منبر ثورة الوعى

منبر   ثورة     الوعى تحقيق أهداف ثورة ديسمبر 2018م والمحافظة على مكتسباتها

ح

29/11/2024

توازن الضعف ونذر التسوية مجددا!!
د. أحمد عثمان عمر
(١)
لا يكفي الحديث النظري المجرد عن توازن الضعف كأساس لتسوية حتمية قادمة بين الطرفين المتحاربين ، بل يجب قياس هذا الضعف ومؤشرات التوازن في حال تحولها في ارض الواقع وفقا لمسار المعارك، حتى نتمكن من التنبؤ بقرب التسوية وإمكانية حدوثها من عدمها. فالمليشيا الارهابية مثلها مثل الجيش المختطف والحركة الاسلامية المجرمة المختطفة له، تعلم أنها لن تستطيع تحقيق انتصار حاسم يقيض لها استلام كامل البلاد ويحولها إلى سلطة معترف بها دولياً. فهي بالرغم من أنها سلطة أمر واقع في مساحة تساوي مساحة فرنسا وألمانيا مجتمعتين ، لا تستطيع أن تعلن نفسها كحكومة تبحث عن اعتراف دولي. وعدم قدرة المليشيا على التحول إلى سلطة لغياب المشروع السياسي والآيدلوجي الذي يشكل غطاءا لهذه السلطة وللرفض الاقليمي والدولي لذلك التحول، هو أهم نقاط ضعفها، وضعف الجيش المختطف وسلطته، تتمثل في ضعفه العسكري وهزائمه المتكررة، وفقدانه السيطرة على معظم البلاد، وخضوعه التام للحركة الإسلامية المجرمة، وخروج سلطة الامر الواقع التي تديرها قيادته غير الشرعية من رحم انقلاب عسكري فشل في تعويم نفسه، ووقوعه في تقاطع المصالح الدولية صاحبة الاصرار الواضح على توازن الضعف لفرض تسوية تحافظ على تلك المصالح، وهذه المسألة الاخيرة يتساوى فيها مع المليشيا الارهابية بالطبع. لذلك لا بد من رصد التحولات في هذه العناصر المكونة لتوازن الضعف بصورة مستمرة، لتقديم قراءة حول مدى تقدم التسوية وتراجعها.
(٢)
ولا يفوت على فطنة القاريء ، ان التحول الذي يحدث في ساحة المعارك في الوقت الراهن، والذي يستخدمه دعاة الحرب من ادوات دعاية الجيش المختطف كمؤشر على انتصار حاسم له على المليشيا الارهابية، لا يعدو حالة كونه إعادة صياغة لتوازن الضعف وليس مؤشراً على ذلك الانتصار المتوهم. فالانتصارات التي حققها الجيش المختطف، قابلها انسحابات من قوات المليشيا للمحافظة على قدراتها القتالية. فتحرير سنجة وجبل موية قبله، لم ينتج عنه وقوع اي من أفراد المليشيا الارهابية في الاسر مثلا، وفي سنجة قامت بإنسحاب قبل يومين من دخول الجيش المختطف والمليشيات الحليفة له إلى المدينة وارتكاب فظائع يندى لها الجبين حسب بيان لجان المقاومة، تؤسس لاتساع احتمال تدخل دولي لحماية المدنيين. كذلك تصريحات قيادة الجيش المختطف غير الشرعية وخطابه التصعيدي، واجهه صمت مطبق من المليشيا الارهابية وغياب تصعيد مضاد، ليس إقرارا بهزيمة شاملة كما يحاول تسويقه مهيجي الحرب، ولكن اتساق مع اعادة صياغة توازن الضعف وتجهيزا لخطاب يتوافق معها. فالأنباء ترشح بأن المليشيا الارهابية تعيد تموضع قواتها، وتسحب بعضها من الجزيرة لتعزيز وجودها في العاصمة الخرطوم، والاتهامات تترى لها بالاستعانة بمرتزقة من أمريكا اللاتينية وتحديدا كولمبيا، مثلما يتهم الجيش المختطف بالاستعانة بمليشيات حبشية، في إشارة مهمة إلى بدء نضوب المخزون البشري اللازم للحرب لدى الطرفين، تؤكد أن تأثير المجتمع الدولي سيصبح أكبر. وتراجع القدرة على حشد قوات من السكان المحليين وفشل التجييش والتجييش المضاد، والركون إلى تجنيد المرتزقة، ومحاولة تحويل الحرب إلى حرب اهلية قبلية، جميعه يؤكد نضوب المخزون البشري وانحسار فرصة التوسع في التجنيد، ورسوخ توازن ضعف الطرفين، وإن كان يؤشر لتوسع دائرة تدويل الحرب وخروجها عن سيطرة الطرفين المتحاربين ايضا في مستقبل قريب.
(٣)
يواكب التحول في مسرح العمليات بتقدم الجيش المختطف والمليشيات المجرمة التابعة له، حراك على مستوى الحركة الإسلامية المجرمة المختطفة له. فالانقسام الذي حدث في قيادة المؤتمر الوطني المحلول استنادا لصراع صريح على السلطة التنفيذية في التنظيم لا على المشروع السياسي، يؤشر لرغبة المجموعة المطلوبة للعدالة الجنائية الدولية على تصدر المشهد والمساومة بخلاصها مقابل اي تسوية قادمة. فانتخاب قائد مطلوب لدى محكمة الجنايات الدولية، يشير إلى ان الحركة الاسلامية المجرمة لا ترغب فقط في فرض نفسها على المعادلة السياسية عبر الحرب، بل تريد ان تفرض قيادتها القديمة نفسها على الشعب السوداني والمجتمع الدولي، وذلك لشعورها بأن وضعها اصبح افضل في ظل التقدم العسكري المحدود الذي حسن قدرتها على التفاوض عبر واجهة الجيش وأضعف المليشيا الأرهابية قليلا. كذلك نرى ان وزير الخارجية الجديد لسلطة الأمر الواقع المكونة من قبل قيادة الجيش المختطف غير الشرعية المتحكم فيها من قبل تلك الحركة، صرح بأنه يعمل على إعادة صياغة العلاقات الخارجية وازالة الخلافات، مع إعلان تأييده الصريح لانتهاك سيادة البلاد وإدخالها دائرة الصراع الدولي الساخن، بمنح القواعد العسكرية على البحر الأحمر، وتزامن ذلك مع انحسار الهجوم الرسمي على دولة الإمارات العربية، مما يؤشر إلى وجود اتجاه لتهيئة الأجواء لتدخل دولي متوازن لن يقود إلا إلى تسوية. واذا ربطنا ذلك بتقاعس سلطة الامر الواقع عن فتح بلاغات ارهاب ضد قيادة المليشيا الارهابية- ونحن ننادي بأن يتم ذلك من قبل السلطة الانتقالية المستقبلية عند المحاسبة- يتضح ان الباب ترك مواربا حتى يتم التفاوض مع هذه القيادة بالذات حول تسوية ما.
(٤)
وبأخذ جميع ما تقدم في الاعتبار، مع ضرب المسيرات في شندي وعطبرة الذي واكب انقسام قيادة المؤتمر الوطني المحلول، وتزامن مع تقدم الجيش المختطف عسكريا في بعض المناطق، نجد ان توازن الضعف مازال قائماً. فالمليشيا الارهابية مازالت تسيطر على معظم البلاد وتعزز قواتها في عاصمة البلاد، والجيش المختطف برغم تقدمه المحدود، خلفه تنظيم سياسي قيادته منقسمة وربما يتسع الانقسام ليشمل القاعدة على اساس قبلي وجهوي، والطرفين متهمين بإرتكاب فظائع ضد المدنيين، وهما معا مخزونهما البشري اللازم كوقود للحرب بدأ في النضوب، وهما معا اتجها لتجنيد المرتزقة في سلوك قد يؤدي لفقدان السيطرة على الحرب مستقبلاً، وايضاً قاما بتصعيد خطاب الكراهية المبني على اساس جهوي وقبلي، في محاولة لتحويل الحرب إلى حرب اهلية تسمح بتجييش حقيقي يوفر الفرصة لزج قوى بشرية جديدة في أتون الحرب. لذلك قامت المليشيا الارهابية بإستهداف مكونات عرقية معينة وقبائل بعينها في شرق الجزيرة، ويقوم الجيش المختطف ومليشياته المجرمة يإستهداف القبائل التي يصنفها حاضنة للجنجويد في مناطق سيطرته مثلما يحدث الان في مدينة سنجة. وكل ذلك يؤشر إلى رفض شعب السودان للحرب المدمرة الراهنة، وعجز طرفيها عن الاستمرار فيها بنفس الطريقة القديمة، وتوازن ضعف بينهما لن يعالجه سوى تحويل الحرب لحرب اهلية، وتدويلها بصورة أوسع عبر الزج بالمرتزقة، مما سيقود لتدخل دولي كبير، قد يطيح بهما معا بدلا من أن يفرض عليهما تسوية فقط.
والمطلوب هو مواصلة رفض الحرب وعدم تزويد اي من طرفيها بوقودها البشري، ومنع تحول الحرب لحرب أهلية بمواجهة خطاب الكراهية والتجييش، مع رصد جرائم الطرفين وتوثيقها وتوسيع دائرة التضامن العالمي لوقفها، والسير في طريق تعزيز خطوات تكوين الجبهة القاعدية العريض لوقف الحرب وطرد طرفيها من المعادلة السياسية.
وقوموا إلى ثورتكم يرحمكم الله!!
29/11/2024

22/11/2024

الفيتو الروسي
(الاسباب والتداعيات)
د. أحمد عثمان عمر
(١)
إنشغل الرأي العام مؤخرا ومازال ، بإستخدام روسيا حق الفيتو ضد مشروع القرار الذي تقدمت به المملكة المتحدة إلى مجلس الأمن ، بغرض حماية المدنيين وإيصال المساعدات الإنسانية في السودان. ولم يخف على أحد الفرح الغامر الذي انتاب سلطة الأمر الواقع المصرة على استمرار الحرب لتعويض ما خسرته وتأكيد وجودها في الخارطة السياسية عند حدوث تسوية، وحديث منسوبيها عن النجاح الدبلوماسي الذي حققته، وتصريحات الشكر التي اطلقتها للدول الصديقة التي وقفت معها، في حين ان مشروع القرار صوتت معه اربعة عشر دولة ، ووقفت ضده دولة واحدة وليس دول، هي روسيا الاتحادية!! ساعد في تمرير هذا الوهم ، تسبيب روسيا قرارها استخدام حق الفيتو بنقدها للمشروع انطلاقا من أن المختص بحماية المدنيين هو سلطة الأمر الواقع ، متناسية فشل هذه السلطة الذريع في القيام بهذا الواجب بل قصفها المباشر للمدنيين، وملمحة إلى مبدأ سيادة الدول الذي تنازلت عنه علنا لمجلس الامن بموجب ميثاق الامم المتحدة، عند حدوث تهديد للأمن والسلم العالميين. ويبقى السؤال هل حقا استخدمت روسيا الفيتو لحماية سلطة الأمر الواقع (الصديقة)، التي نجحت دبلوماسيتها في إقناعها لإسباغ هذه الحماية؟ والإجابة حتما لا! فروسيا لم تستخدم حق النقض "الفيتو" إلا لحماية مصالحها المباشرة، وهذا ما فعلته هذه المرة أيضاً ، وفقا لحساباتها هي ، دون تدخل من دبلوماسية سلطة الأمر الواقع ، التي يرغب وزير خارجيتها الجديد في فتح البلاد للقواعد الأجنبية المنتقصة للسيادة، في مقارنة لبلادنا بجيبوتي بدلا من مقارنتها بسوريا ودور قاعدة طرطوس الروسية في صراعها السياسي الداخلي!!
(٢)
موقف روسيا أتى في سياق موقفها من الحرب في السودان، ومدى تحقيق مشروع القرار المقدم من المملكة المتحدة لمصالحها من عدمه، وفي إطار المحافظة على علاقة متوازنة مع طرفي الحرب في السودان "الجيش المختطف والجنجويد" معا، لا الانتصار لأي منها، بمستوى يضمن لها استمرار انسياب وصول الذهب المهرب، مع الحصول على قاعدة عسكرية على البحر الأحمر، مع تواجد في قلب أفريقيا يأتي خصما على نفوذ الدول الاستعمارية التقليدية. فإستخدامها لحق النقض "الفيتو"، يأتي في إطار الحفاظ على توازن الضعف وتحقيق المصالح الروسية ، ولا علاقة له من قريب أوبعيد بمصالح الشعب السوداني. فهو من ناحية يحمي حكومة الامر الواقع من الفصل بين القوات وتكريس هزيمتها باعتراف بسيطرة الجنجويد على المواقع المسيطر عليها من قبل المليشيا، ومن ناحية ثانية يحمي الجنجويد من الإدانة بجرائمهم والتعرض للمساءلة عنها. وبالتالي روسيا حافظت على علاقتها بالطرفين ، وضمنت الموافقة على القاعدة العسكرية من سلطة الأمر الواقع ، ومواصلة تهريب الذهب من الجنجويد، فهي حمتهم معا. فروسيا - على عكس الدول الغربية- لا ترى أن طرفي النزاع في حالة توازن ضعف يسمح بفرض تسوية تحقق اهدافها في الوقت الراهن، وأن كفة هذا التوازن تميل إلى أحد الطرفين، وأن ايقاف الحرب سيخلق واقعا جديدا فيه نفوذ أوسع للدول الغربية، سوف يهدد مصالحها بشكل مباشر، في حين أن الدول الغربية ترى ان توازن الضعف وصل مرحلة تسمح بإيقاف الحرب وفرض التسوية التي ترغب فيها. ففي حين ترى روسيا ان استمرار الحرب يسمح لها بتحقيق مصالحها بصورة أفضل ، ترى الدول الغربية عن فصل القوات يحقق مصالحها بصورة أفضل. والصراع والكباش هنا حول أي مستوى من توازن الضعف يرغب فيه كل طرف لتحقيق مصالحه، وهو لا علاقة له بمصلحة شعب السودان او حماية المدنيين او توصيل المساعدات الإنسانية ، فهذه أمور تستخدمها الدول في سبيل تحقيق مصالحها، وتحققها في حال حدوثها كغطاء مقبول لهذه المصالح.
(٣)
والبعض يرى ان روسيا قد نجحت في هزيمة الدول الغربية كما ارادت، وردت الصاع صاعين للولايات المتحدة الأمريكية ، التي اصدر رئيسها أمرا رئاسيا قبل برهة من التصويت على مشروع القرار، يسمح فيه لأوكرانيا بمهاجمة عمق الأراضي الروسية، بإعتبار أن استخدام حق الفيتو جاء ردا على ذلك بالاساس. ودون اهمال اثر مثل هكذا قرار على الموقف الروسي، لكن هذه الإمبرياليات لا تتعامل في علاقاتها الدولية بردود الأفعال ، فهي قد تدير حربا ساخنة في مكان ما من العالم ، وتدخل في تسوية وتقسيم ريع منهوب في مكان آخر منه. فروسيا استخدمت حق الفيتو لحماية مصالحها في السودان ونهبها لموارده الاقتصادية والاجتهاد في الانتقاص من سيادته عبر الحصول على قاعدة عسكرية تؤكد وجودها في المياه الدافئة، وتكسر احتكار الولايات المتحدة الأمريكية للبحر الأحمر ، دون اهمال لرغبتها في تكريس توازن دولي يقوم على التهديد المباشر للمصالح في مناطق مختلفة ، كعقاب على تهديد مصالحها الوطنية المباشرة والإخلال بأمنها. وفي تقديرنا ان الدول الغربية لن تستسلم للهزيمة، لأن أمامها ثلاثة خيارات هي :
١- اللجوء للجمعية العامة للامم المتحدة واستصدار قرار بنفس الصيغة.
٢- استصدار القرار من منظمة الوحدة الأفريقية او الايقاد - وهو السيناريو الأسهل والأقل تكلفة.
٣- اخذ القانون باليد والتدخل العسكري بزعم ان هناك خطر على السلم والامن الدوليين كما تم في العراق.
وخلاصة ما تقدم هو أن الفيتو الروسي لم يستخدم لمصلحة شعب السودان ولا لمصلحة سلطة الأمر الواقع ، بل تم استخدامه لحماية مصالح روسيا وعلاقتها الممتازة بالطرفين المتحاربين معا. والمطلوب هو عدم اضاعة الوقت في إنتظار قرار دولي او فيتو يمنعه، بل النظر إلى الداخل لتكوين الجبهة القاعدية العريضة لايقاف الحرب، لتصبح الأداة الرئيسة لايقافها، المؤثرة في القرارات الدولية وفي استخدام الفيتو معاً ، حتى لا يضيع شعبنا في سياق صراع استعماري صريح، هدفه نهب الموارد وتكريس التبعية.
وقوموا إلى ثورتكم يرحمكم الله !!!
22/10/2024

15/11/2024

الجنجويد منظمة إرهابية
د. أحمد عثمان عمر
(١)
ينادي الكثير من أبناء الوطن الشرفاء بإعلان مليشيا الجنجويد منظمة إرهابية، ويحاول أنصارها المعلنين والمستترين التمويه على ذلك، بمزاعم متعددة أهمها أن لا تعريف محدد ومتفق عليه للإرهاب على المستوى الدولي، وأن من يراهم البعض إرهابيون، يراهم آخرون مقاتلين من أجل الحرية. وهؤلاء المدافعون عن المليشيا المجرمة، ينسون أن قانون مكافحة الإرهاب السوداني الصادر في العام ٢٠٠١م، قد عرف الإرهاب تعريفا واسعا يسمح بتوصيف أفعال هذه الجريمة بل والحكم على قيادتها ومنسوبيها بعقوبات تصل الإعدام في منتهاها. فالمادة (٢) من القانون المذكور، تنص على أن الأرهاب هو كل فعل من افعال العنف أو التهديد يقع تنفيذا لمشروع إجرامي فردي او جماعي يهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم بإيذاءهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بالأموال العامة أو الخاصة أو بأحد المرافق العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو تعريض أحد الموارد الوطنية أو الاستراتيجية للخطر. والتعريف الذي وضع بالأساس لقمع المعارضين للحركة الاسلامية ونظام الانقاذ حينها، ينطبق على جميع افعال مليشيا الجنجويد المجرمة، ويؤسس لتجريمها وادانة قيادتها ومنسوبيها بالجرائم الواردة بالقانون المذكور، والبينة متوفرة وبكثافة لهذه الإدانة.
(٢)
حتى القانون الدولي في محاولاته لتعريف الإرهاب، يسمح بتوصيف مليشيا الجنجويد المجرمة على أنها منظمة إرهابية. فالاتفاقية الدولية لمكافحة تمويل الإرهاب الموقعة في ديسمبر ١٩٩٩م تعرف الإرهاب بأنه أي عمل يهدف إلى التسبب في موت شخص مدني أو أي شخص آخر أو إصابته بجروح بدنية جسيمة عندما يكون هذا الشخص غير مشترك في أعمال عدائية في حالة نشوب نزاع مسلح. جميع أعمال المليشيا المجرمة تقع تحت هذا التعريف، فهي قتلت وجرحت وشردت واغتصبت المدنيين الذين لا علاقة لهم بأي أعمال عدائية من قريب أو بعيد. والتوسع في تتبع دراسة الأمر من ناحية قانونية، يؤكد لا محالة أن المليشيا المجرمة، ترتكب أفعالاً إرهابية وفقا للقانونيين الوطني و الدولي، مما يؤسس للمطالبة بإعلانها منظمة إرهابية. وإن كان من المفهوم عدم إعلانها كذلك على مستوى دولي حتى الان بإعتبار أنها مسنودة من دول إقليمية منخرطة في مشروعات دولية، فمن غير المفهوم عدم تقديم قياداتها ومنسوبيها إلى العدالة من قبل سلطة الأمر الواقع في بورتسودان حتى هذه اللحظة!! فتلك السلطة حركت إجراءات ضد القوى المدنية المعارضة وزعمت تقديم طلبات لإحضارها للمحاكمة عبر الإنتربول، لكنها لم تفتح بلاغات تحت قانون الإرهاب ضد قيادة المليشيا المجرمة التي تتهم القيادات المدنية بالتعاون معها!! ويبدو أن الهدف سياسي تفاوضي مستقبلي، لكنه يفصح تماما عن بعد المسافة بين سلطة الامر الواقع والمدنيين، وقربها بين طرفي اللجنة الامنية للانقاذ المتحاربين.
(٣)
وقد يتساءل البعض عن فائدة إعلان المليشيا المجرمة كمنظمة إرهابية على مستوى دولي والتمهيد لذلك بإجراءات محلية ضدها، طالما أنها مستمرة في القتل والترويع والتجويع والاستباحة، والإجابة هي أن هذا الإعلان يحجم هذه المليشيا المجرمة ويضر بها ضرراً بالغا. فهو سيضيق من تعاون الدولة الاقليمية الداعمة لها، والتي ستصبح في حرج كبير وحذر في دعمها بالسلاح والمال، لأن اكتشاف هذا الدعم الذي لم يعد بالإمكان إخفاءه، ودفع سلطة الامر الواقع إلى إيداع شكوى ضدها لدى مجلس الامن، يعني تصنيفها دولة راعية للارهاب. كذلك الإعلان يسمح بمحاصرة قيادة المليشيا المجرمة وتقييد حركتها، ويعزز فرصة نظر الدعاوى ضدها وفقا لمبدأ الاختصاص العالمي لدى بعض الدول، ويؤسس لحظر دخول قياداتها للدول، وإصدار عقوبات فردية ضدهم. كذلك الإعلان يسمح بتتبع هذه المليشيا دوليا ويمنع الدول المجاورة من تقديم اي تسهيلات لها، وسيساعد في محاسبتها ومحاسبة منسوبيها داخليا حين يحين موعد المحاسبة على الجرائم المروعة التي ارتكبتها ويقيننا انها أقرب مما يتصور المجرمون.
فإعلان منظمة تفتقر للمشروع السياسي والدعم الشعبي، وترتكب جرائم يندى لها الجبين ضد المدنيين العزل، يجردها من عوامل الأمان المتوهمة المحيطة بها، ويمنعها من نيل المساعدة من الدول التي تدعمها سرا وعلانية، ويحشرها في زاوية ضيقة ويقيد حركتها وحركة داعميها. وهو ايضا يلغي وجودها في الخارطة السياسية مستقبلاً، ويمنعها من رسملة تقدمها في الميدان سياسياً، ويجعل سلوكها أثناء الحرب وبالا عليها ويحملها نتائجه القانونية والسياسية معاً.
(٤)
وتخوف البعض من تداعيات إعلان المليشيا المجرمة منظمة إرهابية على دولة السودان نفسها، أمر مقدر ومفهوم بالطبع. وذلك لأن الوثيقة الدستورية المعيبة سارية المفعول، شرعنت هذه المليشيا المجرمة وجعلتها والجيش المختطف على قدم المساواة كطرفين للمؤسسة العسكرية الوطنية، وهذا هو أحد أكبر رزايا تلك الوثيقة، التي يتحمل وزرها الجيش المختطف وقوى الحرية والتغيير معا بلا شك. وهذا يعني ان الإعلان يضع السودان في وضع الدولة الراعية للارهاب، بإعتبار أن أحد طرفي مؤسستها العسكرية منظمة إرهابية. لكن هذا التخوف - على أهميته - مردود عليه بأن خروج السودان كدولة من وضع الدولة الراعية للإرهاب حتمي بمجرد تفكيك هذه المليشيا وحلها كما يطالب الشعب، وأن السودان بالأصل خرج من ذلك الوضع مؤخرا بعد ثورة ديسمبر المجيدة، مما يؤكد أن التحول السياسي من الممكن أن يؤسس لمثل هذا الخروج بالرغم من فداحة الثمن، وفوق ذلك دولة السودان في وضعها الحالي ليست دولة بالاساس حتى ترعى الأرهاب او لا ترعاه. فمخاطر عدم إعلان المليشيا كمنظمة إرهابية، أكبر من مخاطر اعتبار السودان دولة راعية للإرهاب الذي مازال المواطن يعاني من تبعاته أصلا.
والمطلوب هو القيام بحملة واسعة من قبل القوى المدنية السودانية المتمسكة بثورة ديسمبر وأهدافها، للمطالبة بإعلان المليشيا المجرمة منظمة إرهابية، حتى يتسنى عزلها وقص أجنحتها وتحجيم دعم الدول صاحبة المصالح غير المشروعة في بلادنا لها. ولا نستبعد أن تقوم بعض القوى المدنية بإعاقة مثل هذا النشاط مثلما أعاقت حل المليشيا المجرمة وقبلتها شريكا في شراكات الدم السابقة، أو على الاقل ان تحجم عن المشاركة فيه، ولكن هذا يجب ألا يوقف مثل هذا الجهد المطلوب.
وقوموا إلى ثورتكم يرحمكم الله!!
١٥/١١/٢٠٢٤

08/11/2024

غياب مؤسسة الدولة في السودان
(مقاربة نظرية)
د. أحمد عثمان عمر
(١)
يحاجج بعض المستنيرين ضد قولنا بأنه لا توجد دولة في السودان، استنادا إلى تعريف القانون الدولي القائم على تعريفها وفقا لصلح ويستفاليا ، والقائم على العناصر الاربعة (الارض والشعب والحكومة والقدرة على اقامة علاقات دبلوماسية دولية). ونحن ننطلق في قولنا من استخدام المعيار القانوني الدستوري ، لأنه المعيار الوحيد المتاح لتوصيف الدولة الحديثة وليس التاريخية من ناحية ، ولأنه يسهل النظر إلى الدولة كشخص اعتباري او مؤسسة من ناحية ثانية ، ولأنه يفصح عن مدى انهيار مؤسسات الدولة الأساسية وتفككها من ناحية ثالثة. نحن هنا بصدد مفهوم الدولة الحديثة لا الدولة التاريخية التي لم تعرف فصل السلطات، لأننا معنيين بدولة سيادة حكم القانون. إذ أن الدول الديكتاتورية في الأزمان الحالية لديها هذه السلطات الثلاث ، حتى وان كانت في الحقيقة تتغول عليها السلطة التنفيذية ، والإنقاذ خير مثال، كان لها حكومة وبرلمان وسلطة قضائية، اضمحلت الان وهي في طور التلاشي.
(٢)
فوق ذلك إذا اعتمدنا معيار القانون الدولي وليس الدستوري ( وهنا المعيار السياسي واضح)، فدولة السودان مجمدة في الاتحاد الأفريقي ، وسلطة الامر الواقع غير معترف بها من معظم دول العالم، أما داخليا فهذه السلطة الانقلابية فشلت حتى في تشكيل حكومة منذ انقلاب اكتوبر ٢٠٢١م، وافتقرت كذلك للسلطة التشريعية بفقدانها لمقومات التشريع المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية المعيبة ، والسلطة القضائية- ان وجدت- . سلطة الامر الواقع هذه تسيطر على حوالي ٢٠٪؜ من مساحة أراضي البلاد ، لأن ٧٠٪؜ منها يسيطر عليه الجنجويد، والباقي يسيطر عليه الحلو وعبدالواحد. وهي بذلك لا تستطيع بسط سلطتها على أراضي الدولة التي تشكل احد مقومات الدولة وفقا للقانون الدولي وللتعريف السياسي.
أما المحاججة ضد قولنا بالتأكيد أن معيار احتكار العنف لماكس فيبر غير تاريخي ، لا يعيب قولنا بأي صورة من الصور، لأن المعيار مخصص للدولة الحديثة الراهنة وليس للدول التاريخية، وهو معيار يطبق على الدولة الوطنية التي أنشأتها البرجوازية الأوروبية ، والتي اصبحت معيارا لمفهوم الدولة في العلوم السياسية والقانونية.
لذلك لا مناص من استخدام المعيار القانوني الدستوري لمعايرة الدولة من حيث الوجود والعدم في عصرنا الحالي، بإعتبار أنه لا يمكن الفصل بين القانون والسياسة تعسفيا، كما أنه لا بديل عن استخدام معيار ماكس فيبر الذي تتبناه العلوم السياسية والخاص باحتكار استخدام العنف، بإعتباره السمة الأساسية للدولة الحديثة لا الدولة التاريخية، فنحن لسنا بصدد دولة الفونج او المهدية، لكننا بصدد دولة التمكين الراهنة الموجودة في القرن الحادي والعشرين.
(٣)
التمسك بنتاج صلح ويستفاليا والاكتفاء بالتعريف السياسي الذي يأخذ به القانون الدولي - حق مشروع بالطبع- لكننا نرى ان الاكتفاء به يقود إلى قصور، وذلك لأن النظريات متباينة حول طبيعة علاقة القانون الدولي بالقانون الداخلي الوطني ، وخصوصا على المستوى الدستوري. فالدولة وجودها في المجتمع الدولي يعتمد على التعريف الويستفالي وعناصره الأربع بحق، لكن هذا الوجود على المستوى الدولي لا يحقق وجودها الفعلي في ارض الواقع بغياب دولة دستورية بأجهزتها الثلاث المرتبطة بمبدأ فصل السلطات ونظرية سيادة حكم القانون. وقبل ان نترك هذا المقام، دعونا نكرر أن الدولة الحالية في السودان الاعتراف الدولي بها وقدرتها على إقامة علاقات دبلوماسية قاصر وغير مكتمل، فهي مجمدة في المنظمة الاقليمية الاساسية (الاتحاد الافريقي) ، وسبق وان تمرد عليها سفراءها في عدة دول بعد الانقلاب الأخير ، وكثير من الدول لا تعترف بسلطة الامر الواقع القائمة بها المناط بها اقامة العلاقات الدبلوماسية. وفي تقديرنا أن معيار التقسيم الثلاثي الدستوري، لا يتعلق بالمستوى الثالث فقط (الحكومة) إلا إذا نظرنا اليه من منظور القانون الدولي فقط ، بإعتبار أنه حاكم لوجود الدولة وأخذنا بنظرية الوحدة الكاملة بين القانونيين الدولي والوطني مع سيادة القانون الدولي (monism) ، أما إذا أخذنا بنظرية الازدواجية بين المستويين (dualism ) ، يصبح هذا الربط واعتبار التقسيم الثلاثي مجرد تمظهر للدولة يتعلق بجهاز الدولة غير صحيح بالمطلق ، وفيه خلط بين وجود الدولة على مستوى دولي باعتباره أمر حاسم ونهائي، واهمال تام لوجودها الدستوري الداخلي. وهنا تتساوى الولايات المتحدة الأمريكية مثلا، مع اي دولة بلا حكومة ولا سلطة تشريعية ولا قضاء ولا مؤسسات دولة، وبالتالي تصبح الدولة في الداخل مجرد تجريد (abstract). اما إذا أخذنا بالنظرية الوسيطة في القانون الدولي التي تقوم على التكامل بين القانونين الدولي والوطني - وهذا ما نأخذ به- فلا اكتفاء بالتعريف النظري العام المأخوذ به في القانون الدولي بمعزل عن الوجود الدستوري للدولة في ارض الواقع ، بإعتبار ان القانون الدولي لا يصبح جزءا من القانون الوطني إلا عبر الانضمام والاستدخال (incorporation ) ، وفي غياب الوجود الدستوري الفاعل للدولة، يصبح وجودها الويستفالي وجودا نظريا يفتقر إلى الفاعلية والوجود الحقيقي في ارض الواقع ، ويصح عندنا ان القول بأنها غير موجودة لتخلف عناصر وجودها الدستوري الفاعل ، والخلل بنظرية التكامل المحددة لوجودها في القانون الدولي ، أخذا بنظرية التكامل بين القانونين الدولي والوطني عند فقهاء القانون الدولي نفسه ، وتأسيسا على الجدل حول القانون الدولي وهل هو قانون بالفعل ام سياسة، وعلى ضرورة عدم الفصل المتعسف بين القانوني والسياسي والتي توفرها نظرية التكامل بين المستويين الدولي والوطني ، والقانون الدولي والدستوري ، وأخذهما معا في الاعتبار.
(٤)
لذلك حكومة (سلطة الامر الواقع) ، لا وجود لها من وجهة نظرنا من ناحية دستورية، بإعتبار ان الانقلاب لم يلغ الوثيقة الدستورية المعيبة، ووفقا لها السلطة الحالية غير دستورية ، وبالتالي غير موجودة دستوريا وباطلة وهذا من ناحية قانونية. ومن ناحية سياسية، هي لا تحكم الارض الموجودة وفقا للقانون الدولي نفسه والتعريف الويستفالي ، بل تحكم فقط ٢٠٪؜ منها ، في حين ان الجنجويد المجرمين يحكمون حوالي ٧٠٪؜ وهم سلطة الأمر الواقع في ذلك الجزء الواسع من البلاد، كذلك الجنجويد والحلو وعبدالواحد، ينازعونها بل ويتفوقون عليها في استخدام العنف بصورة واضحة، وهذا معيار السلطة الذي تأخذ به العلوم السياسية وفقا لماكس فيبر كما سبق وان أشرنا، بالإضافة إلى ذلك تغيب السلطة التشريعية والقضائية وينهار البناء الدستوري بكامله ، فتصبح الدولة غير موجودة قانونيا وسياسيا من وجهة نظرنا المتواضعة. فسلطة الأمر الواقع وحكومتها المكلفة مؤخرا ، مجرد سلطة أمر واقع مثلها مثل الجنجويد المجرمين وليست دولة بكل تأكيد. والمطلوب من وجهة نظرنا هو الإقرار بعدم وجود دولة حالياً ، والعمل على اعادة بنائها من الصفر، عبر تكوين جبهة قاعدية تنجز هذه المهمة. قد يكون اجتهادنا خاطئا، لكنه يشكل منتهى قدرتنا، ومساهمة متواضعة منا في حدود الاستطاعة . وينسحب على ذلك القول بأن الجيش المختطف يحافظ على وجود الدولة قولاً خاطئاً ، لأنه لا توجد دولة بالاساس في الواقع ، لا لأنه يخدم مشروع تنظيم بعينه فقط يمكن هزيمته بعد التعاون معه للحفاظ على الدولة. وهذا الموقف المضلل والزعم الخاطئ، لا مناص من الوقوف ضده، حتى لا يقود كثير من الوطنيين للتعاون مع عدو السودانيين ليستمر تمكينه على رقاب الناس. فالمطلوب هو الوضوح النظري والثبات في دعم الثورة والحفاظ على جذوتها مشتعلة.
وقوموا إلى ثورتكم يرحمكم الله!!
8/11/2024

01/11/2024

الحرب مؤامرة إمبريالية أم صراع داخلي يوظفه الخارج؟
د. أحمد عثمان عمر
(١)
يسعى بعض المثقفين الوطنيين الذين يدعمون الجيش المختطف والحركة الإسلامية بالتبعية ، إلى تبرير موقفهم هذا بالزعم أن الحرب الراهنة هي حرب إمبريالية ضد وجود الدولة وفي سعي لتفكيكها ، مما يستلزم دعم مؤسسة الجيش المختطف للحفاظ على مؤسسة الدولة. وهذا التبرير قد يريح البعض ويعطيه وهم أنه يدعم الجيش المختطف للحفاظ على بقاء الدولة والنضال ضد المخطط الاستعماري والمؤامرة الإمبريالية ، ويعفيه من رؤية موقفه الداعم للحركة الإسلامية التي أشعلت الحرب بهدف الاستمرار في التمكين وحماية مكتسباته. وتوصيف الحرب الراهنة بأنها حرب إمبريالية خاطئ بكل تأكيد ، وليس في هذا القول تبرئة للإمبريالية او زعم بأنها ليس لديها مشاريع تقسيمية، بل إنطلاقا من حقيقة بسيطة هي أن أي حرب داخلية هي امتداد للسياسة الداخلية وللصراع الاجتماعي في المجتمع أولاً استنادا لتعارض المصالح الطبقية والفشل في حل التناقض بصورة سلمية ثانياً، حتى يمكن للإمبريالية او الخارج من توظيفها حسب مشاريعه ثالثا. وتأسيسا على المشروع المعلن للإمبريالية منذ هبوط برينستون ليمان الناعم وحتى تاريخه ، وبناءا على سلوك الطرفين المتحاربين في أرض الواقع ودور الدول الإمبريالية في دعمهما معا لاستمرار الحرب وإنهاكهما وفرض برنامج المجتمع الدولي التسووي القائم على شراكة الدم بين الطرفين المتحالفين والتيار المدني التسووي المنخرط في مشروعه. فالزعم بأن هذه حرب إمبريالية صرفة ضد الدولة ووجودها ، يتجاهل الصراع الاجتماعي الداخلي جملة وتفصيلا ويعتبره مجرد إمتداد لمؤامرة دولية، ويتناسى سلوك المجتمع الدولي السابق للحرب والمستمر أثناءها ومبادراته في اتجاه وقفها وموقفه المعلن منها، ويلغي ارادة اطراف الحرب ومشاريعهما وارتباطاتهما الاقليمية ، كما يتوهم بأن هنالك دولة بالاساس من الممكن الحفاظ عليها بدعم الجيش المختطف، الذي يفترض أنه يقاتل الان للحفاظ على هذه الدولة ضد المشروع الامبريالي الشرير!! وهذا الفهم خاطئ لأن المشروع الامبريالي حاليا معلن وليس سريا ، ولأن الجيش المختطف يقاتل علنا من أجل الحركة الإسلامية ومشروعها ، ولأن الدولة المتخيلة اضمحلت وانهارت مؤسساتها بالفعل.
(٢)
مشروع المجتمع الدولي أو الولايات المتحدة الأمريكية تحديداً ، منذ برينستون ليمان هو المحافظة على دولة التمكين بعد تدجينها وتوسيع قاعدتها الاجتماعية عبر الحوار وإشراك المعارضة في السلطة السياسية ، لإدماج رأس المال الطفيلي الحاكم في الاقتصاد العالمي من مواقع التبعية، وهو مشروع تم تسميته بالهبوط الناعم. وشهدنا في هذا السياق حوار الوثبة الذي كان من المفترض ان يؤدي إلى تنفيذ المشروع وأفرغه المخلوع من محتواه، كذلك شهدنا الدعم الواسع وغير المسبوق للتسوية السياسية التي انتجت الوثيقة الدستورية المعيبة و كرست احتواء الثورة عبر شراكة الدم، وشهدنا ايضا الدعم غير المسبوق لحكومة الشراكة التي تبنت روشتة صندوق النقد الدولي ضد الارادة الشعبية وكوفئت بتحرك جاد نحو إلغاء الدين الخارجي، كما شهدنا كذلك حراك غير مسبوق لرفض انقلاب الحركة الاسلامية الثاني المعزول داخليا على المستوى الدولي والمساعدة على إفشاله، سبقه دعم لاتفاق حمدوك وبرهان لاعادة فرض الشراكة المدعوم من جوتيرش بتصريح علني ، وتبعه مجهود جبار أثمر عن الاتفاق الاطاري المؤسس لعودة شراكة الدم. ومنذ اندلاع الحرب نتيجة لاختلال توازن القوى في الاتفاق الاطاري عند محاولة تحويله لاتفاق نهائي، وانتباه الحركة الاسلامية المجرمة بأنها فقدت السيطرة فعليا على مليشيا الجنجويد المجرمة بمستوى يهدد استمرار تمكينها ، أعلنت الولايات المتحدة الامريكية ان الصراع عبارة صراع بين أجهزة الدولة وساوت بين الطرفين، وسايرتها في ذلك جميع الدول المؤثرة التي لم تعترف بسلطة الامر الواقع للجيش المختطف بإعتبارها مجرد امتداد لانقلاب الحركة الاسلامية في اكتوبر ٢٠٢١م وهي بلا شرعية، في اعلان واضح بأن المجتمع الدولي يرفض سلطة الحركة الاسلامية منفردة، ويصر على وجود سلطة بواجهة مدنية، تكرس الهبوط الناعم وتمرر مشروع المجتمع الدولي في إطار شراكة دم. ولم يقف المجتمع الدولي متفرجاً ، بل تدخل بين الطرفين المتحاربين عبر منبر جدة ومفاوضات البحرين السرية وكذلك جنيف ، ومنع انتصار أحد الطرفين على الاخر بالسماح للدول الاقليمية المنخرطة في مشروعه بدعم الطرفين للحفاظ على توازن الضعف، حتى يتمكن من فرض تسويته ومشروعه. وهذا بالطبع يأتي ايضا في اطار مراعاة الولايات المتحدة الأمريكية لمصالح الدول الاقليمية المنخرطة في مشروعها، في سياق المحافظة على مصالحها هي بالدرجة الاولى ، ويؤكد أن مشروع الإمبريالية هو دولة شراكة بواجهة مدنية تابعة ومسيطر عليها، وليس مشروع اللادولة في هذه المنطقة الحساسة او مشروع التقسيم المؤجل.
(٣)
على العكس من ذلك تماماً ، مشروع الحركة الاسلامية المجرمة المختطفة للجيش، هو استعادة تمكينها على كامل البلاد، أو تقسيمها لتحكم ما يتبقى منها. والدلالة على ذلك لا تخطئها عين، فهي من تسبب في انفصال جنوب السودان وتحوله إلى دولة عبر إصرارها على فرض دولة الشريعة الإسلامية والمشروع الحضاري، ظاهرها في ذلك قيادة الحركة الشعبية ذات الميول الانفصالية وموقف المجتمع الدولي ، كذلك هي صاحبة مثلث حمدي ودولته التي تقسم البلاد، وانصارها الان هم من يروجون لدولة البحر والنهر، وبعض منسوبيها هم من ينادون بفصل دارفور بل وكردفان ايضاً ، وهي من افتعل حرب دارفور وأباد سكانها ، وهي من أسس مليشيا الجنجويد المجرمة ، وهي من نفذ انقلاب القصر للحفاظ على التمكين وقطع الطريق على الثورة، وهي من فض اعتصام القيادة العامة لإخلال بتوازن القوى، وهي من فرض المليشيا المجرمة على التيار المدني التسووي وأجبره على شرعنتها دستوريا ، وهي كذلك مع جنجويدها من نفذ انقلاب اكتوبر ٢٠٢١م لتصفية الثورة ، وهي من أشعل الحرب الراهنة للحفاظ على مكتسبات التمكين في ظل صراع بين فئتين للرأسمالية الطفيلية مختلفان على نهب الموارد وقمع المواطن. هذه هي طبيعة الحرب وموقف طرفيها وموقعهما في خارطة الصراع الاجتماعي ، وهو الاساس لتحديد طبيعة الحرب الراهنة، والقفز فوقه للحديث عن خطر إمبريالي ، إغفال للصراع الاجتماعي الداخلي والتركيز على خطر خارجي لا يحدد طبيعة الحرب حتى ان كان موجودا ، لأنه ليس حالا وآنيا، بل هو مشروع معلن منذ زمن طويل لاعادة رسم خريطة المنطقة وفقا لمشروع برنارد لويس، الذي يستعصي على التنفيذ دون وجود صراع حقيقي داخلي يسمح بالتقسيم. فالقول بأن الحرب مجرد مؤامرة إمبريالية ، يساوي القول بأن حرب الجنوب التي تعتبر من اطول الحروب وأسبابها الداخلية معروفة هي مجرد حرب إمبريالية لفرض التقسيم. وفي هذا إعفاء للنفس من المسئولية اولاً وتبرئة لمن تسبب في الانفصال بمشروعه ثانياً وفرصة للانخراط مع احد طرفي الحرب في تسعيرها بدلا من العمل على ايقافها ثالثا، وجميعها نتائج كارثية لقراءة خاطئة، تضع كل وزر الصراعات الداخلية المبنية على مصالح واضحة التناقض ، على شماعة الاستعمار والإمبريالية ، وهما بالحتم ليسا بريئين، ولكنهما يعملان وفقا لمعادلات الصراع الداخلي ويوظفانها ، ولا يعملان من خارجها بشكل مطلق.
(٤)
الخلل المؤكد يكمن في الزعم بأن الحرب الماثلة حرب إمبريالية ضد وجود الدولة ، هو توهم وجود دولة في المقام الاول. فالدولة التي صادرتها الحركة الاسلامية المجرمة، فقدت جميع مقوماتها كدولة بسقوط سلطاتها الثلاث! والسلطة الحالية هي شبه دولة وليست دولة، فهي لا تنفرد بإستخدام العنف بصفة شرعية كما تتطلب الدولة وفقا لماكس فيبر، إذ تنازعها مليشيا مجرمة سلطتها وتنتزع منها معظم أراضي الدولة. وهي بلا سلطة تشريعية بعد أن تم حل مجلس الوزراء المعين وفقا للوثيقة الدستورية المعيبة ، والذي كان يشرع مع مجلس السيادة المحلول ايضا ، وهما معا كانا يمثلان السلطة التشريعية في غياب المجلس التشريعي بالرغم من تجاوزهما القيد الزمني لسلطاتهما. اما الهيئة القضائية غير المستقلة التابعة للانقاذ ، فهي غير موجودة في اكثر من 70% من أراضي البلاد التي تحتلها المليشيا المجرمة، وفيما تبقى من بلاد هي مؤسسة تابعة كليا للحركة الاسلامية المجرمة وموظفة لخدمة اهدافها السياسية (انظر مثلا قرار رئيس القضاء الاخير بتكوين دائرة للنظر في الطعون المقدمة ضد قرارات لجنة ازالة التمكين). فإذا كانت الدولة المزعومة تفتقر للسلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية (اي سلطات الدولة الثلاث) فأين هي الدولة حتى يكون لها مؤسسات وتقوم الامبريالية باستهداف وجودها وتسعى لتفكيكها؟ الواضح لكل ذي عينين أن هذا صراع داخلي يهدد كيان الدولة بسبب أن الرأسمالية الطفيلية بفئتيها المتحاربتين معا، غير قادرة على توحيد البلاد بتوحيد نمط الاستغلال في العملية الانتاجية ، وهي قابلة لتقسيم البلاد حفاظا على مصالحها ومكتسباتها في حال فشلها في تعميم استغلالها وتطفلها على المنتجين، وحربها الماثلة هي صراع على السلطة من اجل نهب الموارد بمساعدة دول اقليمية لا تتعارض مصالحها مع المصالح الامبريالية. لذلك لا بد من فهم صحيح لطبيعة الصراع الداخلي، الذي يشكل الاساس والفرصة للتدخل الامبريالي ولتمرير المشاريع الامبريالية، وبدونه لا يبقى للإمبريالية سوى التدخل المباشر وان استدعى الامر ارسال قواتها العسكرية. والمطلوب هو فهم صحيح لمعادلة الحرب، حتى لا تصبح الامبريالية شماعة للإصطفاف مع اخطر قطاعات الرأسمالية الطفيلية المتمكنة والمختطفة للجيش والموظفة له في حربها ضد الشعب السوداني وضد رغبته في الانتقال إلى دولة تخصه عبر تفكيك دولة التمكين.
وقوموا إلى ثورتكم يرحمكم الله!!
١/١١/٢٠٢٤م

Address

شارع الصحافه زلط
Khartoum North

Opening Hours

Monday 09:00 - 17:00
Tuesday 09:00 - 17:00
Wednesday 09:00 - 17:00
Thursday 09:00 - 17:00
Friday 09:00 - 17:00
Saturday 09:00 - 17:00
Sunday 09:00 - 17:00

Telephone

+249912388181

Website

Alerts

Be the first to know and let us send you an email when منبر ثورة الوعى posts news and promotions. Your email address will not be used for any other purpose, and you can unsubscribe at any time.

Contact The Business

Send a message to منبر ثورة الوعى:

Share