05/11/2025
يطرح عليّ كثيرا هذا السؤال: ماذا سيحدث للعراق إذا انخفضت أسعار النفط؟
والاجابة ليست بسيطة، لأن المشكلة لا تقاس بسنة مالية واحدة، بل بقدرة الحكومة على قراءة المستقبل لعشر سنوات قادمة، ومدى استعدادها لاتخاذ قرارات تنظر إلى الأثر البعيد لا إلى الراهن فقط.
فعندما تصبح الإيرادات أقل من النفقات، تبدأ سلسلة من السيناريوهات الاقتصادية التي تحاول الدولة من خلالها سد العجز بأقل الأضرار الممكنة.
*أولا:* مبادلة الديون بالأصول
قد تلجأ الحكومة إلى تسوية ديونها السابقة من خلال مبادلة الديون بأصول الدولة، خصوصًا الديون الداخلية، أي نقل ملكية بعض المنشآت أو الممتلكات إلى الجهات الدائنة لتتمكن من الاقتراض مرة أخرى مستقبلا.
*ثانيًا:* تأجيل بعض الرواتب
احتمالية أن تقوم الحكومة بتوزيع الرواتب على فترات الشهر، وتأجيل صرف رواتب بعض المؤسسات لبداية الشهر التالي. وبهذا الشكل، تتداخل الإيرادات مع النفقات، وقد تجد بعض المؤسسات نفسها تستلم خلال عام واحد أحد عشر راتبًا بدلًا من اثني عشر، دون أن يشعر الموظف فعليا بتأخير كبير.
*ثالثًا:* سحب الأمانات من المؤسسات؛
قد تسحب الأمانات المالية المحتجزة لدى بعض المؤسسات الحكومية وتسجل كديون لصالح الخزينة العامة، لتغطية جزء من النفقات الطارئة.
*رابعًا:* رفع الدعم وزيادة الأسعار؛
من الممكن أن تلجأ الحكومة إلى رفع الدعم عن المشتقات النفطية أو تقليله تدريجيًا، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار المحلية للمحروقات والمنتجات المرتبطة بها.
*خامسًا:* تقليص النفقات الاجتماعية؛
قد تخفّض برامج الرعاية الاجتماعية أو البطاقة التموينية من خلال تقليل عدد الدفعات السنوية أو تعديل آليات التوزيع، لتخفيف العبء المالي على الدولة.
*سادسًا:* زيادة الضرائب على القطاعات الكبرى؛
ستكون الشركات الكبرى في مجالات الاتصالات والمصارف والنفط الهدف الأول لأي زيادة ضريبية محتملة، باعتبارها الأكثر قدرة على دفع نسب أعلى دون انهيار مباشر في نشاطها.
هذه السيناريوهات تبقى تحليلية وافتراضية، خاصة في سنة انتخابية لا يمكن فيها تطبيق إجراءات اقتصادية مؤلمة، كما أن الحفاظ على رواتب الموظفين يبقى خطًا أحمر سياسيا.
لكن الحقيقة الأعمق أن الخلل البنيوي في الاقتصاد العراقي لا يرتبط فقط بأسعار النفط، بل بعدد الموظفين والمستفيدين من الدولة الذين تجاوزوا ثمانية ملايين شخص، وهو رقم يجعل أي إصلاح مالي شبه مستحيل دون إعادة هيكلة جذرية للجهاز الحكومي.
كل انخفاض بمقدار دولار واحد في سعر النفط يعني خسارة العراق أكثر من مليار دولار سنويًا.
ومهما حاولت الدولة تعويض هذه الخسائر عبر الضرائب أو الرسوم أو رفع الدعم، فلن تتمكن في المدى القريب من سد العجز بشكل مستدام.
إن الحل الحقيقي لا يكمن في “*الترقيع المالي*”، بل في اعادة هيكلة نففاتها التشغيلية، تنويع مصادر الدخل، وتحفيز القطاعات الإنتاجية، والانتقال من دولة تعتمد على النفط إلى اقتصاد يخلق الثروة لا ينتظرها من الخارج.
ويبقى السؤال ؛الاهم الى متى تبقى الدولة اي المحرك الاساس للاقتصاد العراقي ومتى سيأخذ القطاع الخاص دوره الحقيقي ويكون هو المنتج الاكبر بدلا من الاعتماد على النفط كمحرك اساسي للعجلة الاقتصادية في العراق تبطأ متى ما انخفض سعرها وتتحرك بارتفاع الاسعار.
*ورأينا بمنشور أستاذ منار العبيدي كالتالي؛*
١- التحليل الاقتصادي؛
المنشور يتناول بواقعية شديدة سؤالاً جوهرياً في الاقتصاد العراقي الريعي: *ماذا سيحدث لو انخفضت أسعار النفط؟* وهو سؤال يختبر ليس فقط كفاءة الحكومة المالية، بل قدرتها على التفكير الاستباقي وتبني سياسات وقائية بدل ردود الفعل.
من وجهة نظرنا ، فأن السيناريوهات الستة التي قدمها الكاتب *منطقية ومتصاعدة في الشدة*، تبدأ من إجراءات مالية موضعية (مثل سحب الأمانات أو تأجيل الرواتب) وتنتهي بـ تغييرات هيكلية مؤلمة (كرفع الدعم وتقليص الإنفاق الاجتماعي).
لكن ما يميز المنشور هو أنه لا يقع في فخ التهويل، بل يشخّص بذكاء أن الخطر الحقيقي ليس في سعر النفط، بل في حجم الإنفاق الثابت للدولة وضعف الإنتاج المحلي. فـ :
*1-مبادلة الديون بالأصول*؛
هذا الإجراء، رغم أنه يظهر كحل تقني، يحمل مخاطر سياسية وسيادية، إذ يعني عمليًا نقل ملكية أصول الدولة إلى الدائنين — وهو ما يتناقض مع مفهوم العدالة المالية. لكنه في الوقت نفسه يكشف أن الدولة بدأت تفقد مرونتها في التمويل الداخلي.
*2.تأجيل الرواتب وسحب الأمانات*
هذه سياسات إدارة أزمة نقدية قصيرة المدى، لكنها لا تمس جوهر الاختلال البنيوي في الموازنة، الذي يتمثل في هيمنة بند الرواتب والدعم الاجتماعي (أكثر من 75٪ من الموازنة التشغيلية).
*3.رفع الدعم وتقليص الإنفاق الاجتماعي*
إجراءات كهذه تصطدم بالواقع السياسي والاجتماعي، خصوصًا في عام انتخابي، إذ أن أي خفض في الدعم أو في البطاقة التموينية سيترجم فورًا إلى كلفة سياسية عالية.
*4.زيادة الضرائب على الشركات الكبرى*
منطقي من حيث العدالة الاقتصادية، لكنه قاصر في أثره الكلي لأن القاعدة الإنتاجية محدودة، وعدد الشركات الكبرى القادرة على دفع الضرائب دون توقف نشاطها لا يتجاوز بضع عشرات.
*5.جوهر المشكلة*;
الكاتب يُحسن الخاتمة حين يشير إلى أن الخلل البنيوي ليس في النفط بل في الدولة الريعية نفسها.
*اعتماد على أكثر من 8 ملايين مستفيد من الرواتب على الدولة* ؛ يجعل أي إصلاح مالي بمثابة “*عملية جراحية في قلب مفتوح*”.
ولذلك فإن كل انخفاض بمقدار دولار واحد في سعر النفط — أي خسارة مليار دولار سنويًا — يعني ببساطة تقلص قدرة الدولة على الاستمرار في الصرف الريعي دون إنتاج فعلي.
*6.ما لم يُذكررغم دقة التشخيص* ؛إذ أن المنشور أغفل جانبًا نقديًا مهمًا هو إدارة سعر الصرف كأداة إصلاح مالي واقتصادي.
أن إعادة النظر بسعر الصرف — لا بمعناه السياسي بل بوصفه أداة موازنة — *هي أحد أهم المفاتيح لمعالجة الاختلال بين الدينار والنفط والدولار*.
ورفع تدريجي ومدروس لسعر الصرف الرسمي يبدأ (إلى حدود 1480–1500 د.ع/دولار) يمكن أن:
• يقلل الضغط على الاحتياطيات.
• يعزز قدرة الدولة على تمويل عجزها دون اللجوء للاقتراض.
• يرفع من قدرة الصادرات غير النفطية إن وُجدت.
• ويكبح الاستيراد المفرط الذي يستنزف العملة الصعبة.
بشرط أن يترافق هذا الإجراء مع دعم حقيقي للفئات الهشة وتعويضهم نقديًا لتجنّب آثار التضخم.
ان المنشور يعكس وعياً اقتصادياً عميقاً لكنه يبقى في الإطار المالي التقليدي، دون أن يطرح أدوات نقدية استراتيجية.
التحدي الأكبر ليس في أنخفاض سعر النفط، بل في غياب “*العقل الاستباقي*” القادر على تحويل الأزمات إلى فرص، فالعراق يمتلك احتياطياً نقدياً كبيراً ومرونة مالية نسبية لو أُحسن استخدامها.
لكن الاستقرار المالي يحتاج إلى توازن بين السياسة النقدية والمالية، لا إلى إدارة النفقات فقط.
لذا فأننا نتفق مع أستاذ منار أن طرحٌه واقعيّ وعميق، يذكّرنا بأن الاقتصاد لا يُدار بالأمنيات، بل بالقرارات الشجاعة التي تسبق الأزمة لا تلاحقها.
لكننا أضفنا زاوية نراها حاسمة:
إن إعادة النظر بسعر صرف الدولار ليست إجراءً محاسبياً فحسب، بل سياسة تنموية طويلة المدى، تهدف إلى حماية الاحتياطيات، وتنشيط السوق المحلي، وخلق توازن بين *الدينار والنفط والدولار*.
فرفع السعر — إن جرى بعقل اقتصادي متدرّج — يمكن أن يكون حلاً استباقياً دائماً يخفف العجز، ويمنح العراق قدرة أكبر على التمويل الذاتي، دون أن يمد يده للاقتراض.
فالمسألة ليست كم سينخفض النفط، بل كم سنرتفع نحن في إدارتنا لعائداته.