الأستاذ محمد شركي

  • Home
  • الأستاذ محمد شركي

الأستاذ محمد شركي صفحة الأستاذ الشاعر و الخطيب محمد شركي لنشر أعماله الأ?

حديث الجمعة : (( إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين وأن أتلو القرآن فمن اهت...
31/10/2025

حديث الجمعة : (( إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين وأن أتلو القرآن فمن اهتدي فلنفسه ومن ضل فقل فإنما أنا من المنذرين ))

استئنافا للحديث عما ورد في كتاب الله عز وجل من أحوال وصفات رسوله صلى الله عليه وسلم، سنتعرض في حديث هذه الجمعة بعض ما اشتمل عليه خلقه العظيم من خصال أثنى بها الله تعالى عليه ،ويتعلق الأمر بعبادته وهويته ووظيفته انطلاقا من الآيتين الكريمتين الواحدة والتسعين والثانية والتسعين من سورة النمل التي جاء فيهما : (( إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين وأن أتلو القرآن فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما أنا من المنذرين ))، ولقد وردت الآيتان في سياق الرد عن إنكار الكافرين للبعث والآخرة في الآيتين الكريمتين التاسعة والستين والسبعين من نفس السورة إذ قال الله تعالى حكاية عنهم : (( وقال الذين كفروا إذا كنا ترابا وآباؤنا أئنا لمخرجون لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين )) ، ويتضمن قولهم هذا استفهاما يتضمن من جهة تحديا لرسول الله صلى الله عليه وسلم كي يثبت لهم وقوع البعث بعد موتهم ، ومن جهة أخرى يتضمن تكذيبا لوقوعه بطريقة ساخرة إذ اعتبروه محض أساطيرالأولين متجاهلين أنه على الصلاة والسلام مبلغ لما يوحى إليه من ربه سبحانه وتعالى لا ينطق عن هوى ، ولا يجيب عن تساؤل من تلقاء نفسه مصداقا لقوله تعالى في الآية الكريمة السادسة من نفس السورة : (( وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم )) وقوله تعالى أيضا في الآية الكريمة الواحدة والثمانين من نفس السورة : ((فتوكل على الله إنك على الحق المبين )) .

وردا على تحدي الكافرين جاء جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن استفهامهم بوحي من ربه سبحانه وتعالى أخبرهم فيه بأنه لم يؤمر بشيء مما يبتغون عنده من تعيين أو تحديد لموعد وقوع البعث والنشور ، وجاء ذلك بأسلوب حصر كشف لهم تحديدا عما أُمِر بتبليغه لهم من أمر عبادته وهويته ووظيفته .

أما عبادته فهي توحيد الله تعالى توحيدا خالصا له دون شركاء خلاف ما كان عليه الكفار من شرك إذ عبدوا الأوثان والأصنام وجعلوها آلهة مع الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا . ولقد ورد ذكر توحيد رسول الله صلى الله عليه وسلم مقترنا بإقرار الربوبية الله سبحانه وتعالى المتمثلة في تشريفه وتعظيمه وتقديسه مكة المكرمة التي اختارها لترفع فيها قواعد بيته المحرم ، وحرم كل ما حوله بمنع اقتراف الظلم أو المنكر فيه أو النيل من صيده أو نباته أو شجره وكل ذلك من تقديس الله سبحانه وتعالى . وإذا كان الخلق يأبون أن تنتهك حرمة بيوتهم فالله تعالى أولى بألا تنتهك حرمة بيته الحرام لكن الكافرين انتهكوها وذلك بنصب أصنامهم وأوثانهم حوله وعبادها زاعمين أنها تقربهم إلى الله زلفى بينما أمروا أن يعبدوا رب البيت وحده سبحانه وتعالى دون شركاء.ولقد تضمن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبادة التوحيد تعريضا بشرك الكافرين .

أما هويته عليه الصلاة والسلام فقد جاء التعبيرعنها باعتزاز مصحوب بتواضع جم في قوله تعالى : (( وأمرت أن أكون من المسلمين )) أي أن أكون واحدا منهم غير متميز عنهم أو مستأثر بالإسلام دونهم ،وهي هوية يُخضع فيها لله تعالى دون غيره تعتبر حافظة لكرامة البشر دون باقي الهويات التي اعتادوا على الانتساب إليها دونما اهتمام بما قد يلحق كرامتهم الإنسانية لكونها هويات تعتمد العصبية والعرقية تتحول إلى ما يسمى بلغة العصر فاشية .وفي تصريح رسول الله صلى الله عليه بهويته الإسلامية الحافظة للكرامة تعريض صريح بهوية الكافرين المُبتذِلة لكرامتهم وهم يعبدون حجارة نحتوها بأيديهم واعتقدوا فيها ما لا يعتقد إلا في الله تعالى من ألوهية وربوبية ، وشتان بين من يدين بالعبودية للخالق سبحانه وتعالى وبين من يدين بها للمخلوقات الحية أو الجامدة .

وأما وظيفته عليه الصلاة والسلام كما جاءت في قوله تعالى : (( وأن أتلو القرآن )) فهي مترتبة عن عبادته وعن هويته . وتلاوته عليه الصلاة والسلام تكفل بها الله تعالى في الآيات الكريمات من السادسة عشرة إلى التاسعة عشرة من سورة القيامة حيث قال جل شأنه مخاطبا رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم في بداية نزول الوحي عليه وهو يستعجل استيعابها حفظا وفهما : (( لا تحرك به لسانك لتعجل به إنا علينا جمعه وقرآنه فإذا قرآناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه ))، لقد كانت تلاوة متأنية رصينة لا عجلة فيها، يتلقاها عليه الصلاة والسلام مباشرة من الملك الكريم جبريل عليه السلام وهو بدوره قد تلقاها مباشرة عن رب العزة جل جلاله . وكانت تلاوته عليه الصلاة والسلام تلاوة اقتداء متبوعة ببيان من الله سبحانه وتعالى ، وهي التي أهلته للقيام بوظيفة تبليغ رسالة الله عز وجل للعالمين على الوجه الأكمل والأتم إلى قيام الساعة.

ولقد تبرأ الله تعالى وبرأ رسوله من إعراض الكافرين عن هدي القرآن الكريم فقال جل شأنه : (( فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين))، والمؤمنين ملزمون بالاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر يقولون قوله ويفعلون فعله .

مناسبة حديث هذه الجمعة هو أولا تذكير المؤمنين بصفات رسول الله صلى الله عليه وسلم من خلال الآيات الكريمة المتعلق بموضوع العبادة والهوية والوظيفة ، وثانيا هي دعوتهم إلى التأسي به عليه الصلاة والسلام في كل أحواله إلا ما خصه به الله تعالى دون الخلق . ومن أجل تحقيق العبودية الخالصة لله تعالى يلزم المؤمن الإخلاصه فيها لله تعالى وذلك بتوحيد لا تشوبه شائبة من شرك مهما كان نوعه سواء كان متعمدا ومقصودا أو كان عن جهل وغفلة ، علما بأنه لا يعذر أحد بجهل أو غفلة في توحيد الله تعالى . وما أحوج الأمة المؤمنة اليوم إلى تذكيرها بالاحتراز من الوقوع في شراك أنواع كثير من الشرك قد انتشرت في بلاد الإسلام وهي لا تأبه بها وذلك من قبيل التوجه بالطلب والرجاء إلى المخلوقات بما لا يُتوجّه به من طلب أو رجاء إلا لله تعالى المعطي والمانع، أو القسم بغيره تعالى عن ذلك علوا كبيرا أو التقرب بما يجب أن يتقرب به إليه ... أوغير ذلك من الشركيات الناتجة عن العادات والتي يظنها البعض هينة وهي عند الله عظيمة .

ويلزم كل مؤمن أيضا أن تكون هويته إسلامية أساسا، وأن ترجح كفتها بكفة غير ها من الهويات الترابية والعرقية التي لا تولي اهتمام للانتماء الديني وهو انتماء فصل فيه الله تعالى بقوله تعالى في الآية الكريمة الثالثة عشرة من سورة الحجرات : (( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم )) ،ففي هذا القول إشارة إلى نوعين من الهوية ،هوية عرقية ترابية تقتضي التعارف بين الشعوب والقبائل بما تدل عليه لفظة تعارف من تقارب أومن تبادل للمعروف كي تسير الحياة بينهم سيرا طبيعيا حافظا لكرامتهم ، وهوية عقدية قوامها الانتماء إلى دين الإسلام عقيدة وشريعة . وما أحوج الأمة المؤمنة إلى تَشرُّب هويتها الإسلامية في هذا الزمان بالذات الذي يعج بهويات متصارعة رغبة في التسلط والهيمنة وحرصا على عولمتها وفرضها بمنطق القوة والإكراه استعبادا للعباد .

ويلزم كل مؤمن أيضا أن يكون تاليا للقرآن الكريم مقتديا في تلاوة برسول الله صلى الله عليه وسلم يتلقاها مشافهة من حفاظ وقراء حذاق لكتاب الله عز وجل. وكما ينبغي أن تكون تلاوة صحيحة سليمة لابد من الحرص الشديد على معرفة بيان ما يتلى وذلك بالرجوع إلى جهابذة المفسرين لتحقيق غرضين اثنين أولهما التخلق بخلق القرآن الكريم، ذلك أنه لا تخلق به دون استيعاب مضامينه على الوجه الصحيح ،ولا يجب أن يقتصر الأمر على تبليغه باللسان دون تبليغه بالحال وهما أمران متلازمان علما بأن تبليغ الحال أشد تأثيرا في النفوس وأشد إقناعا لها من تبليغ اللسان الذي يختبر ويعرض على محك الحال تماما كما كان تبليغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وتبليغ صحابته الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، وتبليغ التابعين وكل أهل الصلاح في كل عصرمن بعدهم رحمة الله عليهم . ومعلوم أن تسديد التبليغ لا يحصل باللسان فقط وإنما يسدد بالحال لأن الناس تقنعهم الأفعال مع الأقوال ، ولا تقنعهم الأقوال وحدها.

اللهم رب البلدة المحرمة إنا نسألك حسن عبادتك بتوحيدك الخالص لك سبحانك ، ونسألك إسلاما يرضيك وترضى به عنا ، ونسألك تلاوة كتابك الكريم على النحو الذي أمرتنا به في محكم تنزيلك ، وجعلت قدوتها وإسوتنا في ذلك رسولك الكريم عليه الصلاة والسلام .

اللهم إن عبادك المؤمنين في أرض الإسراء والمعراج لا زالوا يتعرضون لعدوان الظالمين من أعداء دينك ، اللهم انصرهم عليهم بنصرا من عندك تعزهم به ، وتذل به أعداءك وأعداءهم يا رب العالمين ،وقهم اللهم كيد الكائدين ، وخذلان الخاذلين ، وشماتة الشامتين ، فأنت وليهم فنعم المولى ونعم النصير .

والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

حديث الجمعة : (( وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين ))من المعلوم أن الله عز وجل تنزه فعله ع...
17/10/2025

حديث الجمعة : (( وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين ))

من المعلوم أن الله عز وجل تنزه فعله عن اللهو والعبث والباطل مصداقا لقوله عز من قائل في الآيات الكريمات السادسة عشرة ، والسابعة عشرة ، والثامنة عشرة من سورة الأنبياء : (( وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون )) . ولما كان الأمر كذلك فإنه جل في علاه تعهد كل المخلوقات بعنايته ورعايته رحمة ورأفة بها ، وفضل بني آدم عليها تفضيلا، وكان ذلك تكريما لهم . ومن تكريمه لهم أنه خصهم جل شأنه بكلامه الذي أوكل به مبلغين يبلغونه عنه من ملائكته الكرام ومن رسله صلواته وسلامه عليهم أجمعين ، وضمّنه من الهدي والتوجيه والإرشاد ما يجعلهم يحيون حياة طيبة في الحياة الدنيا ، وخير منها طيبوبة في الآخرة .

ولقد اقتضت حكمته سبحانه وتعالى أن يصطفي ويجتبي من خيار خلقه من يبلغون عنه رسالاته، وأهلهم خِلقة وخُلقا للاضطلاع بهذه المهمة السامية التي لا ترقى إلى سموها مهمة ، وكان تبليغهم عن الله عز وجل بالمقال والحال .

ولما اقتضت إرادته ختم رسالاته بالرسالة الخاتمة المنزلة على من ختم به المرسلون سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ،وجعله رسولا للعالمين ، خصه بعظيم الخلق ،وأثنى به عليه لأنه جسد بحاله مضمون تلك الرسالة ، وجعله سبحانه وتعالى إسوة وقدوة لمن بعث فيهم ولمن يتعاقب بعدهم من الناس إلى قيام الساعة .

واستكمالا لما مضى في أحاديث سابقة عن سمو خلقه العظيم الذي جمع أسمى الخصال وأفضل السجايا ، نستعرض اليوم حالا من أحواله مع من شهدوا معهم فترة تبليغ الرسالة وكانوا بدورهم مثله نماذج يتأسى ويقتدى بها وهم بذلك شهود على كل من أتى أو سيأتي بعدهم إلى قيام الساعة ، وهم حجة على العالمين بحيث لا يمكن أن يزعم زاعم بعدهم باستحالة أو تعذرالتأسي والاقتداء .

ومن تلك الأحوال التي حصلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ظروف خاصة مر بها مع صحابته اقتضى الوضع فيها أن يشاورهم في أمور عرضت لهم و لم ينزل فيها وحي من الله عز وجل ولم يكن فيها تشريع . ومن تلك الظروف ما أشارت إليه الآية التاسعة والخمسين بعد المائة من سورة آل عمران الذي يقول فيه الله عز وجل : (( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين )) ، ففي هذه الآية ورد ذكر فعل الشورى أو المشورة أو المشاورة وهي مشتقة من فعل شار الذي يدل على عرض ما يباع من متاع أو غيره من خلال إظهار محاسنه ، ومنه على سبيل المثال عرض الخيل بإجرائها لإظهار قوتها أمام من يرغب في شرائها ، ومنه أيضا قولهم شار العسل واشتاره إذا استخرجه واجتباه ، ومنه قولهم أيضا شار الرجل إذا حسن منظره . ولقد انتقل المشورة من الدلالة على معنى حسي مادي إلى الدلالة على معنى معنوي حيث يقصد به نشدان ما يشير به الغير من سديد الرأي فيما يعرض من هام الأمور وتترتب عن ذلك فوائد ومآرب .

ويرى بعض أهل العلم أن الإنسان بطبعه مجبول على طلب المشورة من غيره حين تشكل عليه الأمور فيروم الرأي السديد فيها حرصا على مصالحه . وقد ورد في الذكر الحكيم استشارة ملكة سبأ ملأها لمّا ألقي إليها كتاب من نبي الله سليمان عليه السلام عرض فيه عليها الخيار الإسلام أوغزو بلادها ، كما ورد أيضا استشارة فرعون ملأه لما عرض عليه نبي الله موسى عليه السلام الإيمان بالله تعالى أو سوء العاقبة في الدارين .

وقبل الحديث عن المشورة التي أمر الله تعالى بها رسوله صلى الله عليه وسلم ـ ، ورد ذكر بعض أخلاقه عليه السلام والتي منها اللين في معاملته للمؤمنين وغيرهم مع تنزهه عن الفظاظة وهي من سوء الخلق، و عن الغلظة وهي قسوة القلب، وهما معا توأمان إذ لا فظاظة إلا بقسوة القلب. ولقد كشف الله تعالى عن مصدر هذه الخصال الحميدة حيث عزاها إلى رحمته منه سبحانه وتعالى أودعها في رسوله صلى الله عليه وسلم لما عهد إليه بمهمة تبليغ الرسالة عنه وذلك اجتبائه خصه به كما خص به كافة إخوانه المرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، وقد كان عليه السلام أرحمهم.

ولقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه استشار صحابته على سبيل المثال لا الحصر في غزوتي بدر وأحد ، وفي أمور أخرى ملتزما بما أمره به ربه سبحانه وتعالى في أمر المشورة فيما كان يعرض لهم من أمور لم ينزل فيه وحي ولم يشرع لها تشريع ، وكان يستشير منهم ذوي الخبرة والرأي السديد .

ولقد وقع خلاف بين أهل العلم بخصوص هذه الاستشارة التي أُمِر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي كان سبب نزول الوحي فيها هو مخالفة بعض الصحابة أوامره في غزوة أحد ، فقال بعضهم بوجوب هذه الاستشارة وعمومها ،كما هو الشأن عند المالكية ، وقال آخرون باستحبابها. ولما كانت العبرة بعموم لفظ كتاب الله عز وجل لا بخصوص أسباب نزوله ، فإنه لا مندوحة للمؤمنين إلى قيام الساعة عن اعتماد المشورة فيما بينهم اقتداء وتأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالخلفاء الراشدين من بعده ، وبعموم صحابته الكرام رضوان الله عليهم .

ولقد سبق أعلاه ذكر نزوع الطبيعة البشرية نحو المشورة لهذا تعتبر ضرورة من الضرورات يحتاجها المؤمنون حينما يعرض لهم ما يشكل عليه من أمور ما يجد منها ولا يكون لها في التشريع حكم وارد في القرآن أو السنة أوما يليهما من مصادر التشريع المعتمدة يفصل أو يقضي فيها بما تتحقق به مصالحهم .

ولقد ورد بعد ذكر المشورة في الآية الكريمة ذكر التوكل على الله عز وجل وهو ما يبعث الطمأنينة في نفس المستشير بعد تخلصه بالاستشارة من حيرة وتردد بين مواقف أو أمور عرضت له وكان بينها إما تعارض أو تفاضل من حيث الأهمية أومن حيث القيمة ..

مناسبة حديث هذه الجمعة هو تذكير المؤمنين بضرورة التأسي والاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في تعاطيه المشورة مشيرا أو مستشيرا فإذا ما تعاطوها ، وحصل لهم اطمئنان في قلوبهم بما تفضي إليه واقتنعت بها عقولهم وزال ما كان بهم من سابق تردد وحيرة ، وحصل لديهم عزم على الأخذ بما أشير به عليهم يأتي التوكل على الله عز وجل وقد رغّب فيه وجعله سبب محبته لهم .

وما أحوج الأمة المؤمنة في هذا الزمان الذي كثرت فتنه إلى المشورة خصوصا والأمة الإسلامية تمر بفترة تداعي الأمم علينا بسبب ضعفها وهي أسيرة تقليد أعمى إذ تقلد المتفوق عليها ماديا وعسكريا في كل شيء لا تميز بين صالحها وطالحها ،ولا بين غثها وسمينها ،ولا بين ما ينفعها وما يضرها وكل همها هو التفكير في اللحاق بركبهم ولو كان ذلك على حساب هويتها ودينها .

ومما أوقع الأمة الإسلامية في تقليد غيرها من الأمم الغربية منها على وجه الخصوص أساليب مشورتها التي استوردتها منها كما تستورد الماديات المصنعة تقليدها في الاحتكام إلى صناديق الاقتراع بخصوص اختيار شعوبها من يمثلونهم في البرلمانات أمام من يسوسونهم ولكنه تقليد مشوب بالعيوب بسبب خروقات تطال التصويت من قبيل شراء الأصوات بالمال أو تدخل الجهات النافدة فيها ... أو غير ذلك من أساليب التلاعب بالاقتراع الشيء الذي يفسد المشورة إن صح أن تنعت بذلك الديمقراطيات الغربية التي لا تخلو من مثالب .

ولقد كان جديرا بالأمة المسلمة أن تحذو حذو سلفها الصالح في اعتماد المشورة الشرعية التي كان يعمل بها حين كان من بين المستشارين فيها علماء ربانيون ورثوا العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانوا من أولي الأمر كما سماهم الله عز وجل في محكم التنزيل ،وبذلك تكون لها برلمانات ينتصب فيها هؤلاء العلماء للنظر فيما يعرض لها من أحوال لا يستطيع للمنتخبون من الشعب البث فيها بما يوافق ما شرع الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.

ولعل أنجع السبل لتحقيق المشورة التي أمر بها الله عز وجل رسوله ومن خلاله أمر بها كل المؤمنين هو تصحيح أساليب الاقتراع وتنقيتها مما يشوبها من شوائب وعيوب مع ضرورة وجود هيئة علماء ربانيين يوجهون المنتخبين البرلمانيين فيما يشرعونه حتى يكون أولا منسجما مع شرع الله عز وجل ثم معبرا عن إرادة من صوتوا عليهم. ولا شك أن أول المشورة هو الحق في التصويت والذي يقتضيه أن يكون المصوتون على علم ودراية بطوايا ونوايا من يتقدمون لتمثيلهم في البرلمانات ، ولا بد لهم أيضا من استشارة العلماء الربانيين فيهم باعتبارهم حراس العقيدة لا يستقيم أمر الأمة بإقصائهم أو تهميشهم حتى لا تسقط الأمة فيما حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه المشهور الذي يقول فيها : " إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يترك عالما اتخذ الناس رؤوسا جهّالا ، فسئلوا فألفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا " . ويجب على من يترشحون لتمثيل الأمة أمام ساستها في البرلمانات أن يحصلوا المعلوم بالضرورة من الدين ، وأن يكونوا على مستوى معرفي يؤهلهم لمهمة تمثيل الأمة في شؤون الأمة ، وعليهم أن يستشيروا بالضرورة فيما لا علم ولا خبرة لهم به أهل الاختصاص تأسيا بالسلف الصالح الذين كانوا على نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم.

اللهم إنا نسألك هداية من لدنك فلا نزيغ ولا نضل ولا نزل، ولا نَظلم ولا نُظلم ، ولا نَجهل ولا يُجهل علينا ، ونعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن .

والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

خلفيات الشماتة بالمقاومة الفلسطينية نشر موقع من المواقع المشهورة عندنا مقالا تحت عنوان : (هدنة الوهم  انتصار في اللغة وه...
15/10/2025

خلفيات الشماتة بالمقاومة الفلسطينية

نشر موقع من المواقع المشهورة عندنا مقالا تحت عنوان : (هدنة الوهم انتصار في اللغة وهزيمة في الواقع ) وقّع أسفلَه صاحبُه بعبارة " إعلامي مغربي مقيم بإيطاليا " .

وجريا على عادة قراء المقالات أن يستشرفوا مضامينها انطلاقا من العناوين التي يضعها أصحابها ويفترضون فرضيات تمحص بعد الاطلاع عليها بدا لي أن هذا العنوان ربما قصد واضعه أن يحذو حذو من لم يثقوا في التزام الكيان الصهيوني بالهدنة مع المقاومة كعادته إلا أن هذه الفرضية لم تصح وثبت بعد القراءة أن الأمر يتعلق بشماتة صاحب المقال بالمقاومة الفلسطينية.

وقبل التطرق إلى موضوع هذه الشماتة و إلى خلفية صاحبها لا بد من التذكير بنماذج سابقة من شماتات وقعت منذ بداية طوفان الأقصى وقبل هذه الهدنة الأخيرة التي ربما قد يصح أنها وهمية كسابقاتها باعتبار المعهود في الكيان الصهيوني وفي الإدارة الأمريكية الداعمة له .

وأول شماتة كانت من لدن السلطة الفلسطينية وقد ورد على لسان من يرأسها والذي ظل لعقود يراهن على مسلسلات السلام الوهمية حقيقة لا مجازا مع الكيان الصهيوني، وعلى إلقاء سلاح المقاومة واستبداله بسلاح عميل يوفر الأمن للمحتل ويعمل من يحملونه جنبا إلى جنب معه لتصفية المقاومين في الضفة الغربية . ودون التفصيل في عبارات الشماتة بصناع طوفان الأقصى تكفي الإشارة إلى العبارة النابية الصادرة عن رأس السلطة الفلسطينية وهو يطالب بالإفراج عن الرهائن الصهاينة مجانا ودون مقابل بخلفية التودد إلى المحتل ،وإظهار التعاطف مع رهائنه، ومواصلة الرهان على حلم مسلسل سلام وهمي معه .

ومن نماذج الشماتة أيضا ما صدر عن محسوبين على التدين في بعض الدول حيث ظهروا في فيديوهات على وسائل التواصل الاجتماعي بلحاهم المرسلة وبعضهم يدعو إلى نوع جديد من الجهاد لم يعرف من قبل قد سماهم جهاد بالسنن ، وخلفية هؤلاء معلومة وهي خدمة جهات تصرف لهم رسوما مقابل شماتتهم بالمقاومة الفلسطينية .

ومن نماذج الشماتة كذلك شماتة طائفة رفعت شعار " كلنا إسرائليون " وخاضت كل خوض في تجريح المقاومة الفلسطينية لا حاجة لسردها ، وخلفية هؤلاء معلومة لا حاجة أيضا للحديث عنها وقد تبين خيطها الأبيض من خيطها الأسود. أما صاحب الشماتة في هذا المقال فقد كشف عن خلفيته من خلال عبارة تضمنها

مقاله وهي كالآتي :

( كما في كل مرة، سارعت حماس، وسيسارع مؤيدوها لدينا، إلى تقديم هذه الهدنة بوصفها “انتصاراً جديداً”، وسيبدأ الإعلام المقرّب منها في الحديث عن نصر سياسي كبير، بينما الحقيقة أن ما جرى ليس سوى محاولة يائسة لإنقاذ ماء الوجه بعد عامين من المآسي والهزائم.....
...هذه ليست المرة الأولى التي يُحوَّل فيها الفشل إلى بطولة. فمنذ سنوات، يعيش خطاب الإسلام السياسي على هذا النوع من الانتصارات اللفظية التي لا تُترجم شيئاً في الواقع ).

فالواضح من هذا الكلام أن صاحبه له موقف مما سماه الإسلام السياسي وهي تسمية من اختراع المجمعات الغربية العلمانية تلقفها عنها العلمانيون العرب وهم يستعملونها في إطار صراعهم الإيديولوجي مع كل من له توجه إسلامي ، ولديهم قناعة راسخة بأن من له مثل هذا التوجه لا يحق له الاشتغال بالسياسة التي يجعلونها حكر عليهم دون غيرهم ، وهم يحظون العلمانيون بدعم مادي ومعنوي من قبل بعض الأنظمة التي تتبنى موقف الغرب العلماني من كل ما له صلة بالإسلام .

لقد قفز صاحب المقال عن سبب حرب غزة الأخيرة المسبوقة بسلسلة من حروب متكررة طيلة ما يقرب من عقدين كانت تقع في أيام معدودات خلاف ما وقع هذه المرة ألا وهو الحصار الخانق الذي دام سبع عشرة سنة برا وبحرا وجوا وهو ما حول قطاع غزة إلى سجن يضم أكثر من مليونين ونصف المليون من البشر المحاصر . كما قفز عن داعي طوفان الأقصى وهو الاستعدادات التي كانت جارية على قدم وساق من أجل تنزيل ما سمي اتفاق أبرهام الذي تنطبق عليه قولة : " وضع العربة قبل الفرس" حيث رام واضعوه على تسريع وتيرة تنزيله لتعميم التطبيع مع الكيان قبل نيل الشعب الفلسطيني حقه كاملا غير منقوص . ولم يكن أمام المقاومة التي ألحقت بها تهمة الإسلام السياسي والإرهاب من طرف الغرب العلماني ومن طرف أنظمة عربية تعزف على وترها وكذا أمام طي ملف القضية الفلسطينية سوى الإقدام على طوفان الأقصى من أجل نفض الغبار عنه .

ولقد كانت المقاومة وهي بالمناسبة متعددة التوجهات لكن يجمعها هدف واحد هو مواجهة الكيان الذي يحتل وطنها وهو مصر على ضم الضفة الغربية وقطاع غزة إلى ما احتله منذ سنة 1948 و 1967 بعدما نجح في تحييد دول المواجهة معه وذلك عبر عقد صفقات معها أتاحت له الانفراد بالشعب الفلسطيني وتحقيق أهداف الضم واستكمال احتلال كامل أرض فلسطين ليتفرغ فيما بعد إلى التوسع خارج حدودها من أجل تحقيق ما يزعم أنه وطنه التلمودي الممتد من فرات العراق إلى نيل مصر وابعد من ذلك .

والسؤال المطروح على صاحب المقال هو ماذا كنت أنت فاعلا لو اقتحم عليك معتد بيتك وحوصرت فيه ، وسامك الخسف المقتحم كل مرة وأنت حبيس بيتك وقد خذلك الأقارب والجيران وأيدوا من يحاصرك إما خوفا منه أو تآمرا معه أو هما معا ؟

وأجزم أن صاحب المقال لا مناص له من التصرف تماما كما تصرفت المقاومة الفلسطينية دفاعا عن النفس والوطن والكرامة والعرض . وإذا كان الأمر كذلك فلِمَ يلوم صاحبنا هذه المقاومة ويشمت بها ويصف صمودها بالهزيمة النكراء والخسارة الفادحة .

ونسأله أيضا إذا كان ما قامت به المقاومة عبارة عن هزيمة في نظره فلماذا عجز المحتل ومن ورائه كل القوى الغربية التي زوده بمائتي ألف طن من المتفجرات التي أمطر بها المدنيين الغزل الأبرياء عن استرجاع رهائنه بالقوة ؟ وما الذي اضطره إلى التفاوض مع المقاومة ـ المنهزمة حسب وصفه ـ في صفقة تبادل لتحريرهم وهو الطرف الأقوى وصاحب العتاد الذي لا مثيل له في العالم كما وصفه الرئيس الأمريكي الذي شهد على ذلك قبل يومين بعظمة لسانه في الكنيست الإسرائلي معترفا بأنه هو زوده به ؟

لا شك أن صاحب المقال لا يوجد في قاموسه مفهوم المقاومة التي ليست حكرا على الفلسطينيين إذ قد سبقتهم إليها شعوب كثيرة عربية وإسلامية وغيرها . وهل كانت المقاومة في المغرب ضد المحتل الفرنسي والإسباني وهما ؟ وهل كانت وهما أيضا في الجزائر، وفي فيتنام، وفي جنوب إفريقيا، وفي أفغانستان...؟

إن مفهوم المقاومة في كل العصور وفي العصر الحديث يعني مواجهة المظلوم الضعيف الظالم المعتدي القوي ، وليس من المنطقي أن يعاب على المظلوم مواجهته للظالم بما يتاح له من وسائل المواجهة ، بل العيب كل العيب أن يتحمل الظلم ولا يقاومه . ومعلوم في تجارب الثورات التحررية غير البعيد والتي كانت في العصر الحديث أنها لا تلقي بالا للخسائر في الأرواح والممتلكات ، بل تضع نصب عينيها خسارة واحدة هي ضياع الوطن ، والعيش المخزي تحت نير الاحتلال ، ولو كانت تضع في حسابها الخسائر والتضحيات لما حملت سلاحا أصلا . ونطلب من صاحب المقال أن يقترح على المقاومة حلا لنيل حقها دون تضحيات .

إن حساب الانتصار والهزيمة في صراع كل المقاومات ضد المحتلين التي شهدها التاريخ الحديث بما في ذلك صراع المقاومة الفلسطينية الأخير مع الكيان الصهيوني يكون صاحبه خاطئا كل الخطأ إذا ما صدر في ذلك عن مقارنة بين طرفي صراع مع اختلال موازين القوة بينهما ، وهو ما لا يكون معقولا مقبولا عند العقلاء . و كل طرف يكون له تقييمه الخاص لمفهومي الانتصار والهزيمة. ويكفي الطرف المعتدي القوي ذل الهزيمة المرة تورطه في صراع غير متكافئة فيه القوة مع طرف ضعيف معتدى عليه حتى وإن أثخن فيه القتل وأشاع فيه الدمار. إن أحرار العالم من غير طينة صاحب المقال وهم كثر والحمد لله يعتبرون الطرف المنهزم في هذا الصراع الأخيرهو المحتل الصهيوني والدليل على هزيمته هو العزلة الدولية التي لحقت به ، وكفى شهادة على ذلك لحظة انسحاب وفود الدول في مقر الجمعية العامة لما انتصب رئيس وزرائه فوق منصة الخطابة ،ولم تبق أمامه سوى كراسي شاغرة . ولا حاجة لذكر ما ألحقت المقاومة بجيشه من خسائر أفقدته صوابه فصار يدك المدنيين بكل وحشية وهمجية للتغطية على هزائم حقيقية وليست خيالية و هي مخزية بالنسبة لجيش نظامي يدعي أن مرتبته في العالم جد متقدمة ،وهو مدجج بكل أنواع الأسلحة ويغطيه في نزاله على الأرض عطاء سلاح الجو والمسيرات، وتدعمه وتشاركه في القتال جيوش الدول الامبريالية وغيرها من الجيوش مع عصابات المرتزقة.

وأخيرا نقول إن موقف صاحب هذا المقال الشامت بالمقاومة إنما يقفه معه كل ذي خلفية انتهازية تضمر مصلحة يريد أن يموه عليها أو يخفيها لكنها صارخة وفاضحة ومخزية ومورثة أصحابها العار والشنار.

خطة ترامب  مجرد حلقة أخرى من حلقات السعي لطمس معالم القضية الفلسطينية مقابل التمكين للكيان الصهيوني في منطقة الشرق الأوس...
14/10/2025

خطة ترامب مجرد حلقة أخرى من حلقات السعي لطمس معالم القضية الفلسطينية مقابل التمكين للكيان الصهيوني في منطقة الشرق الأوسط وأبعد منها

تابع العالم يوم أمس حضور الرئيس الأمريكي في القدس المحتلة وفي منتجع شرم الشيخ بمصر . أما حضوره في القدس فكان عبارة عن إرضاء الكيان الصهيوني من خلال خطاب طبعته عبارات غرامية ، وقف وصفق لها أعضاء الكنيست مرات عديدة خصوصا عندما كان يدغدغ مشاعرهم وهو يكرر مرة أخرى اعترافه بالقدس عاصمة أبدية للكيان المحتل ، وكذا اعترافه بسيادته على هضبة الجولان ، وبما سماه حقه التاريخي في يهودا والسامرة بالضفة الغربية ، فضلا عن إطلاقه خيال الصهاينة المجنح إذ طار بعيدا بأطماعهم في حصاد مكاسب كبرى إلى أبعد الحدود في القارة الأسيوية بأندونيسايا وما بينها وبين فلسطين المحتلة من أقطار عدّدها ، وذكر بعضها بالأسماء مبشرا بما سماه من قبل خطة أبرهام الحالم صاحبها بتطبيع كل الدول العربية والإسلامية مع الكيان المحتل كي يعيش بينها بأمن وسلام ووئام والتي اقترحها هو نفسه في فترة رئاسة الأولى سنة 2020 .

ولم تخل كلمة ترامب في الكنيست من تكرار الإشادة بمجرم الحرب نتنياهو المطلوب لدى العدالة الدولية والذي شبهه بنبي الله موسى ـ عليه السلام وحاشاه ـ هو وزمرته المتورطة معه في جرائم الإبادة الجماعية ، وقد نسبهم أيضا لأنبياء الله إبراهيم وإسحاق ويعقوب ـ عليهم السلام وحاشاهم ـ كما أشاد بوزير خارجيته الذي لا يخفي تصهينه، وشببه بهنري كيسنجر المعروف بمشروعه الماكر الذي كان يهدف إلى ترحيل الشعب الفلسطيني إلى لبنان من أجل تهويد كامل الوطن الفلسطيني ، و أشاد كذلك بالصهيوني زوج ابنته التي أعلن على الملأ اعتناقها الديانة اليهودية مباهيا بمصاهرة للصهاينة. ولم يغادر مدحه وثناؤه الكثير أحدا من صهاينة أو أمريكان مدنيين أو عسكريين تلطخت أيديهم بدماء الفلسطينيين أو شاركوا في ذلك بطريقة أو أخرى .

وأقر ممتنا أمام الجميع بأنه زود الكيان المحتل بأحدث الأسلحة التي لا يملكها غيره في العالم والتي استعملت لأول مرة في إبادة المواطنين الفلسطينيين العُزّل وقد صب منها فوق رؤوسهم ما يزيد عن مائتي ألف طن من القنابل الحارقة والمدمرة ، وكان هذا اعتراف منه بمشاركته الفعلية في جرائم الإبادة الجماعية، وعلى المحاكم التي أدانت من استعمل تلك الأسلحة في الإبادة أن تدين أيضا من زوده بها .

وعبر ترامب عن سعادته الغامرة بإطلاق سراح الرهائن الأحياء ، وعن حزنه العميق على الأموات منهم ، ولم يأسف على ضحايا الإبادة الذين فاق عددهم ستين ألفا عدا جرحاهم ، ولم يعبر بكلمة واحدة عن الأسرى الفلسطينيين الذي شملتهم صفقة التبادل المنصوص عليها في خطته التي هلل لها وأثنى عليها من حضروا معه لقاء قمة شرم الشيخ والتي خطب فيها بغير ما خاطب به الصهاينة في الكنيست ، ولم يرد على لسانه ذكر لدولة فلسطين بله الاعتراف بها . وكل ما ورد على لسانه أن الصراع الذي دام ثلاثين قرنا على حد زعمه قد انتهى بإعلان خطته التي بلغ الأمر برئيس وزراء دولة الباكستان حد تمنيه استحقاق صاحبها نيل جائزة نوبل للسلام .

ولنعرج الآن عن هذه الخطة التي امتدحها كل من حضروا القمة وقد سميت بقمة السلام ولمّا يتحقق لحد الآن منها سوى وقف إطلاق النار، ومبادلة الرهائن الصهاينة بالأسرى الفلسطينيين ، ودخول شاحنات المساعدات ، وعودة بعض المهجرين قسرا إلى ما سُوِّي بالأرض من مساكنهم .

وأول ما يلاحظ على هذه الخطة أنها لا تختلف عن خطط سابقة كانت تنعت بمسلسلات سلام لم يتحقق منه شيء . وليس من قبيل الصدفة أن يرد ذكر اسم كيسنجر على لسان ترامب وهو يشبه به ويتكوف وزير خارجية الشيء الذي يعني أن مشروع كيسنجر قد أحياه من جديد ويتكوف بتوجيه من ترامب الذي صرح في بداية تولي فترة رئاسته الثانية أنه يريد تهجير أهل غزة عنها كي يحقق حلمه بتحويلها إلى " ريفيرا " على غرار " ريفيراته " في بلاده مناصفة مع زميله نتنياهو.

ولقد أطرب ترامب كثيرا ثناءُ من حضروا قمة شرم الشيخ عليه ، وسره كثيرا أن يوصف بأنه صانع السلام ،علما بأنه استعمل الفيتو عدة مرات لمنع وقف الإبادة الجماعية في القطاع . وهنا قد يطرح الحائرون سؤالا مفاده ما الذي غير موقف ترامب ؟ والجواب بسيط و لم يعد خافيا على الرأي العام العالمي وهو تدني سمعته إلى أسفل درك بسبب منعه وقف الإبادة الجماعية ، ومشاركته الفعلية فيها من خلال إمداد مرتكبها بآخر ما صنع من أسلحة الدمار الشامل كما شهد بذلك على نفسه وهو يفاخر ويباهي به. ولهذا جاءت خطته مع من تستبطنه من تآمر فاضح على القضية الفلسطينية لتلميع صورته لدى الرأي العام الدولي والأمريكي ، ومحاولة إخراج الكيان الصهيوني من الغرق في مستنقع غزة ، و كذا محاولة الالتفاف حول ما بلغته من سوء سمعة هذا الكيان المحتل عالميا وفك الحصار السياسي والاقتصادي عليه ، وهو حصار خلقت إرادة الشعوب الحرالغربية التي أحرجت أنظمتها المتورطة معه في الإبادة الجماعية عن طريق تسليحه ودعمه بلا حدود، الشيء الذي اضطر بعضها إلى تبني فكرة الدعوة للاعتراف بدولة فلسطين من أجل امتصاص غضب شعوبها التي صارت تخرج غاضبة يوميا في مسيرات وتظاهرات مليونية الشيء الذي خلق لديها وعيا طالما غيبته أنظمتها عن طريق التسويق الإعلامي لفكرة معاداة السامية والمتاجرة بها من أجل التغطية على الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين، وعلى جرائمه الفظيعة فيها علما بأن الذين ينادون اليوم بالاعتراف بدولة فلسطين هم من استنبتوه بالأمس ، لذا من السخرية أن يطلع اليوم رئيس وزراء بريطانيا على العالم بفكرة الاعتراف بدولة فلسطين التي نقلت من احتلال بلاده لها إلى الاحتلال الصهيوني بموجب وعد بلفور المشئوم . ومن السخرية أيضا أن يتشدق ترامب بما سماه نهاية مشكلة عمرها ثلاثين قرنا في إشارة منه لما سماه الفيلسوف الفرنسي روجي جارودي : " الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية " والتي منها الوهم التلمودي الذي يمّلك زورا وبهتانا لليهود أرض فلسطين وما حولها من النيل إلى الفرات . ولو أننا اعتمدنا جدلا منطق ترامب لكان عليه هو وجميع من غزا أباؤهم القارة الأمريكية قبل قرنين من الزمان وأبادوا سكانها الأصليين الذين يمتد تاريخ وجودهم بها إلى قرون تفوق بكثير الثلاثة آلاف قرن التي توهمها باعتماد الوهم التلمودي أن يرحلوا جميعا عنها.

وأخيرا نقول إن خطة ترامب المنطوية على فخ حلم " الريفيرا " إنما هي محاولة من المحاولات المتكررة لطمس معالم القضية الفلسطينية من أجل التمكين للكيان الصهيوني المحتل تمكينا يحقق وهمه التلمودي على حساب تمزيق الشعب الفلسطيني ، وكذا تمزيق اللحمة العربية والإسلامية من خلال تمرير اتفاق أبرهام المشئوم الذي يصدق عليه المثل المغربي المشهور القائل " ما يقضي على الطماع غي الكذاب " ، وما أقصر حبل الكذب ، وإن غدا لناظره قريب .

حديث الجمعة : (( لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا )) مر بنا في الأحاديث...
11/10/2025

حديث الجمعة : (( لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا ))

مر بنا في الأحاديث السابقة الوقوف عند بعض تجليات عظمة خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي كلها عبارة عن أخلاق متفرعة عنه ،وتصب كلها فيه كما تصب الأنهارالعظيمة في المحيط الزاخر . ومعلوم أن تناول الذكر الحكيم لخلقه العظيم عليه الصلاة والسلام إنما ورد لغاية هي إلزام أتباعه المؤمنين بالتخلق بخلقه العظيم تأسيا واقتداء بما جاء إما مجملا أو مفصلا في الذكر الحكيم .

ولقد ورد أمر الله عز وجل صريحا بالتأسي برسوله صلى الله عليه وسلم ، وهو أمر يلزم كل من ينتسب إلى دين الإسلام إلى قيام الساعة ، وذلك في الآية الكريمة الواحدة والعشرين من سورة الأحزاب حيث قال جل شأنه : (( لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا )) .

ولقد ورد في كتب التفسير أن سبب نزولها هو التعريض بالمنافقين وهم الذين كانوا يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر ، وبالذين في قلوبهم مرض وهم الذين لم يستقروا على الإيمان، وظلوا مترددين بينه وبين الكفر . ولقد كان التعريض بهم بسبب تخلفهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الأحزاب ، وكان الأجدر بهم أن يتأسوا به في جهاده وثباته فيه هو ومن كانوا معه من المؤمنين إلا أنهم لم يفعلوا.وفي سياق التعريض بهم لعدم تأسيهم برسوله صلى الله عليه وسلم توجه الله تعالى بالخطاب إلى فئة المؤمنين وأمرهم باتخاذ رسوله عليه الصلاة والسلام إسوة لهم ووصفها بالحسنة ترغيبا لهم فيها . وجاء الدليل في الآية الكريمة على توجيه الخطاب للمؤمنين بقوله تعالى : (( لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا )) وهو وصف ينطبق على المؤمنين .

و معلوم أن رجاء الله واليوم الآخر وذكره سبحانه وتعالى ذكرا كثيرا لا يمكن أن يتأتى للمؤمنين إلا باتخاذهم رسوله صلى الله عليه وسلم إسوة، الشيء الذي يقتضي أولا أن يطلعوا اطلاعا على خلقه العظيم وقد أدركه بالتخلق بخلق القرآن الكريم كما شهدت بذلك أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها ثم يطلعوا على سنته صلى الله عليه وسلم المفصلة لما أجمله القرآن الكريم من عظيم خلقه . وبلوغ هذا الشأو يتطلب اليقين الذي لا يلابسه تردد أو شك في صدق رجاء الله تعالى واليوم الآخر مع كثرة ذكره سبحانه وتعالى الذكر الذي لا يقتصر على ذكراللسان ،بل يتعدى ذلك إلى استحضاره ومراقبته سبحانه وتعالى في كل الأحوال وعلى الدوام . ومن راقب الله عز وجل، ولم يغب عنه استحضاره سبحانه وتعالى في كل أحواله وعلى الدوام يصيب لا محالة التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم على الشكل الذي أمر به سبحانه وتعالى لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن استحضار الله تعالى يغيب عنه طرفة عين، بل كان يلازمه في كل أحواله وظروفه ، لهذا أثنى الله تعالى على خلقه ووصفه بالخلق العظيم .

قد يبدو التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم أمرا سهلا هينا لكنه عند التأمل والتفكر ليس الأمر كذلك إذ لا بد من ترويض النفس على الصبر والثبات عليه خصوصا وأن الله عز وجل يبتلي ويمحص كل من يخوض تجربة التأسي برسوله صلى الله عليه وسلم ، ولهذا لا يكون التأسي به عليه الصلاة والسلام مجرد أمنية يتمناها الإنسان أو ادعاء يدعيه بلسانه، بل هو ترويض وإكراه للنفس عليه وتحمل للمعاناة والمكابدة من أجله .

حديث هذه الجمعة هو تذكير للمؤمنين بواجب التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يخوضون غمار هذه الحياة بيقين مفاده رجاء الله واليوم الآخر يجعلونه نصب أعينهم على الدوام ، وذكره سبحانه الذكرالكثير من خلال استحضار لمعيته التي لا تغيب في كل الأحوال والظروف . ولا سبيل إلى ذلك إلا بمعرفة كل الأحوال والظروف التي مر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا ومعرفة كيف كانت تصرفاته فيها الشيء الذي يقتضي استحضاره الدائم أيضاعليه الصلاة والسلام وهومقترن باستحضار الله تعالى وملازم له . ولا يمكن أن يدعي أحد أنه يتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على خلاف ما كان عليه في كثير من الأحوال التي يمر بها وأعماله ومواقفه صارخة بمخالفته .

ويجب على كل مؤمن يريد اختبار صدق تأسيه برسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستوقفه كل خلق من أخلاقه، وكل موقف من مواقفه ، فيقيس المسافة الفاصلة بينه وبين ما كان عليه ، فإن ألفاها بعيدة لزمه أن يسعى جادا وصادقا لتقليصها قدر الإمكان علما بأن إدراك شأوه عليه الصلاة والسلام لا يدرك .

وما أبعد هذه المسافة في زماننا هذا وقد أعرضنا بشكل مثير للفزع عن أمر الله تعالى الذي أمرنا باتخاذ رسوله صلى الله عليه وسلم إسوة ، وفي المقابل تهافتنا على تقليد التقليد الأعمى من لا يرجون الله واليوم الآخر من الأمم الضالة وحذونا حذوهم في كل أمورنا وأحوالنا ولا حولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

اللهم إنا نسألك لطفا بنا هداية من عندك تمكننا من أن نطيع أمرك الذي أمرتنا به فنتأسى صدقا برسولك عليه الصلاة والسلام على الوجه الذي يرضيك وترضى به عنا .

اللهم انصر عبادك المرابطين في أرض الإسراء والمعراج نصرا تعز به دينك، واكشف اللهم كربهم ، وامكر اللهم بمن يريد بهم مكرا من أعداء دينك .

والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

Address


Website

Alerts

Be the first to know and let us send you an email when الأستاذ محمد شركي posts news and promotions. Your email address will not be used for any other purpose, and you can unsubscribe at any time.

Contact The Business

Send a message to الأستاذ محمد شركي:

  • Want your business to be the top-listed Media Company?

Share