصة جا..سوس. إنها حكاية ذكاء خارق، وتضح ية صامتة، وولاء لا يتزعزع للوطن. في قلب إسر..ائيل، عاش كظل، يجمع المعلومات التي غيرت مجرى التاريخ. وبينما كان الجنر..الات يحتفلون بانتصا..راتهم، كان اشرف ينسج أعظم انتصار لمصر، بموهبته، شجاعته، وقلبه المصري النابض. #مصر #شخصيات #تاريخ #تراث #ترامب #أمريكا #اثيوبيا