- تعزية السياسي والمسؤول مرفوضة لأنه هو المتسبب!!
- لماذا لا يستقيل المسؤول؟! لماذا لا يفكر أصلا بالاستقالة من ذاته بسبب تقصيره؟!
- لماذا يستخفون إلى هذا الحد بكرامة العراقي وقيمته!!
حسين الخليفة
17/07/2025
صورة مصغرة عن العراق
صورة مصغرة عن ضياع كرامة الإنسان
الناس تحترق والجثث تتفحم
ويبقى الحال كما هو ما دامت الناس راضية بالذل الذي يرونه عزًا وكرامة!
إنا لله وإنا إليه راجعون
16/07/2025
كتب الباحث والمحلل السياسي عقيل عباس :
♦️ في ذم المعايير المزدوجة، من العراق الى سورية…
يتصاعد هذه الأيام غضب عراقي على سوء المعاملة الذي تعيشه الاقليات الدينية في سورية. ورغم ان الدولة السورية الجديدة فشلت في حماية الأقليات او طمأنتهم، واحياناً شاركت في قمعهم او تغاضت عنه على الأقل(ما يزال الجواب عن هذا السؤال، المشاركة في القمع، ليس محسوماً تماماً)، فأن معظم الغضب العراقي لا يبدو فعلاً ناتجاً عن وعي حقوقي مخلص ورغبة انسانية صادقة بمعاملة متساوية للجميع وانما اكثر بالتشفي من الحكومة الجديدة في سورية ومحاولة اثبات انها مجرد امتداد "مهذب" لتنظيم القاعدة. في الوقت نفسه ليس ثمة غضب عراقي حقيقي على سوء معاملة الأقليات الدينية في العراق نفسه! احد الأمثلة الأخيرة على هذا الفشل العراقي في الدفاع عن الإنسان كانسان بغض النظر عن معتقداته، هي المعاملة السيئة التي تلقاها الصرخيون على يد السلطة العراقية وتواطئ الاعلام وصمت معظم الجمهور الشيعي، او قبوله الضمني، بهذه المعاملة! للاسف هذا مثال اخر على المعايير المزدوجة، السائدة عراقياً..
في ادناه ثلاثة مقالات كتبتها في عام ٢٠٢٢ بعد تعرض الصرخيين الى حملة قمع حكومي بتواطئ شعبي واعلامي لسوء الحظ..
الصرخيون وفشل آخر للنظام السياسي العراقي (١-٣)
عقيل عباس
صحيفة النهار، ١٩-٤-٢٠٢٢
عاش النظام السياسي العراقي لحظة َ إتحاد غريبة ونادرة في وقوفه الحاد خطابياً والعنيف سلوكياً ضد مجموعة دينية شيعية هامشية وصغيرة يُطلق عليها العراقيون اسم "الصرخية" او "الحركة الصرخية" نسبة ً إلى رجل الدين الذي يقودهم "محمود الصرخي." في لحظة الاتحاد السياسي والعقائدي هذه ظهر، مرة أخرى، الكثيرُ من عيوب النظام السياسي العراقي الذي ما تزال تهيمن عليه قوى الاسلام السياسي الشيعي. تضمنت بعض هذه العيوب تشويه الحقائق والازدواجية والانتهازية وتسييس القانون والتغول على الضعفاء
بدأت الأحداث التي قادت الى لحظة الاتحاد هذه بمقطع طوله أكثر من دقيقتين من خطبة دينية بُث واسعاً يتحدث فيه الخطيب الصرخي الشاب، على المسعودي، عن حرمة البناء على القبور وتشييد المراقد فوقها مستشهداً بادلة من الحديث مأخوذة من التراث الشيعي. أثار هذا المقطع الذي تكرر على لسان عدة عدة خطباء صرخيين في الوقت ذاته غضباً كبيراً بين الاحزاب السياسية الشيعية، التي سارع بعضها الى إصدار بيانات استنكار متهماً الصرخيين بالسعي لاثارة الفتن وتهديد الدين وداعياً الى معاقبتهم. وبسرعة ملفتة وغريبة، هُوجمت، في خلال اقل من يوم، مكاتب وجوامع وحسينيات تابعة للصرخيين في وسط وجنوب البلاد، في ما بدت عملية استهداف منظمة شاركت فيها مجاميع حزبية وشعبية وحكومية. بلغ عدد المكاتب ودور العبادة الصرخية المستهدفة نحو أربعين وأظهرت صورٌ وموادٌ فلمية عمليات هدمها وحرقها، بضمنها الحسينية التي القى من منبرها المسعودي خطبته. في العادة يثير مشهد هدم الجوامع وحرق مصاحف القرآن الكريم الغضبَ في الأوساط الشعبية والرسمية والدينية العراقية، إذ كانت هذه المشاهد تُنسب احياناً للقوات الأميركية في سنوات وجودها في البلد، او تُربط بسلوكيات متعمدة لقوى معادية للإسلام ومتحاملة ضد المسلمين سواء في الغرب أو خارجه لتُستخدم على انها احد الادلة على استهداف منهجي ضد الدين الاسلامي والمسلمين. لم تُثر هذه المشاهد في جوامع وحسينيات الصرخيين المهدمة الغضب العراقي المعتاد، بل كان التشفي واضحاً بما حصل لها ولهم. لم تشجع بعض الحركات السياسية الشيعية على مهاجمة وحرق مكاتب الصرخيين فقط، بل شارك ايضاً بعض اعضائها في هذه الاعمال غير القانونية، فيما تشتكي هذه الحركات بأن محتجي تشرين في ٢٠١٩ كانوا مخربين وخارقين للقانون عندما هاجموا واحرقوا مكاتبها أثناء حركة الاحتجاج الواسعة حينها في إطار اتهام المحتجين المشروع لهذه الأحزاب بالفساد والتغول على الدولة.
كان الأمر الآخر المثير للقلق هو سرعة إصدار الأوامر القضائية ضد الصرخيين وتنفيذها، إذ صدرت مذكرات اعتقال في اليوم التالي بحق ثلاثين صرخياً بينهم زعيم الحركة نفسه، ونفذ الكثير منها. استندت مذكرات الاعتقال هذه على قانون عقوبات عراقي معدل (رقم ١١١) صادر في العهد البعثي السابق في ١٩٦٩ ونص في أحد مواده (المادة ٣٧٢) على "معاقبة من يعتدي بأحد طرق العلانية على معتقد لإحدى الطوائف الدينية او حقر من شعائرها." المفارقة هي أن هذه المادة نفسها تحوي فقرة أخرى تالية تنص على العقوبة ذاتها بحق "من خرب او اتلف او شوه او دنس بناءً معداً لإقامة شعائر طائفية دينية أو رمزا او شيئا آخر له حرمة دينية." تنطبق هذه الفقرة على الذين قاموا بهدم الجوامع والحسينيات الصرخية، لكن لم تصدر أوامر قضائية باعتقالهم بسبب خرقهم الصريح لهذه المادة القانونية!
وبغض النظر عن الجدل المشروع بخصوص انسجام قانون العقوبات العراقي هذا الصادر في عهد قمعي مع الدستور العراقي الصادر في ٢٠٠٥ وتأكيده الديموقراطي على حرية التعبير، فإن ما ورد في الخطبة الصرخية، مثار الجدل، لا ينطبق عليه توصيف "اعتداء باحدى طرق العلانية على معتقد لاحدى الطوائف." اقصى ما ذهبت إليه لغة الخطيب الصرخي، علي المسعودي، هي اختلافها مع تشييد المراقد والطقوس والمناسبات المرتبطة بها، من دون تعريض او هجوم او تقليل من شأن الذين يزورون هذه المراقد ويمارسون الطقوس المرتبطة بهذه الزيارات أو يؤمنون بها. تبدو الجملة الأكثر إثارةً للخلاف في الخطبة هي التالية "نجد أن هناك الكثير من الأمور التي جعلت من الدين والعقيدة وهي بالأساس لا أصل لها ولا واقع ولا مشروعية ومن بين أبرز تلك الأمور هي بناء القبور وتشييد المراقد وتخصيص طقوس ومراسم ومناسبات خاصة بها، فهكذا أمور هي خلاف ما أمر به النبي محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه…." ثم يعدد الخطيب الادلة التراثية الشيعية بهذا الصدد.
بغض النظر عن صحة رأي الخطيب والاستنتاج الذي ذهب إليه من عدمه، لا يمكن اعتبار مثل هذا الرأي اعتداءً، إذ هو مجرد بيان لرأي فقهي وليس فيه دعوة للقيام بعمل ما فيه طابع الاعتداء على الآخرين او ممتلكاتهم أو دور عبادتهم أو مراقدهم. الصحيح هو أن يُرد عليه برأي آخر يفنده، وليس بأوامر اعتقال وتهديم دور عبادة وحرق مكاتب وشيطنة في الدوائر الإعلامية والسياسية. في الحقيقة لو طبقت هذه المادة القانونية بخصوص "الاعتداء باحدى طرق العلانية على معتقد لاحدى الطوائف" بشكل متساو وصارم على الجميع، لانتهى عددٌ كبير من الأشخاص المعروفين في الحيز العام، بضمنهم خطباء دينيون ورجال دين وكُتّاب مشهورون بالسجن أو الغرامة التي نص عليها القانون، بسبب كثرة التناول الذي فيه معاني التعدي والسخرية، بل احياناً الشيطنة، بحق معتقدات جماعات دينية كاملة كالمسيحيين واليهود والصابئة والسنة والشيعة فضلاً عن مجاميع أخرى ينعتهم هؤلاء الأشخاص بالكفار او المشركين او النواصب او الروافض أو الوهابية وغيرها كثير.
لكن الامر الاكثر مدعاةً للقلق في كل هذا المشهد المتجهم المناقض في جوهره لحرية التعبير وسيادة القانون هو اندراج عدد كبير من الاعلاميين ووسائل الاعلام في حملة التحريض ضد الصرخيين عبر وصفهم هذا المقطع الصغير من الخطبة بأنه دعوة لتهديم المراقد الدينية في البلد، وهي المراقد المحمية بنص دستوري واضح، بوصفها كيانات دينية وحضارية تلتزم الدولة بصيانتها وضمان حرية ممارسة الشعائر الدينية فيها. ذهب بعض الاعلاميين الى أبعد من هذا من خلال وصف الصرخيين، المجموعة الهامشية والصغيرة والضعيفة في البلد، بأنهم مشروع تطرف ديني سيقود الى عنف يذكرنا بعنف داعش والقاعدة، فيما سكت هؤلاء تماماً عن حملة التهديم والحرق غير القانونية ضد مكاتب ودور عبادة الصرخيين. لم يتوقف هؤلاء الاعلاميون مثلاً عند غياب الاساس القانوني في حرق مقار الصرخيين ودور عبادتهم، ولم يتساءلوا عن "الامتياز" الذي منحه ساسة حزبيون ومسؤولون رسميون في محافظات الوسط والجنوب لأنفسهم لتنظيم عمليات الحرق والتهديم هذه، واحياناً باستخدام معدات تمتلكها الدولة. كان ينبغي على الاعلام ان يثير بعض الاسئلة الصحيحة هنا: هل أصدر القضاء العراقي أوامر بالقيام بمثل هذه الأعمال؟ هل منح صلاحية تنفيذية لهؤلاء الساسة والمسؤولين للقيام بها؟ ما جزاء من يقوم بمثل هذه الأعمال وهو في موقع السلطة والمسؤولية؟
مهمة الإعلام والإعلاميين وصناع الرأي المهنيين هي نقل الاخبار بدقة وتوفير التحليل العقلاني والمنطقي لها فضلاً عن التوعية بخروقات القانون والمصلحة الوطنية التي تُقدم عليها المؤسسات الرسمية او السياسية او الأهلية او غيرها، وليس الانضواء في حملة شيطنة واعتداء وتسييس القانون. هذا جزء من التوعية بالصالح العام والدفاع عنه وعندما تتخلى معظم وسائل الإعلام عن هذه المهمة النبيلة والضرورية، فإنها بذلك تصبح شريكة للنظام السياسي في آثامه الكثيرة التي لا يبدو أن استهداف الصرخيين سيكون آخرها.
الصرخيون وفشل آخر للنظام السياسي العراقي (2 - 3)
عقيل عباس
صحيفة النهار،٢٦-٤-٢٠٢٢
يميل معظم المجتمع الشيعي العراقي للنظر الى "الصرخيين" عبر نافذة السياسة وليس الدين. الافتراض الشائع هو انهم مشروع سياسي مدعوم خليجياً أو غربياً لضرب التشيع من الداخل. وفي حال حسن النية وغياب القصدية السلبية لدى "الصرخيين" يُفهم هؤلاء على أنهم يمثلون انحرافاً خطيراً عن التشيع ناتجاً إما عن الجهل أو طموح الزعامة الدينية المبالغ به لدى زعيم المجموعة، السيد محمود الصرخي.
يستشهد خصومهم بحزمة أدلة مختلفة، يتلخص بعضها برفضهم طقوساً شيعية متأصلة وعميقة مثل زيارة مراقد الأئمة وتأكيدهم التوحيد في سياق يبدو أنه يستعير الاعتراضات السلفية و"الوهابية" على التشيع: تقديس الأئمة وإبراز مركزيتهم في المعتقدات الشيعية على حساب التوحيد الإلهي الذي قام عليه الإسلام تاريخياً. بعد ٢٠٠٣. ، استند معظم الاستهداف الارهابي للشيعة العراقيين على يد منظمات سلفية جهادية متطرفة، كـ"القاعدة" و"داعش"، الى التشكيك بصحة إيمان الشيعة كمسلمين موحدين بسبب ما اعتبرته هذه المنظمات تقويض التوحيد عبر إبراز الأئمة كما في زيارة مراقدهم والاستعانة بهم وترتيب الحياة الشيعية حولهم على نحو يحولهم الى غاية بذاتها وليس وسيلة.
من هنا جاءت فتاوى التكفير السلفية الجهادية ضد الشيعة وشيطنتهم كمجموعة بشرية. في الفهم الشيعي العراقي السائد، يبدو أن "الصرخيين" يقتربون من هذه المنطقة الخطرة والحساسة: التشكيك بالشيعة كمسلمين موحدين. ما يزيد الأمر لبساً هو ندرة المصادر الموثوقة المكتوبة، كالكتب، التي تشرح معتقدات "الصرخيين" كما يرونها هم. هناك محاضرات صوتية وفيديوية على اليوتيوب للسيد الصرخي وبعض أتباعه تشرح هذه المعتقدات. في مقابلها، هناك عدد أكبر من الفيديوات التي تهاجم الصرخيين وتتهمهم بشتى الاتهامات من الخيانة الى الانحراف إلى الارتزاق وغيرها كثير، تبدو محركة بالغضب منهم أكثر من الخلاف المشروع معهم بالرأي.
لكنَّ تتبعاً دقيقاً للشروحات التي يقدمها الصرخيون عن أنفسهم ومعتقداتهم تُظهر إنهم يُموضعون أنفسهم بوضوح في إطار التراث الشيعي الواسع والمتنوع ويقدمون قراءةً مختلفة لهذا التراث عن القراءة السائدة التي تنتمي إليها المؤسسة الدينية الشيعية والأغلبية الساحقة الشيعية.
جوهر القراءة السائدة هو تأكيد الخصوصية الشيعية بإزاء التسنن بوصفه مذهب الأغلبية الإسلامية الحاكم المُرتاب بالتشيع والذي جاء هذا الأخير كرد فعل عليه، أي رد فعل أقلية مظلومة وغاضبة على أغلبية ظالمة. في القراءة الصرخية للتراث الشيعي لا مكان لهذه الثنائية، إذ تختفي الخصومة الدينية بين التشيع والتسنن، ويغيب حس المظلومية الشيعية المعتاد بازاء التسنن كمذهب مُتغلب يمثل الأغلبية المهيمنة لكن ليس الحقيقة الدينية الصحيحة بحسب القراءة السائدة.
مثلاً، ينظر الشيعة عموماً بسلبية الى معظم صحابة النبي محمد وبعض زوجاته، كعائشة بنت أبي بكر. تظهر هذه السلبية في التجاهل الشيعي العام قدر الإمكان لهؤلاء الصحابة وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون الثلاثة، فيما تنتقص علناً أقلية من الشيعة منهم ومن زوجة النبي عائشة. على العكس من هذا، الصرخيون متصالحون مع الصحابة الذين يردون إيجاباً في الخطاب الصرخي على نحو مستمر. يرتكز الصرخيون في تصالحهم مع الصحابة وإطرائهم عليهم الى جانب من التراث الشيعي، من ضمنه التفسير القرآني، لا يبرز في القراءة السائدة شيعياً والمُهيمنة منذ قرون. يتجاوز الصرخيون هنا بنجاح حاجزاً نفسياً هائلاً فَصَلَ تاريخياً الشيعة عن السنة، رسخته شيعياً طقوس شعبية ناقدة للصحابة وزوجات النبي يرفضها الصرخيون ويحاججون ضدها بالاستعانة بالتراث الشيعي نفسه. كما أن التأكيد الصرخي للتوحيد مأخوذ أيضاً من التراث الشيعي الغني بهذا الصدد لكن تتراجع أهميته في المخيال والممارسة الشعبية لمصلحة الطقوس الكثيرة والمتنامية التي يتشكى منها الصرخيون وبينها الاكتشاف المستمر لقبور جديدة لأناس يُنسبون الى أهل البيت لتصنع لهم مراقد تُزار يزداد عددها في البلد على نحو مطرد، هذا فضلاً عن الاستنكار الصرخي للمبالغة في طقوس العزاء الحسيني.
يستند تصالح الصرخيين مع التسنن على توازن صعب ونادر شيعياً، بين التراث الشيعي الغني الذي يمكن أن يسمح، في جانب منه، بمثل هذا التصالح، وبين الوجدان الشعبي الشيعي المستثمر بقوة في الطقوس والسرديات الشعبية التي ترفض مثل هذا التصالح. عندما حاولت المدرسة الخالصية الشيعية مثل هذا التصالح على امتداد القرن العشرين، اتُّهم الخالصيون بأنهم سنة متخفون بأردية شيعية. يذهب الصرخيون أبعد مما ذهب إليه الخالصيون في سعيهم التصالحي هذا عبر الترسيخ العقائدي له من خلال التراث الشيعي وتجاهل، بل تحدي، المعارضة الشعبية والمؤسساتية الشيعية له. رغم أهمية الأسئلة التي يثيرها الصرخيون وحساسيتها بتصالحهم مع التسنن من دون مغادرتهم التشيع، لم تقد هذه الأسئلة الجريئة الى نقاش شيعي عام بخصوص معنى التشيع في عراق متنوع يُفترض أن تسوده المواطنة المتساوية بغض النظر عن الاعتقاد الديني، وليس التفوق العقائدي بما يعنيه هذا من التشييع الضمني للحيز العام في العراق باسم الحق الديموقراطي للأغلبية السكانية!
بعيداً عن محتوى هذه الأسئلة المرتبطة بتحديات عراق اليوم وشيعته، يُناقشُ الصرخيون في المجال الشيعي العام، المؤسساتي والشعبي، عبر زاوية أخرى تقليدية تتعلق بأهليتهم الدينية لإثارة الأسئلة واقتراح الأجوبة بخصوص التشيع ومعناه وعلاقته بالتسنن وآفاقه المستقبلية. ففيما يعتبر الصرخيون أنفسهم أنهم، ككل الشيعة العاديين، مجموعةً تقلد مرجعاً دينياً، هو محمود الصرخي، وتتبع فتاواه وإرشاداته بوصفه بلغ درجة الاجتهاد المطلق، ينظر معظم الشيعة العراقيين إليهم، بتأييد ضمني من المؤسسة الدينية الشيعية، بارتياب شديد بوصفهم حركةً منحرفة تقوض التشيع وتشوهه.
يبدأ هذا الارتياب بالتشكيك بحصول الرجل على درجة الاجتهاد هذه وبالتالي بأهليته الدينية في نقاش التشيع مرجعياً. يعني الاجتهاد القدرة على استنباط الأحكام الفقهية من مصادرها الرئيسية (القرآن الكريم والسنة النبوية، بما تتضمنه، في السياق الشيعي، أحاديث الأئمة ككاشفة عن هذه السنة) وتتشكل هذه القدرة لدى طالبها بعد الكثير من الجهد والدرس يستمر في العادة على مدى سنوات طويلة. لكن الإقرار بحصول الطالب على مرتبة الاجتهاد ليس عملية موثقة وممنهجة يمكن تتبعها بدقة بعد حصولها، فهي غالباً ما تقوم على قناعة أستاذ هذا الطالب، الذي ينبغي أن يكون هو نفسه مجتهداً مطلقاً أو مرجع تقليد، بامتلاك طالبه هذه القدرة فيقر له شفوياً أو خطياً بأنه بلغ مرحلة الاجتهاد.
كان الصرخي طالباً لدى السيد محمد صادق الصدر، ولم يُعرف في حياة الصدر الذي اغتيل في شباط (فبراير) ١٩٩٩ أنه أقر باجتهاد الصرخي. بعد وفاة أستاذه أعلن الصرخي أنه مجتهد مطلق ليتشكل تدريجياً جمهور صغير لكنه مخلص يقلده دينياً. من الصعب حسم الأهلية للاجتهاد في الحيز العام، لأنه موضوع شديد التخصص تتعاطى معه الحوزات الدينية التي عادةً ما تتجنب نقاش تفاصيله علانيةً. لكن بعيداً عن اجتهاد الرجل من عدمه، الأفكار التي يثيرها في الحيز العام جديرة بالنقاش لأنها تتعلق بقضايا جوهرية تتصل بمعنى التشيع ووجهته في سياق جديد لم يعتده الشيعة العراقيون.
يرتبط هذا السياق بحقائق "العراق الجديد" السلبية والايجابية معاً. الأبرز بينها أن شيعته يمثلون الأغلبية السكانية في البلد الذي صار حكمه، نجاحاً أو فشلاً، متوقفاً على وعيهم بأنفسهم وقراراتهم الانتخابية وهي القرارات التي أوصلت الى سدة الحكم حركات إسلام سياسي شيعي تريد الإبقاء على التشيع بشكله الشعبي السائد: طقوسي وتقليدي وطائع وينطوي على الاحتمالات الطائفية الكامنة التي يمكن إيقاظها، عند الحاجة، لأغراض الاستثمار السياسي، كما حصل في السنوات السابقة.
يعرض الصرخي نسخةً مختلفة من التشيع تتحدى هذه النسخة وتنتزع الاحتمالات الطائفية منها عبر النسخة البديلة التي تقترحها. على الأكثر، لن ينجح في مسعاه هذا لتغيير التشيع السائد، لكن الأسئلة التي يتركها وراءه، بأجوبتها المقترحة، خصوصاً تلك المتعلقة بالخصومة مع التسنن والإمعان في الطقوسية لن تغادر المجتمع الشيعي في العراق.
الصرخيون وفشل آخر للنظام السياسي في العراق (٣-٣)
عقيل عباس
صحيفة النهار، ٣-٥-٢٠٢٢
الهوية في العراق ثقيلة وعميقة ومرهقة. تكمن إحدى صعوباتها في أنها كثيراً ما تمنع النقاش والاختلاف الجديين داخل المجموعة نفسها أو تجعله مُكلفاً جداً، على اعتبار ان هوية المجموعة واضحة ومتفق عليها، وينبغي عدم الخروج على الاتفاق العام بخصوص معنى الهوية في داخل المجموعة. ما يزال مثل هذا الفهم الإشكالي هو أحد ركائز الاستبداد في البلد الفاعلة في داخل المجاميع الكردية والسنية والشيعية التي تمأسست تدريجياً بعد تشاركها في تجربة السلطة منذ ٢٠٠٥ فصعوداً
شيعياً، يبدو هذا النزوع الاستبدادي بخصوص الهوية ومعناها اشد بروزاً واكثر مدعاةً للقلق. كان الصراع مع الصرخيين مؤخراً أحد تمثلات هذا النزوع. ثمة رفض واضح داخل الفضاء الشيعي العام، الذي تهيمن عليه قوى دينية وسياسية واجتماعية محافظة، للاختلاف في إطار المجموعة الشيعية بخصوص ما تعتبره المجموعة تعريفياً أو اساسياً في هويتها. فمثلاً، هناك استعداد معقولة نسبياً في السياق الشيعي العام للتعاطي الهاديء مع اعتراضات سنة عراقيين على عادات وقناعات دينية شيعية كالبناء على القبور وتشييد المراقد وزيارتها وكثرة المناسبات الدينية الطقوسية. يظهر هذا الاستعداد غالباً عبر فهم أسباب هذه الاعتراضات والرغبة في الرد عليها بحجج مقابلة لإقناع المعترضين بخط هذه الاعتراضات (وهو ما لا يحصل عادةً) او على الاقل لاظهار ان لهذه العادات والقناعات اصلاً صحيحاً في التراث. الأفتراض هنا هو أنه متوقع ان تأتي هذه الاعتراضات من سنة وبالتالي ينبغي التعاطي مع اعتراضاتهم هذه ومطلقيها بهدوء وجدية واحترام. وحتى في حالة الفشل في اقناعهم وتفنيد اعتراضاتهم على نحو كاف، يعتبر التواصل معهم في مثل هذه الأمور شيئاً ايجابياً لأنه، في أضعف الاحتمالات، يخفف من سوء الفهم ويقلل الحواجز النفسية بين الطرفين، وقد يقود الى شيء من التفهم تدريجياً.
لكن روح التواصل والسعي الهاديء للتفاهم مع الآخر تختفي تماماً وتحل مكانها مشاعر الغضب والاحتقار والإيذاء التي كثيراً ما تتحول الى أفعال عدوانية وغير قانونية عندما تأتي هذه الاعتراضات نفسها من شيعة آخرين. هنا تكمن جوهر المشكلة بخصوص الصرخيين وتعاطي الاغلبية الشيعية، سواء كمؤسسات أو جمهور، معهم. انه رفض الاختلاف الجدي في داخل المجموعة الشيعية الأكبر، بسبب الخوف من أن يؤدي هذا الاختلاف الى تهديد هوية المجموعة ووحدتها المفترضة. الاختلاف مع السنة بوصفهم خارج هذه الهوية الشيعية، لا يضر بهذه الهوية، بل بالعكس قد يساهم في ترصينها وصناعة المزيد من حس التضامن الداخلي حولها بازاء هوية أخرى تبدو أنها تتحداها او تشكك بها كما في الهوية الدينية السنية. الصرخيون، بارائهم المناقضة للاجماع الشيعي التقليدي، يمثلون، في ذهن الاغلبية الشيعية الناقمة عليهم، تهديداً لهذه الهوية وبالتالي قاد هذا التهديد المتخيل الى استنفار حس الدفاع عنها حد استخدام العنف والقوة ضد مصدر "مصدر التهديد". هذا بالرغم من أن الحجم الصغير للصرخيين لا يؤهلهم لأن يصبحوا هذا "التهديد المقلق والخطير"
ليست المشكلة الحقيقية بين الصرخيين ومعظم الجمهور الشيعي هي في جواز البناء على القبور من عدمها او زيارة اضرحة الائمة، وإنما في الاختلاف وكيفية ادارته. يقود النجاح في ادارة الاختلاف سلمياً إلى الاغتناء والتنوع والثقة بقدرة الهوية على استيعاب التحديات والتطور عبرها. لكن الذي حدث كان شيئاً مختلفا تماما، إذ قادت الاثارات الصرخية بخصوص القبور والاضرحة الى المزيد من الصراع والعنف وليس الحوار والتفاهم.
اعتبار المُختلف تهديداً للمجموعة وليس شريكاً فيها يقود في العادة الى المزيد من الخسارات المستقبلية ويرسخ حساً بالأزمة والارتياب الدائمين ويمنع التطور والنضج بسبب الانشغال بالصراع والاستغراق بمخاوف الخسارة التي
يمكن ان تنتج منه. بهذا الصدد، يسترجع الصدام الشيعي العام مع الصرخيين مشهداً آخر شبيهاً، لكنه أكبر وأهم، هيمن فيه ايضاً الصراع والرغبة بالانتصار فيه على التفاهم والتشارك والاغتناء. تمثل هذا في كيفية تعاطي الأحزاب و المجاميع الشيعية المسلحة الممثلة في السلطة (او السلطة الشيعية) مع احتجاجات تشرين، إذ نظرت للناشطين والمحتجين الشيعة الذين شاركوا بقوة في الاحتجاجات وأداموا زخمها بجهودهم وتضحياتهم، على انهم يمثلون تهديداً خطيراً ل"لمذهب" وللجماعة الشيعية في العراق ولهويتها. لذلك اعتبرتهم مغرراً بهم و "أبناء سفارات،" أي انهم خارج الهوية الشيعية إما جهلاً أو عمدا. بالتالي مهد هذا الشعور بالتهديد الذي تشكل لدى القوى الشيعية السياسية المهيمنة، مالكة المال والسلاح والنفوذ، السبيلَ لاستخدام العنف والشيطنة وتسييس القانون في تعقب المحتجين.
اعتادت هذه القوى منذ هيمنتها على مقاليد الحكم في ٢٠٠٥ أن يكون الاحتجاج ضدها سنياً، وهي تكيفت ببراعة مع الأمر وتدريجياً طورت أدوات الرد التقليدية ضد هذا الاحتجاج لاحتوائه ومنع تحوله الى ظاهرة وطنية عامة تهدد هيمنتها على الحكم وموارده. من هنا كانت الاتهامات المعتادة لمختلف الاحتجاجات السنية بأنها ناتجة عن خليط من الدوافع المشبوهة كلها: طائفية وبعثية وارهابية وانتهازية. عندما حصلت احتجاجات تشرين في خريف ٢٠١٩، بمشاركة شيعية هائلة سرعان ما امتدت الى محافظات الوسط والجنوب، فوجئت السلطة الشيعية بها، وشعرت بتهديد وجودي لها، ولذلك لجأت بسرعة الى توظيف عنف غير مسبوق ضدها، لم تستخدمه حتى في ردها على الاحتجاجات السنية السابقة. ورغم أن حركة الاحتجاج التشرينية وطنية وليست مذهبية، بمشاركة عراقية واسعة عابرة للانتماءات الدينية، كان الخطر الذي شعرته السلطة مذهبياً وليس وطنياً، إذ كان همها الأساسي هو "كسر المحتجين" في جانبهم الشيعي، لأنهم مثلوا لها الجانب الأشد خطورة في الاحتجاجات: نزع الشرعية الدينية/المذهبية وخسارة الجمهور الانتخابي الجاهز.
لم تحاول السلطة الشيعية أن تدخل في نقاش حقيقي وعميق وصريح معهم، بوصفهم شيعة ساخطين على نحو مشروع ضد الفشل والفساد وانعدام الأفق، وساعين في الوقت ذاته، لتصحيح قصة الحكم والدولة في العراق لدفعها نحو مسارات الانفتاح والشفافية والانجاز والوطنية.
كان يمكن لمثل هذا الحوار أن ينتج اعترافاتٍ وقراراتٍ واصلاحاتٍ تضع البلد على السكة الصحيحة اخيراً، وبالتالي، يجنبه وهذه الأحزاب والجمهور الشيعي المعترض عليها الكثير من الآلام والخسارات والمواجهات المتواصلة حتى الآن منذ اندلاع الاحتجاجات، وبينها المواجهة الحالية بخصوص تشكيل الحكومة. لم تتعلم السلطة الشيعية، بشقيها الحزبي والميليشياوي، شيئاً مهماً من درس الاحتجاجات واختارت التمترس والدفاع في إطار الصراع. كررت ذات الخطأ الفادح مع الصرخيين فاختارت الصراع بدلاً من استيعاب الاختلاف.
بعكس الاحتجاج التشريني، لن يشكل الصرخيون تهديداً حقيقياً للسلطة الشيعية لأنهم مجموعة صغيرة وتأثيرها محدود ويدور في إطار مسائل دينية طابعها تخصصي عموماً. لكن المقلق في كل الأمر هو هذا الاستعداد السلطوي الشيعي للرد بعنف وقسوة ضد المختلفين الجديين مع هذه السلطة. يكمن الفشل والخطر والعواقب السيئة هنا. سيدفع العراق، وشيعته خصوصاً، المزيد من الاثمان مستقبلاً إذا بقيت هذه السلطة على نهج المتاريس والخنادق والصراعات. لكن ستكون هي الخاسرة الأكبر ايضاً من استمرار هذا النهج.
14/07/2025
س/ لييش تحچي على اللطم؟!
ج/ العترة الطاهرة هم اللي تكلّموا ضد طقوس الجزع
حسين الخليفة
12/07/2025
تعليق على طقوس عجيبة باسم الإمام الحسين.. أين موقف المراجع ضد هذه الطقوس؟!
حسين الخليفة
10/07/2025
بينما يطمس أهلنا في (راس البيشة) ويطينون أنفسهم، ويتاجر الفاسدون بهم، على أنه دين... يعيش الناس في عالم آخر موازي
الصورة: اسطنبول، مسجد آيا صوفيا
09/07/2025
08/07/2025
دعوات من المرجع السيستاني ومقتدى ابن الصدر لحل المليشيات... هل ستحل مليشيات جيش المهدي ومليشيا العتبات؟!
حسين الخليفة
06/07/2025
المرجع العراقي الصـرخي الحسـني يطالب الحكومة بحل المليشيات والبدء بمليشيات مقتدى الصدر ومليشيات المرجعية ثم باقي المليشيات الإيرانية
Be the first to know and let us send you an email when حسين الخليفة - Hussein khalefa posts news and promotions. Your email address will not be used for any other purpose, and you can unsubscribe at any time.