18/11/2025
☦️ هل يمكن أن تُخضعك سيجارة لما لم يُخضعك له الصوم؟
تأمل في الإرادة، وفي ما يُستعبد له الإنسان رغم قدرته على الصوم والانضباط.
________________________________________
☦️ رأي الكنيسة الأرثوذكسية والآباء القديسين في التدخين
________________________________________
🔥 شهادات الآباء القديسين
تناول العديد من آباء الكنيسة القديسين موضوع التدخين بلهجة صارمة، معتبرين إياه خطيئة تُهلك الجسد والروح. فالقديس نكتاريوس أسقف المدن الخمس وصف التدخين بأنه"زنى الفم" و"بغاء الفم" و"دعارة الفم".
أما القديس نيقوديموس الآثوسي، فقد تناول الموضوع في كتابيه "التمارين الروحية" و"النصائح الطيبة"، واصفًا التدخين بأنه"بخور الشيطان" وقد شدد في كلا العملين على مدى خطورة التدخين مُعتبراً إياه مسؤولاً ليس فقط عن صحة الشخص الجسدية والعقلية، ولكن أيضًا عن موقف الإنسان فيما يخص واجباته كمسيحي. ويؤكد، من بين أمور أخرى، أن جميع رجال الكنيسة دون استثناء لا ينبغي أن يدخنوا لأن استخدام التبغ هو مُخالف للحشمة التي هي من أهم فضائل الأخلاق ويتعارض مع سمعة الكهنوت، ويضر بصحة الجسد الذي هو هيكل للروح القدس.
________________________________________
🕯️ شهادة القديس بارثينيوس الحامل الإله
في سيرة القديس بارثينيوس الحامل الإله من جزيرة خيوس (رقد عام 1883)، التي دوّنها الأرشمندريت يواكيم الأورشليمي، نُقل عنه تحذير واضح من التدخين، حيث كان ينصح زواره بعدم التدخين. وقد أطلق على السجائر والتبغ بشكل عام تسمية:
"بخور الشيطان" و"العشب ذو الرائحة النتنة" بما أنّها تؤذي الجسد الذي هو "هيكل الله".
كان القدّيس يحاول إقناع الناس أنّ التدخين ليس مُدَمِّراً ومؤذياً للجسد فحسب، بل هو تَصَرُّفٌ غير لائقٍ بالمؤمنين، وأنه مُعيبٌ للكاهن بشكل خاص. وكان يقول للكهنة الذين يدخنون ويُخفون سجائرهم عنه:
"أنا أعلم ما هو نوع البخور الذي تستخدمه في التبخير! من الأفضل أن نَتَنَشّق رائحة البخور وحده أو السجائر وحدها، لأن مزيج رائحة البخور والسجائر لا يُنتج رائحةً زكية!"
ما قصده القديس هو أنّ التدخين لا يُوافق الإكليروس، وإن قام أحدهم بالتدخين فالأجدر به أن يبقى علمانيًّا.
إنّ عواقب التدخين الوخيمة أمر مُسلَّم به من الجميع في أيامنا هذه، فلتكن نصيحة القديس هذه معونةً لكافة ذوي الإرادة الصالحة.
________________________________________
🚉 قصة الأب سلوان الآثوسي
يروي الشيخ صفرونيوس ساخاروف في كتابه عن القديس سلوان الآثوسي قصة مؤثرة:
في عام 1905، مر الأب سلوان عبر روسيا لزيارة بعض الأديرة، وفي إحدى رحلاته بالقطار، جلس قبالته راكب فتح صندوق التبغ الخاص به وقدم له سيجارة. شكره الأب سلوان ورفض بأدب.
فسأله الراكب إن كان رفض السيجارة لأنه يعتبر التدخين خطيئة، مبررًا أن التدخين يساعده كثيرًا في حياته المزدحمة، فهو بمثابة استراحة من عبء الحياة اليومية، كما أنه يُسهّل تفاعلاته الاجتماعية.
رد الأب سلوان بسؤال بسيط:
"هل تصلي صلاة 'أبانا الذي في السماوات' قبل أن تدخن؟"
أجاب الرجل بالنفي، معتبرًا أن ذلك غير لائق.
فقال له الأب سلوان:
" أي عمل لا يليق بالصلاة، فالأولى عدم القيام به وتركه."
لأن ذهن الإنسان وقلبه يجب أن يكونا دائمًا حرّين ومستعدّين للصلاة، ولا ينبغي القيام بأي عمل لا يليق بالصلاة.
________________________________________
📜 التدخين في ضوء التقليد الكنسي
إن كل ما لا يصمد أمام الصلاة الطاهرة فالأولى تركه، لأن متعة الخطيئة لا تُقهر بالحرمان والصراعات الصعبة، بل بالعودة إلى الشركة بين الله والإنسان، وفي المكان الذي يتم التعبير عنه فيه بأفضل شكل، أي بالصلاة.
وهذا ما يؤكده كتاب اليورنديكو، حيث يقول إنه من أجل إخراج الشياطين، يجب على المرء أولًا أن يُسيطر على عواطفه لكي يتمكن من إبعاد الشياطين عنه. وكما أن الشياطين لا تخرج من الإنسان إلا بالصلاة والصوم، بحسب قول الرب، كذلك أيضًا هذا الشغف والتعلق بالسيجارة لا يخرج إلا بالصلاة والصوم الحاران اللذين يجلبان التدبير الذي يقوي المحبة لدى الإنسان، وبالصلاة والصوم يهرب الشر الذي يستعبد ويتسلط على الإنسان.
________________________________________
📖 التدخين في ضوء الكتاب المقدس
رغم أن الكتاب المقدس لا يذكر التدخين صراحة، إلا أنه يُعالج الأمر من خلال مبادئ واضحة. يقول الرسول بولس في رسالته إلى أهل كورنثوس الأولى 6:12:
"«كُلّ شَيءٍ يحِلّ لي»، ولكِنْ ما كُلّ شَيءٍ يَنفَعُ. «كُلّ شَيءٍ يَحِلّ لي»، ولكِنّي لا أرضى بأنْ يَستَعبِدَني أيّ شيءٍ."
إذن، يجب ألا نرضى أو نوافق على القيام بأعمال قد نجد أنفسنا مع مرور الوقت مُستعبدين لها، وبحسب المصطلح الطبي، مُدمنين عليها.
فالتدخين يُسبب الإدمان بلا شك، وهنا تسيطر وتتسلط علينا هذه السيجارة ونصبح بلا وعي عبيدًا لها، لدرجة أن هناك البعض يستيقظون في منتصف الليل من أجل التدخين، بينما لا يستطيعون بأي شكل أن يقوموا في ذلك الوقت من أجل صلاة منتصف الليل!!
تجدهم يرغبون في الصيام في فترة الصوم، لكن لا يستطيعون لأنهم لا يمكنهم ترك السيجارة أكثر من ساعتين!
________________________________________
💭 التأمل في وصف "بخور الشيطان" و"زنى الفم"
لو تأملنا في كلتا الصفتين، نجد أن التدخين يُعطي الإنسان لذة جسدية ومتعة مثل الزنى وغيره من الخطايا المتعلقة بالجسد. وأي محبة للجسد أو العالم هي خيانة لله، كما يقول يعقوب الرسول:
"'أيُّها الزُّناةُ والزَّواني، أما تعلَمونَ أنَّ مَحَبَّةَ العالَمِ عَداوَةٌ للهِ؟ فمَنْ أرادَ أنْ يكونَ مُحِبًّا للعالَمِ، فقد صارَ عَدوًّا للهِ."
(يعقوب 4: 4)
وكما أن صلاتنا تصعد كالبخور أمام الرب، هكذا أيضًا يكون التدخين كالبخور أمام الشيطان الذي لا يريد خلاص البشر!
وقد يزني الإنسان في الخفاء، لكن المُدخن يُشعل سيجارته في أي وقت وفي أي مكان وأمام أي شخص دون أي احترام، فالتدخين يجعل المُدخن إنسانًا أنانيًا لا يهمه سوى نفسه، فتجده يُدخن دون مراعاة لمن حوله، وقد يكون حوله أشخاص أصحاب أمراض صدرية، أو أطفال أو كبار في السن.
كما أنه لكي يستمتع بالتدخين، يقوم بدعوة الآخرين للتدخين معه، بل قد يجعل أبناءه يرغبون في تقليده، وهكذا يبدأ التدخين لدى المراهقين في سن مُبكر!
وهكذا فإن التدخين ضار للمدخن ولمن حوله! ناهيك عن الذين يضعون مخدر القنب في سجائرهم، وهذا موضوع آخر سوف نقوم بتناوله في موضوع آخر!
________________________________________
📌 آيات إضافية للتأمل
يتابع الرسول بولس قوله في نفس الإصحاح (1 كورنثوس 6:19-20):
"أم لَستُمْ تعلَمونَ أنَّ جَسَدَكُمْ هو هَيكلٌ للرّوحِ القُدُسِ الّذي فيكُمُ، الّذي لكُمْ مِنَ اللهِ، وأنَّكُمْ لَستُمْ لأنفُسِكُمْ؟ لأنَّكُمْ قد اشتُريتُمْ بثَمَنٍ. فمَجِّدوا اللهَ في أجسادِكُمْ وفي أرواحِكُمُ الّتي هي للهِ."
وفي (1 كورنثوس 10:31):
"فإذا أكَلتُم أو شَرِبتُم، أو مَهما عَمِلتُم، فاَعمَلوا كُلّ شيءٍ لِمَجدِ اللهِ."
________________________________________
❓أسئلة تأملية بناءً على الآيات
• هل يمكن اعتبار أن التدخين "ينفع صحيًا"؟ (1 كورنثوس 6: 12)
• هل يمكن أن نقول إن المُدخنين "يمجدون الله في أجسادهم"؟ (1 كورنثوس 6: 20)
• هل يستطيع المرء أن يدخن من أجل "مجد الله"؟ (1 كورنثوس 10: 31)
الإجابة على هذه الأسئلة الثلاثة هي واحدة: لا. ❌
________________________________________
⚠️ حجج شائعة والرد عليها
قد يُعارض البعض من خلال الاستشهاد بحقيقة أن الكثير من الناس يتناولون أطعمة غير صحية، وهذا أيضًا يُعد إدمانًا ويؤثر على أجسامهم بنفس القدر من السوء.
فمثلًا، كثيرٌ من الناس مدمنون بشكل ميؤوس منه على الكافيين، لدرجة أنهم ببساطة لا يستطيعون العمل بشكل صحيح دون فنجان قهوة الصباح! نعم، هذا صحيح، وكل ما يضر بصحة الإنسان يقع تحت بند الخطيئة.
ومرة أخرى، كل ما يتسلط علينا من عادات معروفة بديهيًا أنها سيئة هو خطيئة، ويجب على المسيحيين أن يتجنبوها، حتى الشراهة في الطعام ومُعاقرة الخمور وسائر العادات والشهوات.
وهناك حجة أخرى وهي حقيقة أن العديد من رجال الكنيسة أو الكهنة يُدخّنون! ونحن نسأل:
• هل بعض هؤلاء الكهنة أتقياء ومعلمين ممتازين لكلمة الله؟ نعم، بالتأكيد! ✔️
• وهل هذا يجعل كل أفعالهم وعاداتهم تمجد الرب؟ كلا! ❌
________________________________________
🔥 التدخين كخطيئة روحية
إذن، نتيجة لما تقدم، فإن التدخين هو مرض للروح، واستعباد للنفس البشرية، ويُعتبر خطيئة بالنسبة لكنيستنا الأرثوذكسية. وبالتالي لا ينبغي أن يمارسه أتباع المسيح الحقيقيين.
وبالقول إن التدخين خطيئة، فإن الكنيسة لا تقول إن المدخنين لن يخلصوا. فكثير من المؤمنين بيسوع المسيح يدخنون أو سبق وتسلطت عليهم هذه العادة قبل إيمانهم. وبالتالي فإن التدخين لا يمنع الشخص من أن يخلص، كما أن التدخين يُغفر تمامًا كسائر الخطايا الأخرى، إن اعترفنا أنه خطيئة وعملنا جاهدين على التخلص منه.
ولكن إذا كان المُدخن مُتكبرًا ولا يعتبر أن التدخين خطأ، فسيستمر في خطيئته!!
________________________________________
🧠 وقفة مع الإرادة
من اللافت أن كثيرًا من الناس يتمكنون من الالتزام الصارم بقوانين الصوم، فيمتنعون عن جميع المأكولات الممنوعة، ويصبرون لساعات طويلة دون طعام، ومع ذلك تجدهم عاجزين تمامًا عن ترك السيجارة ولو لساعات قليلة.
هذه المفارقة يجب أن تكون جرس إنذار لكل إنسان، فكيف لسيجارة صغيرة أن تسلب الإرادة وتُخضع النفس؟
إن كان الإنسان قادرًا على ضبط شهواته الغذائية، فلماذا يُستعبد لهذه العادة؟
هنا يجب أن يقف الإنسان مع نفسه وقفة صدق، ويُدرك أن التحرر من التدخين ليس فقط مسألة صحية، بل هو جهاد روحي يُعيد له كرامته وحريته.
________________________________________
🙏 دعوة روحية
يا إخوتي، دعونا نجاهد الجهاد الحسن من أجل الإقلاع عن هذه العادة المتسلطة، وكل عادة سيئة تتسلط وتسيطر علينا!
دعونا لا نسمح لأنفسنا أن نكون عبيدًا لمثل هذه العادات المدمرة والمهلكة لنا جسديًا وروحيًا!
وليكن زمن الصوم هذا بمثابة تأهيل روحي ومعنوي لمساعدتنا على الإقلاع عن التدخين وأي عادة سيئة لا ترضي الله!
صلواتكم 🙏
✍️ جمعته وكتبته: أندرولا كونستنتينيدو
☦️ إيماننا الأرثوذكسي القويم ☦️