31/10/2025
خطيب الحيدرية : المجتمعُ إذا صَلُحَ صَلُحَ حُكامُهُ، وإذا فَسَدَ فَسَدَ حُكامُهُ
أشار خطيب وإمام صلاة جمعة النجف الأشرف/الحيدرية فضيلة الشيخ جياد المرجاني (دام توفيقه) اليوم ٨ جمادى الأولى ١٤٤٧ الموافق ٣١ تشرين الأول ٢٠٢٥ إلى أن المجتمعُ إذا صَلُحَ صَلُحَ حُكامُهُ، وإذا فَسَدَ فَسَدَ حُكامُهُ.
وتناول إمام الجمعة في الخطبة الأولى بعضًا من مزايا السيدة الصديقة فاطمة الزهراء (عَلَيْهَا السَّلَامُ) والتي بينها الشـ*هيد السعيد السيد محمد الصدر (قُدِّسَ سِرُّهُ) في إحدى خطب الجمعة من على منبر مسجد الكوفة المعظم، فيقول (قُدِّسَ سِرُّهُ): "وهيَ الزهراءُ (عَلَيْهَا السَّلَامُ) أيضاً روحُ رسولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ)، التي بينَ جنبيهِ كما ينصُّ الخبرُ –طبعاً الّذي سمعناهُ–. ولكنْ ما هيَ روحُ رسولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ)؟ وما هي أوصافُها؟ هذا أيضاً ممّا يستحيلُ لنا التوصلُ إلى حقيقتِهِ، لكننا حينَ نقولُ –كما هو المسَلَّمُ لدى المسلمينَ والمتشرعةِ– إنَّ النبيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) خيرُ الخلقِ على الإطلاقِ، وهو فعلاً خيرُ الخلقِ على الإطلاقِ، فليسَ ذلكَ جسدَهُ ووجهَهُ وعيناهُ مثلاً أو أيَّ شيء، لا، بالرغمِ من أهميتِهما وطهارتِهما، وإنَّما تَلكَ روحُهُ العاليةُ التي هيَ أعلى المخلوقاتِ، وأولُ المخلوقاتِ، وأهمُها، وأقواها، وأعلمُها، وأقربُها إلى اللهِ سُبحانَهُ وتَعالى، وهيَ خيرُ الخلقِ أجمعينَ بما فيها الأنبياء والمعصومينَ والملائكةِ وكلِ شيء آخرَ، ولِذا كانَ رسولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) سيِّدَ الأنبياءِ والمُرسَلينَ".
وأضاف الخطيب بما جاد به (قُدِّسَ سِرُّهُ): "وقد بُعِثَ الأنبياءُ والمرسلونَ بالإيمانِ بنبوتِهِ وبميثاقِ ولايتِهِ، وينصُ على ذلكَ القرآنُ الكريمُ لوُضوحِ النصِ على وجودِ الإسلامِ قبلَ نزولِ الإسلامِ على يَدي رسولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ)، وموجودٌ في فهمِ الأنبياءِ السابقينَ، قالَ تعالى: (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلَا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً). وقالَ على لسانِ إبراهيمَ وإسماعيلَ عندَ بناءِ البيتِ الحرامِ: (رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ). وقالَ تَعالى: (أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ). وقالَ تَعالى: (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ). وإلى غيرِ ذلكَ من الآياتِ الكريماتِ".
وتابع أمام الجمعة بما تفضل به (قُدِّسَ سِرُّهُ): "وإذا كانتْ الزهراءُ (عَلَيْهَا السَّلَامُ) هيَ قلبُ رسولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ)، وهيَ روحُهُ التي بينَ جنبيهِ، إذنْ يَصدقَ بكُلِ وُضوحٍ أنَّ مَن أحَبها فَقد أحبَ رسولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ)، ومَن أبغضَها فقد أبغضَهُ، ومَن أطاعَها فقد أطاعَهُ، ومَن عَصاها فَقد عَصاهُ، ومَن أكرمَها فقد أكرمَهُ، ومَن آذاها فقد آذاهُ، ومَن والَاها فقد والَى رسولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ)، ومَن عادَاها فقد عاداهُ. ومِنَ الطبيعي –بَلْ من ضَرورياتِ الدينِ– أنَّ مَن أبغضَ رسولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقد أبغضَ اللهَ، ومَن عَصى رسولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقد عصَى اللهَ، ومَن آذى رسولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) فَقد آذى اللهَ، ومَن أغضبَ رسولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقد أغضبَ اللهَ، ومَن كانَ مُصداقاً لأي شيءٍ مِن ذلكَ إذا أغضبَ اللهَ أو عصى اللهَ أو آذى اللهَ، ومَن كانَ مُصداقاً لأيِ شيءٍ من ذَلكَ وتطبيقاً لَهُ فَهو خارجٌ عن الإسلامِ وفي أسفلِ دَرْكٍ من الجحيمِ".
وتطرق فضيلة الشيخ المرجاني في الخطبة المركزية الثانية إلى جزء من بحث سماحة القائد السيد مقتدى الصدر (أَعَزَّهُ اللهُ) حول الآية المباركة (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) فيقولُ سماحتُهُ (أَعَزَّهُ اللهُ): "يَعني السببَ الرئيسي بالعذابِ والهلاكِ والعقابِ الإلهي والمصائبِ الكونيةِ وما يَحدثُ في المجتمعِ هوَ راجعٌ إلى نفسِ الشَّعبِ، نفسِ القومِ، نفسِ الناسِ. ولذلكَ أنا سأقولُ وأستشهدُ بروايةٍ: (كيفَ ما تَكونوا يُولَّى عَليكم)، إذا كانَ المجتمعُ مُصلَحاً سوفَ ينتجُ ويكونُ حُكَّامُهُ أيضاً مُصلَحينَ، فإذا كانوا مُصلَحينَ يُمكنُ أن يكونوا مُصلِحينَ، وسنأتي لها بالتَّدريجِ. ومِن هذهِ الآيةِ أعني قولَهُ تَعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) نَستنبطُ ونفهمُ أنَّ السَّبَبَ في الفسادِ والإصلاحِ هو القُرى (أهلُ القريةِ)، القريةُ يعني أهلَ القَريةِ، يعني الشَّعبَ، يعني الناسَ، وليس القَريةَ نفسَها يعني البناءَ والبيوتَ. والسَّببُ الرئيسي للإصلاحِ وللفسادِ هُم أهلُ القَريةِ".
وأكمل المرجاني بما ذكره (أَعَزَّهُ اللهُ): "فلذلكَ –دعوني أخرجْ عن الموضوعِ– لا نَصبُ جامَ غضبِنا على السياسيينَ وعلى الحُكّامِ وعلى السلاطينِ... نعمْ، هُم فاسدونَ، هم ظالمونَ، هم مُخطِئونَ... لا توجدُ مشكلةٌ، لكنْ لماذا خَرجوا فاسدينَ؟ هم مِنْ أينَ أتَوا؟ مِنَ الجِيرانِ! بَلْ خرَجوا من نَفْسِ المجتمعِ، من رَحمِ المجتمعِ، إذا كانَ رَحمُ المجتمعِ طاهراً وصالحاً يَطلُع الحاكمُ أيضاً صالحاً ومُصلِحاً أو مُصلَحاً. فكذلكَ هنا، فرجَّعناها إلى المجتمعِ، المجتمعُ إذا صَلُحَ صَلُحَ حُكامُهُ، وإذا فَسَدَ فَسَدَ حُكامُهُ. لكنْ نَستطيعُ أنْ نقولَ على واقعِنا فيها جوابٌ ثانوي: إنَّهُ غالبيةُ حكومتِنا أتَت من الخارجِ، وليسَ من الداخلِ (مستوردةٌ)، وخصوصاً الذينَ يَتحكَّمونَ بمقدَّراتِ البلدِ، مِنْ أينَ؟ من الخارجِ، كلُّهم من القريبِ أو من البعيدِ، وعلى رأسِهم الاحتلالُ. المهمُّ، نحنُ نستنبطُ قولاً قد يكونُ التَّطبيقُ لهُ صحيحاً وقد يكونُ التَّطبيقُ عنهُ بعيداً".
واسترسل فضيلة الشيخ بما أكد عليه (أَعَزَّهُ اللهُ): "ونفهمُ أنَّ السَّبَبَ في الفسادِ والإصلاحِ هو القُرى، بمعنى أهل القَريةِ، أي الشَّعبِ والنّاسِ والأقوامِ وما إلى ذلكَ، وهو مبدأُ الاستحقاقِ. أنا هذا دائماً أُركِّزُ عليهِ: أنَّهُ إذا حَدثَ بلاءٌ في المجتمعِ شديدٌ أو قليلٌ، مباشرةً المجتمعُ يجزعُ وينحرفُ عن جادَّةِ الصوابِ، وقد يَصِلُ حتى إلى الإلحادِ وإلى الكُفرِ باللهِ، وإلى التعدي على الذاتِ الإلهيةِ، فلنقلها باللغةِ العاميةِ حتى توصلَ رسالةَ: (صوج الله). لا ليسَ اللهُ الذي يُنزلُ عليكَ البلاءَ لِيَظلمَكَ، فإنَّ اللهَ لا يَظلِمُ أحداً (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ). هذا ما جَنَتْ نفسُكَ على نفسِكَ، أنتَ بسببِ أعمالِكَ اللهُ سُبحانَهُ وتَعالى أنزلَ عليكَ العقابَ، اِعمِلْ صالحاً –يا مجتمع– واؤْمنْ بالغيبِ، وأَقمْ الصَّلاةَ، وآتِ الزَّكاةَ، وآمِنْ بالآخرةِ، وتَيَقَّنْ بالآخرةِ، سوفَ يأتي اللهُ لكَ بالخيرِ".
واختتم المرجاني الخطبة بما بينه (أَعَزَّهُ اللهُ): "فإذنْ، اللهُ لا يظلمُ أحداً. هذا أيضاً من الشّائعاتِ، أوَّلُ ما يَنزلُ عليهِ البلاءُ، أولُ ما يتمرضُ، أو يَتعرضُ لحادثِ تفجيرٍ... مباشرةً يَصبُّ جامَ غَضَبِهِ على اللهِ. لا، صُبَّ جامَ غَضَبِكَ على نفسِكَ، أصلِحْ نفسَكَ اللهُ يصلحُكَ، يُصلحُ واقعَكَ، يُصلحُ مجتمعَكَ. وخصوصاً بعدَ أنْ نَعلمَ أنَّ اللهَ لا يُعذِّبُ المُصْلَحينَ والمُصْلِحينَ الذينَ لا يُريدونَ لا علواً في الأرضِ ولا فساداً، بَلْ وأَنَّ عذابَهُمْ يكونُ ظُلْماً ومُخالفاً لِلُّطْفِ الإلهي لا مَحالةَ. وأما إذا عَصَوْا وأساءوا وأفسدوا، فإنَّ اللهَ سيُهْلِكَ القَريةَ الظَّالمَ أهلُها والمُفْسِدَ ناسُها".
أبو أمير العراقي
أعلام صلاة الجمعة / نِآحًيَةّ آلَحًيَدٍريَةّ
8 جمادى الاولى 1447 ه
31 تشرين الأول 2025 م