26/07/2024
نشرت مجلة مرأة الغرب هذا المقال للدكتور احمد جابر حيث كان في هيئة تحرير المجلة منذ سنوات ونعيد نشره احياء لذكراه العطرة
الرجال لا يبكون- د. احمد جابر- مجلة مرأة الغرب
عبارة طالما سمعناها, وتوارثناها اب عن جد بغض النظر عما فيها من تحيز مع الذكر, وغبن بحق الانثى,الا انها بقيت راسخة في العقل الباطن للإنسان الشرقي.وعندما لم يتمالك الرئيس الأمريكي باراك أوباما ان يتغلب على دمعة سقطت من عينيه, وغصت الكلمات في حلقه, وهو يتذكر الأطفال الأمريكيين الذين راحوا ضحية لاستعمال السلاح بايدي الذين لا يستحقون ان يحملوه, رغم سماح الدستور لهم بذلك, وهو يحاول ان يقنع الشعب ليقف معه ضد اللوبي المدعوم من قبل مؤسسة البندقية الوطنية لتقنين احقية من يحمل السلاح ونوعيته والخلفية لهم. اثار ذلك في نفسي تساؤلا غريبا نوعا ما, كم مرة نزلت دموعي, وهل اعترف؟ نعم بكيت كثيرا, وفي مراحل متعددة من حياتي, ولأسباب مختلفة, بكيت وانا استمع الى الرئيس عبدالناصر وهو يلقي خطابه بالتنحي عن الرئاسة والانهزام في 67, بكيت وانا استقل الطائرة مودعا موطني الى المجهول في أمريكا, لأول مرة احسست بالرهبة, والوحدة, والغربة, بكيت وانا اشاهد محمد الدر يتشبث بابيه لعله يحميه من الرصاصة القاتلة من جندي الاحتلال بكيت على قبر باسمة عطوة زميلة العمل في الجمعية العربية الامريكية بعد مقتلها في حادث سيارة... ربما كنت المسؤول عنه بطريقة غير مباشرة. اغرورقت عيني بالدموع وانا اضع يدي والدتي في كفتي وهي في النزع الأخير في المستشفى التخصصي في عمان. ناهيك عن الكثير من المناسبات التي لا يملك الانسان الا الانفعال, والدموع.. حتى في الأفلام والمسلسلات ولكن هذا كله.. امر خصوصي لا يعرفه احد, فهو بيني وبين نفسي, ولكن ان ابكي امام الناس.. هذا هو الاحراج. نعم بكيت امام الاخرين, موقف لا أزال اذكره لحد اليوم كان ذلك في احدى جلسات" مشروع الحوار" الذي كان يضم مجموعة من الفلسطينيين, واليهود, والنصارى ممن لهم علاقة بالقضية الفلسطينية بعضهم كبار في العمر وبعضهم صغار السن بعضهم من عائلات ماتوا في الهولوكوست, وبعضهم عاش في الكيبوتسات, واخرون لهم أقارب يعيشون الان في مستوطنات الضفة الغربية , واخرون خدموا في الجيش الإسرائيلي وفلسطينيون ولدوا خارج فلسطين, واخرون اجبروا على النزوح من فلسطين.. واخرون من المخيمات واخرون تزوجوا من عرب واخرين حجوا الى الأراضي المقدسة.. الكل له علاقة بشكل او باخر بفلسطين, يجتمعون كل يتكلم بطريقته عما يجري في ارض فلسطين وطريقة تفاعله معها, عندما سأل احد المشاركين, ما هو شعورك تجاه العودة الى فلسطين, لم استطيع ان اتمالك نفسي وانا أقول كان لي حلم, عشته طوال حياتي, انتظر تحقيقه, ان اعود الى فلسطين مع اهلي واولادي لأعيش معهم في حقول القرية التي ترعرعت بها, وشجر الزيتون الذي طالما قطفته, والتين الذي كنت ناطوره وانا يافع, وكرم العنب الذي كنت اكل "حصرمه" مع الملح قبل ان ينضج, وزهر الاقحوان وزهرة اللوز والمشمش أيام الربيع.. أقول لهم هذا بلد ابيكم فلا تنسوه احسست ببعدي عن الواقع, واستحالة تحقيق الحلم, احسست بالهزيمة في داخلي فيكيت امام الجميع بصوت مخنوق, لست ادري ان سمعوا كلماتي ام لم يسمعوها, ولكني احسست براحة تغشاني ممزوجة بالخجل ووددت ان اخرج. ولكن كلمات المسؤولة عن إدارة الحوار: لا عليك ستكون بخير, ورأيت دموع الاخرين تؤازرني.. وصمت, ثم ابتسمت وقلت: اسف لم اعد احتمل الامر.
ورغم اني ادرك في اعماقي, ان البكاء ليس عيبا, وان الكثير من الكبار يبكون.. وخير قدوة لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم, كان قد بكى في مواطن كثيرة, انا لا اعني بكاء الخشية والخشوع والتقوى انما بكاء الانسان, وقد يكون بكاؤه على ابنه إبراهيم مبررا.. ولكن بكاؤه على مصعب بن عمير عندما رأه مهاجرا يرتدي الملابس الخشنة, وهو الابن المدلل الذي كان يرتدي الحرير, ويتعطر بأطيب العطور فتدمع عيناه لما آل اليه حاله لمجرد ان اعتنق الإسلام وحاربه اهله. هذا البكاء الإنساني, امام الجمهور هو قمة الإحساس بشعور الاخرين.. ومع ذلك احسست بالاستحياء ووددت لو لم افعل.
لم يبك أوباما من اجل أطفال فلسطين, ولا أطفال العراق او سوريا وليبيا واليمن فهؤلاء ليسوا بمواطنيه, ولكن لعل دمعته تثير إنسانية حكام الدول لتنقذ براءة الأطفال من براثن وحشية الظلم القابع في اعماقهم وتعيد لهم انسانيتهم ان كان عندهم في الإنسانية فيبكون بدل الدمع دما... نعم فالرجال يبكون.
الرجال لا يبكون- د. احمد جابر- مجلة مرأة الغرب