16/11/2025
صباح الخير.. اليوم قادتني الأقدار أن أركب ميكروباص في ذلك الصباح الكئيب.
وقفت في الموقف أراقب المشهد وكأنه مشهد من فيلم كوميدي : الناس مصطفون في طابور غير موجود، كل منهم يحاول أن يبدو متماسكا، لكن العيون تتوثب كثعلب ماكر بانتظار الفريسة... الميكروباص.
ثم ظهر البطل.
دخل السائق الموقف في موكب مهيب، يمسك بالدركسيون كأنه صولجان، ويقود عربته بخطوات واثقة، يرمق الواقفين بنظرة المنتصر.
فجأة، انطلقت الجموع نحوه تجري وتدفع وتتشابك، وهو — بكل خبث ولذة ظاهرة — يزيد من سرعته، كأنه يستمتع بهذا المشهد الذي يشعره بأنه مرغوب.
وقف يراقبنا باستعلاء وابتسامة خفيفة، كأنه يقول في سره: من منكم يستحق شرف الركوب معي؟
تقدمت بخطوات جريئة نحو الكرسي الأمامي، حلم كل ركاب الميكروباص الطموحين.
لكن قبل أن ألمس المقبض، رفع السائق يده في هدوء من يعرف قدر سلطته، وقال:
"محجوز يا باشا."
تلفت حولي، لم أجد أحدًا. قلت في نفسي: ربما الحجز عبر الإنترنت!
جلست في الخلف، متأملًا، حتى جاءت الإجابة تمشي على قدمين… فتاة.
ابتسم السائق ابتسامة لم أر مثلها حتى في حفلات الخطوبة، وقال بنغمة ملساء:
"تفضلي يا أستاذة، تعالي قدام."
مد يده إلى الكاسيت فاشتغل بهاء سلطان فورًا، يغني بحزن ملوكي:
والسائق يهز رأسه في انفعال صادق، وكأنه يعيش قصة حب لا يعرف عنها الركاب شيئًا.
أراقبه في المراية: يتصنّع الرجولة حين تنظر إليه الفتاة، ثم لمحت الورقة أمامه: "ممنوع التدخين."
لم تمر دقيقة حتى أشعل سيجارته، ونفث الدخان بثقة من يخالف القانون بإذن سماوي، بينما نحن نختنق في الصمت.
نقلا من صفحة الأستاذ محمد عبد الجيد