
11/09/2025
تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع الأطفال
بقلم أ/ أحمد فؤاد
المربون الناجحون هم الذين يقتفون أثر المصطفى ويسيرون على نهجه؛ فالرسول قدوة في كل خير ودليل لكل معروف؛ فهو الزوج المخلص والنبي صاحب الهمة والعزم والصديق الصدوق والرفيق الحبيب، كان يحترم الكبار ويقدرهم ويحنو على الصغار ويحترمهم؛ لذا فمن الواجب على كل مرب أن يرد على حوض آثاره ويشرب من منهل سنته.
لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم محبًا للأطفال حريصًا عليهم ، وظهر ذلك في كثير من المواقف التي تزينت بها كتب السير وتجملت بها كتب الحديث ، وكثر كلام المربين عن حب واحتواء النبي للحسن والحسين حتى أثناء صلاته وفي مسجده في الوقت الذي كان يأنف كثير من الآباء تقبيل أولادهم أو ملاعبتهم ظنا منهم أن ذلك يقلل من قيمتهم.
إن النبي الذي كان حامًلا لهموم الأمة ناشرا لدين الله ، مهتما بتربية جيل يغير شكل الأرض،مكلفًا بإخراج الناس من الظلمات إلى النور، ومع ذلك كان يقتطع من وقته وقًتا للسلام على الصبيان ومحادثتهم ومحاورتهم والعطف عليهم، بل وحث الناس على رحمتهم، وفي رواية مسلم يقول أنس:( والله ما رأيت أحدًا كان أرحم بالعيال من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم )، ومن رحمته بالبنات أمر بتكريمهن والعطف عليهن وهو الذي ظهر في عصر تعرفون كيف كان يتعامل فيه الناس مع البنات؛ لذا قال صلى الله عليه وسلم -: ( من عال جارتين حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو وضم أصابعه )(رواه مسلم ) ..
إن النبي ضرب لنا أروع الأمثلة في تقدير عاطفة الأطفال وفي مراعاة اهتماماتهم ، وعلمنا بمواقفه كيف نتواصل مع الأطفال تواصلا فعالًا ومثمرا، ولنا في موقف النغير أروع الأمثلة ؛ فقد ورد عن أنس ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: ( كان لي أخ يقال له أبو عمير وكان إذا جاءنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: يا أبا عمير ، ما فعل النُغير(طائر صغير).
لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحترم الأطفال ويقدرهم ولا أدل على ذلك من الموقف الذي يعرضه لنا سهل بن سعد ـ رضي الله عنه ـ حين قال : ( .. أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أُتِيَ بشراب فشرب منه، وعن يمينه غلام، وعن يساره أشياخ، فقال للغلام: أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟، فقال الغلام: لا، والله لا أوثر بنصيبي منك أحدا، قال: فتلَّه (وضعه في يده) رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ )( البخاري )..
وفي ذلك إشارة من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بتقدير الطفل، والتأكيد على إعطائه حقه، وإشعاره بأهميته ومكانته ودوره، وتعويده الشجاعة وإبداء رأيه والمحافظة على حقوقه.
إن الرسول يعلم أن الشخصية يتم صقلها وتهذيبها ورعايتها وتكوينها من خلال ما يقدم لها في طفولتها وصباها؛ لذا كان حريصًا على أن يكسبهم الثقة من خلال السلام عليهم وملاطفتهم وتعليمهم؛ فعلمهم مباشرة آداب الطعام في حديثه لابن عباس حين قال " يا غلام سمِّ الله وكل بيمينك وكل مما يليك ".
إن تعامل الرسول مع الأطفال برقي ونبل وتقدير هو الذي أخرج جيلًا ملك العالم وساد الأرض ، وبذور الثقة التي وضعها في قلوب الأطفال أنبتت شجاعة أسامة وخبرته القيادية لدرجة جعلته يقود جيشًا به كبار الصحابة وعمره ستة عشر عاما، وهو الذي جعل ابن عباس يُفتي ويعلم ويفسر وهو لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره.
إن الأمة الآن في أمس الحاجة لنابغين مميزين ولقادة مؤثرين ولشباب أمين ، تحتاج إلى جيل فريد يعيد لها مجدها التليد، جيل واثق في نفسه وقدراته ومعتز بهويته، وهذا يحتم على جيل الآباء أن يربي هذا الجيل تربية خاصة، وأن يهتم بالأطفال اهتماما خاصًا؛ فالأطفال مستقبل الأمة وأملها وذخرها، سلاحها ودرعها، ولتكن سيرة الحبيب مرشدًا لنا ودليلًا في التعامل مع جيل النصر المنشود؛ فالرسول كان يهتم بعقلية الأطفال وقلوبهم لعلمه بأن هذه المرحلة مرحلة الحب والإدراك والقيم والاقتناع.