
07/05/2025
محاكمات النوايا وتلفيق الوقائع: ملفّات بلا أدلة وأعداء بلا جامع
في تونس اليوم، لم تعد قضايا "التآمر على أمن الدولة" مجرد ملفات قانونية، بل تحوّلت إلى مرآة عاكسة لتحوّلات سياسية خطيرة، حيث يُتهم خصوم السلطة على أساس النوايا لا الأفعال، وتُفبرك الوقائع لتبرير الإيقافات، وفق ما يؤكده عدد من المحامين البارزين من بينهم دليلة مصدق، أحمد صواب، سمير ديلو والعياشي الهمامي.
في جوهر هذه القضايا، لا وجود لأسلحة ولا تحويلات مالية مشبوهة. ما تم حجزه فعليًا هو بعض الهواتف الجوالة، وتحاليل لمكالمات هاتفية بين بعض المتهمين، فُسّرت على أنها تعبّر عن نية "وقف الانقلاب على الدستور"، بحسب تصوّر السلطة. وهي تهم – حسب هيئة الدفاع – تقوم على النوايا لا على الأفعال. الأستاذة دليلة مصدق صرحت بأن "ما يُقدّم أمام المحاكم لا يرقى إلى أدلة، بل هو مجرد كلام وتحليل نوايا"، بينما يؤكد الأستاذ أحمد صواب أن هذه القضايا "تكشف عن توظيف سياسي مفضوح للقضاء، وأن المتهم يُدان قبل أن يُسمع".
الأدهى – كما يقول الأستاذ سمير ديلو – هو اعتماد شهادات من أشخاص لا يمكن اعتبارهم شهودًا موثوقين بأي معيار قانوني. أحد الشهود، الذي أُخفي اسمه وتم تقديمه كـ"مبلّغ عن الإرهاب"، تبيّن لاحقًا – حسب تصريح محاميه – أنه لم يدلِ بأي أقوال، وأن ما نُسب إليه يرفضه تمامًا. وقد تبين لاحقًا أنه موقوف في سجن الدولة منذ مايو 2017، ما يعني أنه لم يكن على اتصال بأي من الأطراف أو الأحداث التي يشهد عليها. ورغم ذلك، تم اعتماد أقواله كدليل إدانة.
شاهد آخر، تم الكشف عن اسمه لاحقًا، موقوف هو الآخر على ذمة قضايا شهادة زور وتحريض عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أي أن القضاء نفسه سبق أن اعتبره كاذبًا، ومع ذلك تم الأخذ بأقواله. أما الشاهد الثالث، فهو سجين محكوم بخمسين سنة في قضايا إصدار شيكات بدون رصيد، استُقدم للإدلاء بشهادته أمام البرلمان، واعتمدت شهادته ضد عدد من المتهمين.
وتشير الأستاذة دليلة مصدق إلى أن استخدام أسماء مستعارة للشهود – تحت غطاء "حمايتهم كمبلّغين" – حرم الدفاع من التثبت من هويتهم، وفتح الباب أمام التلاعب الكامل بسير القضايا. "نحن لا نعلم من هم هؤلاء الشهود، ولا نعرف إن كانوا أشخاصًا حقيقيين، وهذه فضيحة قانونية"، تضيف.
وعلى المستوى السياسي، لا يقل المشهد غرابة. القضايا باتت تضم خليطًا من كل رموز المرحلة السابقة: كمال لطيف، راشد الغنوشي، نور الدين البحيري، يوسف الشاهد، نادية عكاشة... أشخاص لا يجمعهم مشروع ولا مسار، بل كثيرًا ما كانوا على خلاف سياسي أو شخصي، لكنهم اجتمعوا في هذه القضايا كما في "سفينة نوح"، كما يصفها المحامون. "السلطة تعتبر أن كل من سبقها أو عارضها هو جزء من المؤامرة، فيُلقى به في السجن ولو بتلفيق التهم"، يعلق العياشي الهمامي.
وفي هذا السياق، يشير الأستاذ سمير ديلو إلى أن إدراج اسم كمال لطيف في هذه القضايا رغم التباعد الكامل بينه وبين بقية المتهمين، إنما كان "محاولة مكشوفة لاستغفال الرأي العام واستعراض عضلات الدولة"، مضيفًا أن "الرجل لا علاقة له ببقية المجموعة لا سياسيًا ولا تنظيمياً".
هذه المحاكمات، وفق أغلب أصوات الدفاع، تكشف عن انزلاق خطير في مسار العدالة وتحويلها إلى أداة سياسية، حيث لا يُحاكم الأفراد على أفعالهم، بل على أفكارهم ونواياهم المفترضة.