07/21/2025
عندما بدأت كتابة خواطري السينمائية للنشر ، لجأت بعد كتابة أحد المقالات إلى صحفى محترف لأكتسب رأيه وخبرته. راقبته يقرأ المقال بسرعة فائقة ليعلق فور انتهائه بأن ما طرحته في المقال من الممكن أن ينتج عنه ثلاث مقالات بدلاً من مقال واحد. والحقيقة أننى لم أتبع هذا الرأي و قدمت المقال كما كتبته فى الأصل حتى ولو كان كما وصفها لي بكلمة "دسم"؟. فنصيحته استهدفت استفادتي الشخصية أكثر من استفادة القارئ ، ومن هنا فضلت أن أكون كاتب المقال الهاوي عن المحترف.
في السينما يواجه المخرج وكاتب السيناريو نفس المشكلة والصراع بين التطويل والاختزال. فـ في الاختزال شجاعة دائماً خاصة عندما يحترم الفنان ذكاء المتفرج في مشاركته أحاسيس ومفاهيم العمل الذي أمامه على الشاشة. وبشهادة المونتيرة "نادية شكري" التي قامت بمونتاچ جميع أفلامي حتى الآن، كم فاجأتها بقرار الحذف، وأحياناً كثيرة مشاهد بأكملها.
في فيلمي "موعد على العشاء" (إنتاج 1981) قامت فيه النجمة سعاد حسني بدور "نوال" الزوجة المطـحونة التي تبحث عن حريتها وسعادتها، وفي الجزء الأول من الفيلم نجدها تلتقي بصديقة من أيام الدراسة (قامت بدورها الممثلة إنعام سالوسة) مع طفل و زوج (قام بدوره كاتب السيناريو بشير الديك) ، ولو أن المشهد كما فى السيناريو يدور في الشارع إلا أنني قمت بتصويره بين الشارع و إحدى كافيتريات مدينة الإسكندرية. الغرض من المشهد كان إلقاء ضوء على حياة نوال ، قبل زواجها من رجل أعمال ثرى بضغط من أمها، وفي ذات الوقت احتكاك الشخصية بصديقة من الماضي، وفي وجود طفل هى محرومة منه. فجأة بعد المونتاج الأول للفيلم قررت حذف المشهد بأكمله و اكتفيت بلقطة كنت قد صورتها من وجهة نظر نوال وهي تقود سيارتها لامرأة وزوجها وطفلهما يسيرون على الرصيف الذي عبر عن جزء كبير من المعنى المقصود به في مشهد الكافيتريا. في فيلم "زوجة رجل مهم" (إنتاج 1987) بعد عزل شخصية الضابط هشام عن عمله بالمباحث (قام بدوره أحمد زكي) نفهم من الجارة التي تخبر الزوجة (ميرفت أمين) أنه اشترى سيارة واستأجر سائقاً حتى يبدو أمام سكان الحي وكأنه لا يزال محتفظاً بوظيفته وبهيبته أمام الجميع.
فـ في مشهد تتعطل السيارة على أطراف المدينة ويحاول السائق تصليحها، إلا أنه لا يكف عن تأنيب السائق بلهجة قاسية ما يدفع السائق للتمرد عليه وتركه في وسط الطريق بعد أن يطلب بأجره عن المدة التى عمل بها. الغرض من هذا المشهد كان تجسيم سقوط هشام وفي المونتاچ اكتشفت أكثر من مشهد آخر يؤكد هذا الإحساس بالسقوط وفقدان السلطة التي كانت في يديه من قبل، وبالتالي حذفت المشهد بأكمله.