الأستاذ محمد شركي

  • Home
  • الأستاذ محمد شركي

الأستاذ محمد شركي صفحة الأستاذ الشاعر و الخطيب محمد شركي لنشر أعماله الأ?

حديث الجمعة : (( فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيّم ولكن أكثر النا...
19/12/2025

حديث الجمعة : (( فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيّم ولكن أكثر الناس لا يعلمون ))

لا زال الحديث متواصلا عن صفات وأحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم الواردة في الذكر الحكيم ، وهي صفات وأحوال متفرعة عن خلقه الذي نوه به الله تعالى، ووصفه بالخلق العظيم الذي هيأه به كي يضطلع بأعظم مهمة على الإطلاق وهي هداية البشرية بين يدي الساعة قبل أن ترد إلى خالقها لتواجه المساءلة والمحاسبة والجزاء في الدار الآخرة عما كسبته في الحياة الدنيا .

والصفة والحال موضوع حديث هذه الجمعة هو قول الله تعالى في الآية الكريمة الثلاثين من سورة الروم : (( فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون )) ، وهي آية مسبوقة بحديث عن الذين اقترفوا الظلم حين اتبعوا أهوائهم بغيرعلم، ففسدت بذلك فطرتهم التي فطر الله تعالى الناس عليها. ولقد أمر الله تعالى رسوله عليه الصلاة والسلام أن يكون رده على هؤلاء المنحرفين عن الفطرة التوجه إلى دين الإسلام الذي هو دين الفطرة ، وهو أمر إلهي يفيد الاستمرار. ولقد ورد في كتب التفسير أن وصف الحنيف يحتمل أن يكون حالا ووصفا للرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم، كما يحتمل أن يكون وصفا للدين ، والاحتمالان معا يفضيان إلى نفس المعنى لأن الدين الحنيف تلابس بالضرورة حنيفيته من يقيم وجهه له .

والحديث عن هذا الصفة وهذه الحال التي أقرها الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم تقتضي الوقوف على دلالات الكلمات الواردة في هذه الآية الكريمة، ذلك أن فعل القيام الذي جاء في صيغة الأمرالتي تفيد الإلزام يدل على الاستقامة، وهي مبالغة في القيام المناقض للاعوجاج أو الميل أو الانحراف . وإقامة الوجه للدين التوجه إليه دون ميل إلى غيره أو انحراف عنه ، وعند حصول ذلك على الوجه المطلوب تتحقق الفطرة السوية التي فطر الله تعالى عموم الخلق عليها بما في ذلك البشر . والفطرة هيئة مشتقة من فعل فطر الذي يفيد الخلق والجَبْل، ويشمل بالنسبة للبشر هيئتهم المادية التي يشتركون في ذلك ما جميع المخلوقات وهيئتهم المعنوية التي يدخل تحتها ما هو نفسي ووجداني وعقلي . وحقيقة هذه الفطرة أو الجِبلة البشرية أن الله تعالى خلق البشر مؤهلين لاستيعاب الإقرار بتوحيده دون الميل أو الانحراف عنه إلى الشرك. ولقد ذهب أهل العلم إلى أن الانسان يستطيع أن يعي التوحيد بفطرته السليمة ما لا يعرض لها ما يجعلها تنحرف عنها كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء ، هل تحسون فيها من جدعاء " ففي هذه الحديث الشريف ما يقرب دلالة الفطرة من الأفهام حيث شبه عليه الصلاة والسلام انحراف ما هو معنوي في الفطرة البشرية بانحراف ما هو مادي في الفطرة البهيمية، ذلك أن تهويد أو تنصير أو تمجيس المولود الذي يولد موحدا فطرة وجبلة هو بمثابة الجدع أو البتر الذي يحصل للبهيمة الجمعاء المخلوقة كاملة الخلقة .ولا كمال للفطرة والجبلة البشرية إلا باعتناق دين الإسلام الذي هو دين توحيد الله عز وجل توحيدا لا يلابسه شرك مهما كان نوعه . ولقد عزا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ما به يحصل انحراف المولود عن الفطرة السوية التي هي توحيد الله عز وجل إلى ضروب من الشرك كالتي وردت في حديثه من تنشئة أو تربية الأبويه لمولودهما عقديا على شاكلة انحرافهما، ومع مرور الوقت يحل فيه الانحراف بالشرك محل الاستقامة على التوحيد .

وقول الله تعالى في سياق الحديث عن فطرة التوحيد : (( لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم )) يفيد في نفس الوقت إقرارا ونهيا إذ لا يمكن بتاتا أن تبدل هذه الفطرة ، ويفهم من ذلك الإلزام إذ يلزم أن تظل هذه الفطرة كما أراد لها الله تعالى ،لأن ذلك هو المقصود عنده سبحانه وتعالى بالدين القيم أو المستقيم ، وهو دين التوحيد الخالص من كل شوائب الشرك مهما كان نوعه و الذي عوج ولا انحراف فيه مما يحدثه ويبتدعه البشر بسبب التنشئة أو التربية العقدية المنحرفة أو بسبب التقليد الأعمى أوبسبب الجهل الذي أخبر عنه الله تعالى مستدركا في آخر الآية بقوله : (( ولكن أكثر الناس لا يعلمون )) ،وهذه الأكثرية تشمل الكافرين والمشركين والذي حرفوا دين التوحيد من أهل الكتاب ، وتشمل كذلك الذين انحرفوا عن الإسلام من بعض المحسوبين عليه بسبب ما ابتدعوه جهلا أو تقليدا من أنواع الشرك أو الشركيات التي قد يستهينون بها وهي في الحقيقة تشكل تهديدا خطيرا لفطرتهم .

مناسبة حديث هذه الجمعة على وجه الخصوص هي التذكير بصفة الحنيفية عند الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم التي وصف بها الله تعالى خليله إبراهيم عليه السلام وقد نفى عنه ما افتراه عليه اليهود والنصاري في قوله تعالى في الآية الكريمة السابعة والستين من سورة آل عمران : (( ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين )) ،ففي هذه الآية الحجة الدامغة على فرية المفترين على الخليل عليه السلام وعلى ادعائهم الانتساب إليه وقد برأه الله تعالى مما ابتدعوا من شرك مفسد للفطرة السوية . ولما أصروا على عنادهم وافترائهم خاطبهم بتبكيت في الآية الكريمة الخامسة والستين من نفس السورة : (( يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون )) ،وإنه لمن العناد الصارخ ومن مخالفة العقل والمنطق أن تلصق اليهودية والنصرانية بالخليل إبراهيم وبينه وبين نزول التوراة والإنجيل فترة زمنية معتبرة تعد بقرون كما جاء في بعض كتب التاريخ، ويبقى علمها عند الله عز وجل .

ومعلوم أن صفة الحنيفية التي وصف بها الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم في الآية موضوع حديث هذه الجمعة قد أمرها بها في الآية الكريمة الثالثة والعشرين بعد المائة من سورة النحل حيث قال : (( ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين )) ، وهذا الأمر يلزم جميع المسلمين وقد جعل الله تعالى رسوله عليه الصلاة والسلام إسوة وقدوة لهم . وهذا اللزوم يقتضي البراءة من كل شرك مهما كان نوعه والذي من شأنه أن يلابس صفة الحنيفية ، وتحت أية ذريعة مهما كانت، وذلك حتى لا يقع الانحراف عن الفطرة السوية التي فطر الله تعالى الناس عليها والتي حرم ومنع كل تبديل لها .

ويجدر بالمسلمين اليوم أن يحترزوا من الوقوع في شرك تتضمنه بعض الأفكار أوالتوجهات الشركية التي تدعي أن الفطرة السوية وهي الإسلام الذي يمكنه أن يلتقي مع غيره من الديانات السابقة التي انحرف بها أهلها عن خالص التوحيد من قبيل نسبة الولد لله تعالى عن ذلك علوا كبيرا أومن قبيل اتباع الأهواء المفسدة للفطرة السوية كالاقتباس مما يصدر عن الخلق من شرائعه أو قوانين وضعية يدعون أنها تتقاطع مع شرع الله تعالى الذي أكمله، ولم يرحل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الدنيا إلا وقد بلغه كاملا غير منقوص وأشهد الله تعالى على ذلك وشهدا له بذلك سبحانه وتعالى .

ومعلوم أن الله تعالى قد حدد شروط الالتقاء مع غير المسلمين من أهل الكتاب في الآية الكريمة الرابعة الخمسين من سورة آل عمران إذ قال : (( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون )) . وما لم تتحقق هذه الشروط، فلا مبرر لدعوات الالتقاء مع أهل الكتاب من قبيل ما صار يعرف بالبيت الإبراهيمي أو غيره من بيوت العنكبوت . ولا بد أيضا الاحتراز من الوقوع في أنواع من الشرك الخفي او الجلي التي يقع فيها بعض المحسوبين على الإسلام من خلال إشراك الخلق فيما تفردت به قدرة الخالق سبحانه و تعالى وذلك من قبيل اعتقاد القدرة على النفع والضر فيهم والتعويل عليهم في ذلك، وهو مما يقع لهم إما بسبب جهل أو غفلة أو سذاجة في غياب التوجيه الصحيح والتبيلغ السديد إلى محجة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء التي ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك .وما ذلك الهلاك سوى الوقوع في شَرَك الشِّرك المفسد للحنيفية وللفطرة السوية.

اللهم إنا تعوذ بك من فتنة الزيغ والانحراف عن الحنيفية وعن الفطرة السوية ، ونسألك الاستقامة والثبات عليهما ما أحييتنا . اللهم سدد عثراتنا في أقوالنا وأفعالنا ، واجعل اللهم القرآن الكريم ربيع قلوبنا وجلاء همنا وغمنا ،وانصرنا على من ظلمنا فإنك نعم المجير، ونعم النصير، ونعم المولى ، ونعم الوكيل .

والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آليه وصحبه أجمعين .

حديث لا مندوحة عنه بمناسبة  حلول اليوم العالمي لل حديث لا مندوحة عنه بمناسبة  حلول اليوم العالمي للغة العربية بداية لا ب...
18/12/2025

حديث لا مندوحة عنه بمناسبة حلول اليوم العالمي لل حديث لا مندوحة عنه بمناسبة حلول اليوم العالمي للغة العربية

بداية لا بد من تذكير من يعلم ومن لا يعلم ،ومن يقر ومن يجحد ،ومن يؤمن ومن يكفر ويلحد بأن اللغة العربية قد اختارها الله تعالى كي يبلغ بها رسالته العالمية الخاتمة لكل البشر إلى قيام الساعة . ولا يقبل عذر من أحد لم يطلع عليها لخطورة ما يترتب عن الانصراف عنها أو الجهل بها بعد الرحيل عن هذه الدنيا الفانية والانتقال إلى دار الخلد فيها مصيران لا ثالث لهما إما نعيم مقيم أو جحيم سرمدي . ولا عذر أيضا لمن لم يحرص على الاطلاع عليها باللغة التي نزلت بها ، ولا يجزىء الاطلاع عليها بالترجمات التي لا يمكن أن تبلغ شأوها أو تفري فريها إحاطة وشمولا بالمقصود الذي أراده الله عز وجل تعبيرا وتصويرا وتفصيلا وإيجازا وإعجازا ... وهي مع كل هذا جزء من المعجزة القرآنية لا تنفك عنها ، وبها تحدى الله تعالى الخلق أن يأتوا بمثل ما أنزل مضمونا وشكلا . ولقد أثنى الله عليها في محكم تنزيله فقال : (( وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين )) ، وهذه شهادة من الخالق سبحانه وتعالى لا تضاهيها ولا تعدلها شهادة الخلق مهما بلغ علمهم، ودق تعبيرهم ،وفصحت ألسنتهم . وحسب لغة الضاد فخرا أنها حازت شرف وفضل بيان كلام الله تعالى وبزت بذلك نداتها من الألسنة .

ها نحن يوم الثامن من شهر دجنبر نستقبل من جديد مناسبة اليوم العالمي للغة القرآن الكريم المنفردة دون غيرها بحرف الضاد الذي تنعت به وتضاف إليه ، فما هو حالها في هذا الظرف بالذات وقد انبرى للنيل منها تنقيصا من شأنها وتهوينا من قدرها ومقدارها شراذم يجمع بينها إضمار الكراهية لدين الإسلام وبغض كتاب الله تعالى وهم إما ملحدون من شتى الأعراق والأجناس أو أصحاب ديانات منحرفة اعتراها الشرك أو وثنية أو متعصبون لألسنتهم يعيشون بين ظهرانينا ،وهؤلاء يختزلون دعوة الإسلام في مجرد غزو انطلق من جزيرة العرب إلى أصقاع الأرض لا ليبلغ رسالة الله عز وجل للناس على اختلاف أعراقهم وألوانهم وألسنتهم بل لإٌخضاعهم وإذلالهم، ونهب خيراتهم ومقدراتهم وطمس هوياتهم على حد زعمهم وهم مفترون . وما يضمر كل هؤلاء الحقد والعداء للغة الضاد إلا لأن الله تعالى اختارها لتبلغ عنه للورى رسالته العالمية وهي خاتمة الرسالات والمصدقة لها والمهيمنة عليها. وما كرهوها لأصواتها ولا لمفرداتها ولا لجملها ولا لنحوها ولا لبلاغتها وبيانها ولا لجرسها وإيقاعها منفصلة عن كلام الله تعالى وإنما لملابسته ، وإن فيهم من يستجيدونها ويستعذبونها ويشيدون بها أيما إشادة حين تلابس كلام البشر من نثر وشعر ، وفي هذا دليل قاطع وحجة دامغة على سر كرههم للغة الضاد سواء أخفوه أو أذاعوا به علما بأنه لم يعد في هذا الظرف طي الكتمان بسبب الطارىء من الأحداث .

ومقابل هؤلاء نجد الناس من مختلف الأعراق والأجناس والألسنة ممن فتح الله تعالى أبصارهم وبصائرهم وهداهم إلى صراطه المستقيم يجلونها إجلالا لكلامه ، ويجدون في تعلمها كل الجد ، ويتغنون بها وهم يتلون كتابه على اختلاف مستوياتهم في فصاحة الألسنة التي ألفت العجمة ، ومنهم من يتحرق ندما وحسرة لأنه لم يتعلمها، في حين يجهز عليها المغرضون ويتجنون عليها تعصبا للهجة ما من بناتها وقد انحرفت بها الألسن عن فصاحتها وبيانها أو تعصبا لأخرى من سنخها وهي عالة عليها تغترف من معينها وينكر ذلك أصحابها.

وعند التأمل في تكالب تلك الشراذم على لغة الضاد نجد الجامع بينهم كما مر هو كره آخر ما نزل بها من عند الله عز وجل. ولقد أحدثت مجامع مشبوهة لهم تصرف عليها الأموال الطائلة بكل سخاء من أجل شن حرب شعواء عليها تعددت مشاربها وهدفها واحد في نهاية المطاف . ومن تلك الشراذم من انبرى لحربها من خلال المقررات الدراسية حيث غيب منها أجمل ما ألف بها من عيون الشعر ، وبديع النثر ، وحل محلها ما رَكّ من الكلام وسَخُف بغرض ابتذالها ، وصرف الناطقين بها من الناشئة المتعلمة عن الصدح والتغني بها أداء والغوص في فنون بيانها والاطلاع على ما أبدع فيها منثورا ومشعورا ، والتأنق في رسم حروفها الرائعة بشهادة غير أهلها ، وذلك لصرفهم عن كلام الله تعالى كي يستغلق عليهم فهمه مع مرور الزمن ، وبذلك تطمس هويتهم الإسلامية و تمسخ ويتحقق بذلك المشروع المشبوه والخبيث والماكر الذي لم يعد مستترا بل صار جليا صارخا ومتنطعا . وبنفس الخبث والمكر تحارب المعاهد التي تنافح عن لغة الضاد ، وترمى هي والساهرين عليها والوافدين الراغبين فيها بالتهم الباطلة الملفقة كي تعطل جهودها المحمودة ، وتغلق أبوابها لتفتح أبواب التجهيل والتضليل وصناعة المسوخ البشرية من الأجيال مستقبلا . وما لم يُخَلَّ بين الناشئة المتعلمة وبين عيون الأشعار وبديع الكلام كما كان الحال في الماضي وقبيل آخر غزو غربي لبلاد العروبة والإسلام، فلن تستقيم ألسنتها غناء بلغة الضاد ، وما لم يقع الصلح بين مهارة الحفظ والاستظهار وهي السبيل إلى اكتساب الذكاء المتوهج وترويضه عكس ما يروجه عنها دعاة الغباء ،فلن تتوقد المواهب ،ولن يبرز الإبداع كما كان في العصور الذهبية الزاهية .

ومما يحز في النفوس أن بعض أولياء أمور الناشئة المتعلمة في البلاد العربية يحرصون الحرص الشديد على تلقين أبنائهم وبناتهم ألسنة الأمم الغربية على وجه الخصوص ، ولكنهم لا يشعرون بأدنى وخز من ضمير وهؤلاء الأبناء والبنات عاجزة ألسنتهم ب عن لوك لغة الضاد ، ومن هؤلاء الأولياء الأغبياء من يعتبرون ذلك امتيازا وفضلا يفاخرون به حين تحوزه ناشئتهم وتتميز به عن غيرهم في وقت تتنافس فيه الأمم الأخرى بقوة وشدة وحرص في مضمار التمكين لألسنتها كي تكسبها الريادة على حساب غيرها .

ومما يحز في النفوس أيضا ويؤسف له شديد الأسف أن مجامع لغة الضاد في عالمنا العربي لا زالت دون بلوغ المؤمل منها أو عندها ألا وهو مسايرة قطار نقل المعارف والعلوم التي صارت حكرا على أقوام و على ألسنة بعينها .

ومن المحزن الحزن الشديد أن معظم التراث بلغة الضاد لا زال إلى يوم الناس هذا أسير خزانات من غزوا بلاد الإسلام وسطوا على كنوزها ، ولا زال معظمه مخطوطا كما نبه إلى ذلك العلامة الباحث التركي فؤاد سزكين منذ عقود مضت وقد رحل رحمه الله عن هذه الدنيا سنة 2018 ، ولا ندري هل حمل مشعله غيره أم أن مشروعه قد قبر معه لا قدر الله ؟

ومن الغريب أيضا أن تتفرق شعوب الوطن العربي الكبير شذر مذر حين اتخذت من العاميات بديلا عن الفصحى وهن بناتها التي يلحنون بها ، وهم يفاخرون بذلك في حين يخجلون من استعمال الفصحى لغة التداول والتعامل اليومي عوض اقتصار استعمالها إنشاء وخطابا أكاديميا أو رسميا أو إعلاميا أوتدريسا وتلقينا . وقد يسخر بعضهم ممن يستعملها في أحاديثه اليومية ويتندر به مع أن هذا من آثار المكرالمدسوس لمحاربة الفصحى لكي تظل على الهامش في التعامل اليومي في حين يفسح المجال واسعا لاستعمال العاميات كما يطالب و يجهر ويصرح بذلك دعاة من يريدون إحلالها محل الفصحى . ومن تلك الأساليب أيضا نصب اللوحات الإشهارية في الشوارع العامة وعليها إعلانات بالعاميات وحتى بكلمات وعبارات من لغات غربية مما تنقله عنها العاميات وهي مرسومة بخط عربي تشجيعا وتغليبا لها بين الجمهور العربي .

ومن لطف الله تعالى الحافظ لذكره الحكيم بلغة الضاد أنه يتلى في بيوته عز وجل يوميا و به تستأنس الآذان ، وتنتعش الذاكرات ، وتستقيم الألسن ، وتظل موصولة بها .

وأخيرا وليس آخرا هذا غيض من فيض مما يجب أن يستحضر بمناسبة اليوم العالمي للغة الضاد وهي فخر أهلها وغيظ عِداها . وكل عام ولغة الضاد رائدة كدوحة باسقة الأغصان ، وارفة الظلال تؤتي أكلها كل حين بإذن ربهاغة العربية

محمد شركي

بداية لا بد من تذكير من يعلم ومن لا يعلم ،ومن يقر ومن يجحد ،ومن يؤمن ومن يكفر ويلحد بأن اللغة العربية قد اختارها الله تعالى كي يبلغ بها رسالته العالمية الخاتمة لكل البشر إلى قيام الساعة . ولا يقبل عذر من أحد لم يطلع عليها لخطورة ما يترتب عن الانصراف عنها أو الجهل بها بعد الرحيل عن هذه الدنيا الفانية والانتقال إلى دار الخلد فيها مصيران لا ثالث لهما إما نعيم مقيم أو جحيم سرمدي . ولا عذر أيضا لمن لم يحرص على الاطلاع عليها باللغة التي نزلت بها ، ولا يجزىء الاطلاع عليها بالترجمات التي لا يمكن أن تبلغ شأوها أو تفري فريها إحاطة وشمولا بالمقصود الذي أراده الله عز وجل تعبيرا وتصويرا وتفصيلا وإيجازا وإعجازا ... وهي مع كل هذا جزء من المعجزة القرآنية لا تنفك عنها ، وبها تحدى الله تعالى الخلق أن يأتوا بمثل ما أنزل مضمونا وشكلا . ولقد أثنى الله عليها في محكم تنزيله فقال : (( وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين )) ، وهذه شهادة من الخالق سبحانه وتعالى لا تضاهيها ولا تعدلها شهادة الخلق مهما بلغ علمهم، ودق تعبيرهم ،وفصحت ألسنتهم . وحسب لغة الضاد فخرا أنها حازت شرف وفضل بيان كلام الله تعالى وبزت بذلك نداتها من الألسنة .

ها نحن يوم الثامن من شهر دجنبر نستقبل من جديد مناسبة اليوم العالمي للغة القرآن الكريم المنفردة دون غيرها بحرف الضاد الذي تنعت به وتضاف إليه ، فما هو حالها في هذا الظرف بالذات وقد انبرى للنيل منها تنقيصا من شأنها وتهوينا من قدرها ومقدارها شراذم يجمع بينها إضمار الكراهية لدين الإسلام وبغض كتاب الله تعالى وهم إما ملحدون من شتى الأعراق والأجناس أو أصحاب ديانات منحرفة اعتراها الشرك أو وثنية أو متعصبون لألسنتهم يعيشون بين ظهرانينا ،وهؤلاء يختزلون دعوة الإسلام في مجرد غزو انطلق من جزيرة العرب إلى أصقاع الأرض لا ليبلغ رسالة الله عز وجل للناس على اختلاف أعراقهم وألوانهم وألسنتهم بل لإٌخضاعهم وإذلالهم، ونهب خيراتهم ومقدراتهم وطمس هوياتهم على حد زعمهم وهم مفترون . وما يضمر كل هؤلاء الحقد والعداء للغة الضاد إلا لأن الله تعالى اختارها لتبلغ عنه للورى رسالته العالمية وهي خاتمة الرسالات والمصدقة لها والمهيمنة عليها. وما كرهوها لأصواتها ولا لمفرداتها ولا لجملها ولا لنحوها ولا لبلاغتها وبيانها ولا لجرسها وإيقاعها منفصلة عن كلام الله تعالى وإنما لملابسته ، وإن فيهم من يستجيدونها ويستعذبونها ويشيدون بها أيما إشادة حين تلابس كلام البشر من نثر وشعر ، وفي هذا دليل قاطع وحجة دامغة على سر كرههم للغة الضاد سواء أخفوه أو أذاعوا به علما بأنه لم يعد في هذا الظرف طي الكتمان بسبب الطارىء من الأحداث .

ومقابل هؤلاء نجد الناس من مختلف الأعراق والأجناس والألسنة ممن فتح الله تعالى أبصارهم وبصائرهم وهداهم إلى صراطه المستقيم يجلونها إجلالا لكلامه ، ويجدون في تعلمها كل الجد ، ويتغنون بها وهم يتلون كتابه على اختلاف مستوياتهم في فصاحة الألسنة التي ألفت العجمة ، ومنهم من يتحرق ندما وحسرة لأنه لم يتعلمها، في حين يجهز عليها المغرضون ويتجنون عليها تعصبا للهجة ما من بناتها وقد انحرفت بها الألسن عن فصاحتها وبيانها أو تعصبا لأخرى من سنخها وهي عالة عليها تغترف من معينها وينكر ذلك أصحابها.

وعند التأمل في تكالب تلك الشراذم على لغة الضاد نجد الجامع بينهم كما مر هو كره آخر ما نزل بها من عند الله عز وجل. ولقد أحدثت مجامع مشبوهة لهم تصرف عليها الأموال الطائلة بكل سخاء من أجل شن حرب شعواء عليها تعددت مشاربها وهدفها واحد في نهاية المطاف . ومن تلك الشراذم من انبرى لحربها من خلال المقررات الدراسية حيث غيب منها أجمل ما ألف بها من عيون الشعر ، وبديع النثر ، وحل محلها ما رَكّ من الكلام وسَخُف بغرض ابتذالها ، وصرف الناطقين بها من الناشئة المتعلمة عن الصدح والتغني بها أداء والغوص في فنون بيانها والاطلاع على ما أبدع فيها منثورا ومشعورا ، والتأنق في رسم حروفها الرائعة بشهادة غير أهلها ، وذلك لصرفهم عن كلام الله تعالى كي يستغلق عليهم فهمه مع مرور الزمن ، وبذلك تطمس هويتهم الإسلامية و تمسخ ويتحقق بذلك المشروع المشبوه والخبيث والماكر الذي لم يعد مستترا بل صار جليا صارخا ومتنطعا . وبنفس الخبث والمكر تحارب المعاهد التي تنافح عن لغة الضاد ، وترمى هي والساهرين عليها والوافدين الراغبين فيها بالتهم الباطلة الملفقة كي تعطل جهودها المحمودة ، وتغلق أبوابها لتفتح أبواب التجهيل والتضليل وصناعة المسوخ البشرية من الأجيال مستقبلا . وما لم يُخَلَّ بين الناشئة المتعلمة وبين عيون الأشعار وبديع الكلام كما كان الحال في الماضي وقبيل آخر غزو غربي لبلاد العروبة والإسلام، فلن تستقيم ألسنتها غناء بلغة الضاد ، وما لم يقع الصلح بين مهارة الحفظ والاستظهار وهي السبيل إلى اكتساب الذكاء المتوهج وترويضه عكس ما يروجه عنها دعاة الغباء ،فلن تتوقد المواهب ،ولن يبرز الإبداع كما كان في العصور الذهبية الزاهية .

ومما يحز في النفوس أن بعض أولياء أمور الناشئة المتعلمة في البلاد العربية يحرصون الحرص الشديد على تلقين أبنائهم وبناتهم ألسنة الأمم الغربية على وجه الخصوص ، ولكنهم لا يشعرون بأدنى وخز من ضمير وهؤلاء الأبناء والبنات عاجزة ألسنتهم ب عن لوك لغة الضاد ، ومن هؤلاء الأولياء الأغبياء من يعتبرون ذلك امتيازا وفضلا يفاخرون به حين تحوزه ناشئتهم وتتميز به عن غيرهم في وقت تتنافس فيه الأمم الأخرى بقوة وشدة وحرص في مضمار التمكين لألسنتها كي تكسبها الريادة على حساب غيرها .

ومما يحز في النفوس أيضا ويؤسف له شديد الأسف أن مجامع لغة الضاد في عالمنا العربي لا زالت دون بلوغ المؤمل منها أو عندها ألا وهو مسايرة قطار نقل المعارف والعلوم التي صارت حكرا على أقوام و على ألسنة بعينها .

ومن المحزن الحزن الشديد أن معظم التراث بلغة الضاد لا زال إلى يوم الناس هذا أسير خزانات من غزوا بلاد الإسلام وسطوا على كنوزها ، ولا زال معظمه مخطوطا كما نبه إلى ذلك العلامة الباحث التركي فؤاد سزكين منذ عقود مضت وقد رحل رحمه الله عن هذه الدنيا سنة 2018 ، ولا ندري هل حمل مشعله غيره أم أن مشروعه قد قبر معه لا قدر الله ؟

ومن الغريب أيضا أن تتفرق شعوب الوطن العربي الكبير شذر مذر حين اتخذت من العاميات بديلا عن الفصحى وهن بناتها التي يلحنون بها ، وهم يفاخرون بذلك في حين يخجلون من استعمال الفصحى لغة التداول والتعامل اليومي عوض اقتصار استعمالها إنشاء وخطابا أكاديميا أو رسميا أو إعلاميا أوتدريسا وتلقينا . وقد يسخر بعضهم ممن يستعملها في أحاديثه اليومية ويتندر به مع أن هذا من آثار المكرالمدسوس لمحاربة الفصحى لكي تظل على الهامش في التعامل اليومي في حين يفسح المجال واسعا لاستعمال العاميات كما يطالب و يجهر ويصرح بذلك دعاة من يريدون إحلالها محل الفصحى . ومن تلك الأساليب أيضا نصب اللوحات الإشهارية في الشوارع العامة وعليها إعلانات بالعاميات وحتى بكلمات وعبارات من لغات غربية مما تنقله عنها العاميات وهي مرسومة بخط عربي تشجيعا وتغليبا لها بين الجمهور العربي .

ومن لطف الله تعالى الحافظ لذكره الحكيم بلغة الضاد أنه يتلى في بيوته عز وجل يوميا و به تستأنس الآذان ، وتنتعش الذاكرات ، وتستقيم الألسن ، وتظل موصولة بها .

وأخيرا وليس آخرا هذا غيض من فيض مما يجب أن يستحضر بمناسبة اليوم العالمي للغة الضاد وهي فخر أهلها وغيظ عِداها . وكل عام ولغة الضاد رائدة كدوحة باسقة الأغصان ، وارفة الظلال تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها

استفحال الظاهرة القارونية في عالم اليوممن المعلوم أن الناس جُبِلوا على حب المال الحب الجم كما خاطبهم  بذلك خالقهم العالم...
14/12/2025

استفحال الظاهرة القارونية في عالم اليوم

من المعلوم أن الناس جُبِلوا على حب المال الحب الجم كما خاطبهم بذلك خالقهم العالم بهم سبحانه وتعالى في محكم التنزيل في قوله : (( وتحبون المال حبا جما )) وكما أخبر عنهم أيضا في قوله : (( زُيِّن للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة ...الآية )) . وآفة حب الناس للمال أنه يوقعهم في الطغيان لقوله تعالى : (( كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى )) .

ولقد مثل الله تعالى لطغيان الإنسان لاستغنائه بالمال بقارون فساق في محكم التنزيل خبره للعالمين في سورة القصص ليكون لهم عبرة ، فقال عز من قائل : (( إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتيحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنسى نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبع الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين قال إنما أوتيته على علم عندي أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين فأصبح الذين تمنّوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كان يعملون )) صدق الله العظيم .

هذه قصة قارون في القرآن الكريم وقد ضمنها الله تعالى ما يجب أن يحذر منه الناس بسبب حب المال الحب الجم والتهافت عليه بالسعي غير المشروع ومراكمته كما راكمه قارون، فكان طغيانه به سببا فيما آل إليه إذ خسف به وبداره

والذي يستشف مما ورد في هذه القصة ما يلي :

1 ـ ارتباط غريزة حب المال بالحرص على تحصيله بطرق غير مشروعة ومراكمته وكنزه .

2 ـ ومن نتائج مراكمة المال الطغيان والبطر والكبر الشيء الذي يتسبب في البغي والعلو في الأرض .

3 ـ الترفع عن قبول النصح بالتخلي عن الكبر والبطر والبغي.

4 ـ الانصراف الكلي إلى الدنيا ونسيان الآخرة .

5 ـ عدم الإحسان إلى المحازيج لمقابلة نعمة إحسان الله تعالى.

6 ـ الإفساد في الأرض الذي مرده الطغيان .

7 ـ المباهاة بتحصيل ثروة المال بالجهد الشخصي والخبرة والشطارة ونكران نعمة المنعم بها ورازقها .

8 ـ الغفلة عن مصير الموسيرن السابقين الذين أطغاهم المال وعدم الاتعاظ بمآلاتهم .

9 ـ الحرص على إظهار وإشهار زينة الغني.

10 ـ التلذذ بإعجاب المعجبين وانبهارهم بتلك الزينة وأبهتها وتمنيها .

11ـ إنزال العقوبة بهم لطغيانهم وفسادهم وإفسادهم في الأر

12 ـ ندم المعجبين على تمني مكانتهم المادية بعد هلاكهم أصحابها .

13 ـ البديل عن غنى الدنيا الزائل هو غنى الآخرة الدائم .

14 ـ الإحسان في الدنيا يقابل بإحسان الآخرة ، والإساءة فيها تقابل بالسوء ، وحسن العاقبة يكون للمتقي وسوء العاقبة يكون للمسيئين .

عندما ننظر إلى هذه الأمور مجتمعة نحصل على ما يمكن تسميته بمكونات القارونية أو معاييرها التي ذمها الله تعالى في محكم التنزيل والتي يعرض عليها الطغاة من أهل الثراء في كل زمان وفي كل مكان إلى قيام الساعة .ولا يطغي المال أحد إلا وتثبت له هذه الصفات المذمومة المستقبحة كاملة.

وإذا نظرنا اليوم إلى الطغاة من أهل الثراء الفاحش لا نعدم عندهم أو فيهم هذه الصفات حيث يتحول كل واحد منهم إلى قارون هذا العصر الذي استفحلت فيها الظاهرة القارونية بشكل غير مسبوق بسبب التحولات التي طرأت على حياة البشر حيث يكاد وصف كنوز قارون ينطبق تماما على كنوز أثرياء هذا العصر ولا يمنع أن يقال عنها أنها ربما فاقتها إلا التأدب مع قول الله تعالى : (( وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتيحه لتنوء بالعصبة أولي القوة ))، وهو سبحانه أحصى لها وأعلم بها .

والناس اليوم يتناقلون أنباء ثروات أرباب الغنى الفاحش وهم ما بين معجبين بهم كالذين أعجبوا بثروة قارون من الذين تمنوا مكانه ثم ندموا على ذلك بعد أن خسف به وبداره، وبين منكرين ومحذرين من سوء عاقبتهم . ولقد لقي بعض هؤلاء في هذا الزمان ما يقابل ما لقيه قارون من سوء العاقبة ،ومع ذلك لا زال بعض الغافلين الذين يستهويهم متاع الدنيا وزيتها وهما إلى زوال سريع لم يتعظوا بما لقيه من سبقوهم إلى الدار الآخرة وقد عاصروهم ، وشهدوا نهاياتهم المؤسفة ، كما أن كثيرا من المعجبين بهم ممن لا غنى لهم لم يتعظوا هم كذلك ، ولا زالوا يتمنون مكانهم ويتشوقون إليها دون الحذر من سوء مآلاتهم المخزية.

وإذا كان اليوم غير المؤمنين بما أنزل الله تعالى في رسالته الخاتمة للعالمين على رسوله خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم بخصوص الغفلة عما حذر منه من كسب المال بالطرق غير المشروعة ومراكمته وكنزه واستعماله في الطغيان والبغي والفساد والإفساد في الأرض ، فإنه لا يعذر المؤمنون الذين يتلون كتاب الله ومع ذلك يطغيهم المال ، ويرضون بالانتساب إلى القارونية المعاصرة التي تنذر بالويل والثبور وعواقب الأمور .

حديث الجمعة : (( إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما ))لا زلنا مع استعراض ...
12/12/2025

حديث الجمعة : (( إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما ))

لا زلنا مع استعراض صفات وأحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم المتفرعة عن صفة الكمال الذي نوه به الله تعالى في قوله : (( وإنك لعلى خلق عظيم )) وهو تخلقه عليه الصلاة والسلام بخلق القرآن الكريم كما أخبرت بذلك عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها.

وحديث هذه الجمعة يتعلق بقول الله عز وجل مخاطبا رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم في الآية الكريمة الخامسة بعد المائة من سورة النساء : (( إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما ))، وقد تلت هذه الآية أربع آيات لها صلة بها ، وقد ورد في كتب التفسير أن سبب نزولها هو سرقة وقعت في المدينة المنورة اقترفها ثلاثة إخوة وكانوا من المنافقين حين سطوا على مخزن لأحد الأنصار فيه طعام وسلاح له ، فأصابوا من ذلك الطعام ليلا ثم وضعوا ما فضل عنهم مع السلاح في بيت لغيرهم من أجل التمويه على سرقتهم ، وفي نفس الوقت إلصاق التهمة بغيرهم .

والآية الكريمة تستشف منها بعض صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحوال كانت تعرض له منها صفة الحاكم والفاصل بين الناس بما شرع الله تعالى في محكم التنزيل وهي صفة تلازمها بالضرورة صفة العدل الحاصل من الحق المنزل عليه المزهق للباطل . ومما جاء في خبر سبب النزول أن السُّرَّاق الثلاثة بعدما انكشف أمرهم مع بينة أدلى به أحدهم ، التمسوا من غيرهم رفع أمرهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم محاولة منهم لدفع تهمة السرقة عنهم رغبة في الحصول على براءة من عنده ، لكن الله تعالى أنزل وحيا يفضح خيانتهم بتفصيل بعد الآية الأولى حيث قال جل شأنه : (( واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوّانا أثيما يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيّتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا ها أنتم هؤلاء جادلتهم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا )) .

ولما كانت العبرة بعموم كلام الله لا بخصوص أسباب نزوله، فإن المعتبرفيه هو ما شرع الله تعالى للناس إلى قيام الساعة على اختلاف أحوالهم وتشابهها مع أحوال كالتي تكون أسبابا للنزول ،وبموجب ذلك فإن كل من أقدم على إثم الخيانة مهما كان نوعها، ونسبها إلى غيره ظلما وبهتانا لدفع التهمة عنه وإلصاقها به ،فإنه ينسحب عليه ، ويشمله ما جاء في قول الله تعالى وأول ما يلزمه الاحتكام إلى ما أنزل سبحانه وتعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم ،وهو الحق المتضمن لشرعه العادل ثم تجنب المخاصمة عنه أي الدفاع عنه كما فعل الذين دافعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإخوة الثلاثة المنافقين المتلبسين بالسرقة محاولة منهم لتبرئتهم .

ومما جاء في تفسير قوله تعالى : (( ولا تكن للخائنين خصيما )) وقوله : (( ولا تجادل عن الدين يختانون أنفسهم )) لا يعني معاتبة الله تعالى له لأنه حاشاه منزه عن فعل ذلك، وهو صاحب الخلق العظيم الذي تفرعت عنه كرائم السجايا، وإنما اللوم موجه للذين حاولوا المجادلة عن اللصوص الثلاثة ، ومن ثم صار نهيا موجها لعموم المؤمنين إلى قيام الساعة متى ما حصلت خيانات فيهم .

ومعلوم أن من يقدم مصرا على خيانة مهما كان نوعها مادية أو معنوية، ويترتب عنها إلحاق الضرر بالغير إنما هو يلحق فيالحقيقة الضرر بنفسه ،ويخونها كما بيّن الله تعالى ذلك بقوله : (( الذين يختانون أنفسهم )) ، ولا يوجد أجهل ولا أغبى من هؤلاء الذين يستخفون من الخلق والخالق سبحانه وتعالى رقيب عليهم حين يبيّتون ما لا يرضى من القول ، ولا ينفعهم يوم القيامة من يكون لهم خصيما أو وكيلا يجادل عنهم في الدنيا والله تعالى يبغضهم لخيانتهم .

مناسبة حديث هذه الجمعة هي تذكير المؤمنين بصفات الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم الذي هو حاكم بالحق المنزل عليه من عند الله عز وجل ، وهوالفاصل به بين الناس ، وهو الناهي عن المخاصمة والمجادلة عن المدانين بتهم الخيانة ، وهذه الصفات ملزمة لكل مؤمن عموما ولأهل الحل والعقد خصوصا .

وما أحوج الأمة المؤمنة اليوم إلى ما شرع الله تعالى لها بخصوص آفة الخيانة في زمن صارت تمارس فيه على كل الأصعدة و في كل الأحوال ، وصارت عملة رائجة بين الناس، وهي منكرا لا يعد ينكر وقد انبرى للمخاصمة والمجادلة عمن يمارسونها قوم يرومون صرف الأمة عن شرع ربها والتدليس عليها من خلال الخلط المتعمد بينه وبين الشرائع الوضعية المناقضة له قلبا وقالبا ، وذلك تحت خدعة الانفتاح عليها وهي ذريعة واهية . وما أكثر الخونة في الأمة هذا الزمان لكنهم لا يقعون تحت طائلة شرع الله تعالى، ولا حتى طائلة الشرائع الوضعية ،وهم بذلك فوق الشرع وفوقها أيضا وتبرر خيانتهم على ما فيها من قبح وشناعة بذرائع واهية ليس سوى مجرد مجادلة عنهم في الدنيا لن تغني عنهم شيئا يوم الوقوف بين يدي الله عز وجل حين لا يفعهم مجادلون عنهم ولا وكلاء .

وعلى الأمة المؤمنة أن تقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم في تعامله مع الخيانة مهما كان نوعها مادية أومعنوية ، وذلك بالتزام شرع الله تعالى وهو حق وعدل، وبتجنب المخاصمة والمجادلة عن الخونة لأن ذلك عبارة عن مشاركة لهم في خيانتهم .

اللهم إنا نعوذ بك من كل فعل أو قول يفضي إلى خيانة تكون سببا في غضبك عنا ، ونبرأ إليك منها ، ومن المخاصمة والمجادلة عمن تصدر عنهم ، وبصرنا اللهم بعيوبنا ،وأصلح أحوالنا ظاهرا وباطنا سرا وعلانية .

والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

مشكل تلقين القيم للناشئة المتعلمة في منظومتنا التربويةلا خلاف بين أفراد مجتمعنا حول وجود مشكل في منظومتنا التربوية بخصوص...
09/12/2025

مشكل تلقين القيم للناشئة المتعلمة في منظومتنا التربوية

لا خلاف بين أفراد مجتمعنا حول وجود مشكل في منظومتنا التربوية بخصوص موضوع تلقين القيم للناشئة المتعلمة في مختلف أسلاك التعليم من أوله إلى أعلاه، ولا تناطح في ذلك قرناء وجلعاء . ولا يوجد من ينكر ذلك أو يجادل فيه سوى الجهة الوصية على تنزيل المنظومة التربوية التي يغلب عليها منطق مقولة " العام زين " الذي دائما يغاث فيه الناس ويعصرون بلا سنين عجاف عندهم لأنهم إن أقروا بذلك شهدوا على أنفسهم بالفشل ، وهو ما لا يرغبون فيه ، لهذا لم يحصل أن تقدم وزير للتعلم وقد تناوب العديد منهم على وزارة التربية باستقالة معبرا بشجاعة أدبية عن فشله أو عجزه عن تدبيرها التدبيرالذي يحقق المسطر من الغايات والمرامي والأهداف وهي في غاية الأهمية، ويرجى منها ناتج بشري صالح مصلح تقر به العيون ويثلج الصدور.

ومع اختلاف زوايا النظر إلى هذه المنظومة المضطربة من حيث تلقين القيم وترسيخها في الناشئة المتعلمة ، فإن الإجماع حاصل بين الجميع آباء وأولياء أمور ومربون .... وغيرهم بخصوص وجود مشكل في تلقين القيم وترسخها في المتعلمين ، والذي يؤكد هذا الأمر هو مخرجات منظومتنا التربوية في معظم أسلاك التعليم مع استثناء خاص بالطفولة البريئة في التعليم الأولي وبعض سنوات التعليم الابتدائي ، أما ما عدا ذلك فالقيم معطلة أوشبه غائبة خصوصا لدى المتعلمين في الأسلاك الثلاثة الإعدادية والتأهيلية والعالية إلا من رحم الله ممن يتلقون القيم في أوساطهم الأسرية ، ونسبتهم جد ضئيلة حين تقارن بالسواد الأعظم المتنصل من القيم إلى حد الاستخفاف بها والسخرية منها نظرا لسيادة العبث وهيمنته في الفصول الدراسية .

وكثيرة هي القيم التي تتغياها نظريا منظومتنا التربية، وسنركز في هذا المقال تحديدا على الإسلامية منها نظرا لأهميتها ولخطورة غيابها على الناشئة المتعلمة وعلى عموم المجتمع الذي ينص دستوره على أن دينه الرسمي هو الإسلام . وعندما نقول القيم الإسلامية ،فنحن نقصد الجانب الخلقي على منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل : " بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " ، وهو الذي نوه به رب العزة جل جلاله في قوله : (( وإنك لعلى خلق عظيم )) وقد بينت عائشة أم المؤمنين ما نوه به الله تعالى في محكم التنزيل بقولها ردا على من سألها عنه : " كان خلقه القرآن " وهو ما يعني أن هذا القرآن هو المصدر الأول للقيم نظريا وأن الذي نزلها إجرائيا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وعندما نقف عند القيم التي تقرها منظومتنا التربوية كغايات ومرام وأهدأف نجدها تنص على ترسيخ قيم مستقاة من الإسلام دينا، ومن العقيدة السنية الأشعرية مذهبا ، ومن الفقه المالكي تشريعا ، ومن التصوف السني الجنيدي سلوكا وتربية .ومن المفروض أنها مجتمعة تحقق منتهى السمو الأخلاقي الذي يجعل من الناشئة المتعلمة ملائكة يمشون في الأرض إلا أن واقع الحال أن أغلبهم لا يعكس سلوكهم شيئا مما تتبناه منظومتنا التربوية نظريا، لهذا سنركز في وصف نموذج سلوك المتعلمين الغالب في مؤسساتنا التعليمية على ما هو سلبي مع أن ذلك لا يعني إنكار وجود ما هو إيجابي، وبناء على هذا فإن الملحوظ والمعلوم من السلبي الغالب هو كالآتي :

1 ـ متعلمون عابثون مستخفون بالقيم الأخلاقية وهم يخجلون من أن يتخلقوا بها بل يباهون ويفاخرون بالتحلل منها كما يعبرون عن ذلك علانية دون خجل بألسنتهم وبفعالهم ، وهم بذلك مخالفون تماما لما يتلقونه من معارف غايتها تخليقهم ، وذلك لأنهم منشغلون عنها بالعبث الذي ينصرفون إليه انصرافا كليا . ويمكن التأكد من ذلك حين يرهف السمع إلى جموعهم خارج الفصول الدراسية أو في ساحات المؤسسات التربوية أو عند بواباتها وهم يتجاذبون أطراف الحديث عما يدور بينهم داخل الفصول الدراسية من أنواع العبث إما ببعضهم البعض أو بالمربين والمربيات، ولا تسمع منهم بتاتا أحاديث متعلقة بالمعارف أوبالتحصيل أو بالتنافس فيه ... باستثناء حين يخرجون من حصص فروض المراقبة أو الاختبارات ، ويكون حديثهم عنها في الغالب عبارة مباهاة بالغش أوعبارة عن انتقادات ولوم موجه لمن يمتحنونهم ، وشكاة من صعوبتنا ، ولا تخلو حينئذ أحاديثهم من سباب وشتائم بأشد العبارات بذاءة وخدشا للحياء .

2 ـ متعلمون يجاهرون بالفحش بحيث لا ينادي غالبا بعضهم بعضا إلا بوصف أمهاتهم بالعهر حتى صارت عندهم عبارة : " يا ولد العاهر" بالصيغة العامية المقرفة لا تدل عندهم على الإهانة والاحتقار، بل تدل أحيانا على الإعجاب يتلقاها من يتلقاها منهم بفخر واعتزاز وارتياح ورضى باستثناء إذا ما استخدمت أثناء الشجار فيما بينهم .

3 ـ متعلمون ضارب فيهم التحرش أطنابه بحيث لا تسلم الإناث منه بل فيهن من تطرب له إما تصريحا أو تلميحا وتشجع عليه وتستطيبه ، وغالبا ما تعاين حالات الخلوة بين ذكورهم وإناثهم مثنى أو جماعات وهم في وضعيات مريبة .

4 ـ متعلمون بهندام لا يمت عند بعضهم بصلة إلى ما تنص عليه مذكرة وزارة تشترط له شروطا داخل الفضاءات التربوية والتي تعد مرجعا معتمدا فيما يوضع من قوانين داخل هذه الفضاءات . ولقد طال العهد بصياغة هذه المذكرة منذ عقود خلت ،ولا أظن أنها حُينت منذ ذلك الوقت. ومن أنواع الهندام الذي يغزو المؤسسات التربوية بالنسبة لشريحة من الإناث هندام غير محتشم ولا ساتر، وهو غير لائق داخل المؤسسات التربوية بموجب المذكرة الوزارية موضوع الهندام، فضلا عن كون الحجاب عند شريحة أخرى لا تراعى فيها الشروط المطلوبة شرعا بحيث يفي بالستر، فلا يكون ضيقا مجسما ولا رقيقا شفافا ولا مثيرا بألوانه وأشكاله...

أما بخصوص الهندام الخاص بالذكور ـ وأصل هذه الكلمة فارسي يعني المظهر عموما ـ فالملاحظ هو بعض أشكال وأنواع حلاقة شعورهم أو تصفيفها وهي أشكال مقتبسة عن بعض مشاهير الرياضيين من لاعبي كرة القدم أو غيرهم أومن نجوم السينما والغناء، وهي في الغالب غير منسجمة مع الواقع التربوي داخل المؤسسات التعليمية . والغريب أن المتعلمين الذكور يتعاملون بنوع من الاستخفاف مع الزي المغربي الهوياتي ـ ولا نقول التقليدي لأن هذا النعت قد يوحي بالحط من شأنه ومن شأن من يرتدونه ـ وذلك خلاف المتعلمين في بعض الأقطار العربية خصوصا دول الخليج الذين يرتدون أزياءهم الهوياتية بكل فخر وزهو واعتزاز.

5 ـ متعلمون تحول بين معظمهم وبين ارتياد المساجد يوم الجمعة لتلقي التوجيه الديني الأسبوعي الضروري والواجب شرعا جداول حصص مغيبة تماما لحدث الجمعة الديني، وهي لا تراعي سوى فترة الزوال التي تسمح بملء البطون ثم العودة مباشرة إلى المؤسسات التربوية، الشيء الذي يجعل التوجيه الديني في حكم الغائب .

6 ـ متعلمون معظمهم يستخف بالمواد الحاملة للقيم الأخلاقية خصوصا مادة التربية الإسلامية التي صاوا يتندرون بها وبمن يلقنونها لهم ، وهي عندهم مجرد عبء خصوصا الموجهون منهم إلى شعب علمية ، ولا تعني بالنسبة إليهم سوى كونها مادة غير مرغوب فيها وهي مفروضة عليهم يجتازون الامتحان فيها بدافع الرغبة في رفع معدلاتهم فقط . وليس حال الموجهين توجيها أدبيا بأفضل من حال الموجهين توجيها علميا بخصوص التعامل مع هذه المادة التي يفترض أن تترجم مكوناتها ما سطر من غايات ومرام وأهداف اعتقادا وتشريعا وتربية مما أشير إليه أعلاه إذ لا أثر للأشعري أو مالك أو الجنيد في وجدان هؤلاء المتعلمين ، وقد حل محلهم ، وسد مسدهم نجوم التفاهة بكل أشكالها وأنواعها وأساليبها في عالم الرياضة والفن وما شابه .

7 ـ متعلمون لديهم هوس التعلق الشديد بالهواتف الخلوية التي لا تفارقهم حتى وهم داخل الفصول الدراسية، علما بأن القانون الداخلي للمؤسسات التربوية يمنع ذلك لما فيه من تأثير سلبي على السير العادي للدراسة . والمشكل أن هذه الهواتف صارت تستعمل للعبث واللهو ،ولا تفتح إلا على المواد العابثة والساقطة كما أنها صارت تستخدم للإساءة سواء إلى بعضهم البعض أو الإساءة إلى أساتذتهم، وقد بلغ الأمر بهم حد نشر ما يلتقطونه من صور أو فيديوهات داخل الفصول الدراسية عبر المواقع العنكبوتية لغرض التشهير. كما أنها صارت وسيلة غش بامتياز تستخدم أثناء اجتياز اختبارات فروض المراقبة المستمرة أو الامتحانات الإشهادية . ومما زاد في الطين بلة كما يقال هو الاعتماد الكلي عليها خصوصا مع ظهور تقنية الذكاء الاصطناعي الذي سيؤدي الاعتماد عليه لا محالة إلى غباء بشري غير مسبوق وإلى كسل وخمول.

ومعلوم أن هذه السلوكات السلبية لا يمكن أن تعفى من المسؤولية عنها الأسر التي تخلى معظمها عن دورها التربوي ، وقد ألقت الحبل على الغارب ومع ذلك تنتقد بشدة المربين في المؤسسات التربوية وكأنهم يلقنونهم سوء التربية وليس مقررات حاملة للقيم الأخلاقية .

ولا بد من الإشارة إلى الوضع السائد في عالم اليوم وقد انفردت واستبدت به العولمة العاتية المتوحشة وإلى دورها في فرض قيمها المادية المتهتكة والمستهترة بغيرها من القيم الإنسانية الراشدة ،وقد صارت تسوق إلى الشعوب المغلوبة المقهورة تحت طائل الضغط والتهديد مفاهيمها وهي تضفي عليها إعلاميا مصداقية وشرعية متوهمتين. ومن تلك المفاهيم المسوقة إعلاميا نذكر على سبيل المثال لا الحصر مفهوم التسامح والانفتاح على الغيرذلك الغير الذي لا يتسامح ولا ينفتح ، بل يتقوقع داخل إيديولوجيا عرقية وعقدية في غاية التطرف والعنصرية، وهي مستقاة من مصادر أسطورية فاقدة للمصداقية حين تعرض على العقل والمنطق، وبهذا صارت المفاهيم مزدوجة الدلالة والكيل معا ، ومع ذلك قد انساق وراءها من انساقوا مكرهين أو راغبين دون الحذر من عواقبها الوخيمة التي تتهدد منظومة قيمنا التي من شأنها أن تعطي الأجيال الصالحة المصلحة والناجحة في حياتها عوض تلك التي تكون عبارة عن مسخ تقلد التقليد الأعمى غيرها متنكرة لهويته مستخفة بها راضية بدونية مخزية تفرضها عليها العولمة المتوحشة فرضا.

فمتى سيعرف الحل مشكل تلقين ناشئتنا المتعلمة قيما سامية تقرها منظومتنا التربوية نظريا لكن دون أثر إجرائي لها في واقع الحال ؟؟؟

Address


Website

Alerts

Be the first to know and let us send you an email when الأستاذ محمد شركي posts news and promotions. Your email address will not be used for any other purpose, and you can unsubscribe at any time.

Contact The Business

Send a message to الأستاذ محمد شركي:

  • Want your business to be the top-listed Media Company?

Share