إيماننا الأرثوذكسي القويم

إيماننا الأرثوذكسي القويم الإيمان بالثالوث الأقدس هو عقيدة قائمة على الكشف الإلهي الذي تم بتجسد كلمة الله في التاريخ واكتمال سر الخلاص بموت المسيح على الصليب وقيامته

� الأرثــوذكـــــســيــة نــقــيــة . هي عروس المسيح العادمة العيب هي سفينة نوح التي تنقذنا من الغرق ...فلنحرص أن نكون فيها... �

☦️ هل يمكن أن تُخضعك سيجارة لما لم يُخضعك له الصوم؟تأمل في الإرادة، وفي ما يُستعبد له الإنسان رغم قدرته على الصوم والانض...
18/11/2025

☦️ هل يمكن أن تُخضعك سيجارة لما لم يُخضعك له الصوم؟
تأمل في الإرادة، وفي ما يُستعبد له الإنسان رغم قدرته على الصوم والانضباط.
________________________________________

☦️ رأي الكنيسة الأرثوذكسية والآباء القديسين في التدخين
________________________________________

🔥 شهادات الآباء القديسين

تناول العديد من آباء الكنيسة القديسين موضوع التدخين بلهجة صارمة، معتبرين إياه خطيئة تُهلك الجسد والروح. فالقديس نكتاريوس أسقف المدن الخمس وصف التدخين بأنه"زنى الفم" و"بغاء الفم" و"دعارة الفم".

أما القديس نيقوديموس الآثوسي، فقد تناول الموضوع في كتابيه "التمارين الروحية" و"النصائح الطيبة"، واصفًا التدخين بأنه"بخور الشيطان" وقد شدد في كلا العملين على مدى خطورة التدخين مُعتبراً إياه مسؤولاً ليس فقط عن صحة الشخص الجسدية والعقلية، ولكن أيضًا عن موقف الإنسان فيما يخص واجباته كمسيحي. ويؤكد، من بين أمور أخرى، أن جميع رجال الكنيسة دون استثناء لا ينبغي أن يدخنوا لأن استخدام التبغ هو مُخالف للحشمة التي هي من أهم فضائل الأخلاق ويتعارض مع سمعة الكهنوت، ويضر بصحة الجسد الذي هو هيكل للروح القدس.

________________________________________
🕯️ شهادة القديس بارثينيوس الحامل الإله

في سيرة القديس بارثينيوس الحامل الإله من جزيرة خيوس (رقد عام 1883)، التي دوّنها الأرشمندريت يواكيم الأورشليمي، نُقل عنه تحذير واضح من التدخين، حيث كان ينصح زواره بعدم التدخين. وقد أطلق على السجائر والتبغ بشكل عام تسمية:
"بخور الشيطان" و"العشب ذو الرائحة النتنة" بما أنّها تؤذي الجسد الذي هو "هيكل الله".

كان القدّيس يحاول إقناع الناس أنّ التدخين ليس مُدَمِّراً ومؤذياً للجسد فحسب، بل هو تَصَرُّفٌ غير لائقٍ بالمؤمنين، وأنه مُعيبٌ للكاهن بشكل خاص. وكان يقول للكهنة الذين يدخنون ويُخفون سجائرهم عنه:
"أنا أعلم ما هو نوع البخور الذي تستخدمه في التبخير! من الأفضل أن نَتَنَشّق رائحة البخور وحده أو السجائر وحدها، لأن مزيج رائحة البخور والسجائر لا يُنتج رائحةً زكية!"

ما قصده القديس هو أنّ التدخين لا يُوافق الإكليروس، وإن قام أحدهم بالتدخين فالأجدر به أن يبقى علمانيًّا.

إنّ عواقب التدخين الوخيمة أمر مُسلَّم به من الجميع في أيامنا هذه، فلتكن نصيحة القديس هذه معونةً لكافة ذوي الإرادة الصالحة.

________________________________________
🚉 قصة الأب سلوان الآثوسي

يروي الشيخ صفرونيوس ساخاروف في كتابه عن القديس سلوان الآثوسي قصة مؤثرة:
في عام 1905، مر الأب سلوان عبر روسيا لزيارة بعض الأديرة، وفي إحدى رحلاته بالقطار، جلس قبالته راكب فتح صندوق التبغ الخاص به وقدم له سيجارة. شكره الأب سلوان ورفض بأدب.

فسأله الراكب إن كان رفض السيجارة لأنه يعتبر التدخين خطيئة، مبررًا أن التدخين يساعده كثيرًا في حياته المزدحمة، فهو بمثابة استراحة من عبء الحياة اليومية، كما أنه يُسهّل تفاعلاته الاجتماعية.

رد الأب سلوان بسؤال بسيط:
"هل تصلي صلاة 'أبانا الذي في السماوات' قبل أن تدخن؟"
أجاب الرجل بالنفي، معتبرًا أن ذلك غير لائق.
فقال له الأب سلوان:
" أي عمل لا يليق بالصلاة، فالأولى عدم القيام به وتركه."
لأن ذهن الإنسان وقلبه يجب أن يكونا دائمًا حرّين ومستعدّين للصلاة، ولا ينبغي القيام بأي عمل لا يليق بالصلاة.

________________________________________
📜 التدخين في ضوء التقليد الكنسي

إن كل ما لا يصمد أمام الصلاة الطاهرة فالأولى تركه، لأن متعة الخطيئة لا تُقهر بالحرمان والصراعات الصعبة، بل بالعودة إلى الشركة بين الله والإنسان، وفي المكان الذي يتم التعبير عنه فيه بأفضل شكل، أي بالصلاة.

وهذا ما يؤكده كتاب اليورنديكو، حيث يقول إنه من أجل إخراج الشياطين، يجب على المرء أولًا أن يُسيطر على عواطفه لكي يتمكن من إبعاد الشياطين عنه. وكما أن الشياطين لا تخرج من الإنسان إلا بالصلاة والصوم، بحسب قول الرب، كذلك أيضًا هذا الشغف والتعلق بالسيجارة لا يخرج إلا بالصلاة والصوم الحاران اللذين يجلبان التدبير الذي يقوي المحبة لدى الإنسان، وبالصلاة والصوم يهرب الشر الذي يستعبد ويتسلط على الإنسان.

________________________________________
📖 التدخين في ضوء الكتاب المقدس

رغم أن الكتاب المقدس لا يذكر التدخين صراحة، إلا أنه يُعالج الأمر من خلال مبادئ واضحة. يقول الرسول بولس في رسالته إلى أهل كورنثوس الأولى 6:12:
"«كُلّ شَيءٍ يحِلّ لي»، ولكِنْ ما كُلّ شَيءٍ يَنفَعُ. «كُلّ شَيءٍ يَحِلّ لي»، ولكِنّي لا أرضى بأنْ يَستَعبِدَني أيّ شيءٍ."

إذن، يجب ألا نرضى أو نوافق على القيام بأعمال قد نجد أنفسنا مع مرور الوقت مُستعبدين لها، وبحسب المصطلح الطبي، مُدمنين عليها.
فالتدخين يُسبب الإدمان بلا شك، وهنا تسيطر وتتسلط علينا هذه السيجارة ونصبح بلا وعي عبيدًا لها، لدرجة أن هناك البعض يستيقظون في منتصف الليل من أجل التدخين، بينما لا يستطيعون بأي شكل أن يقوموا في ذلك الوقت من أجل صلاة منتصف الليل!!
تجدهم يرغبون في الصيام في فترة الصوم، لكن لا يستطيعون لأنهم لا يمكنهم ترك السيجارة أكثر من ساعتين!

________________________________________
💭 التأمل في وصف "بخور الشيطان" و"زنى الفم"

لو تأملنا في كلتا الصفتين، نجد أن التدخين يُعطي الإنسان لذة جسدية ومتعة مثل الزنى وغيره من الخطايا المتعلقة بالجسد. وأي محبة للجسد أو العالم هي خيانة لله، كما يقول يعقوب الرسول:
"'أيُّها الزُّناةُ والزَّواني، أما تعلَمونَ أنَّ مَحَبَّةَ العالَمِ عَداوَةٌ للهِ؟ فمَنْ أرادَ أنْ يكونَ مُحِبًّا للعالَمِ، فقد صارَ عَدوًّا للهِ."
(يعقوب 4: 4)

وكما أن صلاتنا تصعد كالبخور أمام الرب، هكذا أيضًا يكون التدخين كالبخور أمام الشيطان الذي لا يريد خلاص البشر!

وقد يزني الإنسان في الخفاء، لكن المُدخن يُشعل سيجارته في أي وقت وفي أي مكان وأمام أي شخص دون أي احترام، فالتدخين يجعل المُدخن إنسانًا أنانيًا لا يهمه سوى نفسه، فتجده يُدخن دون مراعاة لمن حوله، وقد يكون حوله أشخاص أصحاب أمراض صدرية، أو أطفال أو كبار في السن.
كما أنه لكي يستمتع بالتدخين، يقوم بدعوة الآخرين للتدخين معه، بل قد يجعل أبناءه يرغبون في تقليده، وهكذا يبدأ التدخين لدى المراهقين في سن مُبكر!
وهكذا فإن التدخين ضار للمدخن ولمن حوله! ناهيك عن الذين يضعون مخدر القنب في سجائرهم، وهذا موضوع آخر سوف نقوم بتناوله في موضوع آخر!

________________________________________
📌 آيات إضافية للتأمل

يتابع الرسول بولس قوله في نفس الإصحاح (1 كورنثوس 6:19-20):
"أم لَستُمْ تعلَمونَ أنَّ جَسَدَكُمْ هو هَيكلٌ للرّوحِ القُدُسِ الّذي فيكُمُ، الّذي لكُمْ مِنَ اللهِ، وأنَّكُمْ لَستُمْ لأنفُسِكُمْ؟ لأنَّكُمْ قد اشتُريتُمْ بثَمَنٍ. فمَجِّدوا اللهَ في أجسادِكُمْ وفي أرواحِكُمُ الّتي هي للهِ."
وفي (1 كورنثوس 10:31):
"فإذا أكَلتُم أو شَرِبتُم، أو مَهما عَمِلتُم، فاَعمَلوا كُلّ شيءٍ لِمَجدِ اللهِ."

________________________________________
❓أسئلة تأملية بناءً على الآيات

• هل يمكن اعتبار أن التدخين "ينفع صحيًا"؟ (1 كورنثوس 6: 12)
• هل يمكن أن نقول إن المُدخنين "يمجدون الله في أجسادهم"؟ (1 كورنثوس 6: 20)
• هل يستطيع المرء أن يدخن من أجل "مجد الله"؟ (1 كورنثوس 10: 31)

الإجابة على هذه الأسئلة الثلاثة هي واحدة: لا. ❌

________________________________________
⚠️ حجج شائعة والرد عليها

قد يُعارض البعض من خلال الاستشهاد بحقيقة أن الكثير من الناس يتناولون أطعمة غير صحية، وهذا أيضًا يُعد إدمانًا ويؤثر على أجسامهم بنفس القدر من السوء.
فمثلًا، كثيرٌ من الناس مدمنون بشكل ميؤوس منه على الكافيين، لدرجة أنهم ببساطة لا يستطيعون العمل بشكل صحيح دون فنجان قهوة الصباح! نعم، هذا صحيح، وكل ما يضر بصحة الإنسان يقع تحت بند الخطيئة.

ومرة أخرى، كل ما يتسلط علينا من عادات معروفة بديهيًا أنها سيئة هو خطيئة، ويجب على المسيحيين أن يتجنبوها، حتى الشراهة في الطعام ومُعاقرة الخمور وسائر العادات والشهوات.
وهناك حجة أخرى وهي حقيقة أن العديد من رجال الكنيسة أو الكهنة يُدخّنون! ونحن نسأل:
• هل بعض هؤلاء الكهنة أتقياء ومعلمين ممتازين لكلمة الله؟ نعم، بالتأكيد! ✔️
• وهل هذا يجعل كل أفعالهم وعاداتهم تمجد الرب؟ كلا! ❌

________________________________________
🔥 التدخين كخطيئة روحية

إذن، نتيجة لما تقدم، فإن التدخين هو مرض للروح، واستعباد للنفس البشرية، ويُعتبر خطيئة بالنسبة لكنيستنا الأرثوذكسية. وبالتالي لا ينبغي أن يمارسه أتباع المسيح الحقيقيين.
وبالقول إن التدخين خطيئة، فإن الكنيسة لا تقول إن المدخنين لن يخلصوا. فكثير من المؤمنين بيسوع المسيح يدخنون أو سبق وتسلطت عليهم هذه العادة قبل إيمانهم. وبالتالي فإن التدخين لا يمنع الشخص من أن يخلص، كما أن التدخين يُغفر تمامًا كسائر الخطايا الأخرى، إن اعترفنا أنه خطيئة وعملنا جاهدين على التخلص منه.
ولكن إذا كان المُدخن مُتكبرًا ولا يعتبر أن التدخين خطأ، فسيستمر في خطيئته!!

________________________________________
🧠 وقفة مع الإرادة

من اللافت أن كثيرًا من الناس يتمكنون من الالتزام الصارم بقوانين الصوم، فيمتنعون عن جميع المأكولات الممنوعة، ويصبرون لساعات طويلة دون طعام، ومع ذلك تجدهم عاجزين تمامًا عن ترك السيجارة ولو لساعات قليلة.

هذه المفارقة يجب أن تكون جرس إنذار لكل إنسان، فكيف لسيجارة صغيرة أن تسلب الإرادة وتُخضع النفس؟

إن كان الإنسان قادرًا على ضبط شهواته الغذائية، فلماذا يُستعبد لهذه العادة؟

هنا يجب أن يقف الإنسان مع نفسه وقفة صدق، ويُدرك أن التحرر من التدخين ليس فقط مسألة صحية، بل هو جهاد روحي يُعيد له كرامته وحريته.

________________________________________
🙏 دعوة روحية

يا إخوتي، دعونا نجاهد الجهاد الحسن من أجل الإقلاع عن هذه العادة المتسلطة، وكل عادة سيئة تتسلط وتسيطر علينا!
دعونا لا نسمح لأنفسنا أن نكون عبيدًا لمثل هذه العادات المدمرة والمهلكة لنا جسديًا وروحيًا!
وليكن زمن الصوم هذا بمثابة تأهيل روحي ومعنوي لمساعدتنا على الإقلاع عن التدخين وأي عادة سيئة لا ترضي الله!

صلواتكم 🙏
✍️ جمعته وكتبته: أندرولا كونستنتينيدو
☦️ إيماننا الأرثوذكسي القويم ☦️

☦️ صوم الميلاد في الكنيسة الأرثوذكسية: الجذور والمعنى🟩 صوم الميلاد المجيد – تهيئة القلب لميلاد النورصوم الميلاد المجيد ه...
15/11/2025

☦️ صوم الميلاد في الكنيسة الأرثوذكسية: الجذور والمعنى

🟩 صوم الميلاد المجيد – تهيئة القلب لميلاد النور

صوم الميلاد المجيد هو زمن روحي مميز في حياة الكنيسة الأرثوذكسية، يُهيّئ المؤمنين لاستقبال تجسّد الكلمة، لا كمجرد ذكرى تاريخية، بل كحدث حيّ يتجدّد في القلب والعالم.
يمتد هذا الصوم أربعين يومًا، ويُعدّ من الأصوام المتوسطة في الصرامة، إذ يُمنع فيه تناول اللحم، الدواجن، السمك، البيض، والألبان، مع السماح بالسمك يومَي السبت والأحد، والزيت والنبيذ في بعض الأيام.
ويبدأ بحسب التقويم الغريغوري من 15 تشرين الثاني حتى 25 كانون الأول، وبحسب التقويم اليولياني من 28 تشرين الثاني حتى 7 كانون الثاني.
هذا الصوم ليس مجرد استعداد لعيد، بل هو دعوة إلى التوبة، والتخلّي عن الشهوات، والانفتاح على نعمة الميلاد الإلهيّ.

🟩 الجذور التاريخية لصوم الميلاد في الكنيسة الأرثوذكسية
يعود التعييد لميلاد الربّ يسوع بالجسد في بعض الكنائس الشرقيّة إلى أواخر القرن الثاني، بحسب ما ورد في كتابات القدّيس أكليمنضس الإسكندريّ، الذي يُعدّ أوّل من ذكر هذا العيد. وقد كان يُحتفل به في السادس من كانون الثاني، يوم عيد الظهور الإلهيّ، واستمرّ هذا التقليد حتى القرن الرابع، بل حتى القرن الخامس في كنيسة الإسكندريّة.
استند هذا التوحيد بين الميلاد والمعمودية إلى ما ورد في إنجيل لوقا: "وَلَمَّا ابْتَدَأَ يَسُوعُ كَانَ لَهُ نَحْوُ ثَلَاثِينَ سَنَةً" (لوقا ٣: ٢٣) فقد افترض بعض الآباء أن يسوع اعتمد في اليوم ذاته الذي وُلد فيه بالجسد قبل ثلاثين سنة!

أما كنيسة روما، فكانت تعيّد لميلاد الربّ بالجسد في الخامس والعشرين من كانون الأول (ديسمبر)، بحسب التقويم اليولياني المعتمد آنذاك، وأقدم شهادة على هذه الممارسة تعود إلى سنة 336. وفي القرن الرابع، بدأ الشرق باعتماد هذا التاريخ الغربي، خاصة في أنطاكية، بمبادرة من القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم. ثم انتقل إلى كبادوكيا في زمن القدّيس باسيليوس الكبير (+379)، وإلى القسطنطينيّة في عهد القدّيس غريغوريوس اللاهوتيّ (379–385)، وأخيرًا إلى أورشليم سنة 431.ويبدو أن اختيار هذين التاريخين ارتبط بمحاربة الأعياد الوثنيّة:

• في الغرب، صادف 25 كانون الأول عيد ميلاد الشمس الوثني.
• وفي الشرق، صادف 6 كانون الثاني عيد الولادة العذريّة للإله ديونيسوس.
فكان الهدف حماية المؤمنين من الانجراف وراء الممارسات الوثنيّة كالحفلات والسُكر والدعارة.

في القرن الرابع، ظهرت فترة تهيئة "صوم" لعيد الظهور الإلهيّ، مدّتها ثلاثة أسابيع، كما ورد عند القدّيس هيلاريون أسقف بواتيه. ثم أقرّها مجمع ساراجوسا في إسبانيا. وفي الإسكندريّة، يذكر القدّيس ثيؤوفيلس الإسكندريّ صومًا ليوم واحد في هذه المناسبة، في نهاية القرن الرابع.

ومع مرور الزمن، امتدّت فترة التهيئة لتصبح أربعين يومًا، تشبّهًا بالصوم الكبير، في القرنين الخامس والسادس، وارتبطت بعيد الميلاد. ومن هنا نشأ ما يُعرف بـ صوم القدّيس فيلبّس الرسول، إذ يبدأ في 15 تشرين الثاني، مباشرة بعد عيده في 14 تشرين الثاني.

في بعض المناطق، بدأت العظات الكنسية في الآحاد التي تسبق عيد الميلاد تُكرَّس تدريجيًا لموضوع التجسّد الإلهيّ، كجزء من التهيئة الروحية للعيد. ويذكر بربيتيوس، أسقف مدينة تور في فرنسا (461–490)، وجود صوم يسبق عيد الميلاد يبدأ في الحادي عشر من تشرين الثاني. وقد انتقلت هذه الممارسة إلى بعض الكنائس الفرنجية الأخرى، وتمّ تثبيتها رسميًا في مجمع محلّي عُقد سنة 581.

ورغم أن هذه الممارسات كالصوم والتهيئة بقيت محليّة وغير موحّدة، إلا أنها انتشرت بقوة في الأوساط الرهبانيّة، خاصة في أديرة سوريا وفلسطين خلال القرن السادس. وقد شهدت هذه الفترة تباينًا في تبنّي الصوم بين أعضاء الكنيسة، لكن الآباء رأوا فيه منفعة روحيّة عظيمة، واعتبروه إلهامًا من الروح القدس، كما عبّر القدّيس يوحنّا الدمشقيّ. وبالتالي حاولت الكنيسة تعميمه على كلّ أعضائها.

منذ بدايته، لم يعرف صوم الميلاد الصرامة التي للصوم الكبير، فكان يُسمح للرهبان العاملين خارج الدير بتناول وجبتين يوميًا (ظهراً ومساءً)، كما سُمح بأكل السمك ما عدا يومَي الأربعاء والجمعة. وقد كانت الأصوام في البدء تتبع نظام وجبة واحدة فقط يوميّاً عند المساء مع امتناع عن الأطعمة الحيوانية ومنتوجاتها، أما اليوم، فالممارسة تسمح بثلاث وجبات لمن يريد، مع الحفاظ على روح التهيئة والتوبة.
________________________________________
🟩 أهمية صوم الميلاد في الحياة الأرثوذكسية

صوم الميلاد ليس خيارًا استنسابيًا، بل هو دعوة ملزمة لكل من وعى التزامه وكان قادرًا جسديًا على ممارسته. فالأصوام في المسيحية ليست مجرد تقاليد، بل هي شركة حيّة مع الأبرار الذين سبقونا، واختبار جماعي لفقرنا إلى الله، وتوقنا إلى ميلاده المجيد في قلوبنا.

إلى جانب صوم الميلاد، تُمارَس أصوام أخرى في الكنيسة الأرثوذكسية، مثل يومَي الأربعاء والجمعة من كل أسبوع، باستثناء الأسابيع التالية للفصح والعنصرة، وما بين عيد الميلاد وبرامون الظهور الإلهي، والأسبوع الذي يلي أحد الفريسي والعشار، بالإضافة إلى عيد رفع الصليب الكريم (14 أيلول)، وذكرى قطع رأس السابق يوحنا المعمدان (29 آب). هذه الأصوام تُظهر أن الكنيسة الأرثوذكسية تنظر إلى الإنسان بكليّته، نفسًا وجسدًا، وتدعوه إلى أن يصوم في العالم وعنه، شاهدًا لقداسة ملكوت الله الذي "لَيْسَ هُوَ أَكْلًا وَشُرْبًا، بَلْ هُوَ بِرٌّ وَسَلَامٌ وَفَرَحٌ فِي الرُّوحِ الْقُدُسِ" (رومية ١٤: ١٧).

قلة من المسيحيين اليوم يرتضون الصوم كنمط حياة، وهذا من الإشكالات الروحية التي لا يُبرَّأ منها أحد. في العظة على الجبل (متى ٥-٧)، يُحذّر الرب الكنيسة الفتيّة من الوثنية الجديدة: محبة المال والطعام واللباس. ويُعلن أن تبعيّته تتطلّب ترك كل شيء، إذ "لَيْسَ لِابْنِ الإِنْسَانِ مَوْضِعٌ يُسْنِدُ إِلَيْهِ رَأْسَهُ" (متى ٨: ٢٠). فمَن أراد أن يكون مع المسيح، اختار المسيح ومشيئته لحياته كلها.

يرتضي البعض صوم الفصح لأنه مرتبط بآلام المسيح، ويعبّرون عن مشاركتهم فيه بالجوع، كصورة عن الموت. لكنهم يتجاهلون الأصوام الأخرى، ظنًا أنها غير مرتبطة بهذا الحدث. وفي الواقع، هناك مسيحيون يلتزمون بأحد الأصوام أو ببعض أيام منه تجنباً لوخز الضمير، وكثيرون يصومون بدافع التألم، بينما الصوم في جوهره فرح وحرية. يقول الرب في العظة على الجبل: "أَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صُمْتَ، فَادْهَنْ رَأْسَكَ وَاغْسِلْ وَجْهَكَ، لِكَيْ لاَ تُظْهِرَ لِلنَّاسِ أَنَّكَ صَائِمٌ، بَلْ لأَبِيكَ الَّذِي فِي الْخَفَاءِ" (متى ٦: ١٧–١٨). وفي هذا الخفاء، يراك الرب، ويكون حضوره معك هو كل الفرح.

الصوم أيضًا حرية، لأنه يُعتق الإنسان من ش**ة الجسد. فالصائم ليس عبدًا للجسد، بل هو حرّ يعلو عمّا هو أرضي، لا كرهاً به، بل حبًا بالوصية وطاعة لها. وقد وصف الأدب النسكي الأرثوذكسي الصلاة والصوم بأنهما جناحان يُحلّقان بالمؤمن نحو الله.

قد يقول البعض إن غاية الصوم هي العيد الذي يُنهيه، وهذا صحيح جزئيًا من الناحية التاريخية. لكن الغاية الأعمق لكل الأصوام هي الاتحاد بالله. ولهذا نادى القديس يوحنا الذهبي الفم بالصوم حتى بعد انتهاء الصوم، لأن شهادتنا لله ومحبتنا له لا تنتهي بانتهاء زمن الصوم، بل تستمر وتثبت.

صوم الميلاد، على وجه الخصوص، لا ينتهي مغزاه مع حلول العيد، لأن الجهادات الروحية التي يخوضها المؤمن لا تنتهي إلا عندما يصبح الله "الْكُلَّ فِي الْكُلِّ" (١كورنثوس ١٥: ٢٨) ولا يبقى شيء يُنتظر. فمجيء الله إلى العالم ليس حدثًا مضى وانتهى، بل هو حدث دائم، لأن الرب "أَتَى وَهُوَ الآتِي"، كما تقول الكنيسة. فالمسيحية تُقيمنا في شركة مع الله الآن وهنا، وتضعنا في حالة انتظار دائم لمجيئه الثاني والأخير.

وهذا يعني أن قبولنا لحضور الرب لا يقتصر على أربعين يومًا من التهيئة الروحية تنتهي بعيد الميلاد، بل هو انتظار دائم، واشتياق لا ينطفئ. ففي صوم الميلاد، نُعلن أننا لا نتهيّأ لميلادٍ مضى، بل نفتح قلوبنا لميلادٍ لا يزال يحدث، ولمجيءٍ لا ينقطع، لأن الرب أتى، ويأتي، وسيأتي، إلى أن يصير هو "الكل في الكل". وإلا كيف نصرّح بأننا نرغب في حلول ملكوت الله الأخير، إن لم نرتضِ حضوره الآن ونتهيّأ لبدء إعلانه؟

الرب الذي "يَأْتِي كَلِصٍّ فِي اللَّيْلِ" (١تسالونيكي ٥: ٢)، هو نفسه يقف على أبواب قلوبنا، كما قال يوحنا الحبيب في رؤياه: "هَئَنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي" (رؤيا ٣: ٢٠). هذه الكلمات تكشف رغبة الرب الثابتة في أن يكون معنا ونكون له. وصوم الميلاد هو إحدى جلسات الودّ التي يُتيحها لنا الروح القدس، لنُتمّم فيها شوقنا إلى حضور الله الدائم والأخير.

✨ خاتمة: ميلاد الرب في القلب لا في التاريخ فقط
صوم الميلاد هو أكثر من تهيئة زمنية، إنه مسيرة نحو النور، حيث يلتقي الجسد والروح في انتظار حيّ لمجيء الرب.
فيه نُعلن أننا لا نتهيّأ لميلادٍ مضى، بل نفتح قلوبنا لميلادٍ لا يزال يحدث، ولمجيءٍ لا ينقطع، لأن الرب "أتى، ويأتي، وسيأتي"، إلى أن يصير هو "الْكُلَّ فِي الْكُلِّ" (١كورنثوس ١٥: ٢٨).
فلنقبل هذا الزمن كفرصة لننقّي أعماقنا، ونُعيد ترتيب أولوياتنا، ونُعلن بالقول والفعل أننا نرتضي مجيئه في كل حين.

🙏🏻 صوم ميلاد مبارك ومقدّس لكم جميعًا، مملوء بالرجاء والنعمة والفرح!

من ☦️ صفحة إيماننا الأرثوذكسي القويم

🕊️ الأصوام الكبرى في الكنيسة الأرثوذكسيةتُحدّد الكنيسة الأرثوذكسية أربعة أصوام رئيسية في سنتها الطقسية، تختلف مواعيد بعض...
14/11/2025

🕊️ الأصوام الكبرى في الكنيسة الأرثوذكسية

تُحدّد الكنيسة الأرثوذكسية أربعة أصوام رئيسية في سنتها الطقسية، تختلف مواعيد بعضها بحسب التقويم المُتّبع (اليولياني أو الغريغوري)، بينما يبقى الصوم الكبير موحّدًا في الحساب، نظرًا لاعتماده على تاريخ الفصح.

أولاً 🟩 صوم الفصح الكبير
📅 التاريخ: يُحسب بالرجوع 48 يومًا من عيد الفصح، الذي يُحدَّد وفقًا لقاعدة مجمع نيقية:
يُحتفل به في الأحد الذي يلي اكتمال القمر بعد الاعتدال الربيعي (21 آذار)، بشرط ألا يسبق الفصح اليهودي.
🕜 المدة: 40 يومًا + أسبوع الآلام = 48 يومًا.
🥩 الأطعمة الممنوعة: اللحم، الدواجن، السمك، البيض، الألبان، الزيت والنبيذ (في معظم الأيام).
🍇 الأطعمة المسموحة: الزيت والنبيذ في بعض الأعياد، والسمك فقط في عيد البشارة وأحد الشعانين.
- الرهبان: وجبة واحدة مساءً فقط.
- العلمانيون: وجبتان أو ثلاث حسب القدرة.

ثانياً🟩 صوم الرسل القديسين بطرس وبولس
📅 التاريخ:
- غريغوري/جديد: من الاثنين التالي لأحد جميع القديسين حتى 29 حزيران.
- يولياني/قديم: من الاثنين التالي لأحد جميع القديسين حتى 12 تموز.
🕜 المدة: مدة الصوم متغيرة من سنة إلى أخرى، لأنها تعتمد على تاريخ الفصح المتنقل، بينما يبقى تاريخ النهاية ثابتًا.
🥩 الأطعمة الممنوعة: اللحم، الدواجن، السمك، البيض، الألبان.
🍇 الأطعمة المسموحة: السمك والزيت والنبيذ في معظم الأيام، ما عدا الأربعاء والجمعة.

ثالثاً🟩 صوم السيدة العذراء (صوم الرقاد)
📅 التاريخ:
- غريغوري/جديد: من 1 إلى 15 آب.
- يولياني/قديم: من 14 إلى 28 آب.
🕜 المدة: 15 يومًا.
🥩 الأطعمة الممنوعة: اللحم، الدواجن، السمك، البيض، الألبان.
🍇 الأطعمة المسموحة: الزيت والنبيذ في بعض الأيام، بحسب ترتيب الأسبوع.
- يُعدّ من الأصوام الصارمة ويتم وصفه بأنه الفصح الصيفي.

رابعاً🟩 صوم الميلاد المجيد
📅 التاريخ:
- غريغوري/جديد: من 15 تشرين الثاني حتى 25 كانون الأول.
- يولياني/قديم: من 28 تشرين الثاني حتى 7 كانون الثاني.
🕜المدة: 40 يومًا.
🥩الأطعمة الممنوعة: اللحم، الدواجن، السمك، البيض، الألبان.
🍇 الأطعمة المسموحة: السمك فقط يومَي السبت والأحد، والزيت والنبيذ في بعض الأيام.
- يُعدّ من الأصوام المتوسطة في الصرامة.

❌ الممنوعات غير الغذائية خلال الصيامات الأرثوذكسية

- الامتناع عن العلاقات الزوجية خلال فترة الصوم، خاصة في الصوم الكبير وأسبوع الآلام، ويُوصى بذلك في باقي الأصوام أيضًا.
- الامتناع عن إقامة الأعراس والمناسبات الاحتفالية، خصوصًا في الصوم الكبير وصوم السيدة، ويُستحسن تجنّبها في صوم الميلاد وصوم الرسل.
- الامتناع عن الرقص والموسيقى الصاخبة، وكل ما يُلهي عن التوبة والهدوء الداخلي.
- الامتناع عن السفر غير الضروري، خاصة في الأوساط الرهبانية، حيث يُفضَّل البقاء في جو نسكي.
- الامتناع عن الغضب، النميمة، والكلام البطّال، لأن الصوم يشمل اللسان والقلب، لا المعدة فقط.
- الامتناع عن الكسل الروحي، كالتهاون في الصلاة، أو التغاضي عن الاعتراف والمناولة.

✅ الممارسات الروحية المطلوبة خلال الصيامات

- تكثيف الصلاة اليومية، الفردية والجماعية، لا سيما صلاة السحر والغروب.
- ممارسة الاعتراف والتوبة، استعدادًا للمناولة المقدسة، خاصة في الصوم الكبير.
- تخصيص وقت لقراءة الكتاب المقدس، والمزامير، وتأملات الآباء القديسين.
- تقديم الصدقة والبذل، تطبيقًا لكلام الرب في إشعياء 58:
"أليس هذا صومًا أختاره: حلّ قيود الشر... أن تكسر للجائع خبزك؟"
- السعي إلى الهدوء الداخلي والصمت، والابتعاد عن الضجيج والانشغال الدنيوي.

ورغم أن الامتناع عن أنواع محددة من الطعام يُعدّ قاعدة عامة في الأصوام الأرثوذكسية، إلا أن الصوم الانقطاعي – أي الامتناع عن الطعام والشراب لفترة من النهار – يُعتبر ممارسة نسكية غير إلزامية، يُوصى بها بحسب القدرة والتدبير الروحي. يُراعى هذا النوع من الصوم خاصة في الأديرة والجبل المقدس، حيث تُؤخَّر الوجبة حتى الساعة التاسعة أو غروب الشمس، ويُشجَّع عليه في أيام الأربعاء والجمعة وأسبوع الآلام. وقد شدّد الآباء، وعلى رأسهم القديس يوحنا الذهبي الفم، على أن جوهر الصوم لا يكمن في نوع الطعام، بل في ضبط النفس والابتعاد عن الخطايا.

نتمنى لكم صوم ميلاد مجيد
من ☦️ صفحة إيماننا الأرثوذكسي القويم

☦️ الصلاة التي علّمنا إياها الرب: الخبز الجوهري بين أمانة النص وتحريف الترجمةمن بين كل الصلوات التي تُتلى في الكنيسة، تب...
11/11/2025

☦️ الصلاة التي علّمنا إياها الرب: الخبز الجوهري بين أمانة النص وتحريف الترجمة

من بين كل الصلوات التي تُتلى في الكنيسة، تبقى الصلاة الربّية فريدة في جوهرها، لأنها ليست من تأليف قديس أو لاهوتي، بل هي الصلاة الوحيدة التي علّمنا إياها الرب يسوع نفسه، قائلاً: "متى صلّيتم فقولوا...". ولهذا، أجمعت الكنائس كافةً، بكل طوائفها وفي كل أرجاء العالم، وبجميع لغاتها وتقاليدها، على نقل كلمات الصلاة الربّية بأمانة ودقة، دون اجتهاد أو تعديل، فهذه الصلاة وديعة مقدسة، لا يُضاف إليها ولا يُنتقص منها، بل تُسلَّم كما هي، بكل خشوع ووفاء للنص الأصلي.

ومع ذلك، لاحظت في الآونة الأخيرة انتشارًا متزايدًا لعبارة "الذي للغد" بين عدد من المؤمنين الأقباط، سواء في الكنائس أو على القنوات التلفزيونية القبطية ومنصات التواصل الاجتماعي، حيث تُستخدم هذه الصيغة في الصلاة الربّية بدلًا من الترجمة المعهودة: "خبزنا كفافنا أعطنا اليوم". هذا الانتشار دفعني إلى إعادة فتح ملف هذه الآية، رغم أنني كنت قد أجريت بحثًا سابقًا مفصلًا حولها.

من خلال هذا البحث الجديد، وجدت أن البعض يربط عبارة "الذي للغد" بتأملات روحية عن الخبز السماوي والملكوت، وهي معانٍ جميلة في سياق التأمل، لكنها لا تبرّر إدخالها في الترجمة، لأن ذلك يُشوّه النص ويُحمّله ما لم يقله.

كما لاحظت أن بعض المدافعين يزعمون أن "الذي للغد" هو الأصل في الترجمة القبطية، وأن العربية حرّفت النص، مما دفعني إلى مراجعة النص القبطي بدقة، فوجدته خاليًا تمامًا من هذه العبارة، كما هو الحال في جميع الترجمات المأخوذة عن الأصل اليوناني، مما يُثبت بطلان هذا الادّعاء.
________________________________________
☦️ مقارنة بين النصوص الأصلية

• اليونانية:
Τὸν ἄρτον ἡμῶν τὸν ἐπιούσιον δὸς ἡμῖν σήμερον
النطق: تون آرتون إيمون تون إبيؤسيوس ذوس إيمين سيميرون
الترجمة: خبزنا الجوهري أعطنا اليوم

الآرامية:
ܗܒ ܠܢ ܠܚܡܐ ܕܣܘܢܩܢܢ ܝܘܡܢܐ
النطق: هَبْ لانْ لخْمَة دْسانقَنَن يومَنَا
الترجمة: أعطنا خبزنا الكفافي اليومي

• القبطية:
Ⲡⲉⲛⲱⲓⲕ ⲛ̀ⲧⲉ ⲣⲁⲥϯ ⲙⲏⲓϥ ⲛⲁⲛ ⲙ̀ⲫⲟⲟⲩ
النطق: بينويك إنتيه راستي مييف نان إيم فو أوو
المعنى الحرفي: خبزنا الضروري أعطِ لنا اليوم

| Ⲡⲉⲛⲱⲓⲕ = بينويك = خبزنا
| ⲛ̀ⲧⲉ ⲣⲁⲥϯ = إنتيه راستي = الكفاف / الضروري
| ⲙⲏⲓϥ = مييف =أعطِ
| ⲛⲁⲛ = نان = لنا
| ⲙ̀ⲫⲟⲟⲩ =إيم فو أوو = اليوم
________________________________________

☦️ أمانة الكنيسة القبطية في الترجمة
يتجلّى التشابه بوضوح بين النصين الآرامي واليوناني الأصليين، اللذين نُقل عنهما النص القبطي وسائر الترجمات العالمية، مما يُثبت أمانة الكنيسة القبطية في حفظ النص دون تحريف أو إضافة. هذا الوفاء للنص يُسقط تمامًا أي زعم بأن الترجمة القبطية تتضمن عبارة "الذي للغد"، ويفنّد كل محاولة لإقحامها في الصلاة. فقد حافظت الكنيسة القبطية، عبر قرون من التلاوة الليتورجية، على المعنى الأصلي الذي يطلب خبزًا جوهريًا لهذا اليوم، لا خبزًا مؤجّلًا للغد.
________________________________________
☦️ واقع لغوي يستدعي التوعية
من المؤسف أن كثيرًا من الأقباط الناطقين بالعربية اليوم لا يتقنون قراءة اللغة القبطية، رغم أنها تمثل لغة الكنيسة الليتورجية الأصلية. هذا الواقع، الذي نفهم أسبابه التاريخية والتعليمية، جعل من الصعب على المؤمنين التحقق من دقة بعض الترجمات أو الاعتراض عليها، ببساطة لأنهم لا يملكون أدوات الفهم اللغوي للنص الأصلي.

وفي ظل هذا الغياب، ظهرت بعض الصيغ غير الدقيقة، وربما ناتجة عن اجتهادات حسنة النية أو تأويلات لم تخضع لمراجعة لغوية ولاهوتية كافية.

وهنا تأتي مسؤولية كل من يعرف الحقيقة، لا للتوبيخ، بل للمحبة والتصحيح، لإعادة الأمور إلى نصابها بروح الغيرة المقدسة. ومن هذا المنطلق، أوجّه دعوة صادقة إلى إخوتنا الأقباط الضليعين باللغة القبطية أن يساهموا في نشر التوعية بين المؤمنين، وأن يُوضحوا أن عبارة "الذي للغد" لا تمتّ إلى النص القبطي بصلة، بل تُعد تحريفًا لا يليق بكلام الكتاب المقدس.

________________________________________
☦️ ترجمات عالمية تؤكد المعنى الحاضر
رغم اختلاف اللغات وتنوّع التقاليد، حافظت جميع الترجمات العالمية للصلاة الربّية على كلمة "اليوم"، مما يدلّ بوضوح على أن عنصر الزمن الحاضر جزء جوهري من النص اليوناني الأصلي:

☦️السريانية
ܗܒ ܠܢ ܠܚܡܐ ܕܣܘܢܩܢܢ ܝܘܡܢܐ
خبزنا الكفافي أعطنا اليوم
----
☦️الأرمنية
Զհաց մեր հանապազորդ տուր մեզ այսօր
خبزنا الدائم أعطنا اليوم
----
☦️الرومانية
Pâinea noastră cea de toate zilele dă-ne-o nouă astăzi
أعطنا اليوم خبزنا الذي لكل يوم
----
☦️الروسية
Хлеб наш насущный дай нам на сей день
خبزنا الضروري أعطنا اليوم
----
☦️الإنجليزية
Give us this day our daily bread
أعطنا اليوم خبزنا اليومي
----
☦️الفرنسية
Donne-nous aujourd’hui notre pain de ce jour
أعطنا اليوم خبزنا لهذا اليوم
----
☦️الإيطالية
Dacci oggi il nostro pane quotidiano
أعطنا اليوم خبزنا اليومي
----
☦️الألمانية
Unser tägliches Brot gib uns heute
أعطنا اليوم خبزنا اليومي
----
☦️اللاتينية
Panem nostrum quotidianum da nobis hodie
خبزنا اليومي أعطنا اليوم

________________________________________
☦️ البعد الكتابي والروحي
من الناحية الكتابية عبارة "الذي للغد" غير مقبولة، فقد قال الرب يسوع بوضوح:
"فلا تهتموا للغد، لأن الغد يهتم بما لنفسه. يكفي اليوم شره" (متى 6:34)
وفي سفر الخروج، أمر الله الشعب أن يلتقطوا خبز اليوم فقط، ومن خالف ذلك فسد خبزه (خروج 16:4، 19–21).
وبالتالي فإن روح الكتاب المقدس تدعو إلى الاكتفاء اليومي، لا إلى طلب ما هو للغد. فنحن لا نطلب ما هو للغد ولا نطمع بأن نأخذ في هذا اليوم الحالي ما هو مزمع أن يكون في الغد، بل نجاهد الجهاد الحسن لننال الحياة الأبدية، التي لا تُقاس بالزمن، ولا تُحدّد بيوم أو تاريخ. فالغد، مهما بدا واعدًا، يبقى خاضعًا للزمن، بينما الملكوت الذي نرجوه هو خارج الزمن، لا يُحدّه تقويم ولا يُقيّده انتظار.
أما من الناحية الروحية، فرغم أن التأملات تُشير إلى أن الخبز الجوهري هو الإفخارستيا أو عطايا الملكوت، إلا أن هذا التأمل لا يبرر تغيير النص. فالتفسير الروحي يجب أن يُبنى على النص، لا أن يُستبدل به.
________________________________________
☦️ سؤال يستحق التأمل
إدخال عبارة "الذي للغد" لا يُضيف عمقًا روحيًا، بل يُشوّه المعنى ويُربك البنية اللاهوتية للنص، الذي يدعونا بوضوح إلى الاكتفاء اليومي والثقة في عناية الله الحاضرة، لا إلى التطلّع الزمني المؤجل. وهنا يبرز سؤال جوهري:
ما الدافع وراء هذا التغيير في الترجمة من القبطية إلى العربية بهذا المعنى المستحدث غير الصحبح؟
هل كان الهدف إضفاء طابع خاص على ليتورجية الكنيسة القبطية؟ أم أنه اجتهاد تأويلي لم يُراجع بدقة؟
أياً كان السبب، فإن أمانة النص تقتضي العودة إلى الأصل، لا إعادة تشكيله وفق رؤى لاحقة، مهما كانت نواياها طيبة.

________________________________________
☦️ كلمة ختامية
لم أقم بهذا البحث بدافع الجدل أو الإدانة، بل بدافع المحبة الصادقة لإخوتي الأقباط، الذين أكنّ لهم كل احترام وتقدير. إن ما دفعني إلى إعادة فتح هذا الملف هو غيرتي عليهم وخوفي من أن يقعوا في تحريف دون قصد، بسبب جهل لغوي أو ثقة زائدة في ترجمات غير دقيقة.

فالمؤمن الذي يردد الصلاة الربّية يوميًا يستحق أن يفهم ما ينطق به، لا أن يُضلّ بتأويلات لا أصل لها. لذلك، علينا كمؤمنين أن نُصغي لكلماتنا بوعي، ونلتزم بالدقة في كل ترجمة وتعليم، لأن الكلمة المقدسة هي نور وحياة وحق. وفي زمن تتكاثر فيه التأويلات، تبقى أمانة النص مسؤولية كل من يعرف اللغة ويمتلك أدوات الفهم.

فلنُصلِّ جميعًا أن يُنير الرب عقولنا وقلوبنا، ويمنحنا خبزنا الجوهري الروحي لهذا اليوم الذي نحياه — ذلك الخبز الذي يُغذّي النفس ويُحيي القلب — لا لنأكله فقط، بل لنحيا به، ونتقدّس به، ونشهد له بأمانة، في كل كلمة ننطقها، وكل ترجمة ننقلها، وكل تعليم نُقدّمه.

☦️ إن الدفاع عن كلمة واحدة قد يبدو تفصيلًا صغيرًا، لكنه في الحقيقة دفاع عن جوهر الإيمان ☦️

صلّوا لضعفي،
بحث وكتابة: أندرولا كونستنتينيدو
من صفحة "إيماننا الأرثوذكسي القويم"

06/11/2025

كلمة الأسقف ذمسكينوس الأزرعي وكلمة غبطة البطريرك ثيودوروس الثاني في السيامة الأسقفية لسيادة الأسقف المنتخب على أبرشية مريوط "بطريركية الروم الأرثوذكس / الإسكندرية الأرشمندريت ذمسكينوس الأزرعي من دير القديس مارجرجس البطريركي / القاهرة 1 - 11 - 2025

مُترجم إلى العربية لأبناء الروم الأرثوذكس الناطقين بالعربية في مصر!

الأسقف ذمسكينوس الأزرعي - Bishop Damaskinos Alazrai

05/11/2025
31/10/2025

☦️"لو دخل المسيح إلى حياتي من قبل، لما أصبحت مغنياً في المقام الأول."

في لقاء خاص مع الإعلامي اليوناني الشهيرغريغوريس أرناوتوغلو وفي أحد أهم البرامج الفنية التلفزيونية تحدث الفنان اليوناني المخضرم ستاماتيس غونيديس عن إيمانه.

جدير بالذكر أن الفنان ستاماتيس غونيديس هو فنان يوناني شهير يتميز بصوته العاطفي وأسلوبه الفريد في الغناء الشعبي، بدأ مسيرته كبحّار قبل أن يتحول إلى نجم في الساحة الموسيقية. كتب وأدى مئات الأغاني التي أصبحت من كلاسيكيات الموسيقى اليونانية، كما أصدر كتبًا تعكس اهتمامه بالفلسفة والروحانية. وقد عبّر الفنان غونيديس مرارًا عن إيمانه العميق بالمسيح، واعتبره مصدرًا للسلام الداخلي والتحول الروحي في حياته. وفي مقابلاته وتصريحاته، تحدث عن تجربته الشخصية مع الإيمان، مؤكدًا أنه وجد في المسيح ملاذًا من القلق والضياع، وأنه يحرص على الصلاة والتأمل كجزء من حياته اليومية. ويرى غونيديس أن الإيمان ليس مجرد تقليد، بل علاقة حية مع الله، وقد انعكس هذا في بعض أعماله الفنية التي تحمل رسائل روحية وتأملية. كما أنه لا يتردد في الحديث عن أهمية التوبة والغفران، ويشجع الآخرين على البحث عن السلام من خلال الإيمان بالمسيح.

صلواتكم 🙏🏻
ترجمة أندرولا كونستنتينيدو
☦️صفحة إيماننا الأرثوذكسي القويم☦️

الفصل الأول من كتاب: 100 عام على إصلاح التقويم الكنسي (1924–2024)التقويم – المسكونية – الفصح المشترك – الرياسة الكنسية ل...
18/10/2025

الفصل الأول من كتاب: 100 عام على إصلاح التقويم الكنسي (1924–2024)
التقويم – المسكونية – الفصح المشترك – الرياسة الكنسية لبطريركية القسطنطينية

أولًا: وحدة ترتيب الأعياد في الكنيسة
في كنيستنا الأرثوذكسية المقدسة، نُدرك أن التعليم الكنسي الأصيل لا يصدر عن حكمة بشرية أو سلطة زمنية، بل يتكلّم به معلّمو الكنيسة الحقيقيون بقوة الإعلان الإلهي للروح القدس الذي هم أوانيه الطاهرة والنقيّة. فالرسل القديسون الممتلئون بحكمة الله ومعرفته، رغم بساطة كلامهم، فقد بدّدوا مغالطات حكماء هذا العالم، وبلاغة الخطباء، و"حسابات الفلكيين"! (انظر الطروبارية التاسعة من الأودية، القانون الثاني من التريودي، سحرية الخميس من الأسبوع الثالث للصوم).
[Οἱ λόγῳ ἰδιῶται, σοφοὶ τῇ γνώσει ὤφθητε, πλοκὰς τῶν λόγων, φιλοσόφων λύσαντες, ῥητόρων τὰς διπλόας, καὶ ψήφους ἀστρονόμων· διὸ Ἀπόστολοι τοῦ Χριστοῦ, μόνοι πάσης οἰκουμένης, ἀνεδείχθητε Διδάσκαλοι.]
[ترجمة خاصة بنا: بسطاءٌ في الكلام، لكنكم ظهرتم حكماء في المعرفة، فحللتم تعقيدات الفلاسفة، وأسكتّم بلاغة الخطباء، وأبطلتم حسابات الفلكيين؛ لذلك، يا رسل المسيح، وحدكم أُظهرتم معلّمين لكل المسكونة.]

هكذا بذل رسل المسيح القديسون جهودًا عظيمة، ومن بعدهم خلفاؤهم الأجلاء، آباء الكنيسة القديسون ومعلموها. إذ أنهم سلّمونا سرّ الإيمان لا كمجرد عقيدة أو منهج كنسي نظري، بل أيضًا كطريقة للتعبير عنه في إقامة العبادة الإلهية لإلهنا الحقيقي. في الواقع، إن الانسجام والسلام في الممارسة الليتورجية يُجسّدان بشكل ملموس اختبار الإيمان المشترك، من خلال الاحتفال المشترك في نفس الوقت واليوم ضمن الدورة الطقسية السنوية. وهذه مسألة بالغة الأهمية، ينبغي أن ننتبه لها بشكل خاص ونحافظ عليها.

ومن غِنى التقليد المقدّس، تبلورت العبادة الإلهية في الكنيسة، وتحدّد من خلالها أيضًا نظام الدورة السنوية للأعياد. وقد جرى تنظيم هذا النظام وفق الأساس الزمني الذي اعتمدته الإمبراطورية الرومانية، أي ما يُعرف بالتقويم اليولياني.

تجدر الإشارة إلى أن هذا التقويم ليس هو الأكمل ولا الأدق من الناحية الزمنية، ونحن لا نُضفي عليه طابعًا مثاليًا، ولا نمنحه بطبيعة الحال أي قيمة خلاصية، كما قد يتّهمنا البعض بذلك. ببساطة، كان هو التقويم السائد بالكامل في ذلك الزمن، وقد تكيّف ترتيب الأعياد الكنسية وفقًا له. ولهذا السبب، أُطلق عليه لاحقًا اسم "التقويم الكنسي"، وأصبح جزءًا من التقليد المقدّس، إذ استُخدم لما يقارب ألفي عام في الحياة الكنسية والعبادية، وبالتالي ارتبط ارتباطًا وثيقًا بالحياة الليتورجية للكنيسة بأكملها.

في الواقع، عندما انعقد المجمع المسكوني الأول في نيقية في بيثينيا عام 325، بدعوة ورعاية من الإمبراطور قسطنطين الكبير ، تناول المجمع – كما هو معروف – مسألة تنظيم الاحتفال المشترك بعيد الفصح. وقد كان الاعتدال الربيعي آنذاك يُصادف يوم 21 آذار بحسب ذلك التقويم. (انظر: كاتليس فيغلاس، جيريميا الثاني ترانوس، رئيس أساقفة القسطنطينية، روما الجديدة، والبطريرك المسكوني [1536–1595]، منشورات جمعية أهالي أنخِيالوس، أثينا 2017، ص. 69. وأيضًا: فلاسيوس فيذاس، التاريخ الكنسي، المجلد 3، أثينا 2014، ص. 204)

حدّد المجمع المسكوني طريقة حساب عيد الفصح بناءً على الاعتدال الربيعي بدقة، لا بشكل عام ومبهم كما يدّعي البعض، بل وفق التاريخ المحدّد لذلك التقويم بالذات. وقد جرى هذا التحديد بطريقة تضمن أن يُحتفل بعيد الفصح المسيحي بشكل مشترك من قبل جميع المسيحيين الأرثوذكس، في يوم الأحد الذي يلي أول بدر كامل بعد الاعتدال الربيعي، دون أن يتزامن أو يسبق حساب الفصح الناموسي بحسب العهد القديم، أي الفصح اليهودي.

إن القوانين الكنسية، وتحديدًا القانون السابع من قوانين الرسل القديسين، والقانون الأول من قوانين مجمع أنطاكية، تُظهر صرامة خاصة في حال انتهاك هذه القاعدة. ومن المؤكد أنها لا تُعبّر عن أي معاداة للسامية، ولا ترتبط بتنظيمات زمنية ظرفية لتلك الحقبة، بل إنها تعكس التسلسل الحقيقي للأحداث "الرمز والتحقيق" ، كما يُفهم ويُختبر ليتورجيًا، ضمن الخطة الإلهية لخلاصنا، في الكنيسة، في كل زمان ومكان.

وقد انصبّ اهتمام المجمع المسكوني الأول على أن يُحتفل بعيد الفصح المقدّس، وبالتالي أن تُحتفل جميع الأعياد – المتحرّكة والثابتة – بشكل مشترك من قبل أعضاء الكنيسة الأرثوذكسية، لا من قبل من هم خارجها. فالآباء القديسون لم يتشاوروا مع مختلف الهراطقة في زمنهم، الذين كانوا يُسمّون أنفسهم مسيحيين، ولم يأخذوهم بعين الاعتبار في أعمالهم. بل أدانوهم بسبب انحرافهم، طالما ظلّوا غير تائبين، وسعوا إلى ألا يختلط احتفال الأرثوذكس مع الهراطقة. لأنه حيث لا توجد وحدة في الإيمان، لا معنى لوحدة في الاحتفال.

في الفترة التي تلت مباشرة المجمع المسكوني الأول وحتى القرن السادس، وبمساهمة من كنيسة الإسكندرية، تمّ وضع قانون الفصح في الكنيسة الأرثوذكسية، وهو التقويم الفصحي الأبدي الخاص بها، والذي يُشكّل حتى اليوم المرجع الإرشادي الثابت لتحقيق ما حدّده المجمع المسكوني الأول. وقد جرى تصحيح بعض الانحرافات في الحساب، التي ظهرت في روما أو إنجلترا أو مناطق أخرى، مع مرور الزمن، وساد الاحتفال المشترك عالميًا بشكل شامل.

وكان لهذا أثر مباشر على الدورة السنوية للأعياد، ليس فقط على الأعياد المتحرّكة المرتبطة مباشرة بالفصح، بل أيضًا على الأعياد الثابتة في السنة الكنسية، والتي كانت قد تبلورت خلال فترة المجامع المسكونية، على أساس التقويم اليولياني المعتمد آنذاك. وظلّ هذا النظام محفوظًا دون تغيير طوال ما يُعرف بالعصر البيزنطي، رغم ما سُجّل من تأخيرات زمنية فيه (انظر: فلاسيوس فيذاس، المرجع نفسه). ذلك لأنّه كان ولا يزال معروفًا أن التقويم اليولياني، بسبب خطأ فيه، "يفقد" يومًا واحدًا كل 128 سنة، مما يؤدي إلى تراجع تاريخ 21 آذار/ مارس، المُعتبر اعتدالًا ربيعيًا، تدريجيًا وبشكل طبيعي. ومع ذلك، فإن هذا النقص الملحوظ – والذي يمكن اعتباره طبيعيًا، لم يؤثّر على الكنيسة، إذ إنها غير معنية بمسألة الدقة الزمنية الفلكية بحد ذاتها، بل بما تحقّق من خلالها، أي الاحتفال المشترك من قبل شعبها. فما دامت الكنيسة قد ضمنت، بشكل حسن ومُرضي لله، الاتفاق والوحدة في الزمن الليتورجي، وإنهاء الخلافات والانقسامات بين أبنائها المنتشرين في كل أرجاء الأرض، (انظر: رسالة "إلى الأساقفة الذين لم يحضروا المجمع" للإمبراطور قسطنطين الكبير، في أعمال المجامع المقدسة والمسكونية، سبيريدون ميليا، المجلد الأول، إعادة طبع 1981، ص. 281–282)، فهي لم تعد تُعنى بما قد يظهر من تأخيرات تقويمية بعد مرور قرون أو حتى آلاف السنين.
لماذا؟ لأن أي خلل تقويمي لا يؤثّر إطلاقًا على انتظام الحياة الليتورجية للكنيسة، من حيث الاحتفال المشترك بعيد الفصح وسائر الأعياد. فالعلوم الفلكية قد تتطوّر وتُقدّم تقاويم أكثر دقة للعالم في شؤونه الزمنية، لكن هذا لا علاقة له البتّة بحياة الكنيسة، التي رتّبت لأبنائها أفضل حل ممكن. أما سياسيًا، فبإمكان كل شخص أن يتّبع أي تقويم معمول به في بلده، لكن كنسيًا، فإن هذا الموضوع قد أُقفل.

فقط في حال ظهرت حاجة كبيرة تُهدّد بشكل جوهري أو تُعيق خلاص أعضاء قطيعها، فقط حينئذٍ – وبشكل افتراضي – يمكن للكنيسة، في رعايتها الرعوية المسؤولة والمُفعمة بخشية الله، أن تُقدِم على تعديلات ضرورية في هذا الشأن، وذلك طبعًا بعد اتفاق مشترك، وموافقة جامعة أرثوذكسية مقبولة من الجميع.

في القرن الرابع عشر، لفت العالم الفلكي والمؤرخ والفيلسوف نيقيفوروس غريغوراس الانتباه في الشرق إلى الخلل الموجود في التقويم اليولياني، وسعى إلى إقناع الإمبراطور أندرونيكوس الثاني باليولوج بإجراء «تصحيح» للتقويم. غير أن الإمبراطور، وبكل حكمة، رفض هذا الاقتراح تفاديًا لإحداث بلبلة في الشعب، وانقسام في جسد الكنيسة. (انظر: كاتليس فيغلاس، جيريميا الثاني ترانوس، ص. 71؛ فلاسيوس فيذاس، التاريخ الكنسي، المرجع نفسه.)

لقد تصرّف الإمبراطور بحكمة كبيرة وبفطنة رعوية، إن جاز التعبير. لكن من كان غريغوراس، ذلك الذي طمح إلى "تصحيح" التقويم؟ لقد كان رجلاً مُعاديًا للنهج الهدوئي، وخصمًا أساسيًا للقديس غريغوريوس بالاماس، وقد أُدين من قبل المجمع الكبير المنعقد في القسطنطينية عام 1351 (المجمع المسكوني التاسع) باعتباره هرطوقيًا. (انظر: المجلد المجمعي [1351]، في: يوأنس كارميريس، الآثار العقائدية والرمزية، المجلد الأول، الطبعة الثانية، أثينا 1960، ص. 377، 404.)

فما من رجل من رجال الله قد يشكّك يومًا في التقليد المقدّس للكنيسة، ولن يقبل منطقًا بشريًا في شؤونها، ولن يُقدّم العلم على حكمة الآباء الإلهية. وإن كانت هناك مسألة فلكية أو دقة علمية تستوجب أن نكون ملتزمين ومطيعين لتحديد المجمع المسكوني الأول بشأن حساب الاعتدال الربيعي، فهل يُعقل أن تكون الكنيسة قد غفلت عنها ولم يُلاحظها أحد طوال ألف عام؟! هل كانت كنيسة المسيح على الأرض لتبقى بهذا القدر من الخطأ واللاعقلانية، مُكرّسة خطأً فادحًا في موضوع بهذه الأهمية، يخصّ أول وأعظم أعيادها، عيد الفصح المقدّس، في الوقت الذي أبدع فيه آلاف من قديسيها، متميّزين بنور إلهي وإنساني، وبقداسة وحكمة وفضيلة نادرة ومُبهرة؟! وهل يُعقل أن ننتظر من الهَرَطوقي غريغوراس، أو من أمثاله، أن "ينير بصيرتنا"؟! كم هو مُخزٍ، بل ومُجحف، أن يتصوّر أحد ذلك حتى مجرد تصوّر!

لكن الأمر لم يكن جهلًا أو خطأً. بل إن موقف الكنيسة، كما أشرنا، مختلف في جوهره. فقد حُدّدت الحادي والعشرون من آذار كموعد للاعتدال الربيعي لا على أساس مادي أو فلكي، بل على أساس تقويمي وتقليدي. (انظر: أريستوس ديليمباسيس، فصح الرب، أثينا 1985، ص. 688–689).
وهذا يتّضح أيضًا من مجمل موقف المدافعين عن الأرثوذكسية في مواجهة الابتكار البابوي المتمثّل في التقويم الغريغوري، والذي سنتناوله لاحقًا. (انظر: نيقولاوس مانيس، الدرع اليوناني ضد التقويم الغريغوري – مسألة التقويم في الشرق الأرثوذكسي بين عامي 1581–1901، أثينا 2016، ص. 278.) ومن يتجاوز هذا المبدأ، يقع في تجربة العقلانية، مثل غريغوراس المدرسي، الذي يُقارب شؤون الكنيسة بعقلية متعالية على أنه "مُصلِح"، لكنه في الواقع "مُدمّر!"

علاوة على ذلك، يلاحظ ماثيو فلاسطاريس، المعبّر عن التقليد القانوني في أواخر العصر البيزنطي (عام 1335)، أن هناك بالفعل شذوذًا زمنيًا يحصل مع مرور الوقت في ما يخص الاعتدال الربيعي، لأن هذا الأخير يتغيّر. ولكن، بالطبع، من غير الصواب ، بسبب هذا الأمر، أن نُقدم على تعديل (تحوير) قانون الآباء الخاص بعيد الفصح المقدس، أو أن نقوم بتأليف قانون آخر جديد، يُحدّد بهذه الدرجة من الوضوح كل القواعد المرتبطة بعيد الفصح، والتي من الضروري أن تُحفظ وتُطبّق بدقة. لذلك، من الأفضل ألا نُحدث أي ابتكار ("أي أنه من الأفضل عدم التجديد")، لأن الابتكار من هذا النوع لن يُجنب فقط الوقوع في نفس الخطأ مرة أخرى (أي أن يكون هناك حاجة إلى تصحيح جديد)، بل سيُسبّب أيضًا اضطرابًا واسعًا في الكنيسة. (انظر: رالي–بوتلي، مجموعة القوانين الإلهية والمقدّسة، المجلد السادس، ص. 424–425، باليونانية المعاصرة).

ولو سادت تلك الحكمة الأرثوذكسية البديهية الأولى، وذلك التمييز الروحي، لما كنّا نُعاني منذ قرن كامل ما نعانيه اليوم من مآسٍ واضطرابات.

✠ المطران كليمِس
مطران لاريسا وبلاتاموناس
الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية القديمة (Γ.Ο.Χ.)
أكتوبر 2024
☦️☦️☦️
ترجمة أندرولا كونستنتينيدو
من صفحة إيماننا الأرثوذكسي القويم

Address

Athens

Website

Alerts

Be the first to know and let us send you an email when إيماننا الأرثوذكسي القويم posts news and promotions. Your email address will not be used for any other purpose, and you can unsubscribe at any time.

Contact The Business

Send a message to إيماننا الأرثوذكسي القويم:

Share

أيماننا الأرثوذكسي القويم

هذه الصفحة تعبر عن الإيمان الأرثوذكسي المستقيم الأول... إيمان الكنيسة التي تأسست في زمن الرسل والتي تتبع قرارات المجامع المسكونية السبعة التي أقرت بطبيعتي المسيح... الكنيسة الأرثوذكسية الأولى ليست طائفة ولكنها جوهر الإيمان المسيحي، منها انشقت الطوائف الكثيرة الموجودة اليوم في العالم..