امتنعت صديقتي عن إجراء الفحوصات المختبرية لولدها في زيارتهما الأخيرة لي بصفة طبيبة و صديقة ماما ، بحجة أنه يعاني رُهابَ الحُقَن
طمأنتها أن بوسعي الاعتماد على العلامات السريرية لاتخاذ اللازم .
غادرت صديقتي مع ابنها بعد أن منحاني تذكرة السفر عبر الزمن …
بعد أن أعطياني الدَفعة الكافية للانزلاق عبر نفق الذكريات …
غادرا بعدما أطلقا الكلمات السحرية الكفيلة بانطلاق البساط …
أنا الواقفة دوماً على حرف الحاضر . أرقب أية كلمة أو صورة أو رائحة أو هبة من ريح الحنين ، لأسقط في الهوة السحيقة بين اليوم والأمس البعيد ، أسافر لأبحث عن حكاياتٍ وصورٍ تحاكي الواقعَ بلغة لا تشبه لغة اليوم بأيّ شكل .
المكان : مستوصف المكاوي /شارع فاروق /الموصل القديمة / الساحل الغربي لنهر دجلة / مدينة الموصل /الزمان : شتاء ١٩٨٢
عبرت من باب كبير إلى فناء واسع ، البلاط نظيف ورائحة المعقم والعقاقير اصابتني بشيء من الاكتئاب ، تقدمت أكثر متخطية أربعة نوافذ طويلة _ كانت عن يميني _ تعلوها اقواس رخامية أنيقة وتحرسها كتائب حديدية من طراز اثري ، ارتقيت بعدها ثلاث درجات إلى رواق ببابين متقابلين ، وقفت عند اولهما .
كان ثمة طفلة بخدين يتوهجان حُمرةً ، ترتدي معطف فرو أحمر بقلنسوة ، نُقِش على جيب المعطف الرقم 1979 ،وقفت البنت في ظل سيدة تبدو في اواخر عشريناتها ، كانت البنت تلوي شفتها السفلى وترنو الى أمها متوسلة ، والأم تنظر بعينين عميقتين وتبتسم كمن يعد خيراً ، دخلتا الغرفة فمشيت خلفهما بأثر العباءة الموصلية التي تكتنف الأم .
فحص الرجل العابس ذو المعطف الابيض حلق الصغيرة وخربش بحروف (تشبه آثار أقدام الدجاج على العجين ) على قصاصة ورق سمراء ثم ناولها للأم دون أن ينبس .
مسحت البنت كفها المتعرق بمعطفها والتفتت إلى أمها وقالت :
_عفية ماما .
وسالت الدموع على خديها وطفقت تشهق وتبكي بصمت .
فقالت الام :
_لا تخافي ، سستر خولة لن تؤلمك .
تمتمت البنت في خضوع و رجاء .
_لا ماما … لا ماما .
لم تكترث الأم لابتهالات البنت وأخذت بيدها ونزلتا درجات الرواق واتجهتا صوب أول الشبابيك الطويلة ، لتعودا بعد قليل بزجاجة صغيرة تحوي مسحوقاً ابيض اللون ، اتجهتا قِبَل الغرفة الصغيرة المرتكنة عند الزاوية اليسرى للفناءبين الرواق والسلالم المفضية الى الطابق الثاني ، وأنا باثرهما.
في الداخل كان هناك سيدة تغزل خيوط الصوف بمغزلين ، لها شعر مصفف بعناية يلتم عند قذالها على شكل كعكة ، يغطي عينيها ومعظم وجهها المغتم الملامح نظارتان سوداوان واسعتان ، وفي سط الغرفة كان ثمة وعاء حديدي يتربع على فوهة مدفأة (علاء الدين ) يتراقص لهب نارها الزرقاء خلف كوة زجاجية عكرة .
التقفت الممرضة زجاجة الدواء من كف الام ونهضت الى الوعاء المعدني ، الاشبه بقدر ، وراحت تُقلب المحاقن الزجاجية والابر ، كساحرة تتفقد نضج التعويذة .
بقبق الماء في القدر وصلصلت السرنجات الزجاجية تحية للممرضة الساحرة .
قلت في نفسي :
_لن يكون علاج البنت المسكينة دوائياً فحسب ، سيكون علاجاً بالكيّ وتداوياً بالوخز بالأبر العراقية (لا الصينية )وعلاجاً بالصدمة النفسية .
أجهشت الصغيرة وصاحت:
_لا ماما .
_لن تؤلمك صدقيني .
كانت الممرضة تضغط مكبس المحقنة الزجاجية ليندفع الدواء في جسد البنت الباكية حين سألتها الأم :
_اين سستر خولة ؟
_نُقلت الى المستشفى العسكري .
اخذت الأم كف ابنتها التي صار بكاؤها مسموعاً وخرجتا من ذات الباب بعد وعود أكيدة بشراء لوح شوكولا نوع نحلة .
كانت تلك هي السردية الحقيقية المختبئة خلف تريبانوفوبيا أو فوبيا الحُقَن نسخة الالفية الماضية .
د.رجاء صالح الجبوري
لمجلة نورا. عدد ديسمبر 2024
رابط تحميل المجلة بالكامل
وخامرني شعورٌ مؤلمٌ بالافتقارِ لحياةٍ مضت، ولن تعودَ، حياةٌ كنت أحسبها عاديةً لا تحملُ أيّ مزية… وها أنا أدرك أنّ إنعدام المزايا لا ينقص قيمة الأشياء ولا ينفي عنها سمةَ الإكتمال.
#قريبًا_في_المكتبات
#أمين
11/11/2024
ماء و طين
كان صباحاً ماطراً لا يشبه صباحات المطر التي تلته على مر ستين الف سنة ، حينها لمع البرق في السماء المحتشدة بالمُزن ليبدو كشرخ مضيء في مرآة كدرة ، ثم جاء الرعد مدوياً ليكسر صمتاً بلغ من العمر بضع أبديات ، وبعدها صدر الامر بان تشرع قطرات المطر بالعزف ، فسمحت الغيوم لدموعها بالهطول ،لتنطلق سمفيونية المطر تشدو مُطربة كل من على الارض …فقالت نخلة مسنة لعصفور يحتمي تحت سعفها :
_انه يوم جميل .
أجاب العصفور :
_بل إنه الاجمل .
بللت قطرات المطر طين آدم ليتضمخ الكون برائحة الطين والماء ، تنفست الكائنات بعمق ، بهدوء متأملة روعة الخلق وجمال تلك البداية .
فشهق ادم شهيقه الأول معلناً فجر حياة جديدة .
06/11/2024
من الاشياء التي تمنيت لو أنها تدوم للابد ، لا تنفذ ، لا تنضب ، لا يكون لها عمر افتراضي او تاريخ صلاحية ، تدوم دون مراعاة للزمن الذي يجري بسرعة متجاهلاً حقيقة اننا لا نفطن لكونه نفّاذاً كالعطر :
فنجان القهوة.
رائحة الشاي في صباحات الخريف.
الطريق الى المدرسة .
رائحة لسعة الخبز على المدفأة في صباحات الشتاء.
ترتيل القرآن قبل الافطار في رمضان.
الوشم على كفيّ جدتي.
صوت أمي .
بيت أهلي .
06/11/2024
ألم
الألم هو جوهر التجربة الانسانية ، التجارب غير المؤلمة ليست الا أحلام يقظة وتجارب يعوزها النضج ،كتخيلك لإرتقاءك منصة تتويج لم يحصل على الارض ، وانشودة الطفولة التي دأبت على ترديدها لنفسك ذات صيف في غياب الجمهور .
تجارب لا يصاحبها دكيك في القلب وتسارع في النفس لا تأتي الا بنجاحات الصدفة ،كرمية النرد وورقة اللوتو ، ونجاحات الصدفة ابداً لا تدوم ، والتاريخ لن يتسع لانتصارات النرد .
ستتالم لتولد من جديد …
تتألم لتنمو …
تتألم لتتعلم …
سيُحرق الضياء عينيك قبل ان يمنحك فرصة للإطلال على الحقيقة .
30/10/2024
اسوء ما تقدمه لنفسك ، هو ان تحكي لهم قصتك ، فتبرر لِمَ انت هنا ؟ولست هناك .
فتحكي الدوافع والعوائق كي يتفهموا ، توقف ارجوك ، ليذهبوا و فهمهم الى حيث !
ان سمة الكسول المتخاذل التي وسموك بها اجمل بكثير من ثوب الشاكي المتباكي الذي توشك ان تخلعه على نفسك .
د. رجاء صالح الجبوري
30/10/2024
مسافات طويلة من رحلتك ، قطعتها بصبرك لا على قدميك .
د. رجاء صالح الجبوري
30/10/2024
ليست الديار مجرد بناية أو شارع أو مدينة ……… الديار حيث تحون العائلة
جون بوين
الصبي ذو البيجاما المقلمة
أ تأيدون ذلك ؟
على ذلك يحتاج المرء الى وطنين وطن يعيش فيه حيث العائلة و وطن يحن اليه حيث كان ذات يوم هناك عائلة .
د. رجاء صالح الجبوري
Be the first to know and let us send you an email when مجلة راء posts news and promotions. Your email address will not be used for any other purpose, and you can unsubscribe at any time.