
08/08/2025
فايروس الدين
في عالمٍ تتناسل فيه الأفكار كما تتناسل الفيروسات، يطلّ علينا كريغ أ. جيمس برؤية جريئة: الدين ليس مجرد منظومة إيمانية، بل هو ميمٌ تطوري، فكرةٌ وجدت طريقها إلى العقل البشري كما يجد الفيروس طريقه إلى الخلية. في كتابه فايروس الدين، لا يسعى المؤلف إلى هدم الإيمان أو مهاجمة الأديان، بل يقدم طرحًا علميًا يستند إلى علم النفس التطوري ونظرية الميمات، لفهم كيف ولماذا نؤمن.
الدين، بحسب جيمس، تطوّر لأنه يخدم وظائف نفسية واجتماعية، يمنح الطمأنينة، يخلق الانتماء، ويؤسس للسلطة. لكنه أيضًا، كالفيروس، يتكاثر ويُعدي، لا لأنه "صحيح"، بل لأنه فعّال في البقاء. الكتاب يطرح سؤالًا مرعبًا: هل نحن نؤمن لأننا نبحث عن الحقيقة، أم لأن عقولنا مبرمجة لتتقبل الميمات الدينية؟
يشرح كيف أن الطقوس، العقوبات، والمكافآت الأخروية، كلها أدوات برمجية تُعيد تشكيل الدماغ البشري. الدين لا يعيش في الكتب فقط، بل في اللاوعي الجمعي، في الخوف من الموت، وفي الحاجة إلى معنى. جيمس لا يهاجم الله، بل يحلل الظاهرة الدينية كعالم يدرس ظاهرة طبيعية.
الكتاب يفتح الباب أمام القارئ ليعيد التفكير في كل ما ورثه من معتقدات. إنه كتاب لا يُقرأ، بل يُصارع. يدوّخ العقل، يهزّ المسلمات، ويجعلنا نعيد تعريف الإيمان: هل هو اختيار، أم عدوى؟ في النهاية، فايروس الدين ليس دعوة للإلحاد، بل دعوة للفهم. والفهم، كما يقول، هو أول خطوة نحو الحرية.