30/03/2025
نظرية أسباب النزاع حول مصنع البرج للإسمنت في زليتن
مقدمة:
يُعد مصنع البرج للإسمنت، الذي تديره شركة الاتحاد العربي للمقاولات في مدينة زليتن الليبية، من الأصول الصناعية الهامة والمورد الحيوي لمادة الإسمنت الضرورية لقطاع الإنشاءات في ليبيا. ومع ذلك، تشير التقارير إلى وجود نزاعات واضطرابات تشغيلية مستمرة تحيط بالمصنع، مما يؤثر على إنتاجه والاقتصاد الوطني بشكل عام. وقد طرح المستخدم نظرية أولية مفادها أن السبب الرئيسي لهذا النزاع يكمن في الفارق الكبير في سعر بيع الإسمنت بين سعر المصنع (16 دينارًا للقنطار) وسعر السوق (حوالي 56 دينارًا للقنطار)، مما يخلق أرباحًا طائلة وغير مشروعة تغذي الصراع. يهدف هذا التقرير إلى تحليل مدى صحة هذه النظرية واستكشاف تفسيرات بديلة محتملة للنزاع، مدعومة بالبحوث والتقارير المتاحة.
تحليل نظرية المستخدم حول تباين الأسعار: سوق الإسمنت المربح في ليبيا:
تستند نظرية المستخدم بشكل أساسي إلى الملاحظة الدقيقة للفارق الهائل في سعر الإسمنت بين المصنع والسوق، حيث يصل إلى 40 دينارًا للقنطار، وهو ما يمثل ربحًا يتجاوز الضعف. ويرى المستخدم أن هذه الأرباح الهائلة، التي قد تفوق حتى عائدات تجارة المخدرات والعملة، تخلق حافزًا قويًا لأطراف مختلفة للتنازع على السيطرة على المصنع وعملياته.
وتؤكد البحوث المتوفرة هذه الملاحظة بشكل كبير. فقد أفاد تقرير حصري لوكالة صدى أن النزاع المستمر حول مصانع الإسمنت في ليبيا، بما في ذلك عمليات الإغلاق والإضرابات وأوامر القبض الصادرة عن النيابة العامة، ينبع في المقام الأول من فرق الأسعار الكبير الذي يولد أرباحًا تقدر بأكثر من 3.5 مليار دينار سنويًا للوسطاء والمجرمين والتجار والمضاربين في جميع أنحاء ليبيا . ولتوضيح حجم هذه الأرباح، تشير التقديرات إلى أن المكاسب المحتملة من مصنع الاتحاد العربي للإسمنت وحده تبلغ حوالي مليار دينار سنويًا . وقد وصلت الأمور إلى حد إصدار النيابة العامة أمرًا بالقبض على مجموعة خارجة عن القانون متهمة بوضع حاجز ترابي أمام بوابة مصنع البرج للإسمنت، مما أدى إلى توقف عملياته وتكبيد الشركة خسائر كبيرة بسبب تعطل الإنتاج .
علاوة على ذلك، تشير التقارير التاريخية إلى أن هذه المشكلة ليست حديثة العهد. ففي أكتوبر 2020، أفادت التقارير بأن أسعار الجملة في زليتن وصلت إلى 50 دينارًا للقنطار، بعد أن كانت حوالي 30 دينارًا قبل عام، ويعزى هذا الارتفاع إلى "المضاربة الاحتكارية البحتة من قبل أولئك الذين يوصفون في ليبيا بتجار الأزمات أو الحرب" . هذا يدل على أن استغلال نقص المعروض لرفع الأسعار وتحقيق أرباح كبيرة كان موجودًا بالفعل ويشكل حافزًا مستمرًا للتنازع حول السيطرة على مصادر الإسمنت.
استكشاف نظريات بديلة للنزاع:
بالإضافة إلى نظرية تباين الأسعار، من الضروري النظر في تفسيرات أخرى محتملة للنزاع الدائر حول مصنع البرج للإسمنت:
التنافس على السيطرة على مورد اقتصادي استراتيجي:
يتجاوز النزاع مجرد الأرباح الفورية الناتجة عن فروق الأسعار، فقد يكون متجذرًا في صراع أوسع للسيطرة على مورد اقتصادي حيوي في المنطقة. فالإسمنت مادة أساسية في مشاريع إعادة الإعمار وتطوير البنية التحتية في ليبيا، مما يجعل السيطرة على إنتاجه وتوزيعه أمرًا ذا أهمية استراتيجية.
وقد أكد العاملون في مصنع البرج للإسمنت على أن "المصنع مساهم حاسم في اقتصاد ليبيا من خلال تزويد سوق الإنشاءات المحلي"، وأن إغلاقه تسبب في "شلل اقتصادي كبير في زليتن وعبر البلاد" . هذه الأهمية الاقتصادية تجعل من المصنع هدفًا ذا قيمة لأي مجموعة تسعى إلى تعزيز نفوذها الاقتصادي أو السياسي في المنطقة.
وفي عام 2020، شهدت ليبيا انخفاضًا كبيرًا في إنتاج الإسمنت بسبب الصراع المسلح، مما أدى إلى الاعتماد على الواردات لتلبية الطلب المحلي . وبقدرة إنتاجية تبلغ 1.4 مليون طن سنويًا، يمثل مصنع البرج للإسمنت جزءًا هامًا من القدرة الإنتاجية الوطنية . وبالتالي، فإن السيطرة عليه تمنح نفوذًا كبيرًا في سوق الإسمنت الوطني.
نفوذ الكيانات السياسية والعسكرية: ظل الجماعات المسلحة والمصالح السياسية:
قد تسعى كيانات سياسية وعسكرية في المشهد الليبي المنقسم إلى فرض سيطرتها على المصنع لتحقيق مكاسب مالية، أو لتعزيز نفوذها في المنطقة، أو لاستغلال موارده لتحقيق أجنداتها الخاصة.
يشير قيام النيابة العامة بإصدار أمر بالقبض على "مجموعة خارجة عن القانون متهمة بوضع حاجز ترابي أمام بوابة مصنع البرج للإسمنت" بشكل مباشر إلى تدخل أطراف غير حكومية لتعطيل العمليات . هذا يوحي بأن هناك جهات خارج هيكل الشركة الرسمي تسعى بنشاط للتدخل في عمليات المصنع، ربما لفرض سيطرتها أو الحصول على منافع غير مشروعة.
كما أن اختطاف ثلاثة موظفين هنود يعملون في المصنع من قبل جماعة مسلحة في نوفمبر 2024 يسلط الضوء على المخاطر الأمنية وتأثير الجماعات المسلحة المباشر على عمليات المصنع وقواه العاملة . هذا يدل على وجود جهات مسلحة مستعدة لاستخدام القوة والترهيب، مما يشير إلى ارتباط محتمل بديناميكيات القوة الأوسع في المنطقة.
قضايا الحوكمة والإدارة الداخلية داخل شركة الاتحاد العربي للمقاولات:
قد تساهم النزاعات الداخلية والصراعات على السلطة داخل الشركة نفسها في حالة عدم الاستقرار وتجعل المصنع أكثر عرضة للضغوط الخارجية.
فقد أعلن موظفو شركة الاتحاد العربي للمقاولات، بما في ذلك العاملون في مصنع البرج للإسمنت، عن إضراب مفتوح احتجاجًا على قرار وزير المالية بحكومة الوحدة الوطنية المؤقتة بمنح سلطة غير مقيدة للمدير العام للشركة . ويتهم الموظفون المدير العام بتجاوز مجلس إدارة الشركة وانتهاك القوانين واللوائح المعمول بها . يشير هذا إلى وجود خلافات حول الحوكمة الداخلية واحتمال وجود مخالفات إدارية يمكن أن تستغلها أطراف خارجية.
دور الاقتصاد الخفي والمضاربة في تفاقم النزاع:
يمكن أن يؤدي انتشار الأسواق السوداء والممارسات المضاربة في البيئة الاقتصادية غير المستقرة في ليبيا إلى تضخيم الحوافز وراء النزاع من خلال خلق فرص لتحقيق مكاسب غير مشروعة كبيرة من خلال التلاعب في أسعار السلع الأساسية مثل الإسمنت.
وقد أشارت التقارير في عام 2020 إلى أن الارتفاع الكبير في الأسعار يعزى إلى "المضاربة الاحتكارية البحتة من قبل أولئك الذين يوصفون في ليبيا بتجار الأزمات أو الحرب" . هذا يوضح كيف يمكن للجهات الفاعلة في الاقتصاد الخفي استغلال النقص وعدم الاستقرار لرفع الأسعار وتحقيق أرباح كبيرة، مما يزيد من الحافز للسيطرة على إمدادات الإسمنت.
الدور المتفاقم للفجوة السعرية: محفز لعدم الاستقرار:
لا يمكن إنكار أن الفارق الكبير في السعر بين سعر المصنع وسعر السوق (40 دينارًا للقنطار) يمثل حافزًا قويًا لمختلف الأطراف للانخراط في أنشطة تؤدي إلى النزاع. هذا الهامش الربحي الضخم يجذب مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة، من العصابات الإجرامية إلى الأفراد الذين قد يتمتعون بنفوذ سياسي، والذين يسعون إلى الاستيلاء على هذه الأرباح.
يمكن أن يؤدي هذا الحافز إلى إجراءات مختلفة تؤجج الصراع، مثل:
تعطيل الإنتاج بشكل متعمد لخلق نقص مصطنع ورفع أسعار السوق .
استخدام الترهيب والقوة للسيطرة على قنوات التوزيع والقضاء على المنافسة .
الانخراط في ممارسات فاسدة لتأمين الوصول إلى سعر المصنع المنخفض ثم البيع بالسعر المرتفع في السوق.
إن حجم الأرباح المحتملة (مليارات الدنانير سنويًا) يجعل المخاطر عالية للغاية، مما يؤدي إلى صراع مستمر وربما عنيف للسيطرة.
أدلة من المواد البحثية: نظرة عامة زمنية على الأحداث والرؤى:
يوضح التسلسل الزمني للأحداث والنتائج المستخلصة من المواد البحثية مدى تعقيد الوضع وتداخل العوامل المختلفة:
التاريخ
الحدث
مرجع
الارتباط بنظريات النزاع
أكتوبر 2020
استئناف الإنتاج بعد انقطاع التيار الكهربائي، لكن ارتفاع الطلب والمضاربة يؤديان إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير.
,
يوضح العلامات المبكرة للتلاعب بالأسعار ودور المضاربة.
2020
انخفاض إجمالي إنتاج الإسمنت الليبي بسبب الصراع، وزيادة الاعتماد على الواردات.
يؤكد الأهمية الاستراتيجية للمنتجين المحليين مثل مصنع البرج.
نوفمبر 2024
اختطاف موظفين، مما يدل على تدخل الجماعات المسلحة والمخاطر الأمنية.
,
يسلط الضوء على تأثير الجماعات المسلحة ودورها المحتمل في النزاع.
ديسمبر 2024
إضراب الموظفين بسبب قضايا الحوكمة الداخلية.
يشير إلى وجود ضعف داخلي يمكن أن تستغله أطراف خارجية.
9 يوليو 2024
تقرير عن خسائر مالية كبيرة (302 مليون دينار) بسبب إغلاق المصنع.
يوضح التأثير الاقتصادي للنزاع على العمليات المشروعة.
مارس 2025
رئيس الوزراء الدبيبة يؤكد على ضرورة السيطرة على أسعار الإسمنت ومعالجة أوضاع مصنع زليتن.
يدل على وعي الحكومة ومحاولتها التدخل.
مارس 2025
تقرير يفصل الأرباح السنوية الهائلة (3.5 مليار دينار) التي تغذي النزاع حول مصانع الإسمنت، مع ارتباط مليار منها بمصنع البرج.
يؤكد بشكل قاطع على الدور المحوري لفروق الأسعار الكبيرة في إثارة الصراع. كما يشير إلى محاولة النيابة العامة معالجة عرقلة عمل المصنع.
حلول وتوصيات محتملة: نحو سوق إسمنت مستقر وشفاف:
بناءً على التحليل، يمكن اقتراح حلول قابلة للتطبيق للتخفيف من حدة النزاع وضمان إمدادات مستقرة من الإسمنت:
تعزيز الإجراءات الأمنية:
يجب العمل على زيادة الأمن حول المصنع لحماية الموظفين ومنع تعطيل العمليات من قبل الجماعات المسلحة. يمكن أن يشمل ذلك التعاون بين السلطات المحلية وربما خبراء أمنيين دوليين .
التنظيم الحكومي للأسعار والتوزيع:
يوصى بتطبيق ضوابط سعرية أكثر صرامة على الإسمنت عند بوابة المصنع وربما على طول سلسلة التوزيع لتقليل هامش الربح الهائل الذي يغذي النزاع .
استكشاف إمكانية إنشاء نظام توزيع أكثر شفافية وتنظيمًا لمنع الجهات الفاعلة غير المشروعة من احتكار العرض.
زيادة الشفافية والمساءلة:
يجب اتخاذ تدابير لزيادة الشفافية في ملكية وإدارة وعمليات شركة الاتحاد العربي للمقاولات للحد من فرص الفساد والنزاعات الداخلية .
الدعوة إلى مزيد من المساءلة للمتورطين في عرقلة عمليات المصنع أو الانخراط في التلاعب غير القانوني بالأسعار .
إشراك المجتمع المحلي:
استكشاف إمكانية إشراك المجتمع المحلي في الرقابة أو حتى الإدارة الجزئية للمصنع لتعزيز الشعور بالملكية وتقليل احتمالية التدخل الخارجي .
الخلاصة: توليفة الأسباب ورسم مسار للمستقبل:
يتبين من التحليل أن النزاع الدائر حول مصنع البرج للإسمنت في زليتن مدفوع بتفاعل معقد من العوامل، حيث تلعب الفجوة الكبيرة في الأسعار دورًا محوريًا كمحفز رئيسي. ومع ذلك، فإن التنافس على السيطرة على هذا المورد الاقتصادي الاستراتيجي، ونفوذ الكيانات السياسية والعسكرية، وقضايا الحوكمة الداخلية، ودور الاقتصاد الخفي، كلها عوامل تساهم في تفاقم الوضع.
إن أهمية المصنع كأصل اقتصادي استراتيجي والتأثير الضار للنزاع المستمر على الاقتصاد المحلي والوطني يستلزم اتخاذ إجراءات عاجلة. يتطلب حل هذه المشكلة اتباع نهج متعدد الأوجه يشمل تعزيز الأمن، والتنظيم الحكومي، وزيادة الشفافية، وإشراك المجتمع المحلي. إن معالجة هذه القضايا الجذرية أمر ضروري لضمان إمدادات مستقرة وموثوقة من هذه المادة الأساسية للبناء، ودعم جهود إعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي في ليبيا.
المصادر المقتبَس منها
1. Exclusive to Sada: The Conflict Over Cement Factories Stems from a ..., https://sada.ly/en/exclusive-to-sada-the-conflict-over-cement-factories-stems-from-a-spoils-worth-over-3-5-billion-dinars-annually-for-brokers-criminals-traders-and-speculators-across-libya/ 2. Arab Union's Zliten cement factory resumes production. - LibyanInvestment, https://libyaninvestment.com/arab-unions-zliten-cement-factory-resumes-production/ 3. Arab Union's Zliten cement factory resumes production - Libya Herald, https://libyaherald.com/2020/10/arab-unions-zliten-cement-factory-resumes-production/ 4. Libyan Cement Plant Faces 302 Million Dinar Losses - LibyaReview, https://libyareview.com/45894/libyan-cement-plant-faces-302-million-dinar-losses/ 5. The Mineral Industry of Libya in 2020-2021 - USGS Publications Warehouse,https://pubs.usgs.gov/myb/vol3/2020-21/myb3-2020-21-libya.pdf 6. Libya: Tripoli's Militia Challenges Continue with Kidnappings - Dispatch Risk Advisory, https://dispatchrisk.com/libya-tripolis-militia-challenges-continue-with-kidnappings/ 7. Libyan Construction Workers Protest Finance Minister's Decree ..., https://libyareview.com/51432/libyan-construction-workers-protest-finance-ministers-decree/ 8. Dbeibah stresses the need to control cement pricing | The Libya ..., https://libyaobserver.ly/inbrief/dbeibah-stresses-need-control-cement-pricing
The Public Prosecution has ordered the arrest of an outlawed group accused of placing an earthen barrier in front of the gate of Al-Burj Cement Factory,