
29/09/2025
ملي يطيب التريد يجعل الله مايريد...
قصة من التراث المغربي .
كان يا ماكان في قديم الزمان ، وفي قريةٍ جميلةٍ من إحدى القرى المغربية، كان يَسكنُ رجلٌ من الرجال أعطاه الله من المال والأراضي الفلاحية والأبقار والأغنام ما لم يكُن لغيره، وبالرَّغم من أنَّ هذا الرجل كان غني جدا ، إلَّا أنَّه كان أيضًا آبخيلا جدا ! فقد كان يتَّصِف بالبُخل الشّديد وحُبِّلجمع الأموال و واكتنازها والخشية من الإنفاق.
كان هذا الرَّجل لا يتصدَّق على أهل قريته الفُقراء إلَّا نادرًا، بل أنَّ شُحَّه الشَّديد قد وصل إلى أهل بيته، فكان لا يُطعم أهله ما يكفيهم ، كما كان أيضًا شديد القسوة مع الخدم الذين يعملون معه في ضيعاته الفلاحية او الخدم الموجودين فيمنزله. كان لهذا الرجل ثلاث نساء و سبع بنات، والَّذي كان يعتبره الرجل أمرًا مزعجًا في حياته فلمن سيترك كُلَّ هذا المال والخير الوفير بعد موته؟! علما انه لم ينجب ولد ذكر طيلة حياته . وهنا قرر هذا الرجل أن يتزوَّج من إبنة إحدى خادماته حتّى يحصل منها على الولد، وقد كانت فتاةً رقيقة الطّباع وجميلة الوجه. وبالطَّبع وافقت أمّها على طلب سيدها فورًا من دون أي تفكير. وبالفِعل تزوَّج الرَّجل هذه الفتاة وكان يُعاملها مُعاملةً قاسيةً هو وزوجاته الثلاثة . وعلى الرَّغم من أنَّها كانت تُنفِّذ جميع أوامر الزَّوج، إلَّا أنَّه لم يكُن حتّى يُعطيها من الطَّعام ما يُشبِعها.
ومَضَت الأيّام وحملت الفتاة لتجمع بذلك بين مُعاناة الجوع وعُسر الوحم. نبَّهتها أمّها ألّا تُصرِّح بأمر حملها حتّى لا تتعرَّض للأذى من ضرائرها، فكانت الفتاة المسكينة تُعاني بصمتٍ من ألم الوحم دون أن تُخبر أحدًا بذلك. مع مرور الوقت، اشتدَّ بها الوحم حتّى طلبت من أمها أن تُحضر لها قطعةً من كبد خروف حتى ولو قطعةً صغيرة.
كانت الأم عاجزةً عن تلبية طلب ابنتها، فمن أين ستأتي لها بما طلبت وهي لا تملك من الدّنيا إلا بعض فُتات الطَّعام الذي تناله جراء خدمتها لسيّدها! كانت الفتاةُ تعلم جيِّدًا ظروف أمها، علاوةً على بخل زوجها الشَّديد، وبالرَّغم من ذلك، لم تستطع أن تكبح جماح الوحم الَّذي كان مُسيطرًا على كلِّ تفكيرها.
فَكَّرَت الفتاة في كيفيَّة الحُصول على هذه القطعة من كبد الخروف، ثم اهتدت إلى أنَّها ستخرج خلسةً من البيت وتتَّجه نحو حضيرة الزَّوج البخيل الَّتي كان يحفظ فيها الماشية. بعد أن قطعت الفتاة مسافةً طويلة من البيت إلى الحضيرة، وصلت أخيرًا وكان قد أصابها تعبٌ وإنهاك شديدان.
لم تلبث الفتاة أن وصلت حتّى ذهبت فورًا إلى الراعي وأخبرته بقصَّتها وكيف أنَّ زوجها البخيل لا يُطعمها ما يكفيها، ثمَّ سألته أن يُطعمها كبد أحد الخراف الَّتي يمتلكها زوجها، فقد اشتدَّ عليها الوحم ولم تَعُد قادرةً على التَّحمّل أكثر من ذلك. ارتعب الرّاعي ممّا طلبت، فهو يعلم مدى بُخل سيِّده وأنَّه بالتأكيد سيقطع عيشه إذا علم أنَّ أحد الخراف قد نقص من القطيع، لذلك لم يكُن يجرؤ على تلبية ما تريده زوجة سيده .
رجتهالزوجة المسكينة مُتوسِّلةً، فرأف الرّاعي لحالها وقرر أن يُخاطر بعمله من أجلها، فأحضر لها خروفًا صغيرًا من المزرعة وذبحه وأخرج منه الكبد ثم وضعها على النّار لتطيب.
أكلت الفتاةُ بنهمٍ شديد حتّى أنهت الكبد كُلّها ثُمَّ شكرت الرّاعي وانصرفت بسرعةٍ إلى البيت. للأسف، لم تَسِر الأمور كما خطَّطت لها الزوجة ، فقد لاحظت الزَّوجة الأولى أنَّ الزوجة الرابعة غائبة عن المنزل فأرسلت وراءها واحدةً من الخدم لتُراقبها، وبالفعل نقلت هذه الخادمة كُلَّ ما حدث في المزرعة للزَّوجة الَّتي أسرعت وأخبرت الزَّوج بكل ما سمعت.
غضب الزَّوج البخيل غضبًا شديدًا لأنَّ هذا الخبر سينتشر بين أهل القرية، وسيعلم النّاس أنَّ الرَّجل قد بخل بالطعام على زوجته الحامل. لذلك، قرَّر الرّجل أن ينتقم من زوجته المسكينة بقتلها أبشع قتلة. أمَرَ الرَّجل خدمه أن ينحروا أكبر عجل في مزرعته وأن يُعدّوا كُلَّ ما لذَّ وطاب من الأطباق. كانت عقوبة الزوجة هي أن يُجبرها زوجها على تناول كُلّ الطَّعام الذي أعدَّه الخدم، وإذا لم تفعل سوف تموت.
أمر أيضًا بإحضار جملين وتجويع أحدهما، وعدم سقي الآخر. كان ينوي الزَّوج أن يُقيِّد يدي وقدمَيّ زوجته المسكينة بالجملين، ثُمَّ يضع وعاءً مليئًا بالطَّعام أمام الجمل الجائع وقدرًا مليئًا بالماء أمام الجمل الظمآن، وعندما يركض الجملان على الطعام والشراب، سوف يقطعان الزوجة إلى نصفَين، وبذلك يكون قد انتقم لكرامته وشرفه.
ارتعبت الأمّ المسكينة ممّا سيحدُث لابنتها وتوسَّلَت سيدها أن يصفح ابنتها ولكن من دون جدوى، حيث قام بوضعها في الكوخ المُظلِم الَّذي كان قد سجن فيه زوجته حتّى يحين موعد عقابها. عاتبت الأمّ ابنتها وأخبرتها أنَّها قد حذَّرتها من قبل من العواقب، فما كان من الزوجة إلّا أن حاولت التَّخفيف على أمها حيث قالت لها بإيمانٍ شديد المقولة الشَّهيرة الَّتي أصبحت مضربًا للمثل حتّى يومنا هذا "حين يطيب التريد يجعل الله ما يريد"، أي إلى أن يجهز الطعام ويحين وقت العقاب، يفعل الله ما يريد.
أسرعت إحدى الخادمات إلى سيِّدها تُخبره بأنَّ كل ما أمر به قد تمَّ وأنَّ الطعام قد جهز، فأمرها أن تُعطيه لقمةً كي يتذوَّق الطَّعام قبل أن يبدأ في تنفيذ العقوبة على زوجته. وما إن وضع الرجل اللّقمة في فمه حتّى عَلِقتْ وأصابته بالاختناق، فمات الرَّجل على الفور. بعد ذلك، خرجت الفتاة وأمّها من الكوخ وهي تنظر إليها قائلةً ألم أخبركِ يا أمي أنّه حين يطيب التريد يجعل الله ما يريد!
العبرة من القصة هي ألَّا يفقد الإنسان إيمانه بالله أبدًا، فمهما كان الإنسان ضعيفًا ولا حول له ولا قوَّة، فإنَّ الله بحوله وقُوَّته قادرٌ على نصر المظلوم والضعيف إذا تعلَّق بالله وتوكَّل عليه.
إذا أتممت القراءة لاتبخل بالإعجاب والمتابعة ليصلك كل جيد .
#قصص #التراث #الشعبي #المغربي #القديم