23/09/2025
"رؤية السودان بين النوايا المعلنة والهواجس الصامتة"
في الأيام الماضية، نظمت جامعة جورجتاون في قطر مؤتمرًا فكريًا وثقافيًا بعنوان "رؤية السودان"، بهدف تسليط الضوء على مأساة الحرب ومحاولة استشراف سبل التعافي وإعادة البناء عبر بوابة الثقافة والفن. ورغم أهمية هذه المبادرة، يظل السؤال الجوهري المطروح:
إلى أي مدى يمكن اعتبار هذه المبادرة صادقة في إبراز التنوع الاجتماعي والثقافي السوداني، وإلى أي حد تمتلك معرفة حقيقية بالتراث السوداني الواسع والمعقد الذي يعاني من سوء الإدارة والإهمال؟ وهل تمثل محاولة جادة لترميم الثقافة السودانية بجميع مكوناتها، أم أنها مجرد توظيف رمزي يسعى وراء الشهرة باسم المجتمع السوداني في هذا الظرف الحرج؟ ثم هل تنطلق من رؤية شاملة تراعي التعدد الإثني واللغوي والثقافي، أم تعيد إنتاج خطاب أحادي يركز على الثقافة احادية ويُهمّش بقية الثقافات الأخرى؟
للنظر في هذا التساؤل، يمكن تحليل المبادرة عبر المحاور الآتية:
1. النوايا مقابل المخرجات: الخطاب المعلن عن حفظ التراث يجب أن يقاس بالنتائج العملية مثل التوثيق، ودعم المجتمعات المحلية، وحماية الذاكرة الثقافية من الاندثار.
2. إشراك المجتمعات المحلية: نجاح أي مبادرة مرهون بمدى إشراك أصحاب التراث أنفسهم .
3. التعدد مقابل الأحادية: المبادرة إما أن تكون مرآة تعكس فسيفساء السودان المتعددة ، أو أن تتحول إلى إعادة إنتاج لسردية أحادية.
4. الأبعاد الأخلاقية والسياسية: ثمة مخاطر من استغلال مأساة الحرب كمنصة للشهرة الإعلامية أو تعزيز النفوذ الأكاديمي بدلًا من تقديم دعم حقيقي.
5. إمكانات الاستدامة: المبادرات الجادة هي التي تتحول إلى مشاريع طويلة الأمد لحفظ وتوثيق التراث، لا مجرد فعاليات عابرة.
إن السودان اليوم في أمسّ الحاجة إلى مبادرات صادقة تُعيد الاعتبار لثقافاته المتعددة، وتبني ذاكرة جماعية جامعة تحميها من النسيان. أما أي مبادرة لا تراعي هذا التوازن، فإنها ستظل قاصرة أمام حجم التحدي، وربما تُضيف جرحًا جديدًا إلى جراح الهوية السودانية.
✍️Omer Mohammed