أعمدة الرأي السوداني

  • Home
  • أعمدة الرأي السوداني

أعمدة الرأي السوداني Contact information, map and directions, contact form, opening hours, services, ratings, photos, videos and announcements from أعمدة الرأي السوداني, Newspaper, .

⭕والقصر  إن البرهان لفِي خُسرٍ✍️ فتحي الضَّو يقول السودانيون في أمثالهم الدارجة: (حبل الكضب قصيِّر) أي الكذب. وهو مثلٌ أ...
13/04/2025

⭕والقصر إن البرهان لفِي خُسرٍ

✍️ فتحي الضَّو

يقول السودانيون في أمثالهم الدارجة: (حبل الكضب قصيِّر) أي الكذب. وهو مثلٌ أن أردت له تطابقاً عملياً فدونك عبد الفتاح عبد الرحمن البرهان.وما عليك سوى أن تيمم وجهك شطر التكنلوجيا التي لا يُظلم عندها أحد . فلسوف يُذهلك ويُدهشك ما ستسمع وترى إن كنت من أصحاب القلوب الرهيفة. مئات الفيديوهات والمقاطع التي يمارس فيها هوايته تلك بلا رقيب ولا عتيد. فهو يكذب ويتحرى الكذب دون أن يطرف له جفن، مع أنه جاء في الأثر قولٌ بليغ: إن كنت كذوباً فكن صدوقاً.
لكن المذكور صار من فرط ولعه وإدمانه الكذب ، يتلذذ بتعذيبنا نحن عباد الله الصابرين ،ويبيح لنفسه ذلك بحسبه هو إبن جلا وطلَّاع الثنايا ، وإنه حامينا ومنقذنا من مليشيا الجنجويد الذين يستهدفون هويتنا. بالرغم من أنها طلعت من رحمه هو وليس القوات المسلحه. وبالتالي تصبح المفاضلة إما الجنجويد والموت الزؤام أو الجنرال والفردوس المفقود. ومطلوب منك أيها المواطن المغلوب على أمره ألا تسأل: هل جاؤونا من القمر أم هبطوا علينا بصبح وكان سيادته يغط في نوم عميق؟ ثمَّ بدأت القرى والمدن تتساقط كأوراق الشجر ،على مدى عام اويزيد تحت سمعه وبصره ، بينما الشعب المسكين يكابد القتل غيلة ويتجرع مرارات التشرد والمهاجر والمنافي والكرامة المُهدرة. ثمَّ خرج من مخبئه ليقول للطيبين والطيبات بأنه سيسترجع بالإبرة ما أخذته مليشيا الدعم السريع بالصواريخ والراجمات والمُسيرات.
والغريب في الأمر يا - سيدي الوالي - أن السؤال ممنوع. وهكذا إنسلخ عام ثانٍ من ظهر الشعب الكريم.وكان منافسه في الكذب ياسر العطا قال إنهما محض إسبوعين وتعود الحياة إلى طبيعتها ليتراقص فيها الشجر ويتلألأ فيها القمر.وتلك تذكرني بلعبة روسية طريفة تُسمى (البابوشكا) أو (ماتريوشكا) وهي عبارة عن مجموعة من الدمي الخشبية ذات الحجم المتناقص تُوضع الواحدة تلو الأخرى.كلما أزحت الدمية الأعلى ظهرت الأدنى بنفس الملامح والشبه، وهكذا حتى يقضي إنتهاؤها على تلاشيها..تماماً مثل تلك الدوائر التي يصنعها حجر أُلقي في بركة راكدة ، فيصنع دوائراً دوائراً تتسع حتى يقضي عليها إتساعها.
لعل الناس يذكرون للجنرال روايته التي سارت بها الركبان عن حلم أبيه ، والتي كشفت عشقه للكرسي وأصبحت مصدر تندر وسخرية وأستهزاء. فيا أيها العاشق الولهان ما جدوى حلم يجي على أشلاء ودماء وموت الآلاف من البشر، حتى لو تحقق؟ ما قيمة سلطة تبعثر الآمنين في ديارهم وتسلبهم الأمن والأمان، حتى لو جاءتك تجرجر أذيالها؟ ما جدوى حلم، حتى لو تحقق يسمع فيه المرء أنين المغتصبات ثيباتٍ وأبكاراً؟ وما قيمة الحكم حتى وإن جاء على طبق من ذهب لمن توسد ضميره ونام؟ وكيف يغمض لك جفن ودعوات المظاليم تشق عنان السماء؟
يعلم من يعرف الجنرال أن الكذب ليس مُدهشاً في سلوكه، ولكن المدهش تصديقه هو لكذبه . أنظر – يا رعاك الله - حصيلة ما جرى خلف الكواليس في شهر مارس المُنصرم ونتج عن ذلك الإهتمام الأمريكى بالملف السوداني الذي كان خاملاً فأعتلى الطاوله. وتبع ذلك مساومة تاريخية من البيت الأبيض، قضت بوقف اطلاق النار وإنسحاب قوات مليشيا الدعم السريع من الخرطوم العاصمة وأشترط أن يكون إنسحاباً آمنا حاملاً معه عدته وعتاده والشمس في كبد السماء. ويليه إستئناف المفاوضات برعاية سعودية.
كان ذلك إتفاقاً مُشدداً وبالطبع يتضمن بنوداً قاسية يصعُب الكشف عنها .المهم في الأمر وقعَّ على الإتفاق ( أسد البرامكه) وكانت المحصلة إخلاء الخرطوم من الإنس والجن لتخرج المليشيا وتمشي الهوينا عبر جسر جبل الأولياء. ومن قبل أن ينجلي غبار معداتها بدأ إعلاميو بورت كيزان في ترويج أن الخرطوم أصبحت حُرة . ولآستكمال العرض المسرحي توجه البرهان نحو القصر وصلى ركعتين بإعتباره الناصر صلاح الدين. ولأن السؤال ممنوع أيضاً، لم يقل أحد كيف هبطت طائرته في مطار ملغوم؟ولماذا القصر وحده وعلى بعد دقيقتين تقع القيادة العامة التي قيل إنه يقبع بداخلها 314 أسيراً،وعلى رأسهم المفتش العام للجيش وثُلة من الأولين وثُلة من الآخرين (تردد لاحقاً نقلهم لمكان ما في دارفور) وكيف عاد لبورت سودان والمسيرات تحوم في الفضاء كأكوام من العهن المنفوش.
الآن يا أيها الإيتام وقد أوصلنا الجنرال بطموحاته إلى برزخ اللا حرب واللا سُلم وأصبحنا رهائن عنده . وإلا فلماذا لا يستطيع أكثر من أربعين مليون سوداني أن يقولوا له ثم ماذا بعد؟ ماذا نحن منتظرون؟ وإلى متى نحن مصلوبون؟ وما الذي يدور في دماغك ونحن لا نعرف منه سوى كلام مكرور لا يغني ولا يسمن من جوع ؟ لا تحدثنا عن الحرب أيها الجنرال فقد عرفناها وخبرنا دروبها، ولا تحدثنا عن الموت فقد رأيناه وعشنا مآسيه ، ولا تحدثنا عن الدمار فقد شاهدناه بأم أعيننا. إن شئت فحدثنا عن المليارات التي تراكمت أرصدتها طبقاً عن طبق، لا تحدثنا عمَّا فعله سفهاء المليشيا، فنحن أدرى بما فعلوا بل حدثنا عن سفهاء بني قينقاع المتحولقين حولك. حدثنا عن امرأة تأكل القديد في سوق الضعين ،نزعت ما يستر عُورتها لتستثير فينا كرامتنا ونخوتنا وصمتنا المُخزي. إذ لا فضيلة مع الجوع.
حدثني أحد الأقربين منه نقلاً عن أحد المقربين إليه وقال: نحن نعلم إنه يعشق الكرسي ويدمنه وتلك نقطة ضعفه التي نعرفها .نجلس إليه نهارا ًونشجعه على القيام بخطوة دراماتيكية معروفة يتوق لها الشارع بقياسات الرأي العام ، بل ويتوق لها مسؤولون في دول شقيقة لم يكفوا عن إسداء النُصح إليه،ويجزلون له الإغراء الخاص والعام.فيوعدنا ويوعدهم خيراً. ولكن ما أن يغادروا ونغادر نحن ، وما أن يرخي الليل سدوله فيأتيه خفافيش الظلام بالتهديد والوعيد ويذكرونه بما يخشاه ويخاف عقباه فينكص على عقبيه، وندرك نحن أن كلام الليل قد محاه النهار.
البرهان أصبح غارقاً في(أحلام ظلوط ) أي أحلام (ديك أم الحسن) كما هو معروف في المثيلوجيا السودانية ، فقد أضحى أسير ش**ة السلطة، ينام على سرر مرفوعة وأكواب موضوعة ، ويزدرد من الطعام أطيبه وتنتفخ أوداجه عندما ترفع له التحية صباح مساء تلبية لرغائبه وشغفه بالسلطة، لأنه أصلاً أقبل عليها بضمير ميت وفؤاد أفرغ من جوف أم موسى، ولكنه لا يكُف عن إطالة النظر إلى كتفيه مبهوراً بالنجوم التي ترصعها ، ثمَّ يجيل النظر إلى صدره فيرى النياشين التي تزغلل العيون ، فيزداد صلفاً وغرورا" وخيلاءً، بينما الشعب الكريم ينتظر الذي يأتي ولا يأتي وقد يبس الزرع وجف الضرع وصارت الحياة قاعاً صفصفاً،!
أيها الناس: إن صمتم مُتم وإن تكلمتم نجوتم !!
آخر الكلام: لابد من الديمقراطية وإن طال السفر !
*المقال منقول بتصرف *

24/05/2024

بين السودان وهايتي... حق الأمم في أن يكون لها جيش.

يتعطل القانون، بل يُلغى، متى تحدت "عصابات" أو "ثوار" لا فرق، هذا الاحتكار للسلاح في الدولة بسيطرتهم على أرض تابعة لها

عبد الله علي إبراهيم أكاديمي وصحافي
الأحد 24 مارس 2024



.

احتلت العصابات بورت أو برنس، عاصمة هايتي، وظلت تزحف على بقية أرجاء الجزيرة، فأغلقت المطار، ونهبت الميناء النهري، والمقرات العامة، والمتاجر، وهاجمت عشرات نقاط الشرطة. وبإغلاقها للشوارع قطعت إمداد الطعام عن الناس. واقتحمت السجن وأطلقت سراح 4600 محكوم. وأقامت الحواجز على شوارع لا يجتازها أحد إلا بإتاوة معلومة. ولك أن تستعيد سيارتك المنهوبة من قبل العصابات لقاء فدية، وكذلك لفك أسر مخطوف. وقال صاحب مستوصف إنهم قلبوا عالي مستشفاه على واطيها، وأخذوا كل ما له قيمة فيه من غرفة العمليات، وأجهزة أشعة إكس، ومن المعامل، والصيدلية. وأضاف "تصور إنهم يخلعون النوافذ من المستشفيات والأبواب". وتدير العصابات الأسواق غير الشرعية للمخدرات والمنهوبات. ولما ضاق الناس ذرعاً من انتهاكاتها، انضم بعضهم لجماعة "بوا كالي" التي تقتص منهم ثأراً، وتنفذ إعدامات فورية بحق من تلقي القبض عليه من العصابات مؤيدةً من أهالي الأحياء.
وما إن فرضت العصابات في هايتي على إريل هنري، رئيس الوزراء المكلف بعد اغتيال رئيس الوزراء المنتخب جوفينال مويس (يوليو/ تموز 2021) الاستقالة قبل أسبوع وهو خارج البلاد، حتى أعلنت تحالفاً رخواً باسم "فلنعش معاً"، وهاجمت مؤسسات الدولة لإزاحة ما تبقى من الحكومة، ولمنع أي قوى عالمية عسكرية من القدوم لهايتي. ورتبت العصابات لقيام مجلس حكومي لإدارة البلد. ودعا جيمي جريزير، ضابط الشرطة السابق وزعيم عصابة "جي-9" المعروف بـ "باربكيو" (الشواء) لفظاظته، إلى "الثورة المسلحة". وكان جنح أخيراً إلى العبارة الملطفة معتذراً للناس الذين نهبت العصابات بيوتهم. وقال في مؤتمر صحافي إن خطوتهم الأولى، التي تحققت، هي الإطاحة بحكومة هنري كما كرر كثيراً، ثم يسعى بعدها لقيام دولة قوية يسودها العدل لمحاربة الفساد. وقال إنهم سيحرصون على قيام نظام أمني قوي يأذن للناس بالحركة وقتما أرادوا والعودة متى شاؤوا. فهدفهم هو أن يروا هايتي جديدة. وأبدى استعدادهم لتقديم حلول للخروج من أزمة البلاد شريطة أن يحتفظوا بشوكتهم وأن يُعفوا من المحاسبة على الجرائم التي ارتكبوها.

صدى سوداني

ليس مما ورد أعلاه إلا وله صداه مما يشكو منه سودانيون ودوائر إقليمية وعالمية، لا سيما من ممارسات "الدعم السريع" إلا من واحدة، وهي غياب أي قوة ذات شوكة ليومنا في هايتي لتتصدى لانتهاكات هذه العصابات. فخلافاً للسودان، هايتي بلا جيش ينهض لحماية مواطنيه من أذى العصابات. إذ فككت أميركا جيش هايتي في سبتمبر (أيلول) 1994 جزاء انتهاكاته بحق المدنيين وكأنها قالت، في عبارة لأحدهم، "يجب أن ينتهي عهد جلد المدنيين". وتركز تفكيك الأميركيين على فرقة الأسلحة الثقيلة الفظة في الجيش التي وُظفت للترويع السياسي وإثارة الانقلابات. ونزل تفكيك الجيش على الصفوة وعامة الناس برداً وسلاماً. فقد سقم شعب هايتي من الجيش لفرط انقلاباته. فانقلب في يونيو (حزيران) 1988 على حكومة لسلي مانيقات، وعلى حكومة هنري نامفي في شهر سبتمبر من السنة ذاتها، وعلى حكومة جان برتراند آرستيد في سبتمبر 1991. ومعروف أن آرستيد أطيح به عن الحكم للمرة الثانية في فبراير (شباط) 2004 تحت ضغط ثورة مسلحة ذات صلة بصفوة المعارضة وفي ملابسات اتهم فيها آرستيد، ولا يزال، فرنسا وأميركا بتدبير خلعه في سياقها. واستقبل الناس حل جيشهم بحفاوة بالغة، فتجمهروا حول قوة أميركية أُرسلت لحفظ الأمن ورقصوا بهجة. وقال أحدهم للصحف، "أستطيع النوم الآن قرير العين. لن يستطيعوا بعد الآن دخول منزلي ونهبي".
وبلغ السقم المدني من الجيش (أو مفهومه في غيابه) حداً قصياً، فلم يستحسنوا عرض مويس، رئيس الوزراء، أن يستعيد الجيش لوظيفته في عام 2017. وكان مويس فقد ثقته في قوة حفظ السلام الدولية التي ساء صيتها كقوة أجنبية لتعاظم خروقاتها بحق الهايتيين وضربها بأصول مهمتها عرض الحائط. وطمأن مويس شعبه أن الجيش المستعاد سيكون مختلفاً وتحت خدمة الشعب، في مثل إسعافهم من النائبات، مثل الزلازل الذي ضرب الجزيرة في عام 2010 وخربها خراباً واسعاً. ولكن شعبه، من الجانب الآخر، استرجع ذكرياته المريرة مع الجيش. فخرج في تظاهرات يحتج على عودته هاتفين "لا نريد الجيش. نريد تعليماً". وقال عمدة سابق للعاصمة إن للبلد أسبقيات أكثر أهمية من الجيش، وأن مويس ما أراد من عودة الجيش غير تأمين سلطانه.

هبوط وانحلال

تنحدر هايتي الآن إلى درك غير مسبوق حتى بمقاييسها هي. وانعدم المغيث، فشرطتها، التي هي قوة الدولة المسلحة الوحيدة، عاجزة حيلةً وتسليحاً وكادراً. وهي القوة التي رأت أميركا (التي لم تشجع على إنشاء جيش في الجزيرة منذ انحلاله)، أنها كل ما تحتاج إليه هايتي من نظم للأمن. وأنفقت عليها بسخاء. ولكن كانت محاربة العصابات فوق طاقتها. فتخلى عن الخدمة فيها منذ نحو سنتين نحو 3 آلاف شرطي من جملة 15 ألفاً. هذا عن الحل من الداخل. أما عن الحل من الخارج فحدث ولا حرج. فيمكن وصف هايتي بمقبرة التدخل الأجنبي الذي أراد انتشالها من عثراتها الكبرى. فلا تريد أميركا اليوم، ولا حتى بعد اغتيال مويس في يوليو (تموز) 2021، إغاثتها لأنها ظلت تغيث (أو تفرض نفسها مغيثاً) طوال ما كانت هايتي بلا نتيجة. فامتنعت أخيراً عن التدخل العسكري فيها حتى لا تعيد في قولها "أخطاءها التاريخية" من مثل تلك التدخلات. ولكنها لا تمانع الآن في تمويل قوة تدخل شرطية من كينيا وبلدان أخرى. ويبدو أن الأمم المتحدة من جهتها استنفدت طاقتها للتدخل المباشر لإسعاف الجزيرة. فقد كانت لها بعثات للغرض نفسه من عام 1993 إلى عام 1996 ومن 2004 حتى 2017. وجلبت البعثة الأخيرة عاراً باقياً على المنظمة تمثل في نشرها للكوليرا، واغتصاب جنودها للنساء، ونهب الدور. واكتفت الأمم المتحدة بمباركة ابتعاث كينيا لشرطتها إلى الجزيرة. وهو ابتعاث لقي معارضة محلية فتنازلت كينيا نفسها عنه مشترطةً قيام حكومة انتقالية في الجزيرة لتعمل قوة الشرطة تحت سلطتها.

"انتفاضة الحرامية"

ومع ذلك فليس من مغيث لهايتي في محنتها الراهنة سوى التدخل العسكري لما خلت هي من الجيش وقصرت شرطتها دون التصدي للعصابات. وهذا هو رأي ألكسندر كوزول من الـ"نيويورك تايمز"، فيما تواجهه هايتي في أيامها هذه التي عز فيها المعين: هل هو إجرام عصابات أم انتفاضة؟ وانتهى إلى أنه شيء من كليهما ليخرج بمصطلح "الانتفاضة الإجرامية" criminal insurgency (أو "انتفاضة الحرامية" في تعريب دقيق مستفاد من أنور السادات). فقال إن نجاح كل تدخل لإسعاف هايتي أو فشله، رهين بالإجابة على هذا السؤال. وبدا أنه قلّب في رأسه جدوى ما تواضعت عليه أميركا والأمم المتحدة من إرسال قوة شرطية كينية لاستعادة الأمن في الجزيرة. وبرأيه أن ما يعتَور هايتي هو انتفاضة مكتملة الأركان. وقال إن الدول تحذر من وصف هبة العصابات بـ "الثورة" لأنه قول له عواقبه العملية. إذ تطاول العصابات، كمشروع إجرامي، إجراءات القانون في الدولة التي تتولاها الشرطة والمحاكم. أما صفة "الثورة"، بما تتضمن من مواجهة عسكرية، فتقع ضمن نطاق قوانين الحرب. وعليه اتفق لكوزول أن استرداد الأمن في الجزيرة رهين بتدخل عسكري أميركي وجنوب أميركي لا من شرطة كينيا أو سواها. وبدت له فكرة التدخل الشرطي فطرية. وما يورطنا فيها إلا لأننا لم نحسن تشخيص ما ألمّ بالجزيرة. فالشرطة تقوم بمهمتها في حفظ الأمن في ظل وجود حكومات تحتكر العنف الشرعي في سائر القطر. ولكن يتعطل القانون، بل يُلغى، متى تحدت "عصابات" أو "ثوار" لا فرق، هذا الاحتكار للسلاح في الدولة بسيطرتهم على أرض لها. ولا مهرب هنا من التدخل العسكري لاستعادة الأرض المحتلة من يد العصابة أو الثوار. ويضيف كوزول أن التمييز بين الجريمة المنظمة والثورة قد يكون ضبابياً. ولكن كليهما شيء واحد لاستخدامهما العنف المنظم لمنازعة الدولة في سيطرتها على أرض. وعليه فما يجري في هايتي هو "انتفاضة حرامية" في رأيه.

قبح السمعة

ربما صح تطابق الحالة بين هايتي والسودان حتى في وصف ما يعتريهما ليومنا بـ "الانتفاضة الإجرامية" في نظر كثير من السودانيين. ولكنهما يختلفان في أمر عظيم وهو وجود جيش في السودان مهما قلنا عنه. فسمعته بين قطاع كبير من المدنيين لا تقل قبحاً عن سمعة جيش هايتي الهالك ولنفس السبب وهو أنه مباءة انقلابات. ولا تجد في المساعي القائمة لإحلال السلام في السودان عناية بحقيقة هذا الوجود المؤكد للجيش. فيصرفها سعاة الصلح صرفاً بقولهم إن الحرب القائمة هي بين جنرالين طموحين في معنى أنهما سواء في الركاكة، لناحية عدم استحقاق أن يكونا حيث هما.
ولكن جاء حديث توم بيرييلو، المبعوث الأميركي للسودان، لقناة "الحدث" قبل أسبوع بعرفان غير مسبوق باستحقاق الجيش. فقال إن السودانيين يريدون تشكيل جيش موحد وبدء مرحلة انتقالية. وصارت صيغة "تشكيل جيش موحد" بعد الحرب ضمن خطاب "قوات الدعم السريع"، وتحالف القوى المدنية والسياسية (تقدم)، مما يُفهم منها الاستغناء عن القوات المسلحة كما عرفناها لبناء جيش قومي مهني من أول وجديد يراعي التنوع الديموغرافي السوداني. وهو جيش مبتكر تنحل فيه القوات المسلحة، و"الدعم السريع"، وقوات الحركات المسلحة، على قدم المساواة. وهذا بخلاف ما جاء في "الاتفاق الإطاري" الذي تراضى عنده الجميع قبيل الحرب. وكان قضى بدمج "الدعم السريع" والحركات المسلحة في القوات المسلحة. وجاء برييلو بعد ذلك بعبارة لم تمر معنا في أدبيات الموقف الأميركي تجاه حرب السودان، فسمعنا للمرة الأولى منه تمييزاً أميركياً للجيش بما تخطي رأيهم في الحرب كـ "صراع جنرالين" طموحين مرذولين للاستحواذ على الحكم. فقال بيرييلو، بعد حديثه عن الجيش الموحد، إن "القوات المسلحة السودانية عمرها أكبر من عمر الدولة ولا بد من احترامها".

وهذه العبارة عن استحقاق الجيش، بأي صورة فهمناها، لفتة مهمة إلى أن ما يتهدد السودان ليس تعثر التحول الديمقراطي، بل تلاشي الدولة التي الجيش أقدم منها. فعبارة المبعوث الأميركي موقف يعيد التوازن، لا لموضوع عدالة الحرب فحسب، بل في مراقبة أداء الأطراف خلالها أيضاً ومحاسبتهم. فحق الدولة-الأمة بجيش، لا محيد عنه مهما قلنا عن أخطائه البنيوية والمهنية والعقدية. ولنا في هايتي درس في مغبة استهتار الناس بهذا الحق بعقاب الجيش الظالم بمحوه من سجل الدولة كما صار وارداً في أدب أنصار "تقدم" من المدنيين. فصدر من هايتي مطلب غير مسبوق إليه هو الحق في أن يكون لها جيش. فقال محام من الجزيرة إن لهايتي حقاً دستورياً وسيادياً أن يكون لها جيش مهني منقطع عن السياسة يحمي الأرض والعرض.
لعل كلمة بيرييلو فاتحة دولية لإعادة تبويب الأزمة السودانية بخلاف ما اتُفق للساعين لحلها طوال هذه الحرب. فبدا أن حق الأمة في جيش، بحسب ما رأينا من هايتي، صار واحداً من حقوق الإنسان.

‏أربعة استنتاجات حول حرب السوداند.الشفيع خضر سعيدالقدس العربي | 14/يناير/2024 مؤشرات عديدة جعلتنا نتوصل إلى أربعة استنتا...
15/01/2024

‏أربعة استنتاجات حول حرب السودان
د.الشفيع خضر سعيد

القدس العربي | 14/يناير/2024

مؤشرات عديدة جعلتنا نتوصل إلى أربعة استنتاجات، ليس بالضرورة كلها صحيحة، وأتمنى صادقا أن تكون خاطئة، خاصة وأنها لا تستند إلى معلومات، وإنما تولدت من تلك المؤشرات العديدة.
الاستنتاج الأول، أنه من غير المرجح أن تتوقف الحرب ويسود السلام والأمان في السودان قريبا.

الاستنتاج الثاني، أن دولا في النطاقين الإقليمي والعالمي لا ترغب في وقف حرب السودان سريعا وتريدها أن تستمر لبعض الوقت.

الاستنتاج الثالث، أنه من المرجح أن تصبح حرب السودان إحدى فتائل بدء الإشعال أو التفجير في كل المنطقة، حربا إقليمية إن لم تتوسع وتصبح عالمية.

الاستنتاج الرابع، أن تحول الحرب السودان إلى مرتع خصب للمجموعات الإرهابية عابرة القارات. وحتى لا نصنف من ضمن المتشائمين، أو نضاف إلى زمرة الشاطحين، أو نُتهم بأننا نلقي الكلام على عواهنه، نستعرض أدناه بعضا من هذه المؤشرات العديدة، المحفزة لاستنتاجاتنا الأربعة.

من ضمن المؤشرات بأن الحرب لن تتوقف قريبا، وهو استنتاجنا الأول: غياب الإرادة عند طرفي القتال، أو أن القرار ليس كله بأيديهما. أنظر فقط إلى تعاملهما المتذبذب مع منبر جدة ومنبر الإيقاد. يحدثنا تاريخ النزاعات والحروب في العالم، بأن أي مواجهات عسكرية، إذا لم تتوقف في الأيام أو الأسابيع الأولى، فسوف تستمر لفترة طويلة، وكلما استطالت الفترة كلما تضاءلت فرص الوقف الدائم لإطلاق النار. كلما طال أمد النزاع، كلما تزايدت أعداد المجموعات المسلحة الخارجة عن سيطرة قياداتها المركزية، وتبدأ تتصرف جزئياً مثل قطاع الطرق؛ والبعض يحاول حسم النزاعات القديمة على الموارد في منطقة معينة، وهولاء، إضافة إلى المقاتلين من خارج السودان، في الغالب يرغبون في استمرار الحرب لأنها المصدر الذي يتكسبون منه الأموال. مع دعاوى الاستنفار والمقاومة الشعبية المسلحة، تتزايد الطبيعة القبلية للحرب، ويعلو خطاب العنصرية والكراهية، وينتشر القتل على أساس الهوية والإنتماء السياسي، وهذا يصعب كبحه ويطيل من أمد الحرب أو يجددها إذا توقفت ما لم تعالج الأسباب. تعثر وحدة القوى المدنية وعلو صوت الأجندة الأجنبية وسطها مما يعيق تلمسها الدرب الصحيح والذي يساعد في توقف القتال.
الاستنتاج الثاني حول أن دولا، في الإقليم والعالم، تريد أن تستمر الحرب ولا تتوقف سريعا تولد من
المؤشرات التالية: استمرار تدفق الأسلحة إلى الطرفين، ومن دول في الإقليم وفي العالم، دون أي نية أو اتجاه لحظر ذلك من الدوائر العالمية ذات القدرة، مما يعني تشجيع استمرار القتال. أراضي السودان حبلى بالمعادن الثمينة المطلوبة عالميا. ولكن ربما الأهم من ذلك تميزها بالخصوبة ووفرة المياه مما يجعلها من ضمن الحلول التي يعتمدها العالم للتغلب على أزمة الغذاء التي تضربه حاليا والتي ستصل القمة بحلول العام 2050. وفي تقرير صادر في العام 2004 عن مركز الدراسات الاستراتيجية العالمية ومقره واشنطن، بعنوان «سودان ما بعد السلام» وُصف السودان بالدولة الفاشلة والتي تحتاج إلى إعادة تشكيل وإبدال، عبر الاستحواذ على أراضيه، ولو بالوكالة. لذلك فإن استمرار الحرب يعني استمرار الفشل حتى يتفتت السودان وتتقاسمه عدة دول. * يحتل السودان موقعا رئيسيا في مخطط إعادة تقسيم المنطقة على أساس مشروع «الشرق الأوسط الجديد». والفوضى الخلاقة هي الآلية الرئيسية لتنفيذ هذا المشروع حتى يتم إعادة تقسيم المنطقة، والسودان، إلى دويلات دينية ومذهبية ضعيفة ومتصارعة، وعدم الرغبة في توقف الحرب يخدم هذا المخطط. فيما عدا التصريحات والإدانات لا يوجد دعم قوي من الدول والدوائر العالمية المتنفذة، وخاصة من الولايات المتحدة الأمريكية، لمنبر جدة.
الاستنتاج الثالث، حول إمكانية اتساع القتال وتمدده إقليميا وعالميا، تولد من المؤشرات التالية: موقع السودان الجيوسياسي يهدد بانتشار القتال إلى دول المنطقة، وخاصة بعض الدول المجاورة التي تعاني أصلا من هشاشة البنية التحتية والتوترات وضعف الاستقرار الأمني. الأنظمة المستبدة «المكنكشة» على كرسي السلطة، بعضها يسعى إلى الاستفادة من خدمات المنظمات المسلحة مثل فاغنر لتحقيق أهدافها، وبالتالي من الممكن أن تشتعل المنطقة إذا ما قررت فاغنر الدخول في حرب مع منظمات مسلحة أخرى، في إطار الصراع على السلطة. * إذا استطال أمد الحرب، فبالإضافة إلى تحولها إلى حرب إقليمية واسعة النطاق، قد تنجر إليها بعض دول العالم الأخرى التي لها مصالح بالمنطقة، وذلك في ظل تضارب المصالح الاستراتيجية بين الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة، في مواجهة مصالح الصين وروسيا. * كل دول العالم تهتم بأمن البحر الأحمر، والذي تدور فيه حاليا معارك بمشاركة بعض هذه الدول. وتتنافس عدة دول لإقامة قواعد عسكرية في ساحل السودان الطويل مع البحر، وكل هذه الدول لها علاقات مع طرفي الحرب.
وجاءنا الاستنتاج الرابع، حول إمكانية تحول الحرب إلى مرتع خصب للمجموعات الإرهابية عابرة
القارات، من المؤشرات التالية: * أصلا بالسودان ومعظم دول المنطقة خلايا إرهابية نائمة تتحين الفرصة، والفوضى في السودان تحقق لها ذلك. من نتائج الحرب، انتشار الأسلحة الخفيفة والتجارة بها غير المشروعة بسبب إنشاء ممرات تهريب جديدة تعبر الدول المجاورة للسودان. الأوضاع الهشة على الحدود تعزز مخاطر وقوع الأسلحة داخل المناطق المتنازع عليها في الأيدي الخطأ، وقد تشجع هذه الحالة منظمات مسلحة أخرى ذات أهداف سياسية وأيديولوجية متشابهة على استنساخ التجربة. استمرار تفاقم النزوح واللجوء داخل بيئة ينتشر فيها الفقر وغياب الرعاية الأساسية، يوفر الظروف المثالية للتنظيمات المسلحة لتجنيد عناصر من الفئات الهشة.
الإشارة الى هذه الاحتمالات والاستنتاجات وتداعياتها السالبة، لا يعني أبدا الاستسلام، فهذا ليس خيار شعب السودان. بل يمكنها أن تمثل وقودا ودافعا قويا للقوى المدنية السودانية لتجترح الرؤية السليمة لوقف الحرب.

Address


Website

Alerts

Be the first to know and let us send you an email when أعمدة الرأي السوداني posts news and promotions. Your email address will not be used for any other purpose, and you can unsubscribe at any time.

  • Want your business to be the top-listed Media Company?

Share