08/06/2025
الفرصة الحقيقية والبصيرة النورانية بين العبادة والالتزام
يعتقد بعض الناس أن من يُطلق عليه "الشخص الزهري" يتمتع بصفات خارقة، كالقدرة على رؤية الجن والتعامل معهم، أو امتلاك بصيرة استثنائية تميزه عن الآخرين. لكن هذه الاعتقادات مبالغ فيها وغير مستندة إلى أسس شرعية، بل إنها فتحت بابًا للبعض للدخول في أعمال السحر والدجل والشعوذة، زاعمين أنهم يتمتعون بقدرات فريدة.
البصيرة الحقيقية والمعية الإلهية
إن البصيرة الحقيقية ليست في تعامل مع أمور غيبية مبنية على الخرافة أو الادعاء، بل في الدخول إلى معية الله وحفظه من خلال العبادة الخالصة والالتزام بتعاليم الدين وحفظ الجوارح عن المعاصي. فالقلب النقي والعقل السليم هما منارات الإنسان في طريقه إلى الله، وليس ادعاء التميز بصفات غامضة كـ"الزهرية".
العبادة سبيل إلى النورانية
لقد بيّن الإسلام الطريق الواضح للوصول إلى محبة الله ونيل البصيرة النورانية، وذلك بالاجتهاد في العبادة والتقرب إلى الله بالنوافل. يقول النبي ﷺ في الحديث القدسي:
"وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه" (رواه البخاري).
شرح الحديث القدسي
يوضح هذا الحديث القدسي كيف أن العبد الذي يلتزم بالفرائض ويتقرب إلى الله بالنوافل يصبح قريبًا من الله، حتى يصل إلى مرحلة من المحبة الإلهية التي تتجلى في عناية الله به في كل شؤونه. فعندما يحبه الله، يوفقه في استخدام سمعه وبصره وجوارحه في طاعته ورضاه، ويمنحه البصيرة التي تضيء قلبه، فيرى الحق حقًا والباطل باطلًا.
الحذر من الخرافات والانحرافات
إن الاتكال على مفاهيم خاطئة كـ"الزهرية" ليس إلا انحرافًا عن الطريق المستقيم. فقد وقع البعض في فخ الغرور وظنوا أنهم متفردون، بل زعم بعضهم أنهم وصلوا إلى مراحل تعادل الألوهية – والعياذ بالله – مستغلين ضعف العقول واحتياج الناس للجوء إلى المجهول.
العبد النوراني الحقيقي
العبد الذي يستحق وصف "نوراني" هو من يعبد الله بإخلاص، ويحفظ جوارحه من الحرام، ويتزود بالنوافل والذكر، فيعيش في كنف الله وحفظه. يقول الله تعالى:
"وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" [الذاريات: 56].
الخاتمة
إن الطريق إلى الله ليس بالادعاءات أو الخرافات، بل بالعمل الصالح والعبادة. فليكن هدفنا أن نصبح عبادًا لله خالصين، نستظل بمعيته ورعايته، وننأى بأنفسنا عن الخرافات التي تجرنا إلى الانحراف عن الدين القويم.