24/08/2025
عن عكرمة بن خالد عن ابن عمر ، عن النبي صلي الله عليه وسلم قال : بني الإسلام على خمس : شهادة ألا إله إلا الله ، و أن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والحج ، وصوم رمضان . وهذا الحديث دل على أن الإسلام مبني على خمس أركان ، وهذا يدل على أن البخاري يرى أن الإيمان والإسلام مترادفان . ومعنى قوله صلي الله عليه وسلم بني الإسلام على خمس : أن الإسلام مثله كبنيان ، وهذه الخمس : دعائم البنيان وأركانه التي يثبت عليها البنيان . وقد روي في لفظ : بني الإسلام على خمس دعائم . خرجه محمد بن نصر المروزي ( ). وإذا كانت هذه دعائم البنيان وأركانه ، فبقية خصال الإسلام كبقية البنيان، فإذا فقد شيء من بقية الخصال الداخلة في مسمى الإسلام الواجب نقص البنيان ولم يسقط بفقده . وأما هذه الخمس ، فإذا زالت كلها سقط البنيان ولم يثبت بعد زوالها وكذلك (إن ) ( ) زال منها الركن الأعظم وهو الشهادتان ، وزوالهما يكون بالإتيان بما يضادهما ولا يجتمع معهما . وأما زوال الأربع البواقي : فاختلف العلماء هل يزول الاسم بزوالها أو بزوال واحد منها؟ أم لا يزول بذلك ؟ أم يفرق بين الصلاة وغيرها فيزول بترك الصلاة دون غيرها ؟ أم يختص زوال الإسلام بترك الصلاة والزكاة خاصة . وفي ذلمك اختلاف مشهور ، وهذه الأقوال كلها محكية عن الإمام أحمد ( ) وكثير من علماء أهل الحديث يرى تكفير تارك الصلاة . وحكاه إسحاق بن راهويه ( ) إجماعا منهم حتى إنه جعل قول من قال : لا يكفر بترك هذه الأركان مع الإقرار بها من أقوال المرجئة . وكذلك قال سفيان بن عيينه : المرجئة سموا ترك الفرائض ذنبا بمنزلة ركوب المحارم ، وليسا سواء ، لأن ركوب المحارم متعمدا من غير استحلال : معصية ، وترك الفرائض من غير جهل ولا عذر : هو كفر . وبيان ذلك في أمر آدم وإبليس وعلماء اليهود الذين أقروا ببعث النبي صلي الله عليه وسلم ولم يعملوا بشرائعه . وروي عن عطاء ونافع مولى ابن عمر أنهما سئلا عمن قال : الصلاة فريضة ولا أصلي ، فقالا : هو كافر . وكذا قال الإمام أحمد . ونقل حرب عن إسحاق قال : غلت المرجئة حتى صار من قولهم : إن قوما يقولون : من ترك الصلوات المكتوبات وصوم رمضان والزكاة والحج وعامة الفرائض من غير جحود لها لا نكفره ، يرجى أمره إلى الله بعد ، إذ هو مقر ، فهؤلاء الذين لا شك فيهم – يعني في أنهم مرجئة . وظاهر هذا : أنه يكفر بترك هذه الفرائض . وروى يعقوب الأشعري ، عن ليث ، عن سعيد بن جبير قال : من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر ، ومن أفطر يوما في رمضان (179-ب/ف ) فقد كفر ، ومن ترك الحج متعمدا فقد كفر ، ومن ترك الزكاة متعمدا فقد كفر( ). ويروى عن الحكم بن عتيبة نحوه ، وحكى رواية عن أحمد – اختارها أبو بكر من أصحابه -، وعن عبد الملك بن حبيب المالكي مثله ، وهو قول أبي بكر الحميدي ( ). وروي عن ابن عباس التكفير ببعض هذه الأركان دون بعض ، فروى مؤمل ، عن حماد بن زيد ، عن عمرو بن مالك النكري ، عن أبي الجوزاء ، عن ابن عباس – ولا أحسبه إلا رفعه – قال : عرى الإسلام وقواعد الدين ثلاثة عليهن أسس الإسلام : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، و إقام الصلاة ، وصوم رمضان ، من ترك منها واحدة فهو بها كافر حلال الدم ، وتجده كثير المال لم يحج فلا يزال بذلك كافرا ولا يحل دمه ، وتجده كثير المال لا يزكي فلا يزال بذلك كافرا ولا يحل دمه ( ) . ورواه قتيبة عن حماد بن زيد فوقفه واختصره ولم يتمه . ورواه سعيد بن زيد – أخو حماد – عن عمرو بن مالك ورفعه ، وقال : من ترك منهن واحدة فهو بالله كافر ، ولا يقبل منه صرف ولا عدل وقد حل دمه وماله ولم يزد على ذلك .
والأظهر : وقفه على ابن عباس ، فقد جعل ابن عباس ترك هذه الأركان كفرا ، لكن بعضها كفرا يبيح الدم وبعضها لا يبيحه ، وهذا يدل على أن الكفر بعضه ينقل عن الملة وبعضه لا ينقل .
وأكثر أهل الحديث على أن ترك الصلاة كفر دون غيرها من الأركان كذلك حكاه محمد بن نصر المروزي ( ) وغيره عنهم . وممن قال بذلك : ابن المبارك ، وأحمد – في المشهور عنه - ، وإسحاق ، وحكى عليه إجماع أهل العلم – كما سبق – وقال أيوب : ترك الصلاة كفر لا يختلف فيه . وقال عبد الله بن شقيق : كان أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة .
خرجه الترمذي ( ) .
وقد روي عن علي وسعد وابن مسعود وغيرهم قالوا : من ترك الصلاة فقد كفر . وقال عمر : لاحظ في الإسلام لمن ترك الصلاة ( ) .
وفي صحيح مسلم عن جابر عن النبي صلي الله عليه وسلم قال بين الرجل وبين الشرك والكفر : ترك الصلاة ( ).
وخرج النسائي والترمذي وابن ماجه من حديث بريدة ، عن النبي صلي الله عليه وسلم قال العهد الذي بيننا وبينهم : الصلاة ، فمن تركها فقد كفر ( ) .وصححه الترمذي وغيره . و من خالف في ذلك جعل الكفر هنا غير ناقل عن الملة كما في قوله تعالى وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [ المائدة : 44] .
فأما بقية خصال الإسلام والإيمان فلا يخرج العبد بتركها من الإسلام عند أهل السنة والجماعة . وإنما خالف في ذلك الخوارج ونحوهم من أهل البدع .
قال حذيفة : الإسلام ثمانية أسهم : الإسلام سهم ، والصلاة سهم ، والزكاة سهم ، والحج سهم ، ورمضان سهم ، والجهاد سهم ، والأمر بالمعروف سهم ، والنهي عن المنكر سهم ، وقد خاب من لا سهم له . وروي مرفوعا، والموقوف أصح ( ).
فسائر خصال الإسلام الزائدة على أركانه الخمسة ودعائمه إذا زال منها شيء نقص البنيان ولم ينهدم أصل البنيان بذلك النقص .
وقد ضرب الله ورسوله مثل الإيمان (180-أ /ف) والإسلام بالنخلة . قال الله تعالى : ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهاَ [ إبراهيم : 23-24] .
فالكلمة الطيبة هي كلمة التوحيد وهي أساس الإسلام ، وهي جارة على لسان المؤمن وثبوت أصلها هو ثبوت التصديق بها في قلب المؤمن ، وارتفاع فرعها في السماء هو علو هذه الكلمة وبسوقها وأنها تحرق ( ) الحجب ولا تتناهى دون العرش ، وإتيانها أكلها كل حين : هو ما يرفع بسببها للمؤمن كل حين من القول الطيب والعمل الصالح، فهو ثمرتها . وجعل النبي صلي الله عليه وسلم مثل المؤمن أو المسلم كمثل النخلة ( ).
وقال طاوس : مثل ( الإسلام ) ( ) كشجرة أصلها الشهادة ، وساقها كذا وكذا ، وورقها كذا وكذا، وثمرها : الورع ، ولا خير في شجرة لا ثمر لها ، ولا خير في إنسان لا ورع فيه ( ). ومعلوم أن ما دخل في مسمى الشجرة والنخلة من فروعها وأغصانها وورقها وثمرها إذا ذهب شيء منه لم يذهب عن الشجرة اسمها ، ولكن يقال : هي شجرة ناقصة ، وغيرها أكمل منها ، فإن قطع أصلها وسقطت لم تبق شجرة ، وإنما تصير حطبا ، فكذلك الإيمان والإسلام إذا زال منه بعض ما يدخل في مسماه مع بقاء أركان بنيانه لا يزول به اسم الإسلام والإيمان بالكلية ، وإن كان قد سلب الاسم عنه لنقصه بخلاف ما انهدمت أركانه وبنيانه فإنه يزول مسماه بالكلية ، والله أعلم