27/07/2025
بەڕێز... کارزان موراد/ لە ئەکاونتی تایبەتی خۆی لەسەر بە پارێزگا بوونی خانەقین وای نووسیووە
خانقين: المدينة الكردية العريقة التي تستحق أن تكون محافظة
صرخة في وجه الشوفينية والتهميش المتعمّد
بقلم: كارزان مراد
في قلب جبال زاغروس وعلى ضفاف نهر الوند، تتربع مدينة خانقين كواحدة من أقدم المدن الكردية وأكثرها عمقًا في التاريخ والثقافة والنضال. خانقين، التي يعود ذكرها إلى العصور البابلية والآشورية، لم تكن يومًا مجرّد قضاء، بل كانت وما زالت نواة حيوية في الجغرافيا والتاريخ الكردي، وركيزة أساسية في مسيرة التنوير والثورات الشعبية الكردية. رغم ذلك، لا تزال هذه المدينة تعاني من التهميش الممنهج والطمس الهوياتي الذي تمارسه الحكومات العراقية المتعاقبة، بل حتى الأحزاب الكردية التي نشأت من رحمها تخلّت عنها في لحظة الحاجة.
أولاً: الجذور التاريخية العميقة لخانقين
تشير المخطوطات العثمانية والوثائق البريطانية في أوائل القرن العشرين إلى أن خانقين كانت مركزًا إداريًا وثقافيًا واقتصاديًا مهمًا ضمن ولاية شهرزور. في عام 1919، كانت خانقين من أولى المدن التي شهدت مقاومة شعبية ضد الاحتلال البريطاني، وبرزت كمدينة مثقفة ومتنورة، حيث صدرت فيها جريدة "بانكي كوردستان" باللغة الكردية، وهي من أوائل الصحف الكردية في العراق. وقد أشار الرحالة البريطاني جيرترود بيل إلى خانقين في مذكراتها كمركز كردي له حضور سياسي وثقافي لافت (Bell, Letters from Mesopotamia, 1920).
خانقين لم تكن هامشية في يوم من الأيام، بل احتضنت عشرات الشعراء والمفكرين مثل عزيز پشتیوان، والملا عارف، وجميل روزبياني، وإبراهيم باجلان، الذين أسّسوا لبنية ثقافية كردية فريدة قاومت الذوبان والاضطهاد. ومع ذلك، فإن الدولة العراقية ومنذ تأسيسها عام 1921، تعمّدت تقزيم دور خانقين عبر السياسات التعريبية، والتغيير الديموغرافي القسري، وهدم الهوية الكردية لها.
ثانيًا: الثورات الكردية... وخانقين في الصدارة
لم تكن خانقين مدينة صامتة في وجه القهر، بل كانت ساحة لموجات من الثورات الشعبية والمسلحة ضد الأنظمة الاستبدادية. ففي ثورة بارزاني الكبرى (1961–1975)، خرج آلاف الشباب من خانقين إلى الجبال، وساهمت المدينة بدماء أبنائها في الدفاع عن الكرامة الكردية. وقبلها، ساهمت المدينة في انتفاضة الشيخ محمود الحفيد في عشرينيات القرن الماضي. أما في انتفاضة آذار 1991، فكانت خانقين من أوائل المدن التي حررت نفسها من سلطة نظام صدام حسين.
ورغم هذا التاريخ النضالي، فإن المدينة لم تلقَ التكريم السياسي الذي تستحقه، لا من بغداد ولا حتى من أربيل. بينما تحوّل قضاء النجف إلى محافظة بقرار سياسي خالص، بقيت خانقين رهينة حسابات طائفية وشوفينية، تُعاقَب لأنها كردية خالصة.
ثالثًا: التهميش والتآمر: من بغداد إلى بعض القيادات الكردية
من المفارقات المأساوية أن خانقين، التي قدمت آلاف الشهداء، واحتضنت أولى اللبنات الحزبية الكردية كالحزب الديمقراطي الكردستاني في خمسينيات القرن الماضي، تُهمل اليوم حتى من قبل تلك الأحزاب نفسها. كثير من القيادات التي وصلت إلى مواقعها الحالية انطلقت من هذه المدينة، لكنها تنكرت لها عندما باتت السلطة أهم من المبادئ.
أما من جهة بغداد، فقد استمرّت الحكومات العراقية بعد 2003 في التعامل مع خانقين كمنطقة "متنازع عليها"، دون أن تعترف بخصوصيتها القومية، أو تضع حلاً دستورياً ينصف سكانها. بل أكثر من ذلك، استغلت الحكومات العراقية المركزية نفوذها لقطع التوظيفات، وتقليص الخدمات، بل والضغط على سكان المدينة لتغيير هويتهم.
ويتحمل الاتحاد الوطني الكردستاني، إلى جانب باقي القوى الكردية، مسؤولية تاريخية في هذا التراجع، خصوصًا بعد تكليفه لبعض الشخصيات غير المؤهلة قانونيًا وثقافيًا للمشاركة في صياغة دستور العراق بعد 2003، مما أضاع فرصة ترسيخ حقوق المناطق الكردية خارج الإقليم، وعلى رأسها خانقين.
رابعًا: الحراك الثقافي والفني والنضالي في خانقين
خانقين ليست فقط مدينة نضال سياسي، بل هي منبع للحركة الثقافية والفنية الكردية. فقد أنجبت المدينة فنّانين كبارًا مثل إسماعيل خياط، وهادي غلام، وحسن مظفر، وقادر حسين، وجمال زنكنة. كما خرج من رحمها مناضلون أفذاذ مثل عباس رؤوف، ونصرالدين مجيد، وزوران عزيز پەشتیوان، وكامران عزيز پەشتیوان، وزينب قهرمان آخرون بأعداد لا تعد ولا تحصى الذين أفنوا حياتهم في سبيل التحرير الوطني.
ومن الأسماء اللامعة في المجال الفني والإعلامي كذلك المخرج ناصر حسن، والمخرج إياد جبار الجاف، والكاتبة البارزة أحلام منصور، والكاتب سلام عبدلله ولا يمكن إغفال دور الأستاذ الكبير فاضل سيد كريم، والمفكر والمناضل المعروف الملا بختيار، والسياسي المخضرم خيرالدين الداوودي الذين ساهموا في بناء وعي سياسي وثقافي عميق في خانقين.
خامسًا: لماذا يجب أن تتحول خانقين إلى محافظة؟
وفق المعايير الإدارية والجغرافية والسكانية، تستحق خانقين أن تكون محافظة بكل جدارة. فهي أكبر قضاء بعد قضاء النجف، وتتمتع بتنوع سكاني وإرث ثقافي واقتصادي فريد، وتشكل نقطة ربط استراتيجية بين إقليم كردستان ومحافظة ديالى.
تحويل خانقين إلى محافظة ليس مطلبًا قوميًا فقط، بل هو استحقاق تنموي ودستوري. فالمادة (116) من الدستور العراقي تتيح إعادة هيكلة المحافظات والأقضية وفقًا للحاجة الإدارية والخصوصيات السكانية. وبما أن خانقين تتعرض إلى تمييز إداري وسياسي مزمن، فإن تحويلها إلى محافظة يمكن أن يكون خطوة عملية لردّ الاعتبار، وتحقيق العدالة التاريخية.
الخاتمة: خانقين ليست قرية… إنها عاصمة وطنية مهمّشة
خانقين ليست قرية عابرة في أطراف الدولة، بل مدينة حية شاهدة على كل التحولات العراقية، ومرآة لصراع الهويات بين دولة شوفينية وشعب أصيل. وإن تحويلها إلى محافظة ليس حلاً سحريًا، لكنه بداية لتصحيح مسار طويل من التمييز. ولعل التاريخ سيسجّل من يقف اليوم في صفّ العدالة، ومن يواصل التآمر والصمت.
المصادر:
• Bell, Gertrude. Letters from Mesopotamia. London: Ernest Benn, 1920.
• Edmonds, C.J. Kurds, Turks and Arabs: Politics, Travel and Research in North-Eastern Iraq, 1919–1925. Oxford University Press, 1957.
• جريدة بانكي كوردستان (الأرشيف الوطني الكردي – السليمانية)
• مقابلات شخصية مع مثقفين من خانقين (2022–2024)
• دستور جمهورية العراق، 2005
• كاكة رش – مذكرات من الجبال إلى المفاوضات، منشورات كردستان، 1999
