
25/04/2025
الكونكلاف واختيار خليفة البابا فرنسيس في زمن الانقسامات
بعد أن أعلن الفاتيكان عن وفاة البابا فرنسيس (خورخي ماريو بيرغوليو) عن عمر ناهز 88 عامًا إثر مضاعفات طارئة، دخل العالم الكاثوليكي في حالة حدادٍ عالمي تخللته صلواتٌ حاشدة في كاتدرائيات القارات الخمس، بينما تستعد الكنيسة لخوض مرحلةٍ تاريخيةٍ محفوفةٍ بالتحديات، تبدأ بجنازةٍ مهيبةٍ في السادس والعشرين من أبريل، وتتوج بمجمع الكرادلة السري لاختيار خليفة البابا الراحل، الذي أُشيد بكونه "صوت الضمير الإنساني" في قضايا المناخ واللاجئين.
يُعتبر الكونكلاف، بوصفه أحد أقدم الطقوس الانتخابية سريةً في التاريخ، امتحانًا مصيريًا للكنيسة في ظل انقساماتٍ داخلية بين تيارين: محافظٍ يخشى التغيير، وتقدميٍ يسعى لمواكبة العصر. فمع دخول الكرادلة الناخبين (المقيدين بألا يتجاوزوا الثمانين عامًا) إلى الكنيسة السيستينية، سيحمل كلٌ منهم إرثَ فرنسيس الذي عُين 80% منهم خلال حبريته، مما يضعهم أمام مفترق طرق بين الحفاظ على الإصلاحات الجذرية التي أطلقها، أو التراجع إلى مناطق الراحة التقليدية. وتزداد التكهنات تعقيدًا مع تشديد الإجراءات الأمنية، حيث تُغطى النوافذ، وتُشوش الأجهزة الإلكترونية، في مشهدٍ يذكر بصراعٍ قديمٍ بين السرية المقدسة وضغوط العولمة.
لا تقف رمزية اللحظة عند حدود الانتقال البابوي، فالبابا الراحل، الذي اختار أن يُدفن في بازيليكا سانتا ماريا ماجوري خارج أسوار الفاتيكان، يترك خلفه إرثًا إصلاحيًا غير مسبوق. لقد حوّل مسار الكنيسة من خلال خطابٍ شجاعٍ دافع فيه عن الفقراء، وانتقد الرأسمالية المتوحشة، ورفع شعار "الكنيسة الفقيرة للفقراء"، كما أعاد هيكلة المؤسسات المالية الكنسية في خطوةٍ جريئةٍ قلصت مراكز النفوذ التقليدية. أما التحدي الأكبر للبابا الجديد، فسيكون تحقيق التوازن بين حماية هذا الإرث التقدمي، وترميم الانقسامات العميقة التي خلفتها قضايا مثل زواج المثليين وكهنوت المرأة.
في خضم هذا المشهد، يظل الكونكلاف لغزًا مقدسًا، حيث تذوب الحدود بين السياسة والروحانية. فبينما يحترق الدخان الأبيض من مدخنة السيستين معلنًا ولادة بابا جديد، سيواجه العالم سؤالًا وجوديًا: هل ستستطيع الكنيسة، بأعرق طقوسها، أن تثبت أنها قادرة على كتابة فصلٍ جديد من المصالحة مع ذاتها ومع الإنسانية؟
© 2025 ✍️ محمد أعزوز
#الفاتيكان #الكونكلاف #الكرادلة