23/07/2025
حين لا يستفيق الضمير إلا بعد الموت
في قفصة، مدينة الحجارة والكرامة والوجع، لفظت طفلة أنفاسها الأخيرة بعد أن أُغلقت في وجهها أبواب المستشفى… ليس لأن العلاج غير متوفر، بل لأن دفتر العلاج "منتهي الصلوحية". هكذا، ببساطة باردة قاتلة، تُصدر الحياة حكمها على الفقراء.
والدها، عبد اللطيف، رجل بسيط من أبناء هذه المدينة، يعيش على الهامش كما يعيش الآلاف. لم يسمعه أحد من قبل، لم يلتفت إليه أحد، لم يسأل أحد عن حاجته ولا عن حال ابنته. أما اليوم، وبعد أن صعدت روح الطفلة، فقد امتلأت الصفحات بمنشورات التعاطف والدعاء، وتهاطلت عروض المساعدة.
لكن مهلاً… أين كان هذا “الضمير الجمعي” قبل الوفاة؟
لماذا لا يتحرك فينا الإحساس إلا إذا خرجت جثة من المستشفى؟
هل نحن شعب لا يفيق إلا على صوت الموت؟!
إن هذه الحادثة ليست سوى حلقة من مسلسل طويل عنوانه: "المنظومة المريضة".
منظومة صحية تعاقبك على فقرِك.
منظومة اجتماعية لا تراك إلا ميتًا.
ومنظومة أخلاقية قائمة على النفاق اللحظي: نرثي الفقير بعد أن يموت، ونكتب الشعر في المظلوم بعد أن يُدفن.
✍️ الحل؟ ليس صدقة بعد الموت… بل كرامة قبل الموت.
نريد إصلاحًا حقيقيًا:
بطاقة علاج إلكترونية تُحدّث تلقائيًا.
مستشفيات تُعالج الإنسان لا الوثيقة.
إعلام يفضح الإهمال قبل أن يُرينا صور الجنازات.
مجتمع مدني لا ينتظر الفاجعة ليُبادر.
أما أهل الخير، فليس الخير في أن تعلن تبرعك الآن، بل في أن تحفظ الأرواح قبل أن تودّعها.
وأخيرًا…
يا من تألمت لموت ابنة عبد اللطيف:
تذكّر أن عبد اللطيف نفسه لا يزال حيًا، وأن كثيرين مثله يعيشون نفس المصير كل يوم…
فلنُصلح، لا نرثي فقط.
ولنُوقظ الضمير قبل الموت، لا بعده.
تبا للمنظومة الفاسدة و تبا لاستفاقة الضمير ألا في الجنائز 🤦🤦