
02/07/2025
المسكوت عنه
حين تبادر النساء… على الحكومة أن تستجيب
عن البازار أتحدث
بقلم: أنقوك مليك أكوك
في صالة قولدن أورشيد بالعاصمة جوبا، تجدد المشهد السنوي الذي أصبح جزءًا راسخًا من ذاكرة الحراك النسائي في جنوب السودان ،فعالية “Better Together”، التي نظمت تحت شعار أفضل معًا ، لم تكن مجرّد بازار تقليدي، بل منصة نابضة بالحياة، جمعت نساء من مختلف مجالات الصناعة والتجارة ، جئن وهنّ يحملن قصصًا من الكفاح والأمل، وعرضن مشاريع صغيرة نشأت من رحم الحاجة، ونمت رغم كل العوائق، وأهمها غياب الدعم الرسمي.
كان لافتًا حجم التفاعل في البازار ، ليس فقط من حيث تنوع المنتجات اليدوية والمبادرات التجارية، بل من خلال ما قُدّم من محاضرات ومداخلات قيّمة، ألقتها نساء شابات وقياديات خضن غمار السوق بخبرات متراكمة، واستطعن أن يقدمن رؤى متقدمة لاقتصاد أكثر شمولاً واستدامة،تحدثت بعض المشارِكات عن تجاربهن في تأسيس مشاريع في مجال التصنيع الغذائي، والمنتجات التجميل المحلية، والعطور والبخور وغيرها ، وطرحن رؤى عملية لخلق وظائف وتمكين المرأة عبر سلاسل إنتاج محلية.
كانت المداخلات مفعمة بالحكمة، وتعكس وعيًا عميقًا بالسياق الاقتصادي والاجتماعي، مما يبرهن على أن نساء جنوب السودان لا يفتقرن إلى الفكر، بل إلى الدعم والتمكين المؤسسي فقط، ورغم هذا الزخم الإيجابي، ظلّ مشهد الحضور الرسمي من الجهات الحكومية شاحبًا. نعم، كان هناك تمثيل رسمي، وتبادل للابتسامات، وعدسات التوثيق، لكن الغائب الأكبر كان السؤال الأهم: ماذا بعد؟ ما الجدوى من التقدير النظري إن لم يتحول إلى خطوات عملية على طاولة مجلس الوزراء؟ وهل يكفي الإعجاب بما عُرض دون أن ينعكس ذلك في خطط الدولة وموازناتها؟
في كل عام، تُظهر نساء جنوب السودان وشاباتها قدرة استثنائية على الإبداع والتحمل، ويقدمن صورة مُشرقة عن الإرادة التي لا تلين ،ومع كل دورة من هذه الفعاليات، يرسمن طريقًا واضحًا نحو شراكة اقتصادية عادلة، لا تزال تنتظر اعترافًا جادًا من الدولة. ولهذا، فإن الشكر وحده لا يكفي. بل لا بد أن يتحول إلى سياسات فعلية تبدأ من قمة الدولة، وتترجم إلى صناديق تمويل، وإعفاءات، وبرامج تدريب، وتشجيع للاستثمار النسائي في الريف والحضر.
لقد أكد بازار “Better Together” أن البلاد بحاجة ماسّة إلى إنشاء صندوق وطني حقيقي لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، يكون مخصصًا بدرجة أولى للنساء والشابات. وفي الوقت الذي تنفق فيه الدولة أموالاً طائلة على العطاءات والمناقصات التي غالبًا ما تنتهي في أيدي حفنة من الشركات الكبرى، تبقى النساء اللواتي يُدِرن مشاريع في أسواق كاستم، وقوديلي ، كنجوكنجو وكبري حبوبة وسوق ليبيا ، خارج هذه الدائرة، دون تمويل أو تدريب أو حتى فرصة للمنافسة.
وليس خافيًا أن كثيرًا من المشاريع التي مولتها الدولة في السابق لم تكن قائمة على خطط واقعية، وبعضها أُعطي لأشخاص لم تكن لديهم لا الرؤية ولا الجدية، فاختفوا من السوق بعد أشهر. أما هؤلاء النسوة اللاتي يعملن في الظل، فقد أثبتن أنهن الأكثر التزامًا، والأقدر على خلق قيمة اقتصادية ومجتمعية حقيقية.
ومن هنا، فإن تمكين النساء اقتصاديًا لم يعد مجرد مسألة مساواة، بل ضرورة استراتيجية لبناء وطن مستقر ومزدهر. وما شاهدناه في هذا البازار دليل قاطع على أن نساء جنوب السودان لا يفتقرن إلى الإرادة ولا إلى الأفكار، بل فقط إلى من يُصغي، ويؤمن، ويدعم.
في الختام، لا بد من القول إن البازار هذا العام لم يكن مجرد حدث عابر، بل شهادة حيّة على قدرة النساء على المساهمة في النهضة الاقتصادية والاجتماعية. وآن الأوان أن تتحول هذه الشهادات إلى برامج فعلية، تقودها الدولة لا فقط كمراقب، بل كشريك حقيقي. فحين تبادر النساء، على الحكومة أن تستجيب