15/09/2025
حين يرى الطفل والده يمدّ يده على أمه، فهو لا يشاهد فقط مشهدًا عنيفًا، بل يعيش زلزالًا داخليًا يضرب أساس شعوره بالأمان..
كالأب الذي يُفترض أن يكون رمز الحماية يتحوّل إلى مصدر تهديد، والأم التي يُفترض أن تكون حضنًا آمناً تتحوّل إلى ضحية ضعيفة..في هذه اللحظة يتشقق البناء النفسي للطفل، ويتعلم أن العالم غير مستقر، وأن الحب قد يترافق مع الخوف، وأن القرب قد يحمل معه الألم..
هذا المشهد يزرع في داخله خوفًا عميقًا من الهجر والفقد؛ فإذا كانت أمه، أقرب الناس إليه، عاجزة عن حماية نفسها أو حمايته، فمن سيحميه إذن؟ ينمو الطفل وهو يحمل داخله هذا الخوف المزمن، فيتطور لاحقًا إلى قلق دائم في العلاقات، يتمثل في التشبث المفرط بالآخرين تارة، وفي الغضب والاندفاع تارة أخرى، وهو ما نراه جليًا عند الشخصية الحدية..
كما يتعلم الطفل أن العنف جزء من العلاقة، فيستبطن أن التعبير عن الغضب أو الخلاف يكون عبر الضرب أو الصراخ..وعندما يكبر، قد يكرر هذا النمط في علاقاته الخاصة، إمّا بوصفه فاعلًا يعيد إنتاج ما رآه، أو بوصفه ضحية تبحث لاشعوريًا عن نفس السيناريو المؤلم..
على مستوى الهوية، يشعر الطفل أنه عاجز و”غير كافٍ”، وأنه لا يملك قيمة تُجنّبه رؤية أمه تتألم..هذا الإحساس بالذنب والعجز ينعكس في صورة ذات مشوشة، يتأرجح فيها بين احتقار نفسه والبحث اليائس عن من يمنحه قيمة. ومع تكرار التجربة، يترسّخ داخله الانشطار النفسي: يرى الآخر إمّا كاملًا جيدًا أو كاملًا سيئًا، بلا قدرة على التوفيق بين التناقضات.
في العمق، تصبح هذه الخبرة العائلية المؤلمة بمثابة جرح نرجسي أولي يهيّئ لتطور سمات الشخصية الحدية: اضطراب الهوية، الانفعالات العنيفة، الخوف من الفقد، والاندفاعية. فالعنف الأسري ليس حدثًا يزول مع الوقت، بل يظل حيًا في ذاكرة الجسد والنفس، يوجّه سلوك الفرد وعلاقاته في المستقبل..