24/06/2025
المطور يقول
وُلدنا لنطور العالم ونغيره ...دفعة العظماء دفعة 2003
بقلم-المطور عبدالحميد ماهر الحمايدى
في لحظة لم تكن عابرة من الزمن وتحديدًا مع بداية عام 2003، كان العالم يستعد لمرحلة جديدة من التحولات الجذرية، بينما كان عشرات الآلاف من الآباء والأمهات في مصر يتوافدون على المستشفيات لتسجيل مواليدهم الجدد طوال ذلك العام ، لم تكن ولادتنا مجرد حدث طبيعي في حياة أسرنا بل كانت بداية لمرحلة غيرت وطورت وجه العالم، وغيّرتنا نحن أيضًا.
جاء مولد دفعتنا متزامنًا مع مشهد عالمي متوتر لنكن جيلٌ ولد وسط الحروب والتكنولوجيا والازمات، حيث أبرز ملامحه اندلاع حرب العراق والربيع العربي اللذين شكّلوا بداية لحقبة جديدة من الصراعات الإقليمية، إلى جانب انطلاقة الثورة الرقمية التي لم يكن أحد يتصور حينها أنها ستعيد تشكيل البشرية، ففي عام 2003 ظهر "فيسبوك" وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي التي تزامنت مع ذلك التاريخ، ليبدأ عصر وسائل التواصل الاجتماعي التي غيرت طريقة التفكير، ونمط العلاقات، وتدفق المعلومات وما ادراكم المعلومات.
كَبُرنا مع تطور هذه المنصات، وصرنا أول جيل يتلقى معارفه من الشاشة أكثر من السبورة، ومن المحادثات الرقمية أكثر من الأحاديث العائلية.
حين خطونا أولى خطواتنا في التعليم، لم يكن الطريق ممهدًا. اجتاحت مصر موجات من الأوبئة مثل إنفلونزا الطيور وإنفلونزا الخنازير، فأصبح التقسيم الأسبوعي للدراسة فرضًا لا خيارًا، حيث حُددت أيام الدراسة بناءً على الأحرف الأبجدية لأسماء الطلاب تقليص الحضور، والتباعد داخل الفصول، والقلق الدائم من العدوى، كان هو واقعنا المبكر مع التعليم.
وفي المرحلة الإعدادية، صدر قرار إلغاء درجات أعمال السنة، لينتقل مركز الثقل التعليمي من يد المعلم إلى الورقة الامتحانية، مما أثّر على العلاقة التربوية داخل الفصل الدراسي، ورسّخ لدى الطالب شعورًا بعدم الحاجة للتفاعل المعلم بل وعدم التزام بعض الطلاب بتعليماتهم بل ووصل البعض الي عدم احترامهم وانا اقول البعض وليس الكل إلا في أيام الامتحانات.
وفي عام 2018، عند دخولنا المرحلة الثانوية، صارت دفعتنا علامة فارقة في سجل التطوير، فأطلق علينا "دفعة التابلت"، إذ أطلقت وزارة التربية والتعليم نظامًا جديدًا اعتمد على التعليم الإلكتروني، وإلغاء الكتب الورقية، والاعتماد على امتحانات بنظام الكتاب المفتوح (Open Book Exam)، والغاء نمط امتحان البوكلت وتطبيق نمط امتحان البابل شيت واستبدال السبورات التقليدية بسبورات الالكترونية ذكية، وايضا بدون أعمال سنة، في تجربة هي الأولى من نوعها في مصر.
لكن التحول لم يكن سلسًا، فسرعان ما جاء فيروس سي في بداية تلك المرحلة ليبعث القلق في المجتمع المصري باكمله ولم نلبس حتي جاء الكابوس المرعب علي العالم باثره اذ ضرب العالم فيروس جديد قاتل اطلق عليه فيروس كورونا المستجد (COVID-19) ليزيد الوضع تعقيدًا، ويغلق المدارس والجامعات، ويدخل التعليم المصري إلى دوامة من التجريب بين التعليم عن بُعد والمنصات المتعددة، في ظل بنية تحتية لم تكن جاهزة بعد.
مع انتهاء الثانوية، بدأنا مرحلة جديدة في الجامعات، وتحديدًا في جامعة المنيا التي أعلنت بالتزامن مع دخولنا عن إلغاء الكتب الورقية رسميًا، وبدء تطبيق نظام منصات المقررات الدراسية الإلكتروني. وتحولت الجامعة إلى بيئة رقمية تعتمد على رفع المقررات عبر المنصة، في خطوة نحو تحقيق أهداف رؤية مصر 2030 التي تتبنّى الرقمنة كأحد محاور تطوير التعليم.
وكأن الأقدار أرادت ألا تمرّ دفعتنا بأي مرحلة هادئة .اذ لم يلبس ان يتعافي العالم من ذلك الفايروس حتي اندلعت حرب رجت الاقتصاد ليتعاظم معدل التضخم الاقتصادي في العالم كله حرب روسيا علي اوكرانيا وكان لمصر النصيب الاكبر من تاثير تلك الحرب علي اقتصادها، واذ بها لم تستقر علي نصر او هزيمة واشتعلت حرب في قطاع غزة عبر عملية "طوفان الأقصى"، وبداية قصف الاحتلال علي القطاع، ومع اقتراب موعد تخرجنا وتجنيدنا نحن شباب دفعتنا بالقوات المسلحة المصرية لاداء الخدمة العسكرية، اشتعلت المنطقة أكثر مع انخراط إيران في الصراع، لتظل دفعتنا شاهدة على أكبر وأعقد سلسلة من الأزمات السياسية، والاقتصادية، والإنسانية في المنطقة.
نحن أبناء عام 2003... دفعة التابلت، وجيل الوباء، والحرب، والتحول الرقمي. لم تُمهَّد لنا الطرق، ولم نكن يومًا دفعة مرفّهة. نحن الدفعة التي عاشت كل التجارب، وسقطت وقامت، واختُبرت في كل شيء.
وها نحن، نغادر مقاعد الدراسة اليوم، وننظر خلفنا بفخر، لا لأن الطريق كان سهلاً، بل لأننا مررنا به وصمدنا. نحن الجيل الذي ولد مع الفوضى، لكنه يتخرج الآن ليصنع النظام.
فلعلّ الدفعات القادمة تتعلم منّا، ولعلّ صمودنا يكون هو أول درس نمنحه لهذا العالم.