
19/02/2025
🔴🔴 بين وهم القداسة وسلطة العصبية..
لماذا ارتجفت قبيلة الأشراف من النقد؟
الشارع القنائي: صالة التحرير
✍️/ المحرر الثقافي
تُشكّل المجتمعات هوياتها النفسية من خلال تراكمات ثقافية واجتماعية عبر الأجيال، وتتجلى هذه الهوية في طريقة تفاعل أبنائها مع النقد أو الأزمات الداخلية.
في قنا، كما في أي مكان آخر، تختلف استجابات المكونات الاجتماعية تجاه النقد، فبينما يتعامل بعضها معه بمرونة، ترى أخرى في مجرد الإشارة إلى سلوك فردي مساسًا بوجودها وكرامتها الجمعية.
🔴 بين النقد والهوية الدفاعية
عند تحليل استجابات المجتمعات تجاه النقد، نجد أن بعض المكونات الاجتماعية في قنا، مثل مجتمعات البراهمة والكلاحين والحميدات والجبلاو وغرب النيل، تتسم بمرونة نفسية نسبية، حيث لا يُسقط أفرادها أي سلوك فردي على الكيان الاجتماعي ككل. حتى عند الاختلاف، تجدهم يناقشون المضمون دون أن يرفعوا راية “نحن خط أحمر”.
في المقابل، تتفاوت استجابة المجتمعات القبلية، مثل الهوارة بتشكيلاتهم المتعددة (بلابيش، همامية، نجمية، سماعنة، وشاشات وقليعات)، حيث تظهر أحيانًا نبرة عصبية تجاه النقد، لكنها تبقى أخف وطأة مقارنة بمكونات أخرى، مثل مجتمع الأشراف، الذي يتعامل مع النقد – حتى في حالات ثابتة بالدليل – بوصفه اعتداءً على الهوية الجماعية.
🔴 الجريمة والهوية المغلقة
النموذج الأبرز على هذه الإشكالية النفسية كان حادث سرقة مواطنين من الأشراف سيارة مواطن سوهاجي، حيث حاول البعض تسطيح القضية وإخفاء الجريمة خلف جدار “الانتماء”، معتبرين أن الحديث عن الواقعة هو تشكيك في المكانة الاجتماعية، وليس تناولًا لواقعة جنائية تستوجب التصحيح.
بالمقابل، أظهرت البراهمة مرونة ملحوظة تجاه انتقاد سلوك وزير القوى العاملة الذي ينتمي اجتماعيًا لها، ولم نر من يقول: "البراهمة خط أحمر"، بعضهم انزعج نسبيًا من النقد، لكن بقى هذا الانزعاج في طور المعقول.
ما يثير التساؤل هنا هو: لماذا يلجأ البعض إلى الدفاع عن الخطأ بدافع الحماية الجماعية، بدلاً من معالجته بإعلاء النهج الأخلاقي؟
على أن هذا العداء الاجتماعي رغم حدته في الأشراف لم يكن ليخفي بداخله نموذج إيجابي كما حدث من تدخل المهندس أشرف رشاد عضو مجلس النواب الشاب، الذي كسر الدائرة وسعى لإعادة الحقوق لأصحابها، ما يدل على أن الحلول ممكنة حينما تتغلب القيم الأخلاقية على العصبيّة العمياء.
🔴 هل يشعر البعض بالتهديد أكثر من غيره؟
الهوية الدفاعية المفرطة التي يظهرها بعض المكونات الاجتماعية ليست مجرد ردة فعل لحظية، بل تعكس شعورًا داخليًا بعدم الأمان أو الخوف من النقد الاجتماعي.
على النقيض، المجتمعات الكبيرة ذات الامتداد الواسع – مثل قبائل العرب– تميل إلى الهدوء النفسي، ربما لأنها تمثل الأكثرية وتشعر بالاكتفاء الذاتي، فلا تجد نفسها مضطرة إلى الانفعال كلما وُجه نقد إلى أحد أفرادها، وهذا ما أظهرته ردود فعل البراهمة تجاه نقد وزير القوى العاملة المنتمي لها أثناء زيارته القرية، وانتقاد منصة الشارع القنائي الحاد له أثناء تلك الزيارة.
🔴 نحو مراجعة نفسية واجتماعية
المجتمعات التي تُبالغ في ردود أفعالها تجاه النقد بحاجة إلى وقفة مع الذات، فليس كل انتقاد لفرد أو أكثر فيها استهدافًا للمكوّن الاجتماعي، وليس كل مساءلة لأحد فيها مساسًا بكرامة القبيلة.
حينما قلنا أن صاحب السيارة المسروقة استمر لـ20 يومًا في قرى الأشراف يستعطف زعامتها ان يردوا له سيارته المسروقة، وكتبنا أن ذلك لا يليق بأحفاد النبي، جُن جنون الكثير من أفراد القبيلة، وراحوا يقذفون بأقذع الألفاظ وبأوسخ الألسنة من أستنهض فيهم أخلاق النبوة أن يردوا للرجل حاجته. غابت أخلاق النبوّة وحضرت الجاهلية في أبشع صورها، وتجلّت العصبية النتنة، بأسوّأ ما تجّلتْ، فتمسكوا بها رغم دعوة النبي لتركها:"دعوها فإنها نتنة".
القدرة على الاعتراف بالخطأ ومعالجته مؤشر على قوة القبيلة أو المكوّن الاجتماعي المنتمي إليها، وليس ضعفه. فالمشكلة ليست في النقد، بل في الاستعداد النفسي لتقبله.