
08/01/2023
وقوله : ( تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) يقول تعالى ذكره : تصعد الملائكة والروح - وهو جبريل عليه السلام - إليه يعني إلى الله جل وعز ، والهاء في قوله : ( إليه ) عائدة على اسم الله ، ( في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) يقول : كان مقدار صعودهم ذلك في يوم لغيرهم من الخلق خمسين ألف سنة ، وذلك أنها تصعد من منتهى أمره من أسفل الأرض السابعة إلى منتهى أمره ، من فوق السماوات السبع .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام بن سلم ، عن عمرو بن معروف ، عن ليث ، عن مجاهد ( في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) قال : منتهى أمره من أسفل الأرضين إلى منتهى أمره من فوق السماوات مقدار خمسين ألف سنة; و : يوم كان مقداره ألف سنة ، يعني بذلك نزول الأمر من السماء إلى الأرض ، ومن الأرض إلى السماء في يوم واحد ، فذلك مقداره ألف سنة ، لأن ما بين السماء إلى الأرض ، مسيرة خمس مائة عام .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : تعرج الملائكة والروح إليه في يوم يفرغ فيه من القضاء بين خلقه ، كان قدر ذلك اليوم الذي فرغ فيه من القضاء بينهم قدر خمسين ألف سنة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن سماك بن حرب ، عن عكرمة ( في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) قال : في يوم واحد ، يفرغ في ذلك اليوم من القضاء كقدر خمسين ألف سنة .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن سماك ، عن عكرمة ( في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) قال : يوم القيامة .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن سماك ، عن عكرمة في هذه الآية ( خمسين ألف سنة ) قال : يوم القيامة . [ ص: 602 ]
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) : ذاكم يوم القيامة .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال معمر : وبلغني أيضا ، عن عكرمة ، في قوله : ( مقداره خمسين ألف سنة ) : لا يدري أحد كم مضى ، ولا كم بقي إلا الله .
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، في قوله : ( تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) فهذا يوم القيامة ، جعله الله على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) : يعني يوم القيامة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) قال : هذا يوم القيامة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحارث أن دراجا حدثه عن أبي الهيثم عن سعيد ، أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ( في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) ما أطول هذا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "والذي نفسي بيده ، إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من الصلاة المكتوبة يصليها في الدنيا " .
وقد روي عن ابن عباس في ذلك غير القول الذي ذكرنا عنه ، وذلك ما :
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا ابن علية ، عن أيوب ، عن ابن أبي مليكة ، أن رجلا سأل ابن عباس عن يوم كان مقداره ألف سنة ، فقال : ما يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ؟ قال : إنما سألتك لتخبرني ، قال : هما يومان ذكرهما الله في القرآن ، الله أعلم بهما ، فكره أن يقول في كتاب الله ما لا يعلم .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الوهاب ، قال : ثنا أيوب ، عن ابن أبي مليكة ، قال : سأل رجل ابن عباس عن يوم كان مقداره ألف سنة ، قال : فاتهمه ، فقيل له فيه ، فقال : ما يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ؟ فقال : إنما سألتك لتخبرني ، فقال : هما يومان ذكرهما الله جل وعز ، الله أعلم بهما ، وأكره أن أقول في كتاب الله بما لا [ ص: 603 ] أعلم; وقرأت عامة قراء الأمصار قوله : ( تعرج الملائكة والروح ) بالتاء خلا الكسائي ، فإنه كان يقرأ ذلك بالياء بخبر كان يرويه عن ابن مسعود أنه قرأ ذلك كذلك .
والصواب من قراءة ذلك عندنا ما عليه قراء الأمصار ، وهو بالتاء لإجماع الحجة من القراء عليه .
وقوله : ( فاصبر صبرا جميلا ) يقول تعالى ذكره : ( فاصبر صبرا جميلا ) يعني : صبرا لا جزع فيه . يقول له : اصبر على أذى هؤلاء المشركين لك ، ولا يثنيك ما تلقى منهم من المكروه عن تبليغ ما أمرك ربك أن تبلغهم من الرسالة .
وكان ابن زيد يقول في ذلك ما حدثني به يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( فاصبر صبرا جميلا ) قال : هذا حين كان يأمره بالعفو عنهم لا يكافئهم ، فلما أمر بالجهاد والغلظة عليهم أمر بالشدة والقتل حتى يتركوا ، ونسخ هذا ، وهذا الذي قاله ابن زيد أنه كان أمر بالعفو بهذه الآية ثم نسخ ذلك ، قول لا وجه له ، لأنه لا دلالة على صحة ما قال من بعض الأوجه التي تصح منها الدعاوى ، وليس في أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم في الصبر الجميل على أذى المشركين ما يوجب أن يكون ذلك أمرا منه له به في بعض الأحوال; بل كان ذلك أمرا من الله له به في كل الأحوال ، لأنه لم يزل صلى الله عليه وسلم من لدن بعثه الله إلى أن اخترمه في أذى منهم ، وهو في كل ذلك صابر على ما يلقى منهم من أذى قبل أن يأذن الله له بحربهم ، وبعد إذنه له بذلك . Khalil Chabbouh