06/08/2025
فلسفة العطاء في مدرسة عاشوراء "زيارة الأربعين نموذجًا حيًّا"
رسول حسين أبو السبح
منذ أن دوّى صوت الحسين عليه السلام في كربلاء: "إن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي فيا سيوف خذيني"، تأسّست مدرسة خالدة، لا في الفداء فقط، بل في فلسفة العطاء غير المشروط، التي ما تزال تنبض في وجدان الأمة حتى اليوم. وتجسيدها الأبرز في الزمن المعاصر هو زيارة الأربعين، تلك المسيرة الإيمانية التي تحوّلت إلى أعظم تظاهرة إنسانية تعبّر عن القيم العاشورائية.
زيارة الأربعين العطاء في أسمى صوره… في كل عام، يشهد العراق توافد ملايين الزوار من شتى بقاع الأرض نحو مرقد الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء المقدسة، لإحياء ذكرى أربعينيته. وبحسب بيان رسمي لوزارة الداخلية العراقية في 2023، فقد تجاوز عدد الزوار 21 مليون زائر، من بينهم ما يزيد على 4 ملايين زائر أجنبي، خصوصًا من إيران، لبنان، باكستان، الهند، ودول الخليج. (وزارة الداخلية العراقية – إحصائيات زيارة الأربعين لعام 2023)
لكن العظمة لا تكمن فقط في هذا الرقم الهائل، بل في حجم العطاء الشعبي اللامحدود الذي يرافق الزيارة، والذي يتجلّى في:
نحو 15,000 موكب خدمي مسجل رسميًا (وفقًا لهيئة المواكب في العتبتين المقدستين).
تقديم أكثر من 100 مليون وجبة طعام مجانًا على مدى أسبوعين، من قبل الأهالي وأصحاب المواكب.
مشاركة مئات الآلاف من المتطوعين في خدمات الطبخ، التنظيف، الإسعاف، الترجمة، الحماية، وحتى تدليك أقدام الزائرين!
فتح البيوت والمدارس والحسينيات مجانًا لإيواء الزوار.
عاشوراء والعطاء كرسالة حضارية… العطاء في مدرسة عاشوراء ليس مجرد كرم لحظي، بل تعبير عن رؤية عقائدية وروحية تؤمن بأن الحسين عليه السلام هو رمز للعدل الإلهي، وأن خدمته، هي شرف، بل مسؤولية أخلاقية ودينية. من هنا، نجد الإنسان العراقي - حتى الفقير منه - يقدّم كل ما يستطيع، لا ليُمدح، بل ليردّ جزءًا من الدين لثورة غيّرت مسار التاريخ.
مقارنة عالمية زيارة الأربعين في وجه الإعلام الغربي… رغم أن زيارة الأربعين تُعد أكبر تجمع بشري سنوي في العالم، فإن وسائل الإعلام الغربية لا تغطيها بنفس الزخم الذي توليه لمناسبات أقل عددًا بكثير. هذا التجاهل يؤكد على خصوصية هذه المسيرة التي تمثل قوة ناعمة شيعية-إسلامية تتحدى مقاييس الإعلام الغربي.
الحسين عطاءٌ لا ينفد… زيارة الأربعين ليست مجرد طقس، بل هي امتداد حيّ لفلسفة العطاء الحسيني. ففي كربلاء، لا تجد فقيرًا أو غنيًا، لا جنسًا أو لونًا أو قومية. بل ترى الإنسان في أنقى تجلياته: يعطي لأنه يؤمن، ويخدم لأنه يحب، ويمشي لأنه لا يستطيع أن يكون إلا في صف الحسين عليه السلام.