12/21/2025
في اليابان، لا تبدأ حكايات الأمانة من القوانين الصارمة، بل من مكان بسيط اسمه كوبان؛ وهي نقاط شرطة صغيرة منتشرة في الأحياء، يلجأ إليها الناس لتسليم أي شيء ضائع. هذا النظام جعل فكرة “الشيء المفقود” مسؤولية جماعية، لا فرصة للامتلاك، ورسّخ في النفوس أن الأمانة سلوك يومي قبل أن تكون واجبًا رسميًا في اليابان.
وسط هذا المناخ الإنساني، وُلدت قصة صغيرة بحجم دمية. دمية محشوة لـ«ويني ذا بوه» كانت ملقاة قرب أكياس القمامة، في مكان قد يبتلعها مع أول مرور لشاحنة النظافة. لم تكن مجرد لعبة مهملة، بل احتمالًا لدمعة طفل، أو ذكرى عزيزة في قلب صاحبها.
الشخص الذي عثر عليها لم يتجاهلها، ولم يأخذها لنفسه، ولم ينقلها بعيدًا عن مكان فقدانها. تصرّف ببساطة عميقة: وضع الدمية داخل كيس شفاف، فصلها عن القمامة، وكتب عليها بخط واضح: «غرض مفقود». رسالة صامتة، لكنها مليئة بالرحمة والاحترام.
وعند الفجر، كانت الدمية لا تزال هناك؛ نظيفة، مصونة، تنتظر صاحبها. لم تمتد إليها يد عابثة، وكأن المكان كله قرر أن يحرس أمانة ليست له. مشهد هادئ، لكنه يقول الكثير: حين تتحول الأمانة إلى ثقافة، يصبح المجتمع شريكًا في حفظ الحقوق.
ومن هنا تخرج العبرة إلينا في وطننا العربي: نحن أحوج ما نكون إلى هذه الروح. أن نرى ما لا نملكه كوديعة، لا كغنيمة، وأن نُدرك أن الأمانة تبدأ من موقف بسيط، لكنها تصنع صورة أمة كاملة. فالأوطان لا تُبنى بالكلام الكبير، بل بالأفعال الصغيرة الصادقة.