25/10/2025
قرية #جبيب في #اللجاة — دراسة تعريفية تاريخية وجغرافية واجتماعية
ّاس
المقدمة
تُعدّ قرية جبيب من القرى التاريخية الواقعة في منطقة اللجاة البازلتية جنوب سوريا، وهي منطقة تتميّز بطبيعتها الجيولوجية الفريدة وبتاريخها العريق الذي يمتد إلى عصور ما قبل الميلاد. ورغم صغر حجم القرية، فإنّ لها مكانة خاصة في الذاكرة الاجتماعية والثقافية للجنوب السوري، نظرًا لتركيبتها السكانية المميزة وتاريخها المرتبط بالغساسنة.
1. الموقع الجغرافي والإداري
تقع قرية جبيب بالقرب من منطقة اللجاة، على مقربة من مدينة بصرى الشام الأثرية، وتتبع إداريًا لمحافظة السويداء، رغم موقعها القريب من الحدود مع محافظة درعا.
تحيط بها عدد من القرى مثل أم ولد، المسيفرة، كناكر، وخربا.
ويتميز موقع القرية بأنه منخفض نسبيًا عن القرى المجاورة، ما يجعلها مستجمعًا للسيول خلال فصل الشتاء. وتشكّل هذه الظاهرة عاملًا مؤثرًا في الزراعة، ونمط البناء، والحياة اليومية للسكان. كما ساهم الانخفاض في وجود أودية طبيعية صغيرة أو مجاري مؤقتة لجريان مياه الأمطار، الأمر الذي جعل الموقع مناسبًا للاستيطان منذ القدم.
2. أصل التسمية
يرجح أن اسم «جبيب» مشتق من الجذر العربي «جب / جبّ»، الذي يدلّ على البئر أو مكان تجمّع الماء.
ويعتبر هذا التفسير منطقيًا بالنظر إلى طبيعة المنطقة شبه الجافة، حيث كانت تسمية القرى غالبًا مرتبطة بمصادر الماء.
كما توجد فرضيات أقل تداولًا تربط الاسم بالتصغير اللغوي (جبيب ← تصغير «جبّ» أو «جُبَيبة») في إشارة إلى المكان الصغير أو البئر الصغيرة.
3. التاريخ والاستيطان القديم
تُعدّ جبيب من القرى القديمة جدًا في منطقة اللجاة، وتشير الدلائل التاريخية إلى أن الاستيطان فيها بدأ في العصر البيزنطي أو ما قبله (بين القرن الثالث والسابع الميلادي).
ويرتبط تاريخها الوثيق بـ الغساسنة، وهم اتحاد قبائل عربية مسيحية استقرّوا في بلاد الشام الجنوبية وأسّسوا مملكة حليفة للإمبراطورية البيزنطية.
ومن المرجّح أن تكون جبيب واحدة من المستوطنات الغسانية التي نشأت قرب بصرى الشام، مركز نفوذ الغساسنة في تلك الفترة.
4. السكان والتركيبة الاجتماعية
يتميّز سكان قرية جبيب بتركيبتهم السكانية الفريدة مقارنة بجيرانهم في حوران وجبل العرب:
- الديانة: أغلبية السكان من المسيحيين، مع وجود محدود لأسر من البدو.
- الأصول: تعود جذور العائلات المسيحية في القرية إلى الغساسنة، ويعتبر الأهالي أنفسهم امتدادًا تاريخيًا لهذا الأصل العربي المسيحي.
- اللغة واللهجة: يتحدث السكان باللهجة الحورانية القريبة من لهجة درعا، وهي تختلف عن لهجة السويداء رغم تبعيتهم الإدارية لها.
5. العادات والتقاليد
يحتفظ أبناء جبيب بعادات تجمع بين الطابع المسيحي الريفي والعادات البدوية:
- الاحتفالات الدينية: الاحتفال بأعياد الميلاد، القيامة، وأعياد القديسين، مع الصلوات والطقوس في الكنيسة.
- الضيافة والعلاقات الاجتماعية: تشتهر القرية بالترابط العائلي والكرم، والحفاظ على التقاليد المحلية.
- المطبخ والملبس: تأثير الحورانية والبدوية واضح، مع اعتماد السكان على الحبوب، البقول، ومشتقات الحليب.
6. الاقتصاد المحلي
يعتمد الأهالي على:
- زراعة محدودة: القمح، الشعير، العدس.
- تربية الحيوانات: الأغنام والماعز.
- أعمال موسمية وحضرية: بعض السكان يعملون في الوظائف الحكومية والأعمال الحرة في دمشق، درعا، السويداء.
7. الهجرة والانتشار
شهدت القرية موجات هجرة داخلية منذ منتصف القرن العشرين، إذ انتقل العديد من أبنائها إلى المدن طلبًا للتعليم والعمل.
لا تزال للقرية روابط عائلية متينة تربط المقيمين بالمغتربين، ويحتفظ المنتشرون بعاداتهم وعلاقاتهم بالقرية.
8. أقدم العائلات
رغم قلة التوثيق الرسمي، تشير الرواية الشفوية إلى أن أولى العائلات المقيمة في القرية تمتد جذورها إلى العائلات الغسانية القديمة.
ويُرجى من أبناء القرية المساهمة في توثيق أسماء العائلات والأنساب للحفاظ على الذاكرة الجماعية.
الخاتمة
- تُعدّ قرية جبيب نموذجًا فريدًا في منطقة جنوب سوريا، فهي تجمع بين:
- تاريخ قديم مرتبط بالغساسنة،
- بيئة جغرافية منخفضة معرضة للسيول،
- تركيبة سكانية مسيحية غسانية مميزة،
- تقاليد ثقافية واجتماعية متجذرة.
تمثل جبيب نافذة مهمة لفهم التنوّع الثقافي في جنوب #سوريا ودور المجتمعات #المسيحية العربية في تشكيل الهوية المحلية عبر العصور.
وأختم بالقول:
أتمنى أن أكون قد قدّمت بهذه المعلومات فائدة حقيقية لأهالي القرية العزيزة على قلبي، التي وُلدت فيها ونشأت بين حجارتها السوداء وناسها الطيبين، وأن يكون هذا الجهد توثيقًا متواضعًا يُضيء الطريق للأجيال القادمة.
الأستاذ ّاس