الأستاذ محمد شركي

  • Home
  • الأستاذ محمد شركي

الأستاذ محمد شركي صفحة الأستاذ الشاعر و الخطيب محمد شركي لنشر أعماله الأ?

الصراع الصهيوـ إيراني بين الحقيقة والإيهاممن المعلوم أن الحيز الجغرافي العربي في منطقة الشرق الأوسط هو حيز أسال ولا زال ...
17/06/2025

الصراع الصهيوـ إيراني بين الحقيقة والإيهام

من المعلوم أن الحيز الجغرافي العربي في منطقة الشرق الأوسط هو حيز أسال ولا زال يسيل لعاب جهات متعددة نظرا لثرواته ومقدراته وخيراته، والتي على رأسها الذهب الأسود، فضلا عن غيره من الخيرات والمقدرات ، إلى جانب أهميته الاستراتيجية نظرا لوقوعه في نقطة التقاء ثلاث قارات. ويكفي أن يتابع الإنسان أخبار العالم التي تبثها مختلف وسائل الإعلام العالمية خصوصا الغربية منها منذ عقود ليلاحظ أن التركيز منصب على أحداث منطقة الشرق الأوسط وتحديدا الحيز الجغرافي العربي أكثر من أي حيز آخر في العالم ، بينما تبدو أخبار باقي دول العالم بعيدة عن التداول، بل كثير منها ما لا يرد ذكره إلا عند وقوع كوارث طبيعية أو حوادث طيران ، أو تظاهرات رياضية .

ولقد ساد الظن بعد جلاء جيوش الاستعمار الغربي من الحيز الجغرافي العربي خلال القرن التاسع عشر بعد تطبيق ما سمي بمعاهدة " سايكس بيكو " السرية بين فرنسا وبريطانيا في مايو سنة 1916 ، وبتزكية ومصادقة من الروس والطليان ، وهي عبارة مؤامرة مكشوفة بموجبها تم اقتسام تركية الدولة العثمانية في منطقة الهلال الخصيب أنها لن تعود محط أطماع من احتلوها إلا أن ما حدث هو أن هذه الأطماع فيها ازدادت بعد ذلك بشكل كبير ، ولا زالت كذلك إلى يوم الناس هذا .

وما رحلت الجيوش الفرنسية والبريطانية، وغيرها من الجيوش الغربية عن المنطقة العربية إلا بعد جلب الكيان الصهيوني إليها و استنباته وتوطينه بالقوة في فلسطين بموجب ما سمي " وعد وزير الخارجية البريطاني " أرتر جيمس بلفور" الصادر في الثاني من شهر نوفمبر سنة 1917 بعد سنة واحدة من مؤامرة " سايكس بيكو " الخبيثة ، وهو عبارة عن رسالة وجهها إلى اليهودي اللورد " ليونيل والتر دي روتشيلد " يعبر فيها عن تأييد الحكومة البريطانية إنشاء وطن قومي لليهود فوق أرض فلسطين . وكان هذا التوطين للكيان الصهيوني بمثابة تعويض عن جلاء الجيوش المحتلة، وقد اتضح هذا الأمر بكل جلاء حينما كانت الجيوش الغربية الفرنسية والبريطانية والأمريكية تخوض باستمرار كل الحروب العربية الصهيونية التي وقعت في المنطقة إلى جانب الكيان الصهيوني كما كان الحال سنة 1948 ،وسنة 1965 ، وسنة 1967 ، وسنة 1973 . ولا زالت لحد الآن تلك الجيوش تحارب إلى جانب هذا الكيان بشكل أو بآخر بما في ذلك المشاركة المباشرة في الحروب أو من خلال تزويده بالآلة الحربية المتطورة ، وبالوسائل الاستخباراتية ، فضلا عن الدعم الدبلوماسي في المحافل الدولية خصوصا في مجلس الأمن ، وذلك من خلال استعمال الفيتو لنقض كل القرارات التي تصدر ضده ، وكذلك من خلال تعطيل ما تصدره المحاكم الدولية ضده من أحكام . وبهذا يقوم الكيان الصهيوني بدور عرّاب الغرب في منطقة الشرق الأوسط ،يشعل فيها الحروب المتتالية نيابة عن صُنّاع " مؤامرة سياكس بيكو " من الأوروبيين إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية التي صارت أكبر شريك له في العدوان باعتبار حجم مصالحها وأطماعها في مقدرات وخيرات المنطقة ، مع محاولة إخفاء تلك المشاركة الفعلية ، والتمويه عنها خصوصا وأن صناع القرار فيها عبارة عن لوبي صهيوني واسع النفوذ .

ولنعد بعد هذا التقديم للوضع الحالي في الحيز العربي من منطقة الشرق الأوس، وتحديدا إلى الصراع الصهيوـ إيراني الذي اندلع يوم الجمعة الماضي في وقت كان الرئيس الأمريكي ترامب لا زال يراهن على الحل الدبلوماسي بخصوص مشروع إيراني النووي الذي يتوجس منه الكيان الصهيوني ، وكان على موعد مع جولة جديدة أو أخيرة من المحادثات مع الإيرانيين في سلطنة عمان يوم الأحد، وفي نفس الوقت كان يموه على الهجوم الصهيوني الوشيك على إيران ، ويصرح بعدم مشاركة قواته فيه ، وهو ما روجه أيضا رئيس الوزراء الصهيوني في سياق التفاخر خلال أول هجوم له على إيران بأنه ليس فيه مشاركة الطرف الأمريكي ، وهو تصريح مثير للسخرية خصوصا وأن الأسلحة التي استخدمها في هجومه كلها أمريكية الصنع إلى جانب أجهزة التجسس المتطورة ، و إلى جانب التقارير الاستخباراتية الأمريكية والأوروبية ، وهو ما أكد أنه قد حصل بالفعل على الضوء الأخضر من الرئيس الأمريكي قبل أن يقدم على ما أقدم عليه من مباغتة إيران بالهجوم . ولقد جرت العادة أن الكيان الصهيوني يفاخر دائما بأنه يقوم بعدوانه في فلسطين، وما جوارها من البلاد العربية لوحده ، وبمبادرة منه متناسيا عملية توطينه سنة 1948 في أرض فلسطين ، ومحاولة طمس حقيقة هذا التوطين التي سجلها التاريخ ، وهو الذي لو لم يكن عرّابا مدفوعا بالقوى الغربية ومدعوما منها فيما يشعله من حروب ممولة غربيا في المنطقة، لكان أمره منتهيا منذ مدة طويلة وفي خبر كان ، ولعاد كل اليهود الموطنين في فلسطين إلى وضع الشتات الذي كانوا يعيشونه في كل ربوع العالم عبر التاريخ ، كما كان شأنهم منذ أن وجدوا .

وما وقع بالأمس من هجوم الصهاينة على إيران ،ورد هذه الأخيرة عليهم بالمثل، أثار العديد من التساؤلات في أوساط المراقبين والمحللين، وهي تساؤلات ركزت على فرضيتن : واحدة ترى أنه صراع حقيقي ، وآخرى ترى أنه صراع مفتعل ، ولن تتأكد أحداهما إلا بعد انجلاء ما يحيط من غبش بهذا الصراع المسلح ، وهذا ما جعل الخوض في الفرضيتين مجرد تخمينات تتساوى فيها درجة الإصابة مع درجة الخطأ .

وقبل الخوض في موضوع هذه التخمينات ، لا بد من التذكير بما يمكن نعته بالقواسم المشتركة بين الكيانين الصهيوني والإيراني ، وأهم تلك القواسم هي رغبتهما المشتركة في بسط هيمنتهما على منطقة الشرق الأوسط خصوصا الحيز الجغرافي العربي الذي يوجد ضمن الهلال الخصيب كما سمته معاهدة " سايكس بيكو " وعلى امتداد الوطن العربي من خليجه إلى محيطه ، وبث الصراعات فيه.

وإذا كان الصهاينة يبررون ما يدعون أنه حقهم في إنشاء وطن قومي فوق أرض فلسطين يمتد من البحر إلى النهر بأساطير تلمودية تزعم أنه هبة لهم السماء ، فإن الإيرانيين أيضا يبررون أطماعهم في الوطن العربي باعتماد أساطير شيعية تزعم أن إمامتهم هي الوريثة الشرعية للنبوة في المنطقة .

وهكذا ينادي الصهاينة بما يدعون أنه حق استرجاع ملك النبي سليمان عليه السلام في بيت المقدس وما حوله ، بينما يدعي شيعية إيران حق استعادة الإمامة العلوية وريثة النبوة بأم القرى وما حولها. والملاحظ بالنسبة للكيانين معا هو اعتمادهما المبررالديني أو العقدي لبسط نفوذهما في الحيز الجغرافي العربي من محيطه إلى خليجه . ومعلوم أن هذا المبرر يخفي وراءه الأطماع الحقيقية للطرفين معا في مقدرات وخيرات المنطقة مع ما بينهما من فرق ، ذلك أن الكيان الصهيوني يلعب دور عرّاب بالنسبة للغرب الطامع الأكبر في خيرات ومقدرات المنطقة ، بينما يلعب دور العرّاب بالنسبة للكيان الإيراني المكون العربي الشيعي أو المتشيع في كل من العراق، ولبنان ،وسوريا ، واليمن والذي هو بمثابة قواعده المتقدمة والملتفة حول الهلال الخصيب .

ومن القواسم المشتركة أيضا بين الصهاينة والإيرانيين التقائهم في عدائهم للمكون السني في المنطقة العربية ، وهو مكون منقسم على نفسه ذلك أن طرفا منه يحاول الاحتماء بالغرب بشكل صريح ، وبالكيان الصهيوني بشكل ضمني مما يعتبره خطرا إيرانيا يهدد وجوده ، وطرف آخر يستعين بالكيان الإيراني على الخطر الصهيوني المهدد لوجوده في وطنه ، وهو الطرف الفلسطيني .

وهكذا يدير الكيان الصهيوني ومن ورائه الكيانات الغربية حربه مع الكيان الإيراني في بؤرة التوتر حول الرقعة الفلسطينية .

ولنعد مرة أخرى إلى الحديث عن تجاذب فرضيتي الحقيقة والإيهام في الحرب الصهيوـ إيرانية المندلعة اليوم بالوقوف عند مؤشرات مقوية لكل واحدة منهما. فإذا كانت فرضية حقيقة الحرب الدائرة بينهما يكفي كدليل عليها مؤشر الصدام المسلح الحالي ، فإن فرضية الإيهام التي مفاد ها وجود صفقة سرية ما بين الكيانين الصهيوني ومن ورائه الكيانات الغربية من جهة ، وبين الكيان الإيراني من جهة أخرى ،هو ما يستدعي تساؤلات بخصوص بعض المؤشرات المرجحة لهذه لفرضية الإيهام ، ومنها غرابة كيفية تصفية الكيان الصهيوني فوق التراب الإيراني لقيادات عسكرية عليا وازنة ، ولكفاءات علمية نووية وازنة أيضا، وكان من المفروض أن تكون تلك القيادات وتلك الكفاءات بمنأى عن خطر التصقية خصوصا مع تزايد التهديدات الصهيونية بقصف المنشآت النووية الإيرانية إلا أن العكس هو ما حدث حيث شوهدت الآثار المادية لاستهدافها في شكل ثقوب أحدثها القصف في جدران البنايات التي كانت توجد بداخلها ، تماما كما كان الحال في عملية اغتيال قائد حركة حماس إسماعيل هنية ، فهل كان ذلك مرده إلى العمل الاستخباراتي الصهيوـ غربي خصوصا الأمريكي المتوغل في إيران أم مرده إلى خيانة إيرانية ؟ ومما يقوي احتمال هذه الخيانة هو مجموع التصفيات والاغتيالات السابقة ، والتي طالت قيادات إيرانية عليا، وعلى رأسها الرئيس السابق إبراهيم رئيسي التي انفجرت به المروحية التي كانت نقله أو فُجِّرت به إما على يد الصهاينة في بلد لهم معه علاقة دبلوماسية وتغلغل استخباراتي ، وإما بسبب خيانة إيرانية أيضا . ومن تلك التصفيات كذلك تصفية القائد العسكري البارز قاسم سليماني الذي كان يخوض حرب البراميل الحارقة إلى جانب النظام السوري المنهار ضد ثورة الشعب السوري عليه ، فهل تصفية هذا القائد كانت على يد الصهاينة أم كانت خيانة إيرانية أيضا . ومن تلك التصفيات أيضا تصفية زعيم حزب الله حسن نصر الله ، وقادته العسكريين المقربين منه بشكل دراماتيكي مثير للدهشة ، فهل كانت التصفية بالفعل عملا صهيونيا كما يفاخر بذلك الصهاينة أم كان خيانة إيرانية أيضا ؟

وقد يتساءل البعض ومن حقهم أن يتساءلوا ، لماذا هذا الميل إلى كون تلك التصفيات عبارة عن خيانة إيرانية ؟ والجواب عن ذلك هو ربما يكون قد حصل اتفاق سري بين القيادة الإيرانية وبين الغرب خصوصا الولايات المتحدة الأمريكية يتم بموجبها تقاسم المصالح في منطقة الشرق الأوسط كي يعود الوضع كما كان زمن الشاه . ولا يستغرب أن يتم هذا الاتفاق لأن الولايات المتحدة وحلفاؤها بمن فيهم الصهيانة قد هاجموا الرئيس صدام حسين الذي كان يهدد مصالحهم في المنطقة ، ووضعوا حدا لنظامه ، وسلموا العراق على طبق من ذهب للإيرانيين الذي قاموا بتطهيرعرقي للمكون السني فيه، وهو تطهير امتد أيضا إلى نفس المكون في سوريا أيضا . وإذا صحت فرضية هذا الاتفاق السري المحتمل بين الطرفيبن ، لا يستغرب أن يكون كل من تم اغتيالهم من قيادات عسكرية وكفاءات علمية ، في إيران وخارجها بما في ذلك الرئيس إبراهيم رئيسي، وحسن نصر الله سببه صفقة محتملة كان لا بد أن يقدم هؤلاء الضحايا بين يديها قربانا ربما لأنهم كانوا يعارضونها ، أويقفون حجر عثرة دونها .

ولعل الأيام القليلة القادمة ستكشف عن سر تلك الاغتيالات والتصفيات ،وعن احتمال وجود صفقة سرية محتلمة ، وذلك من خلال ما سيتمخض عن هذا الصدام الحالي بين العَرَّاب الصهيوني والطرف الإيراني ، خصوصا وقد أبدى الغرب بزعامة الولايات المتحدة رغبة ملحة لوقفه في أسرع وقت ممكن اعتبار لأنه يمثل تهديدا خطيرا للاقتصاد العالمي الذي هو في حقيقة الأمر اقتصاد العالم الغربي ، والمتسبب في كل مآسي منطقة الهلال الخصيب ، وعلى رأسها مأساة الشعب الفلسطيني الضحية الأكبر ، ومعه الشعوب العربية المنهوبة مقدراتها ، والتي يعيش معظمها في فقر وحرمان ، وتحت وطأة الاستبداد السياسي .

حديث الجمعة : (( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ))اقتضت إرادة الله عز وجل أن يجعل أنبياءه ورسله الكرام صلواته وسلامه...
13/06/2025

حديث الجمعة : (( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ))

اقتضت إرادة الله عز وجل أن يجعل أنبياءه ورسله الكرام صلواته وسلامه عليه أجمعين الذين اختارهم ،واجتباهم لتبليغ رسالاته إلى خلقه قدوة وإسوة لمن بعثوا فيهم . ولمّا كانت رسالة خاتم المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هي الرسالة الخاتمة ، وقد جعله الله عز وجل إسوة وقدوة للعالمين إلى قيام الساعة ، فإنه جل في علاه قد ضمن رسالته أخبارا عن رسله وأنبيائه الكرام صلواته وسلامه عليهم أجمعين من جهة تثبيتا لخاتمهم عليه أفضل الصلوات وأزكى السلام ، وقد اجتمعت فيه كل صفاتهم الحميدة ، فحاز بذلك شهادة الحق سبحانه وتعالى في الآية الرابعة من سورة القلم : (( وإنك لعلى خلق عظيم )) ، ومن جهة ثانية جعل له فيهم قدوة وإسوة كما جاء في الآية التسعين من سورة الأنعام : (( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده )) ، وهذه الآية الكريمة ذات صلة بالآية الخامسة والسبعين من نفس السورة ، وهي قوله تعالى : (( وإذا قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة ...)) وما بعدها من الآيات إلى الآية التسعين ، وهي آيات تضمنت الحديث عن أنبياء ورسل كرام صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين بدءا بخليل الله إبراهيم عليه السلام ، الذي قص علينا الله تعالى ما كان بينه وبين أبيه وقومه وهو يدعوهم إلى توحيد سبحانه وتعالى ،ونبذ عبادة الكواكب والأصنام ، ومرورا بذريته إسحاق ويعقوب عليهما السلام ، ثم نوح عليه السلام من قبلهم ثم داوود، وسليمان ،وأيوب ، ويوسف ، وموسى، وهارون ، وزكرياء ، ويحيى ، وعيسى ، وإلياس ، وإسماعيل ، واليسع ، ويونس، ولوط صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ثم آباؤهم ، وذرياتهم وإخوانهم .

ومعلوم أن الخطاب الموجه إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم إما أن يكون خاصا به ، وإما أن يكون موجها إليه وعبره يكون موجها إلى عموم المؤمنين إلى يوم القيامة . وعندما أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهؤلاء الذين ذكرهم من رسله وأنبيائه الكرام صلواته وسلامه عليهم أجمعين، فضلا عن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم الذين اجتباهم وهداهم إلى صراط مستقيم ، وآتاهم الكتاب والحكم والنبوءة ، فإنه قد أمره بالاقتداء بهم جميعا في صفاتهم الحميدة كي تجتمع عنده كلها ليكون عليه الصلاة والسلام صاحب الخلق العظيم .

ولقد جاء في بعض كتب التفسير أن الاقتداء الذي أمر به عليه الصلاة والسلام لا يتعلق بشرائعهم إلا ما أمره به الله سبحانه وتعالى كما جاء في قوله في الآية الثالثة والعشرين بعد المائة من سورة النحل : (( ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا )) ،وفي الآية الثالثة عشرة من سورة الشورى : (( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى )) ، هذا مع قوله تعالى في الآية الثامنة والأربعين من سورة المائدة : (( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا )) ، وهو ما يدل على وجود تقاطع بين شريعة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وشرائع إخوانه الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، كما توجد شرائع خاصة بهم دون أن يؤمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي مما نسخته شريعته بعد تمامها وكمالها كما قال أهل العلم . ومن الاقتداء الذي أمر به عليه الصلاة والسلام ما كان عليه المرسلون من زكاء النفس، وحسن الخلق ، وكريم الشمائل ، وعظيم مواقفهم التي سردها الله تعالى في الرسالة الخاتمة كي تقتدي بها أمته على طريقة اقتدائه بهم كما أمر بذلك عليه الصلاة والسلام .

ولو استعرضنا أحوالهم صلوات الله وسلامه عليه أجمعين التي توجب الاقتداء بهم لما اتسع المقام لذكرها في مثل هذا الحديث المقتضب ، ولكن لا بأس من ذكر نماذج منها على ألا تهمل كلها كي يتحقق الاقتداء على الوجه الأكمل كما تحقق عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشهادة رب العزة جل جلاله .

ولنبدأ بنموذج الخليل عليه السلام الذي بدأ به الله تعالى حيث ذكر ما دار بينه وبين أبيه وقومه من أجل إقناعهم بتنكب سبل الشرك ،والتزام سبيل التوحيد ، ووجه الاقتداء به في ذلك أنه اعتمد في دعوتهم إلى التوحيد أسلوب التدرج معهم انطلاقا مما كانوا عليه من فاسد الاعتقاد ثم الوصول بهم بعد ذلك إلى الوعي بضلالهم بالحجج الدامغة التي آتاه الله تعالى، والتي منها عجز الآلهة الأصنام العديمة الإرادة عن نفعهم أو ضرهم ، و كذا عجز الآلهة الكواكب والنجوم عن رعايتهم التي تقتضي الحضور الدائم بسبب أفولها بعد ظهورها . ومن الاقتداء بالخليل يلزم كل مؤمن أن يعتمد أسلوبه في الحجاج حين يدعو إلى عقيدة التوحيد ، وذلك بما يقتضيه ظرف المجادلة ، ونوعية المُجَادَّلين في كل زمان ومكان ، وهذا ما حدث مثله في زماننا هذا عند بعض كبار الدعاة مثل الداعية أحمد ديدات ، والداعية ذاكر نايك على سبيل الذكر لا الحصر ، وقد كان أيضا في أزمنة مضت أمثلهما يجادلون بالمنطق السديد والمقنع في أزمنتهم وأمكنتهم الوثنيين على اختلاف وثنياتهم . وللخليل عليه السلام العديد من الخصال التي أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أن يقتدوا بها . ولو اقتصر اقتداؤهم على اتباع أسلوبه في مجادلة أهل الشرك، لكان لذلك الأثر الكبير في حسن التبليغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما بلغ هو عن رب العزة مقتديا بالخليل عليه السلام .

أما النموذج الثاني الذي أمر الله تعالى رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم بالاقتداء به هو وأتباعه من المؤمنين ،فهو نبي الله نوح عليه السلام ،وقد سبق زمانه زمن الخليل عليه السلام ، فيستوقف المقتدين به أمران : أولهما طول نفسه في دعوة قومه الوثنيين إلى توحيد الله تعالى ، وصبره لقرون على ذلك ، وثانيهما براءته من ابنه الغريق الذي اختار الانحشار في زمرة أهل الضلال ، ولهذا على من يروم الاقتداء به أن يتخلق بصبره وطول نفسه في تبليغ دعوة التوحيد حيثما وجد ، ومهما كان نوع الشرك المهيمن في بيئته ، وأن تكون علاقة قرابته مبنية على أساس الدين، لا على أساس الدم أو الرحم .

أما النموذج الثالث، فهو نبي الله يعقوب عليه السلام الذي أبلى البلاء الحسن في الصبر على فقدان ابنه يوسف عليه السلام ،وقرة عينه ،فضلا عن رجائه المنقطع النظير في الله عز وجل ، وأمله الكبير في لطفه الذي قد تأخر ولكنه في الأخير حصل لا محالة . والاقتداء بهذا النبي الكريم يقتضي من المقتدين أن يكونوا على شاكلته في الصبر والتعلق بالرجاء في الله تعالى ، مع أنهم لن يستطيعوا إدراك شأوه ولكن يكفيهم اقتفاء أثره .

أما النموذج الرابع، فهو نبي الله يوسف عليه السلام الذي أبلى البلاء الحسن في تقوى الله عز وجل حين راودته التي هو في بيتها عن نفسه . والاقتداء به يقتضي من المقتدين أن يكون موقفهم كموقفه حين تعرض لهم أنواع المعاصي المغرية .

وأما النموذج الخامس، فهو نبي الله أيوب عليه السلام الذي أبلى البلاء الحسن في التحمل والصبر لما أصابه الضر . والاقتداء به يلزم المقتدين أن يكون صبرهم على الضر كصبره واحتسابهم كاحتسابه، علما بأن كل مؤمن معرض في هذه الدنيا لمثل هذا النوع من الابتلاء في كل زمان ، وفي كل مكان .

وأما النموذج السادس ،فهو نبي الله موسى ومعه أخوه هارون عليهما السلام اللذان أبليا البلاء الحسن في مواجهة طغيان فرعون . والاقتداء بهما يلزم المقتدين أن يكونوا على شاكلتهما في الصدع بالحق مهما كانت قوة الطغيان المانعة من الجهر به أو إظهاره.

وأما النموذج السابع، فهو نبي الله زكرياء عليه السلام الذي أبلى البلاء الحسن في الرجاء الكبير، والأمل العريض في عطاء الله عز وجل وإن طال انتظاره . والاقتداء به يلزم المقتدين أن يكون تعلقهم بالأمل في الله سبحانه وتعالى كتعلقه لا يثنيهم عنه تراخي الزمن مهما طال .

وأما النموذج الثامن، فهو نبي الله عيسى عليه السلام الذي ضرب المثل الرائع في نسبة ما آتاه الله من المعجزات الباهرة إلى واهبها دفعا لتوهم قومه أن فضلها يعود إليه ، ولقد حدث أن افترى بعضهم الكذب عليه حين نسبوها إليه ، وألهوه بسببها . والاقتداء به يلزم المقتدين بنسبة ما ينعم به الله تعالى عليهم إليه وحده ، وليس لأنفسهم .

وأما النموذج التاسع، فهو نبي الله إسماعيل عليه السلام الذي ضرب المثل الأعلى في التضحية بالنفس حين أخبره أبوه عليه السلام بما أراه الله تعالى في منامه ، وضرب المثل الأعلى في تصديق رؤيا أبيه تصديقا لنبوته . والاقتداء به يلزم المقتدين أن يكونوا على شاكلته في التصديق والتضحية بالنفس إذا اقتضى الأمر ذلك.

وأما النموذج العاشر، فهو نبي الله يونس عليه السلام الذي ضرب هو الآخر مثلا أعلى في التشبث بالأمل العريض بالله تعالى حين ابتلاه ربه ، ولم يغادره ذلك الأمل وهو في ظلمات بطن الحوت .والاقتداء به يلزم المقتدين أن يكونوا على شاكلته في الرجاء في الله تعالى مهما كانت درجة الشدة أو الضيق الذي يمرون به في حياتهم .

وأما النموذج الحادي ،عشر فهو نبي الله لوط عليه السلام الذي ضرب المثل الرائع في مواجهة فاحشة قومه التي لم يسبقهم إليها أحد من العالمين ، وكان يقينه كبيرا في أن الله تعالى سيحول بينه وبينهم واتخذه سبحانه ركنه الشديد لما أعوزته قوته أمام طغيان قومه . والاقتداء به يلزم المقتدين أن يكون عزمهم على مواجهة هذا النوع من الفاحشة حيثما ظهرت كعزمه ، وتوكلهم على الله تعالى لمواجهتها كتوكله . ولا يفوتنا أن نذكر أنه قد ظهر في الناس من يدعون جهارا نهارا إلى هذه الفاحشة المستقذرة .

وأما النموذج الثاني عشر، فهو نبي الله إلياس عليه السلام الذي سار على نهج الخليل عليه السلام في مواجهة وثنية قومه بالحجة الدامغة المفحمة لهم . والاقتداء به يلزم المقتدين بالسير على نهجه في مواجهة الضلال الوثني مهما كان نوعه .

أما النموذج الثالث عشر، فهما نبيا الله داود وسليمان عليهما السلام ،وقد آتاهما الله ملكا عظيما لكنهما ضربا المثل الأعلى في الاستعانة بما آتاهما ربهما على حسن طاعته وعبادته . والاقتداء بهما يلزم المقتدين السير على نهجهما في الاستعانة بعطاء الله تعالى ماعظم، منه وما كان دون ذلك على طاعته تحقيقا لشكر نعمه .

وحصيلة الاقتداء بهذه النماذج من المرسلين هي عبارة عن رصيد ثمين من الأخلاق السامية التي خلّقهم بها الحق سبحانه وتعالى، وقد اجتباهم وهداهم إلى صراطه المستقيم ، وآتاهم الكتاب والحكم والنبوة ، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ،ومن آمن معه إلى يوم القيامة بالاقتداء بهم .

وقد ذكر في نفس السورة أنبياء آخرين هم إسحاق ، ويحيى ، واليسع عليهم السلام ، ولا شك أن لهم من الصفات والمواقف ما يدعو إلى الاقتداء بهم أيضا ،كما جاءت الإشارة أيضا إلى الاقتداء بما كان عليه آباؤهم وذرياتهم وإخوانهم .

ومن لم يذكروا في هذه السورة ، وذكروا في سور أخرى هم أيضا نماذج وإسوات وقدوات، يلزم من يقرؤون القرآن الكريم أن يقفوا ويعوا مواطن الاقتداء بهم استجابة لقول الله تعالى مخاطبا نبيه ومن خلاله كل المؤمنين به : (( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده )) .

مناسبة حديث هذه الجمعة هي تذكير المؤمنين بما يلزمهم من اقتداء بمن أمرهم الله تعالى الاقتداء بهم من صفوة خلقه عليهم أفضل الصلوات وأزكى السلام ، ولا يتأتى ذلك إلى بالمصاحبة الدائمة للذكر الحكيم الذي يخبرنا بأحوالهم وأخلاقهم السامية ، مواقفهم . وإذا ما كثرت معاشرتنا لهم عن طريق معاشرة هذا الذكر الحكيم باستمرار، وحرصنا على استقصاء ما أجمله عنهم من أخبار وأحوال وصفات في تفاصيل كتب التفاسير، حصلنا على رصيد ثمين من أخلاقهم السامية ،نحاكيها فيها دون أن نبلغ شأوهم، ولكننا نوشك أن نطمع بذلك في وضع أقدامنا على صراط الله المستقيم الذي هداهم إليه ، ولنا فيه الرجاء الكبير والأمل العريض في نيل هذا العطاء .

اللهم إنا نسألك أن تمن علينا بقبس مما خلّقت به أصفيائك المرسلين عليهم أفضل صلواتك وأزكى سلامك ، ومما خلقت به عبادك الصالحين عليهم رضوانك ورحماتك .اللهم لا تخالف بنا عن نهجهم ، ولا تحرمنا صبحتهم في جنتك . الله اغفر لنا زلاتنا ، وأقل عثراتنا ، وأكشف كرباتنا ، وارحمنا برحمتك الواسعة .

والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

لو كان الحياء بشرا لرفع  اليوم دعاوى كثيرة ضد المخلين به على منصات التواصل الاجتماعيلمّا قُدِّر للعالم أن يصير قرية صغير...
11/06/2025

لو كان الحياء بشرا لرفع اليوم دعاوى كثيرة ضد المخلين به على منصات التواصل الاجتماعي

لمّا قُدِّر للعالم أن يصير قرية صغيرة بسبب التحول الهائل في أساليب التواصل الرقمية بين البشر ،ارتفعت بينهم الحجب عن طباعهم، وعاداتهم ، وتقاليدهم ، وقيمهم ما علا منها وما انحط ، وصاروا أكثر تعاطيا للمنحطة منها لما فيها من تهتك واستهتار بالحياء.

ولقد انخرطت المجتمعات العربية والإسلامية خصوصا شبيبتها في هذا التعاطي بشكل مثير للقلق الشديد على قيمها السامية المستقاة من تعاليم دينها الحنيف، والتي بدأت تتراجع بشكل ملحوظ لفائدة قيم غربية غريبة ودخيلة وذلك بفعل عقدة الشعور بالدونية أمام المجتمعات غير المسلمة والتأثر بها بحكم ريادتها في المجال العلمي والتكنولوجي مع الخلط بين التأثر والأخذ عنها في هذا الأخير وبين التأثر و الأخذ عنها في مجال القيم علما بأنها مجتمعات علمانية تطرح الدين وقيمه جانبا في حياتها .

وإذا كان لا يعنينا موضوع الحياء عند الأمم العلمانية ، فإنه بالنسبة إلينا كمسلمين جزء من هويتنا الإسلامية لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن لكل دين خلقا ، وخلق الإسلام الحياء " .

ومما جاء على لسان كبير القضاة أبو الحسن الماوردي رحمه الله في كتابه " أدب الدنيا والدين" :

" واعلم أن الحياء في الإنسان قد يكون من ثلاثة أوجه : أحدها حياؤه من الله تعالى ، والثاني حياؤه من الناس ، والثالث حياؤه من نفسه . فأما حياؤه من الله تعالى فيكون بامتثال أوامره والكف عن زواجره... وأما حياؤه من الناس فيكون بكف الأذى وترك المجاهرة بالقبيح ... وأما حياؤه من نفسه فيكون بالعفة وصيانة الخلوات " .

ولو كان الحياء بشرا لرفع اليوم دعاوى كثيرة ضد المخلين به على منصات التواصل الاجتماعي من بعض المحسوبين على الإسلام ، كما صارت الدعاوى ترفع أمام العدالة حين تمس كرامة البشر بسوء عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ولقد ندبت في بلادنا شرطة خاصة لملاحقة ما أصبح يعرف بالجرائم الإلكترونية ، لهذا يجب أن يكون بالضرورة منها جريمة الإخلال بالحياء ، والمجاهرة بالفحش ، وهو ما قبح من القول ، وبالتفحش ،وهو تكلف وتعمد الفحش . ولقد استفحل اليوم أمرهما معا عندنا في وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك في غياب الرقابة والمتابعة القانونية . ونذكر من ذلك على سبيل المثال لا الحصر فيديوهات تنشر لأحد المهرجين بإحدى المدن المغربية ، وهو شيخ كبير قد علاه الشيب يتصابى، ويتكسب بالخنا والتفحش لإضحاك من يرتادون مجلسه . ولا ندري هل تلك الفيديوهات التي تصور له تسوق دون علمه أم بعلمه ؟ ولا يقف أمر ما يسوق له من إخلال بالحياء على ما يصور في حلقته ،بل تسوق أيضا فيديوهات تظهر فيها بعض النساء بوجوه صفيقة في مشاهد وحركات خليعة مخلة بالعفة وهن يتندرن بتفحش هذا الشيخ الذي لا يرعى لشيبه وقاره.

وإذا كانت المحاكم عندنا قد قضت بأحكام قاسية ، وغرامات ثقيلة بسبب تهم التشهير ببعض الشخصيات في بلادنا ، فالأولى أن يعامل الحياء حين يخدش أو يخل به على وسائل التواصل الاجتماعي معاملة هذه الشخصيات ،لأنه خلق الإسلام كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والذي يجب شرعا وقانونا أن يصان ، ولا يبتذل ، كما أن الإخلال به عبر وسائل التواصل الاجتماعي هو إساءة إلى كرامة كل المواطنين .

ومما يؤسف له شديد الأسف أن تسود في وسائل التواصل الاجتماعي ظاهرة تعاطي فيديوهات الفحش والتفحش ، فيتبادلها الناس فيما بينهم بغرض التندر بها دون وخز من ضمير أو وازع من دين ،الشيء الذي يعتبر تطبيعا مخزيا مع هذه الآفة المنافية لقيم ديننا الحنيف الذي يعد الحياء فيه شعبة من الإيمان .

أمازال المنخدعون بمقولة " معاداة السامية " لم يتأكدوا بعد من أن الصهاينة هم من يعادون كل الأعراق البشرية بسبب عقدة العنص...
10/06/2025

أمازال المنخدعون بمقولة " معاداة السامية " لم يتأكدوا بعد من أن الصهاينة هم من يعادون كل الأعراق البشرية بسبب عقدة العنصرية المزمنة والمتجذّرة فيهم؟؟؟

تلقى العالم باستغراب واستنكار شديد وشجب يوم أمس نبأ استيلاء البحرية الصهيونية في المياه الدولية على السفينة المتوجهة إلى قطاع غزة من أجل كسر الحصار الخانق على أهله الذين يعانون من مجاعة مهلكة ،واعتقلت كل من كانوا على متنها مع منع أية تغطية إعلامية من شأنها أن تفضح ما تعرضوا له من إهانة ومن تنكيل ،لا لشيء إلا لأنهم أصحاب قلوب رحيمة رقت لحال رضّع وأطفال صغار ، ونساء ، وشيوخ يموتون جوعا وعطشا ، ومرضا ، وهم تحت القصف المستمر ليل نهار بطائرات ومسيرات ، وصواريخ ، ومدفعية أمريكية وأوروبية الصنع ،قدمت للصهاينة بكل سخاء ، وفي غياب الضمير الحي المؤنب ، وفي تجاهل متعمد لكل الصرخات والنداءات الصادرة عن شعوب المعمور المنددة بجرائم الإبادة الجماعية التي يمارسها الصهاينة في قطاع غزة.

ومعلوم أن الشعوب في بلاد الغرب بشطريه الأوروبي والأمريكي انخدعت ، ولا زال كثير منها لحد الساعة منخدعا بسبب التضليل الإعلامي المتصهين والممنهج منذ الحرب العالمية الثانية بمقولة " معاداة السامية" ، التي اتخذها الصهاينة ذريعة استغلوها ، وارتزقوا بها من أجل احتلال أرض فلسطين ، ولا زالوا يسوقونها إعلاميا ، وكأن أهل فلسطين كانت لهم أيد خفية في اضطهاد النازية الألمانية للسامية . وعوض أن تدفع ألمانيا ومعها دول أوروبية أخرى شريكة لها ثمن ذلك الاضطهاد ، صار الشعب الفلسطيني هو الضحية ، والقربان الذي قدمه الأوروبيون إرضاء للصهاينة تحت طائلة " طابو معاداة السامية " وقد صار خطا أحمر لا يسمح بتجاوزه، علما بأن الطابو يتعامل معه بهذا الشكل بغض النظر عن مدى كونه مبررا أو حتى متناسقا مع القوانين والشرائع .

ولقد اكتشف العالم بأسره منذ احتلال الصهاينة لأرض فلسطين سنة 1948 طبيعتهم العنصرية التي يلوحون في وجه كل من ينكرها أويستهجنها بتهمة أو جريمة "معاداة السامية " ،علما بأن الصهاينة يسمحون لأنفسهم بمعاداة كل الأعراق البشرية، ذلك لأن أساطيرهم التلمودية قد ولدت لديهم عقدة الاستعلاء العرقي فوق كل البشر .وبسبب هذه العقدة المزمنة عندهم احتلوا أرض فلسطين ، وقد أعانهم على ذلك الاحتلال البريطاني ، ومعهم دول غربية أخرى إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية التي صارت طرفا في الصراع الدائر في فلسطين بين أصحاب الأرض والمحتل الصهيوني .

ولقد كانت كل الممارسات العنصرية التي مورست على الشعب الفلسطيني منذ احتلال أرضه سنة 1948 كافية لتؤكد لشعوب العالم الغربي الطبيعة العنصرية للصهاينة ، لكنها من الأسف الشديد ظلت منخدعة لعقود بمقولة " معاداة السامية " التي ظل الإعلام الغربي المتصهين والمحتكر من قبل الصهيونية يمررها ،ويذيعها، ويكرسها في كل أرجاء العالم ، وتؤيده في ذلك الإدارات الغربية حتى صارت تلك المقولة عبارة عن " طابو" بموجبه اعتبر الكيان الصهيوني العنصري ضحية في كل الأحوال دون أدنى تحرّ أو تبيّن ، بل بالتسليم المطلق .

ولقد ارتفعت بشكل كبير وتيرة التطبيل لمقولة " معاداة السامية " عندما حدث طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر سنة 2023 ،والذي اعتبرته الأنظمة الغربية عدوانا من الفلسطينيين على الصهاينة مع القفز المتعمد ،والإهمال التام للأسباب الكامنة وراءه حيث كان قطاع غزة يعيش تحت حصار خانق مدة 18 سنة تخللها العدوان الصهيوني المتكرر على أهله سنوات 2008 ،و 2009 ، و2012 ، و2014 ، و2021 ، و2022،ومع القفز المتعمد أيضا على المؤامرة المدبرة بليل، والتي كان الكيان الصهيوني على وشك تنفيذها بموجب ما سمي صفقة القرن التي هي مؤامرة مكشوفة لتصفية القضية الفلسطينية وقد تورطت فيها أطراف عدة لم يعد أمرها سرا .

ولقد كشف العدوان الصهيوني الأخير على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة ،والذي لا زال مستمرا دون هوادة عن الطبيعة العرقية والعنصرية والنازية للكيان الصهيوني، والتي يتباهى بها قادته الدمويون دون حرج ، وبعلم العالم بأسره ، ومع ذلك لا زالت الإدارات الغربية في أوروبا وأمريكا الشمالية يسوق إعلامها المتصهين بين شعوب بلدانها لمقولة " معاداة السامية " في وقت عرفت كل هذه الشعوب الحقيقة المغيبة عمدا منذ عقود ، وهو ما جعل الكثيرين يخرجون في مظاهرات مليونية منددة بجرائم الإبادة الجماعية في القطاع ، وجرائم الحصار الخانق مع التجويع ، والتخطيط لتهجير قسري لأهله من أجل إنجاز ما سمي بمشروع " ريفيرا ترامب "، وهو مشروع يموه على إعادة احتلال الصهاينة لقطاع غزة .

وها هي سفينة كسر الحصار المنطلقة من أوروبا تساق ظلما وعدوانا من وسط المياه الدولية ، وتصادر ، ويعتقل من كانوا على متنها تحت التعتيم الإعلامي الكامل على ظروف اعتقالهم ، لمجرد أنهم عبروا في رحلتهم الرمزية عن إرادة شعوب العالم الحر الرافضة لجرائم الإبادة الجماعية حصارا ، و تقتيلا ، وتجويعا.

وستصل بعد أيام قليلة مسيرات عربية رمزية إلى الأراضي المصرية لكسر الحصار عن أهل غزة ، ولا شك أن الكيان العنصري سيتعامل معها أيضا بنفس العدوانية التي تعامل بها مع سفينة كسر الحصار، خصوصا وأن قادته الدمويون يفاخرون بأن أديهم طويلة تصل برا، وبحرا، وجوا إلى كل مكان في العالم ، وفي هذا منتهى الإصرار على عدوانيتهم ودمويتهم ،وعنصريتهم .

وأخيرا نتساءل أما زال في هذا العالم مخدوعون بمقولة " معاداة السامية " ،لم يتأكدوا بعدُ من أن الصهاينة هم من يعادون كل الأعراق البشرية بسبب عقدة العنصرية المزمنة عندهم ، والمتجذرة فيهم ؟؟؟

حديث الجمعة : (( فلمّا أسلما وتلّه للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين وفديناه بذبح عظيم...
08/06/2025

حديث الجمعة : (( فلمّا أسلما وتلّه للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين وفديناه بذبح عظيم وتركنا عليه في الآخرين إنه من عبادنا المؤمنين ))

اقتضت إرادة الله عز وجل من وراء سوق قصص رسله وأنبيائه الذين خلوا صلواته وسلامه عليهم أجمعين في رسالته الخاتمة المنزلة على خاتمهم عليه الصلاة والسلام أن يكون ذلك عبرا لتثبيت الإيمان في قلوب المؤمنين إلى يوم الدين .

ومن تلك العبر الواردة في قصص المرسلين عليهم الصلاة والسلام ،عبرة صدق الإيمان بالتسليم المطلق الذي لا تردد فيه لله تعالى فيما يأمر، ويقضي ، ويكون فيه بلاء عظيم . ومن ذلك القصص المتضمن لهذه العبرة، قصة رؤيا خليل الله إبراهيم عليه السلام الذي أراه الله عز وجل في منامه حيث أمره بذبح ابنه إسماعيل عليه السلام ، وقد ورد هذا الحدث العظيم في الآيات من الثانية بعد المائة إلى الآية الحادية عشرة بعد المائة من سورة الصافات حيث قال الله تعالى :

(( فلمّا أسلما وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم وتركنا عليه في الآخرين سلام على إبراهيم كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين )) ، ففي هذه الآيات الكريمة سرد للرؤيا التي رآها خليل الله إبراهيم عليه السلام في منامه وهو يؤمر من الله عز وجل بذبح ابنه فصدق رؤياه ، ثم همّ في يقظته عازما على تنفيذ الأمر الإلهي دون تردد تماما كما رأى ذلك في منامه ، كما صدق رؤياه ابنه أيضا دون تردد مُسلِّما أمره لقضاء الله تعالى ، فكافأهما الله تعالى كأحسن ما تكون المكافأة لصدق إيمانهما ،ولثباتهما ، وصبرهما لحظة البلاء حيث كافأ الخليل بالإبقاء على ابنه إسماعيل حيا ، كما كافأ ابنه أيضا بالاستمرار حيا في الحياة ، وفداه بذبح عظيم في مستوى عظمة البلاء ، وفي مستوى رضى الخليل وابنه عليهما السلام به ، وفي مستوى تسليمهما لأمر الخالق جل في علاه .

ودون الخوض في تفاصيل هذا الحدث العظيم في تاريخ البشرية، والذي لم يحصل مثله من مقبل لأب مع ابنه ،خصوصا وأن الأب قد رزقه على الكبر ، وتعلق به قلبه كأشد ما يكون تعلق قلب أب بابنه الذي رزقه على الكبر ، وهذا ما جعل بلاء ذبحه عظيما ، لا بد من أن نركز على ما الذي يجب أن تستفيده الأمة المسلمة إلى قيام الساعة من هذا الحدث العظيم الذي تحيي ذكراه كل عام في العاشر من ذي الحجة المحرم .

إن خليل الله إبراهيم هو النموذج والإسوة الذي يلزم كل مؤمن أن يقتدي ويتأسى به . إنه قد تعلق قلبه المؤمن بمحبة الذرية قبل أن تخلق له ذرية ، وقبل أن يوهبها ، وكان يتضرع إلى لله تعالى كي يجود بها عليه ،ولم يكن حبه لها لغرض دنيوي كما يكون حال كثير من الناس الذين يحبون كثرة الذرية كما يحبون كثرة المال، وهما زينة الحياة الدنيا التي يباهي بها بعضهم بعضا ،بل كان غرضه عليه السلام أن تبقى طاعته لله تعالى مستمرة في عقبه إلى آخر الدنيا ، ولم يكن لديه أفضل ولا أحب من ذلك . ويقتضي تأسي المؤمنين به أن يتشوقوا هم أيضا كما تشوق الخليل عليه السلام إلى الذرية بنفس النية ونفس القصد .

ومن إيمان الخليل عليه السلام أن حب ابنه لم يفتر، بل كان في ازدياد دائم كلما قطع ابنه شطرا من حياته ، حتى إذا بلغ ذلك الحب أقصى درجة يمكن أن يصلها حب أب لابنه ،جاءه البلاء العظيم بأمر الله تعالى له بذبح حبة قلبه ، وقرة عينه في شكل إجراء إذ رأى نفسه يذبحه على وجه الحقيقة في رؤيا رآها في منامه ، وصدّقها دون أدنى تردد . وقد يتبادر إلى الأذهان السؤال الآتي: لماذا لم يؤمر بذبحه وهو في يقظة ؟ والجواب هو أن في الأمر حكمة أرادها الله تعالى ، وقد أراد بها اختبار الخليل الذي كان حين ينام تنام عيناه، وقلبه يقظان تماما كما حال جميع المرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين . و لقد كانت الرؤيا كشفا من الله تعالى عن طريقة الذبح ، ولو أمر بذبح وهو في يقظة لأشكل عليه أمر الذبح، لأن الذبيح لم يكن ككل الذبائح التي كان يذبحها الخليل عليه السلام ، فهو عبارة عن ذِبح آدمي مكرم عند الله عز وجل ،وهو يعي جيدا دلالة الذَّبح ، وهو نبي كريم ابن نبي كريم ، وهو الابن المحبوب عند والده كأشد ما تكون المحبة، وقد رزقه على الكبر، لهذا كان لا بد إذن من طريقة معلومة في الذَّبح تليق بمقامه العظيم ، ولهذا كان من حكمة الله تعالى أن يري الخليل كيفية ذبحه في منامه كما وصفها القرآن الكريم : (( فلما أسلما وتله للجبين )) . ولا شك أيضا أن الخليل عليه السلام رأى ابنه في المنام مطيعا ، صابرا، ومحتسبا يطلب منه تنفيذ أمر الله تعالى ، تماما كما وجده على نفس الحال في يقظته، وهذا من حكمة الله تعالى أيضا، ومن رحمته بالأب الحنون وبالابن المحب المطيع ، وقد تناغمت طاعتهما لربهما بنفس الدرجة من اليقين ،والثبات ، والصبر .

ولقد غلبت محبة الله تعالى في قلب الخليل عليه السلام محبة ابنه الحبيب ، وكان ذلك فوزا له عند الابتلاء حين أخلى قلبه حب الابن حين تعلق الأمر بحب الخالق سبحانه وتعالى ، إذ لا مكان إلا لهذا الحب .

وما يقتضيه التأسي والاقتداء بالخليل عليه السلام في هذا الذي حدث، هو أن يجعل المؤمنون محبة خالقهم فوق محبة أبنائهم الذين هم ودائع عندهم استودعهم الله تعالى إياها ، ولا يجوز لهم الاعتراض على استرجاعها إذا ما استردها منهم تماما كما استجاب الخليل عليه السلام لما أراه ربه سبحانه وتعالى في منامه ، وصدقه قبل أن يؤمر بذلك في حال يقظته، وذلك لأن قلبه أخلص المحبة لله تعالى ، ولم يسمح لمحبة الولد أن تنافسها حين هم بإنفاذ الذبح الذي أمر به في اليقظة، وقد علم الله تعالى صدق نيته في ذلك ، ففدى الذبيح بالذِّبح العظيم الذي استمد عظمته من عظمة المستهدف بالذَّبح عند الله عز وجل ،وهو النبي بن النبي عليهما السلام .

ومن عظمة النبي الذبيح أنه حين أخبره والده بما رآه في منامه، لم يتردد لحظة واحدة ،بل كان جوابه للتو كما أخبر الله تعالى بذلك في الآية الثانية بعد المائة من سورة الصافات : (( فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين )) ، قالها الذبيح صادقا موقنا مصدقا رؤيا المنام قبل فعل اليقظة ، والله تعالى عالم بصدقه ويقينه ، وبذلك كان الولد الذبيح على شاكلة أبيه الخليل في الاستجابة لأمر الله تعالى في المنام قبل اليقظة ، كما كان على شاكلته في قصر محبة قلبه على خالقه، حرصا على مرضاته سبحانه وتعالى قبل إرضاء والده ، وقد حازا معا درجة الإحسان عنده جل في علاه القائل : (( إنا كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين )) ، وكان الجزاء أن فدى الله تعالى الغلام الحليم كي يبقيه قرة عين والده الأواه المنيب .

مناسبة حديث هذه الجمعة هي تذكير المؤمنين بدلالة الحدث المحتفى به عند هم كل عالم في العاشر من شهر ذي الحجة المحرم حين يتقربون بذبائحهم إلى لله تعالى كأنهم يجددون العهد معه على أنهم يمحضون المحبة له دون سواه مما تتعلق به قلوبهم من زينة الحياة الدنيا أولادا أوأموالا ... أوغير ذلك من المحبوبات لديهم، كما أنهم يشهدونه سبحانه وتعالى على أنفسهم بأنهم إذا ما خضعوا للابتلاء، كان منهم الرضى دون تبرم أو جزع رغبة في نيل مرتبة الإحسان عنده سبحانه وتعالى . ولهذا يتعين على المؤمنين والمؤمنات على حد سواء أن يكون إمحاض الحب لله تعالى حال كونهم آباء وأبناء على شاكلة الخليل والذبيح عليهما السلام إذ كل منهم يمر بمرحلة البنوة والأبوة والأمومة .

ولقد أرانا الله تعالى في هذا الظرف الحالي نماذج ممن أمحضوا له الحب على شاكلة الخليل والذبيح عليهما السلام في أرض الإسراء والمعراج حيث رأينا رأي العين المرابطين فيها يقتل عدوهم الظالم الشرس بكل وحشية فلذات أكبادهم، وهم يسألون خالقهم سبحانه وتعالى بقلوب راضية قد غمرتها محبته التي فاقت محبة أبنائهم الشهداء أن يتقبلهم منهم ، لا يعنيهم في ذلك سوى رضاه عليهم ، فلله درهم ، ولا نزكيهم عليه ، وعلى شاكلة هؤلاء في توخي مرتبة الإحسان يجب أن يكون كل مؤمن، وكل مؤمنة في كل ربوع المعمور .

اللهم عجل بجائزتك لعبادك المؤمنين المرابطين في أرضك المقدسة ، لتكون لهم نصرا مؤزرا من عندك تعز به دينك ، وترفع به رايته خفاقة في آفاق عالم حلت به الدواهي بما كسبت أيدي الناس . اللهم أر أعداء عبادك المرابطين الصابرين المحتسبين عجائب قدرتك ، فإنهم لا يعجزونك ، وأر من خذلوهم من المتخاذلين أنك الرزاق ذو القوة المتين ، وأنك رب خزائن السماوات والأرض.

اللهم ألهمنا إدراك حقيقة دلالة عبادة النحر التي تعبّدتنا بها كي تكون لنا عبادة لا مجرد عادة. اللهم لا تجعل غاية همنا في ملأ البطون ، واجعل غايتنا التفاني في طاعتك كما أمرت لا مبدلين ولا مغيرين ، ولا فاتنين ولا مفتونين .اللهم الطف بنا ، ولا تبتلينا بما لا طاقة لنا به ، وإذا ما ابتليتنا بشيء، فارزقنا الصبر والثبات ، والصدق ، واحتساب الأجر عندك .

والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

Address


Website

Alerts

Be the first to know and let us send you an email when الأستاذ محمد شركي posts news and promotions. Your email address will not be used for any other purpose, and you can unsubscribe at any time.

Contact The Business

Send a message to الأستاذ محمد شركي:

Shortcuts

  • Address
  • Alerts
  • Contact The Business
  • Claim ownership or report listing
  • Want your business to be the top-listed Media Company?

Share