16/12/2025
إن أخطر لحظة يمرّ بها الإنسان ليست حين ينهزم… بل حين يتوهّم أنه انتصر.
فالغرور لا يأتيك صاخبًا، بل يتسلّل كظلٍّ خفيف… يرفع حاجبك قليلًا، ويجعلك تبتسم ابتسامة ساخرة كأنك فوق الدنيا وأهلها، ثم يهمس لك من الداخل “أنت أقوى مما تظن”
وهنا يبدأ السقوط الحقيقي.
فالإنسان لا يسخر من غيره لأنه قوي… بل لأنه خائف.
يخاف أن يرى نفسه كما هي، فيختبئ خلف ضحكة مستفزّة، وكلمة جارحة، وتعالٍ يُخفي هشاشة قلب يتصدّع من الداخل.
ومن يجرح الآخرين ليشعر بقيمته… إنما يعلن فقره دون أن يدري.
ولعلك تظن أن الله يعاقبك على السخرية نفسها…
ولكن الحقيقة أن السخرية ليست إلا العَرَض.
أمّا المرض فشيء آخر:
قسوةٌ تتراكم قطرةً بعد قطرة…
نظرة استعلاء… تليها كلمة استخفاف… ثم شعور مُضلّل بأنك أعلى من الناس.
وهكذا يجفّ القلب شيئًا فشيئًا، حتى يصبح كالأرض التي لم تمسّها قطرة مطر… لا تُنبت خيرًا ولا حنانًا.
ولكن من رحمة الله أن القلب لا يُترك حتى يتصلّب تمامًا.
فالله يربّي، ولا يفضح…
يوقظك بحادثة، أو بكلمة، أو بإنسان يمرّ على حياتك مرور العابر… فيذكّرك أنك ضعيف، وأنك محتاج، وأنك جزء من هذا الكون لا مركزه.
لحظة واحدة من الصدق تكفي ليعود القلب طفلًا… طريًّا، قابلًا للدهشة، قادرًا على الحب.
إن الإنسان لا يكبر بعمره، ولا بثقله بين الناس، ولا بقدرته على الانتصار في الجدل.
الإنسان يكبر حين يلين قلبه، ويصغر حين يقسو.
والقوة الحقيقية ليست في ارتفاع الصوت… بل في ارتفاع الروح.
وليست في أن تضحك على الناس… بل في أن تفهم نفسك.
اهدأ قليلًا…
وانظر للداخل.
فهناك، في تلك البقعة الخفية من روحك، يبدأ طريق الله…
ويبدأ نجاتك من نفسك.