15/07/2025
خارطة الطريق
ناصر بابكر
خارج الصندوق
بشكل عام فإن المريخ يسجل خلال الموسم الحالي أدنى معدل تهديفي له طوال تاريخه، حيث سجل الفريق (36) هدفاً فقط خلال (30 مباراة) في الدوري الموريتاني، وسجل في النخبة هدفين (في الملعب) خلال أربع مباريات، وهي معدلات غاية في السوء.
المؤشر الأول لتلك الأرقام، أن المريخ يعاني مشكلة على الصعيد الهجومي طوال الموسم، وهي مشكلة تتعلق من ناحية بوضع الفريق ككل، وما تعرض له من تفكيك أفقده أي هوية أو ترابط يساعد على وجود زخم هجومي، مع مشكلة أخرى تتعلق بإفتقاد الحلول الفردية والنوعية التي تحضر عبر القدرات الخاصة كما كان يفعل التش أو توني كأمثلة، وافتقاد الحلول الجماعية كذلك وهي مرتبطة بالمنظومة بطبيعة الحال التي تفككت وافتقدت التجانس، دون إغفال دور الطاقم الفني في خلق أفكار وحلول تكتيكية تعوض غياب الحل النوعي.
المشكلة الهجومية الممتدة يمكن وضعها في كفة، وما يحدث منذ تولي غريب للمسئولية في أخرى، إذ أن المريخ في فترة ميشو مثلا كان فعالاً للغاية وفتاكا في الكرات الثابتة، ومع الاختلاف على الأسلوب نفسه لكنه كان يخلق بعض الخطورة عبر الإعتماد على الإرسال الطويل لثلاثة مهاجمين طوال القامة، وهو أمر كان له تأثير سلبي على الحلول من اللعب المفتوح والممرحل.
لكن تحت قيادة شوقي غريب، فإن المريخ لم يسجل سوى ستة أهداف فقط خلال تسع مباريات في موريتانيا والسودان.. وبالتالي تراجع المعدل بشكل ملحوظ لأقل من هدف في المباراة، مع العلم أن ثلاثة من الأهداف الستة كانت من الكرات الثابتة وخصوصا في أول جولتين ما يعتبر امتدادا لعمل طاقم ميشو في هذا الجانب والذي تراجع لاحقاً وتحول لنقطة ضعف كبيرة.
الأهداف الستة نفسها من بينها أربعة أهداف في أول جولتين تحت قيادة غريب.. ثم تدهور الوضع بصورة مخيفة لدرجة أن المريخ لم يسجل سوى هدفين فقط في آخر سبع مباريات، من توقيع قباني في أول جولتين للنخبة فيما فشل الفريق في تسجيل هدف في خمس مباريات منها الثلاثة الأخيرة في الدوري الموريتاني والجولتين الماضيتين في النخبة.
الأرقام المقلقة على الصعيد الهجومي لا تتوقف عند هذا الحد، إذ يعود آخر هدف سجله لاعب وسط بالمريخ لتاريخ الرابع من مارس وكان من نصيب شيسالا (قبل أربعة أشهر ونصف) وبعدها لعب الفريق 14 مباراة بين موريتانيا والسودان دون أن يسجل لاعبي الوسط أي هدف، وهو ما يمكن فهمه من خلال اعتماد ميشو على الإرسال الطويل لثلاثي هجوم طويل القامة والغاء دور الوسط، وعدم إمتلاك غريب لأي فكرة حول كيفية خلق المساحة، واستخدام بعض عناصر الوسط ليلعبوا دور المهاجم القادم من الخلق لمهاجمة المساحات في دفاعات المنافسين عبر تبادل الأدوار مع المهاجمين.
المريخ في آخر جولتين أمام الزمالة والوادي، لعب بتنظيم 4_4_2 الذي كان يستمر به الفريق لأكثر من ٦٠ دقيقة في كل جولة.. والملاحظ أن هنالك خلل تكتيكي لا يغتفر بتواجد ثنائي المقدمة أمام الدفاع وظهرهما للمرمى أغلب الوقت بصورة تسهل أولا من مهمة أي مدافعين في رقابتهم، وتصعب ثانياً من مهمة عناصر الوسط في صناعة الفرص لهم، وتعقد ثالثاً من مهمة خلق مساحة فارغة في ظهر دفاع المنافس وعمقه لأن هذه الوضعية تصنع زحمة في العمق وتغلق المساحات وبالتالي تخدم الخصم بشكل كبير، كما أنها تجعل ألعاب الفريق مكشوفة وحلوله محددة ومن السهل التعامل معها.
الوضع أعلاه يهزم الفكرة الأساسية للعمل الهجومي التي تقوم على كيفية خلق المساحة، وهو وضع يتطلب حركة مستمرة من العناصر الهجومية وعمل مدروس لتبادل المراكز والتموضع على الأجنحة وأنصاف المساحات، كما أنه لا يعقل أن يلعب فريق بأربعة عناصر في وسط الملعب دون أن تُمنّح عناصر من الرباعي الحرية للتحول كمهاجمين لحظة العمل الهجومي، إذ لا أذكر أن لاعباً من رباعي الوسط في مباراتين دخل لمنطقة جزاء منافس واخذ وضعية مهاجم.
الاستحواذ في كرة القدم ليس غاية في حد ذاته ولو بلغت نسبته 99%، وإنما وسيلة لسحب المنافس وفتح منافذ وخلق مساحات في دفاعه، ومالم ينجح الاستحواذ في هذا الهدف فإنه يصنف مباشرة في خانة الاستحواذ السلبي، والمريخ أمس الأول كمثال وعلى مدار أكثر من ٦٠ دقيقة لم يصنع فرصة حقيقية غير فرصة أسد والتي نتجت من خطأ للمدافع في قطع الكرة لتمر من تحت قدمه.
الوضع اختلف في ربع الساعة الأخيرة لأن تحويل التنظيم إلى 4_3_3 أدى لشد الملعب وفتح مساحات في دفاع الوادي، مع تحويل عجب لمهاجم وهو الذي يجيد الحركة العرضية والطولية والتمركز بصورة مزعجة لأي دفاع، ومع دخول الأجنحة للعمق وأنصاف المساحات في مرات وترك مسئولية شد الملعب للظهيرين وهو العمل الذي أثمر عن الفرص وكان يحتاج فقط لمباغتة من بعض لاعبي الوسط لمفاجأة الدفاع الذي يركز عادة من المهاجمين ويصعب على أي دفاع التركيز مع القادمين من الخلف وهي الميزة المفقودة تماما في المريخ منذ شطب التكت وتوقف التوزة.
شوقي غريب شاهد الآن رمضان عجب في الهجوم، ومن الضروري أن يدرك أن مبيمبا لعب كثيرا كظهير أيمن إن كان يبحث عن ظهير أيمن بمواصفات محددة، كما أن كوليبالي يمكن أن يلعب في خط الدفاع، دون إغفال أن مصطفى ناجي متاح وموجود في الوسط، مع ترقب العودة التدريجية لمجتبى فيصل كخيار هجومي جيد ويمكن أن يضيف للفريق حال تقدم في الجاهزية، والمهم للغاية أن يمتلك الطاقم الفني الرؤية والقدرة على التفكير خارج الصندوق، وابتكار حلول مما هو متاح، لحين وجود ما هو أفضل، كما أن الأمر يحتاج لبعض الشجاعة والقدرة على إتحاذ قرارات صعبة وعدم الاكتفاء بالعمل النمطي والتقليدي الذي يخلو من الإبداع والذي يمكن أن يفعله أي مدرب وطني.
راجعوا شريط مباريات المريخ، حللوا الأداء، حددوا السلبيات التي تضعف المنظومة الهجومية، فكروا داخل الصندوق وخارجه في الحلول، بما يساعد على تطوير العمل الهجومي دون اخلال بالدفاع.