
27/07/2025
في أحد أزقة الصين، بين الأحياء الشعبية والمناطق المنسية، يعيش رجل لا يملك من الدنيا سوى كرسي متحرك وصندوق صغير يبيع فيه بعض الحِرَف اليدوية. اسمه “هوو لي”، لكن الناس أطلقوا عليه لقبًا يلخص قصته بأكملها: “العملاق الراكع”.
ليس لأنه طويل القامة، بل لأنه عظيم القلب، رغم أنه يقضي حياته راكعًا على ركبتيه بسبب شلل أصابه في صغره.
وُلد هوو لي عام 1993 في ظروف قاسية. فقد والده قبل أن يتم عامه الأول، وتزوجت أمه من رجل آخر، فتركته في رعاية جديه. وحين بلغ السابعة من عمره، أصيب بشلل الأطفال، وفقد القدرة على المشي. ولم تكتفِ الحياة بما فعلت، فسرعان ما توفي جَداه، ليجد نفسه طفلًا وحيدًا، عاجزًا، منسيًا في مجتمع لا يرحم الضعفاء.
بحث عن عمل، لكن لا أحد أراد توظيفه. فاختار أن يبدأ من الصفر… صار يجمع القمامة، ويبيع ما يمكن إعادة تدويره، رافضًا أن يستجدي الناس أو يستسلم لواقعه.
لكن المدهش في قصة هوو، لم يكن نجاته… بل كان تحوّله إلى مصدر نجاة للآخرين.
منذ سن السادسة عشرة، بدأ يتبرع بما يجمعه لمساعدة المحتاجين: الأيتام، ضحايا الكوارث، الأرامل، والطلاب الفقراء. لم يكن يملك مالًا وفيرًا، لكنه امتلك قلبًا بحجم البحر. وعلى مدار أكثر من 15 عامًا، تبرع بما يعادل مليون يوان صيني (نحو 140 ألف دولار)، جُمعت بالكامل من بيع القمامة والحرف اليدوية وبعض المساعدات البسيطة التي يتلقاها كمُعاق.
وفي يونيو 2025، حين اجتاحت الفيضانات مقاطعة “رونغجيانغ”، تعطلت الطرق، وانهارت الجسور، وتوقفت الحياة. ثم فجأة، وصلت شاحنات ضخمة محمّلة بخمسة أطنان من الأرز، ومئات الصناديق من الطعام والماء والكشافات.
تساءل الناس: من هذا المتبرع؟ هل هو ملياردير؟ هل هي منظمة خيرية؟
حتى نزل من الشاحنة رجل نحيل، يزحف على ركبتيه… كان هوو لي.
أنفق ما يقرب من 8000 دولار على هذه المساعدات، ولم يتبقَّ له في حسابه البنكي سوى 70 سنتًا فقط.
قال مبتسمًا:
“أعطي كل ما أملك، لأنني أعلم تمامًا كيف يكون شعور من لا يملك شيئًا.”
هوو لم يكن نجمًا إعلاميًا، ولم يسعَ إلى شهرة أو تكريم. بل ظل على مدار سنوات طويلة يضيء ظلمة الآخرين بصمت، ويصنع الأمل من بين أنقاض القمامة.
إنه درس نادر في التضحية والإنسانية.
رجل أعاقه المرض، لكن لم تعقه العزيمة. فقير في المال، غني في القلب.
لم يركع للفقر، ولا للعجز، ولا للوحدة…
بل ركع فقط، ليجمع كرامة الإنسان مما تبقى من الحياة