د.عامر عبد رسن الموسوي

د.عامر عبد رسن الموسوي نائب رئيس هيأة – GCM | دكتوراه قانون – SJU
ماجستير تخطيط استراتيجي – NDC | باحث ومؤلف في السياسات العامة والأمن الوطني

يطرح عليّ كثيرا هذا السؤال: ماذا سيحدث للعراق إذا انخفضت أسعار النفط؟والاجابة ليست بسيطة، لأن المشكلة لا تقاس بسنة مالية...
05/11/2025

يطرح عليّ كثيرا هذا السؤال: ماذا سيحدث للعراق إذا انخفضت أسعار النفط؟

والاجابة ليست بسيطة، لأن المشكلة لا تقاس بسنة مالية واحدة، بل بقدرة الحكومة على قراءة المستقبل لعشر سنوات قادمة، ومدى استعدادها لاتخاذ قرارات تنظر إلى الأثر البعيد لا إلى الراهن فقط.

فعندما تصبح الإيرادات أقل من النفقات، تبدأ سلسلة من السيناريوهات الاقتصادية التي تحاول الدولة من خلالها سد العجز بأقل الأضرار الممكنة.
*أولا:* مبادلة الديون بالأصول
قد تلجأ الحكومة إلى تسوية ديونها السابقة من خلال مبادلة الديون بأصول الدولة، خصوصًا الديون الداخلية، أي نقل ملكية بعض المنشآت أو الممتلكات إلى الجهات الدائنة لتتمكن من الاقتراض مرة أخرى مستقبلا.
*ثانيًا:* تأجيل بعض الرواتب
احتمالية أن تقوم الحكومة بتوزيع الرواتب على فترات الشهر، وتأجيل صرف رواتب بعض المؤسسات لبداية الشهر التالي. وبهذا الشكل، تتداخل الإيرادات مع النفقات، وقد تجد بعض المؤسسات نفسها تستلم خلال عام واحد أحد عشر راتبًا بدلًا من اثني عشر، دون أن يشعر الموظف فعليا بتأخير كبير.
*ثالثًا:* سحب الأمانات من المؤسسات؛
قد تسحب الأمانات المالية المحتجزة لدى بعض المؤسسات الحكومية وتسجل كديون لصالح الخزينة العامة، لتغطية جزء من النفقات الطارئة.
*رابعًا:* رفع الدعم وزيادة الأسعار؛
من الممكن أن تلجأ الحكومة إلى رفع الدعم عن المشتقات النفطية أو تقليله تدريجيًا، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار المحلية للمحروقات والمنتجات المرتبطة بها.
*خامسًا:* تقليص النفقات الاجتماعية؛
قد تخفّض برامج الرعاية الاجتماعية أو البطاقة التموينية من خلال تقليل عدد الدفعات السنوية أو تعديل آليات التوزيع، لتخفيف العبء المالي على الدولة.
*سادسًا:* زيادة الضرائب على القطاعات الكبرى؛
ستكون الشركات الكبرى في مجالات الاتصالات والمصارف والنفط الهدف الأول لأي زيادة ضريبية محتملة، باعتبارها الأكثر قدرة على دفع نسب أعلى دون انهيار مباشر في نشاطها.
هذه السيناريوهات تبقى تحليلية وافتراضية، خاصة في سنة انتخابية لا يمكن فيها تطبيق إجراءات اقتصادية مؤلمة، كما أن الحفاظ على رواتب الموظفين يبقى خطًا أحمر سياسيا.
لكن الحقيقة الأعمق أن الخلل البنيوي في الاقتصاد العراقي لا يرتبط فقط بأسعار النفط، بل بعدد الموظفين والمستفيدين من الدولة الذين تجاوزوا ثمانية ملايين شخص، وهو رقم يجعل أي إصلاح مالي شبه مستحيل دون إعادة هيكلة جذرية للجهاز الحكومي.

كل انخفاض بمقدار دولار واحد في سعر النفط يعني خسارة العراق أكثر من مليار دولار سنويًا.
ومهما حاولت الدولة تعويض هذه الخسائر عبر الضرائب أو الرسوم أو رفع الدعم، فلن تتمكن في المدى القريب من سد العجز بشكل مستدام.

إن الحل الحقيقي لا يكمن في “*الترقيع المالي*”، بل في اعادة هيكلة نففاتها التشغيلية، تنويع مصادر الدخل، وتحفيز القطاعات الإنتاجية، والانتقال من دولة تعتمد على النفط إلى اقتصاد يخلق الثروة لا ينتظرها من الخارج.

ويبقى السؤال ؛الاهم الى متى تبقى الدولة اي المحرك الاساس للاقتصاد العراقي ومتى سيأخذ القطاع الخاص دوره الحقيقي ويكون هو المنتج الاكبر بدلا من الاعتماد على النفط كمحرك اساسي للعجلة الاقتصادية في العراق تبطأ متى ما انخفض سعرها وتتحرك بارتفاع الاسعار.

*ورأينا بمنشور أستاذ منار العبيدي كالتالي؛*
١- التحليل الاقتصادي؛
المنشور يتناول بواقعية شديدة سؤالاً جوهرياً في الاقتصاد العراقي الريعي: *ماذا سيحدث لو انخفضت أسعار النفط؟* وهو سؤال يختبر ليس فقط كفاءة الحكومة المالية، بل قدرتها على التفكير الاستباقي وتبني سياسات وقائية بدل ردود الفعل.

من وجهة نظرنا ، فأن السيناريوهات الستة التي قدمها الكاتب *منطقية ومتصاعدة في الشدة*، تبدأ من إجراءات مالية موضعية (مثل سحب الأمانات أو تأجيل الرواتب) وتنتهي بـ تغييرات هيكلية مؤلمة (كرفع الدعم وتقليص الإنفاق الاجتماعي).
لكن ما يميز المنشور هو أنه لا يقع في فخ التهويل، بل يشخّص بذكاء أن الخطر الحقيقي ليس في سعر النفط، بل في حجم الإنفاق الثابت للدولة وضعف الإنتاج المحلي. فـ :
*1-مبادلة الديون بالأصول*؛
هذا الإجراء، رغم أنه يظهر كحل تقني، يحمل مخاطر سياسية وسيادية، إذ يعني عمليًا نقل ملكية أصول الدولة إلى الدائنين — وهو ما يتناقض مع مفهوم العدالة المالية. لكنه في الوقت نفسه يكشف أن الدولة بدأت تفقد مرونتها في التمويل الداخلي.
*2.تأجيل الرواتب وسحب الأمانات*
هذه سياسات إدارة أزمة نقدية قصيرة المدى، لكنها لا تمس جوهر الاختلال البنيوي في الموازنة، الذي يتمثل في هيمنة بند الرواتب والدعم الاجتماعي (أكثر من 75٪ من الموازنة التشغيلية).
*3.رفع الدعم وتقليص الإنفاق الاجتماعي*
إجراءات كهذه تصطدم بالواقع السياسي والاجتماعي، خصوصًا في عام انتخابي، إذ أن أي خفض في الدعم أو في البطاقة التموينية سيترجم فورًا إلى كلفة سياسية عالية.
*4.زيادة الضرائب على الشركات الكبرى*
منطقي من حيث العدالة الاقتصادية، لكنه قاصر في أثره الكلي لأن القاعدة الإنتاجية محدودة، وعدد الشركات الكبرى القادرة على دفع الضرائب دون توقف نشاطها لا يتجاوز بضع عشرات.
*5.جوهر المشكلة*;
الكاتب يُحسن الخاتمة حين يشير إلى أن الخلل البنيوي ليس في النفط بل في الدولة الريعية نفسها.
*اعتماد على أكثر من 8 ملايين مستفيد من الرواتب على الدولة* ؛ يجعل أي إصلاح مالي بمثابة “*عملية جراحية في قلب مفتوح*”.

ولذلك فإن كل انخفاض بمقدار دولار واحد في سعر النفط — أي خسارة مليار دولار سنويًا — يعني ببساطة تقلص قدرة الدولة على الاستمرار في الصرف الريعي دون إنتاج فعلي.
*6.ما لم يُذكررغم دقة التشخيص* ؛إذ أن المنشور أغفل جانبًا نقديًا مهمًا هو إدارة سعر الصرف كأداة إصلاح مالي واقتصادي.
أن إعادة النظر بسعر الصرف — لا بمعناه السياسي بل بوصفه أداة موازنة — *هي أحد أهم المفاتيح لمعالجة الاختلال بين الدينار والنفط والدولار*.

ورفع تدريجي ومدروس لسعر الصرف الرسمي يبدأ (إلى حدود 1480–1500 د.ع/دولار) يمكن أن:
• يقلل الضغط على الاحتياطيات.
• يعزز قدرة الدولة على تمويل عجزها دون اللجوء للاقتراض.
• يرفع من قدرة الصادرات غير النفطية إن وُجدت.
• ويكبح الاستيراد المفرط الذي يستنزف العملة الصعبة.

بشرط أن يترافق هذا الإجراء مع دعم حقيقي للفئات الهشة وتعويضهم نقديًا لتجنّب آثار التضخم.

ان المنشور يعكس وعياً اقتصادياً عميقاً لكنه يبقى في الإطار المالي التقليدي، دون أن يطرح أدوات نقدية استراتيجية.
التحدي الأكبر ليس في أنخفاض سعر النفط، بل في غياب “*العقل الاستباقي*” القادر على تحويل الأزمات إلى فرص، فالعراق يمتلك احتياطياً نقدياً كبيراً ومرونة مالية نسبية لو أُحسن استخدامها.
لكن الاستقرار المالي يحتاج إلى توازن بين السياسة النقدية والمالية، لا إلى إدارة النفقات فقط.
لذا فأننا نتفق مع أستاذ منار أن طرحٌه واقعيّ وعميق، يذكّرنا بأن الاقتصاد لا يُدار بالأمنيات، بل بالقرارات الشجاعة التي تسبق الأزمة لا تلاحقها.
لكننا أضفنا زاوية نراها حاسمة:
إن إعادة النظر بسعر صرف الدولار ليست إجراءً محاسبياً فحسب، بل سياسة تنموية طويلة المدى، تهدف إلى حماية الاحتياطيات، وتنشيط السوق المحلي، وخلق توازن بين *الدينار والنفط والدولار*.
فرفع السعر — إن جرى بعقل اقتصادي متدرّج — يمكن أن يكون حلاً استباقياً دائماً يخفف العجز، ويمنح العراق قدرة أكبر على التمويل الذاتي، دون أن يمد يده للاقتراض.
فالمسألة ليست كم سينخفض النفط، بل كم سنرتفع نحن في إدارتنا لعائداته.

أين غاب السجناء السياسيون وأبناء الشهداء عن القوائم الانتخابية؟يتكرر المشهد الانتخابي في العراق، ومعه تتجدد المفارقات. ف...
22/10/2025

أين غاب السجناء السياسيون وأبناء الشهداء عن القوائم الانتخابية؟

يتكرر المشهد الانتخابي في العراق، ومعه تتجدد المفارقات. فبينما تتسابق بعض الكتل السياسية إلى إدخال بعثيين ضمن قوائمها – رغم أن البعث وما مثّله من قمع واستبداد لا يزال حاضرًا في ذاكرة العراقيين – يغيب سؤال آخر أكثر إلحاحًا: أين السجناء السياسيون الذين قضوا سنوات أعمارهم في أقبية التعذيب؟
أين المقاومون الشرفاء الذين تصدوا للنظام السابق؟
وأين أبناء الشهداء الذين دفعوا أثمان الحرية بدماء آبائهم؟

الحقيقة أن هذه الفئات لم تأخذ نصيبها العادل من التمثيل في القوائم الانتخابية، وإن حضر بعض الأفراد حضورًا محدودًا، لكنه لا يرقى إلى مستوى التضحيات التي قدموها.
فما الأسباب وراء هذا الغياب؟

1. هيمنة الحسابات الانتخابية الضيقة

غالبية الأحزاب باتت تحاكم الأمور بميزان “الأصوات المضمونة”. فالمرشح المثالي بنظرها ليس من ضحى أو سُجن، بل من يمتلك المال السياسي، أو النفوذ العشائري، أو القدرة على تحريك ماكينة انتخابية ضخمة.
وهكذا تراجع معيار التضحية لصالح معيار المصلحة.

2. تحوّل القيم بعد 2003

في سنوات التغيير الأولى، كان يُنظر إلى صفة “سجين سياسي” أو “ابن شهيد” باعتبارها شهادة على النضال ضد الدكتاتورية، بل كانت جواز مرور لكثير من المناصب.
لكن مع تعاقب السنوات، ومع بروز المصالح الاقتصادية وتحوّل السياسة إلى سوق مفتوح، تم تهميش هذه القيم لصالح صفقات النفوذ والارتباطات الخارجية.

3. غياب التنظيم والضغط السياسي

السجناء السياسيون وأبناء الشهداء لم يشكّلوا جبهة منظمة أو لوبي ضاغط يفرض حضورهم على الكتل. بقوا أفرادًا متفرقين، يتعامل معهم السياسيون إما بانتقائية أو بوعود مؤقتة لا تُنفّذ. وغياب الصوت الجماعي جعل من السهل تجاوزهم دون أي ثمن سياسي.

4. حسابات التوازن الداخلي

بعض الكتل تتحاشى ترشيح هذه النخب لأنها قد تُذكّر بتاريخ مظلم أو تُحرج أطرافًا متهمة بالتقصير أو التواطؤ مع النظام السابق.
وهكذا، بدلاً من تكريم الماضي، يتم تغييبه عمدًا لاعتبارات مصلحية.

مفارقة مؤلمة

المفارقة أن البعثيين يجدون طريقهم اليوم إلى القوائم بحجة “الواقعية السياسية” أو “الحاجة إلى الأصوات”، بينما يغيب أبناء الشهداء والسجناء عن المشهد. هذه ليست مجرد مفارقة سياسية، بل اختلال أخلاقي في بوصلة الأولويات:
فقد تحوّلت القوائم الانتخابية من منصة لتكريم التضحيات إلى سوق للمساومات.

الخلاصة: استعادة الاعتبار

إن أي عملية سياسية لا تضع في مقدمة صفوفها من دفعوا ثمن الحرية لا يمكن أن تدّعي الشرعية الأخلاقية.
المطلوب اليوم ليس مجرد تساؤل، بل مراجعة جادة:
كيف يمكن إعادة الاعتبار للسجناء السياسيين وأبناء الشهداء في الحياة السياسية؟
وهل يمكن أن يفرضوا أنفسهم عبر أطر منظمة تعيد الاعتبار لتضحياتهم، وتُذكّر الأحزاب أن السياسة بلا ذاكرة تتحول إلى تجارة؟

د.عامر عبد رسن الموسوي

بين الصدمة والنزيف... العراق يقرأ طـ،،،ـوفان الأقصى من زاويتينفي مقالنا الجديد نقدّم قراءةً عراقية متّزنة بين رؤيتين متق...
20/10/2025

بين الصدمة والنزيف... العراق يقرأ طـ،،،ـوفان الأقصى من زاويتين

في مقالنا الجديد نقدّم قراءةً عراقية متّزنة بين رؤيتين متقابلتين لطـ،،ـوفان الأقصى:
إيرانية تعترف بثقل الخسارة، وأخرى تستلهم من الدمّ معنى الصدمة والوعي.

د. عامر عبد رسن الموسوي

بينما تنشغل المنطقة بتأملات ما بعد طـ،،ـوفان الأقصى، يجد العراق نفسه في موقعٍ حرجٍ بين خطابين: الأول إيرانيٌّ رسميٌّ بدأ يُراجع ذاته بعد أن دخلت نيـ،،ـران الحرب حدودَه الداخلية، والثاني ينطق بلسان محورٍ ما زال يرى في الدمّ رافعةً للنهضة. نحن، العراقيين،
نقف على تخوم التجربتين؛ فقد عشنا نتائج الحروب دون أن نكون طرفًا مباشرًا فيها، وندفع ثمن اختلال التوازن الإقليمي في كلّ مرة. من هنا، لا بدّ أن تُقرأ المقارنة بين افتتاحية جمهوري إسلامي ومقال لا كمجرّد تحليل لخطابين،
بل كمحاولة لفهم أين يقف العراق الآن بين صراحة الاعتراف الإيراني وحماسة التفاؤل المحوري.
ربما قبل يومٍ واحد من اليوم، اطلعنا على نصّين يبدوان للوهلة الأولى متقابلين، لكنهما في العمق يُكملان لوحة الحقيقة من زاويتين متباينتين في اللغة والموقع والرؤية.
الأول افتتاحيةٌ نادرة الجُرأة نشرتها صحيفة جمهوري إسلامي الإيرانية بعنوان: هل كان لهذه العاصفة فائز؟، جاءت محمّلة بقدرٍ غير مسبوق من الصراحة السياسية والمراجعة الفكرية، إذ تجرأت على وزن الوقائع بأوزانها الحقيقية لا بأحلامها،
متخلّيةً عن الخطاب الطوباوي الذي اعتادت عليه الصحافة الثورية، ومقرّةً بأنّ الحرب الممتدة من غزة إلى طهران ولبنان واليمن تركت وراءها ركاماً من الأسئلة أكثر مما خلّفت من الانتصارات.
كانت نبرة المقال أقرب إلى صوت العقل حين يستفيق من حمى الشعارات، فتعترف طهران، عبر منبرها الأقدم، بأنّ طـ،،ـوفان الأقصى لم يكن مجرّد ملحمة بطولية، بل زلزالاً مدمراً خسر فيه الجميع شيئاً من الحلم، وشيئاً من القدرة، وشيئاً من الثقة.
أما النص الثاني، فكان مقالةً فكرية موسّعة بقلم السيد عادل عبد المهدي بعنوان طوفان الأقصى: صدمة كهربائية أعادت نبض القضية الفلسطينية، نُشرت في ملحق جريدة العدالة ببغداد، حيث قدّم قراءة مفعمة بالتفاؤل الرصين والإيمان بجدلية المقـ،،ـاومة والتاريخ.
رأى فيها أنّ ما حدث لم يكن كارثة، بل صدمة إحياء، أعادت للقضية الفلسطينية نبضها بعد موتٍ سريري طويل، وكشفت زيف معادلات الردع والتطبيع، وأجبرت العالم على إعادة تعريف الصراع من كونه «نزاعاً إنسانياً» إلى كونه احتلالاً استعمارياً لا يُواجه إلا بإرادة التحرر.
فبين صراحةٍ واقعيةٍ إيرانية تزن الخسائر بمكيالها البارد، ورؤيةٍ عراقية متفائلة تعتبر الدم ثمناً ضرورياً لإعادة الوعي، تتكشف أمامنا مفارقة الشرق الأوسط الجديد: هل نحن أمام نزيف الوعي أم صحوة التاريخ؟
لقد قرأت جمهوري إسلامي الحرب بعين الجريح الذي يراجع نفسه بعد معركة خاسرة، فيما قرأها عبد المهدي بعين الطبيب الذي يرى في الصدمة بداية التعافي، كلا النصّين لا ينكران هول المأساة، لكنهما يختلفان في تفسير معناها؛
فالأول يقف عند الدم بوصفه الخاتمة، والثاني يراه بدايةً لإعادة الميلاد.
إيران، التي دفعت ثمناً باهظاً في الحرب الإسرائيلية–الأميركية عليها، وودّعت رموزاً من قادتها وعلمائها، لم تعد ترى في طـ،،ـوفان الأقصى نصرًا مؤجلاً، بل خطأً استراتيجياً أطلق سلسلة حرائق لا تزال تلتهم ما تبقّى من رصيد المحور.
أما بغداد، التي حافظت على مسافةٍ متوازنة من المحاور، فتقرأ الحدث بعقلٍ عربيٍّ هادئ يرى في اشتعال النيران فرصة لإعادة التوازن في الإقليم. تبدأ المقارنة من السؤال ذاته الذي طرحته الصحيفة الإيرانية: هل كان لهذه العاصفة فائز؟
وهو سؤال نادر في الصحافة الإيرانية الرسمية لأنه يواجه الرواية السائدة من داخلها.
إذ تقول الافتتاحية إنّ عملية طـ،،ـوفان الأقصى كانت خطأً منذ البداية، لأنها وإن أظهرت بطولة المقـ،،ـاتلين، إلا أنها جرّت المنطقة إلى دمار شامل وخسائر فادحة في الأرواح والبنى التحتية، وأدت إلى انهيار كينات بأكملها في غزة ولبنان واليمن،
وصولاً إلى اشتباكٍ عسـ،،ـكري مباشر مع إيران. وفي لغة تكاد تقترب من النقد الذاتي، تعترف الصحيفة بأنّ المقاومة الفلسطينية فقدت معظم قياداتها الميدانيين والسياسيين، فضلا عن الخسارة الكبيرة ّ إذ سقط السيد حسـ،،ـن نصـ،،،ـر الله شهيداً،
وأنّ الحكومة اللبنانية الجديدة أصبحت أقرب إلى واشنطن وتل أبيب من أيّ وقتٍ مضى، وأنّ الحرب على إيران، رغم فشلها في تحقيق أهدافها، كلّفتها ألفاً ومئة شهيد وتدمير مواقع نووية استراتيجية.
إنها قراءة تُنزل الحروب من علياء الخطاب الثوري إلى أرض الحساب الواقعي، وتقول بصراحة: لا فائز في هذه العاصفة، لأنّ الكلّ احترق بنارها، وإنّ الانتصار الحقيقي هو أن نتعلّم من الخطأ لا أن نكرّره باسم البطولة.
في المقابل، يذهب عادل عبد المهدي إلى الضفّة الأخرى من المعنى، فالحرب في نظره ليست خسارة بالضرورة، بل تاريخٌ يتقدّم بالدم. يذكّرنا بأنّ كلّ حركات التحرّر في العالم دفعت أثماناً باهظة قبل أن تنتصر، وأنّ الدم في لحظة التاريخ ليس خسارة بل استثمار في الذاكرة.
من الناحية الفكرية، يعبّر النصّان عن فلسفتين متباينتين في فهم التاريخ: جريدة جمهوري إسلامي تنطلق من مبدأ الحدّ من الخسائر، أي الواقعية السياسية التي تحاول حفظ ما تبقّى من القدرة، بينما عبد المهدي ينطلق من الضرورة التاريخية التي ترى في كلّ دمارٍ بوابةً لخلقٍ جديد.
الأولى تتحدث بعقل الدولة التي تخشى نزيفها الداخلي، والثاني بعقل الفكرة التي ترى في الانكسار وقودًا للبعث الوطني. فالإيراني يزن الحـ،،ـرب بالنتائج الميدانية والسياسية، بينما عبد المهدي يزنها بتحوّل الوعي العالمي تجاه فلسطين: من فقد شرعية الخطاب، ومن كسبها.
تُظهر المقارنة أنّ إيران الرسمية بدأت تدرك كلفة الانغماس المفرط في ساحات المواجهة، وأنّ خطابها الإعلامي بات يميل إلى المراجعة أكثر من التعبئة، بينما الخطاب العربي الذي يمثله عبد المهدي يحاول استعادة روح القضية الفلسطينية من أسر المحاور ويمنحها استقلالها الرمزي والسياسي. غير أنَّ من المهمّ التمييز بين رؤية عبد المهدي كمفكرٍ من داخل المحور وبين موقع العراق كدولةٍ تبحث عن التوازن. فالمقال، مهما بدا عربيًّا في لغته، يعكس وجهة نظر محور المقـ،،ـاومة لا الموقف العراقي الرسمي الذي يسعى إلى تجنّب التورط في صراعات القوى.
في نهاية المطاف، تُدرك إيران – وهي خالقة المحاور التي امتدت عبر الإقليم – أنّ هذه المحاور التي كانت أدوات نفوذها تحوّلت اليوم إلى أثقالٍ ترهقها، فالنيران التي كانت تُشعلها عند الآخرين أصبحت تتقد داخل بيتها، لتكتشف أنّ فائض القوة لا يعوّض نزيف الداخل، في المقابل،
ما طرحه عادل عبد المهدي يظلّ صوتًا من داخل المحور يسعى لتثبيت المعنى الرمزي للمقاومة، لكنه لا يعبّر عن موقف الدولة العراقية التي تميل إلى الحياد الواعي والبراغماتية الحذرة.
لقد آن للعراق أن يُعيد تعريف موقعه في زمن التحوّل الإقليمي، وأن يُغادر لغة المحاور إلى منطق الدولة. فبين واقعية إيران المرهقة، ورومانسية المحور التي يتحدث بها عبد المهدي، يمتلك العراق فرصةً نادرة ليكون مركز الاتزان الجديد في الشرق الأوسط، إذا اختار أن يبني سياسته على الوعي لا على الانفعال، وعلى المصالح الوطنية لا على الشعارات العابرة. عندها فقط، يمكن أن تتحوّل الصدمة إلى وعي، والنزيف إلى شفاء، والسيادة إلى مشروع سلام عربي يبدأ من بغداد.

العراق في قلب التحوّلات الإقليمية: من تجنّب الصدام إلى صناعة الفرصد. عامر عبد رسنلم تعد السياسة الأميركية في الشرق الأوس...
15/10/2025

العراق في قلب التحوّلات الإقليمية: من تجنّب الصدام إلى صناعة الفرص

د. عامر عبد رسن

لم تعد السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، ولا سيما في العراق، قابلة للفهم بزاوية واحدة. فبعد أعوامٍ من الحروب والانكفاء والتدخلات المتقاطعة، بدأت واشنطن تنتهج ما يمكن تسميته بـ سياسة التوازن الثلاثي: مواجهة محسوبة مع الفصائل،
تقارب براغماتي مع بغداد، وتحرك إقليمي محكوم بضرورات التهدئة بعد حـ،،ـرب غزّة.
لكنّ ما يهمّ العراق اليوم ليس كيف تتصرّف واشنطن، بل كيف يُدير هو هذه المعادلة بما يحمي مصالحه، ويُعيد ترتيب موقعه الإقليمي، ويحوّل الضغط إلى فرص اقتصادية واستراتيجية مستدامة.
أولاً: ما بعد حـ،،ـرب غزّة – صراع النفوذ بدل صراع الجبهات : انتهاء العمليات الكبرى في غزّة لا يعني نهاية الصراع، بل انتقاله إلى طورٍ جديد أكثر تعقيداً وأشدّ غموضاً.
فالهدوء النسبي الذي تفرضه الضغوط الدولية يفتح الباب أمام مرحلة اصطياد الهفوات، حيث يسعى بعض القادة الإقليميين – وفي مقدمتهم بنيامين نتنياهو – إلى استثمار أيّ توتّر في المنطقة لتأجيل محاكمته وإطالة عمر حكومته المتداعية.
لقد فقد نتنياهو كثيراً من عناصر الردع العسكري والسياسي، وأصبح يبحث عن عدو جانبي يُعيد من خلاله تعريف دوره أمام الداخل الإسرائيلي. والعراق، بما يمثله من موقعٍ حساسٍ وقربٍ من محور المقـ،،ـاومة،
قد يتحوّل هدفاً مغرياً لأيّ استفزازٍ مدروس يضمن له إعادة ترتيب أوراقه الداخلية.
وهنا تكمن خطورة المرحلة: أيّ ردٍّ غير محسوب من العراق أو فصائله المسلحة قد يمنح تل أبيب الذريعة للهروب إلى الأمام، وجرّ العراق إلى مواجهةٍ غير مطلوبةٍ ولا محسوبة النتائج. فالتاريخ القريب يذكّرنا بأن قرارات الانفعال هي
التي جرّت البلاد إلى كوارث مكلفة — من الحـ،،ـرب العراقية–الإيرانية إلى مغامرة الكويت — حيث دفع الشعب الثمن مضاعفاً، بينما ربح الآخرون الوقت والمكاسب.
ثانياً: البعد الأمني – ضبط الإيقاع بلا صدام : تعتمد واشنطن اليوم سياسة أمنية مركّبة في العراق، تقوم على الضغط الميداني المحدود ضد الفصائل المسلحة مع الإبقاء على قنوات اتصال مفتوحة مع الحكومة. هذا الأسلوب الذي يبدو توازناً في الظاهر، يُحتّم على بغداد إدارة الموقف بحذرٍ استراتيجيٍّ دقيق.
إنّ الفصـ،،ـائل العراقية جزء من النسيج الأمني والاجتماعي الوطني، وأيّ استهداف لها خارج إطار الدولة يُضعف مفهوم السيادة ذاته. والحل لا يكون في الانحياز الكامل أو المواجهة المفتوحة، بل في إعادة دمج هذه التشكيلات ضمن الإطار الدستوري والأمني الرسمي، وتثبيت مبدأ وحدة القرار العسكري تحت سلطة القائد العام للقوات المسلحة.
بهذا فقط يمكن للعراق أن يحصّن نفسه من الاستفزازات الانتقائية ، ويحافظ على وحدة الموقف الداخلي، ويقطع الطريق أمام من يسعى إلى تقسيم الجبهة الوطنية إلى موالٍ ومتمرد. فكل رصاصة تُطلق بلا قرار سيادي مدروس، هي رصاصة تصيب هيبة الدولة قبل خصمها.
ثالثاً: البعد السياسي – الحياد الواعي لا الانكفاء السلبي : المرحلة الراهنة تتطلب من العراق أن يُمارس سياسة الحياد الواعي، لا الانكفاء السلبي. الفرق بينهما دقيق لكنه جوهري: الأول يقوم على الإدراك الكامل للتوازنات وتوظيفها لخدمة المصلحة الوطنية، والثاني يقوم على الخوف والتردد الذي يتيح للآخرين تحديد موقع العراق بدلاً عنه.
تاريخ العراق السياسي مليء بالدروس التي لا تُنسى: كل مرة اندفع فيها النظام نحو محورٍ واحد دفع ثمنها غالياً من سيادته وثرواته واستقراره. ولذلك، فإنّ العقل السياسي العراقي اليوم مدعوّ إلى شجاعة الحذر لا حماسة الاندفاع، وإلى التعامل مع القوى الكبرى بمنطق المصالح المتبادلة لا الولاء أو العداء.
فإدارة العلاقة مع واشنطن في ظل تصاعد التوتر الإقليمي لا تعني الارتماء في أحضانها، بل تعني استثمارها لتحقيق مكاسب اقتصادية وتنموية تضمن للعراق حرية القرار واستقلال التمويل. فالقوة في هذا العصر تُقاس بما تملك من أدوات الاقتصاد، لا بما ترفعه من شعارات المواجهة.
رابعاً: البعد الاقتصادي – من العقوبات إلى الاستثمار الذكي : وراء الخطاب الأمني والسياسي، تقف المعادلة الاقتصادية كالعصب الحقيقي للعلاقات العراقية–الأميركية. فالولايات المتحدة، رغم القيود والعقوبات، تدرك أن انهيار الاقتصاد العراقي سيضرّ بمصالحها في الخليج وشرق المتوسط. وهنا يكمن مفتاح التحرك العراقي: تحويل الأزمة إلى فرصة استثمارية سيادية.
يمكن لبغداد أن تبدأ مساراً اقتصادياً مزدوجاً:
• من جهة، مفاوضات مباشرة مع واشنطن وصندوق النقد الدولي لإعادة النظر في القيود على التحويلات المصرفية وضبطها ضمن آليات شفافة.
• ومن جهة أخرى، إطلاق مشاريع شراكة طويلة الأمد مع شركات أميركية وأوروبية وآسيوية في مجالات الطاقة، والغاز، والبنى التحتية، والنقل، والخدمات اللوجستية، ضمن إطار قانوني يضمن للعراق السيطرة على الموارد، وللشركاء الأمان التشغيلي والاستثماري.
إنّ هذه المقاربة ليست انفتاحاً اقتصادياً فحسب، بل استراتيجية سيادية لإعادة تعريف العلاقة مع العالم على أساس المصلحة المشتركة لا الوصاية الدولية. فالعراق يستطيع أن يكون جسراً بين الشرق والغرب، لا ساحةً لصراعهما، إذا ما أحسن إدارة هذه الفرص بعقلية الدولة لا بعقلية الميدان.
خامساً: لقاء شرم الشيخ – من ملف أمني إلى فرصة طاقة : فحين يشير الرئيس الأميركي في كلمته إلى أهمية النفط العراقي، فهو لا يستدعي خطاب الهيمنة القديم، بل يرسل إشارة اقتصادية مزدوجة: الأولى أنّ العالم بعد حـ،،ـرب غزة يحتاج إلى مصادر طاقة مستقرة وآمنة، والثانية أنّ العراق بات ركيزةً أساسية في أمن الإمدادات العالمية، بل محطة استراتيجية تُعيد العراق إلى قلب معادلة الطاقة الدولية.
إنّ إدراك بغداد لهذه الرسالة يعني الانتقال من مرحلة “الاستقرار السلبي” إلى مرحلة الاستثمار الذكي للثروة النفطية. فبدلاً من أن يكون النفط سبباً للتجاذب، يمكن أن يتحوّل إلى أداة شراكة استراتيجية تعيد للعراق دوره كمزود موثوق، وتفتح الباب أمام استثمارات أميركية وأوروبية في مشاريع الغاز، والتكرير، والطاقة النظيفة، والبنى التحتية الداعمة للموانئ والنقل.
ويمكن للحكومة العراقية أن توظّف هذا المناخ الجديد في إعادة صياغة علاقتها الاقتصادية مع واشنطن عبر حوارٍ متكافئٍ عنوانه “الفرصة مقابل الاستقرار ؛ العراق يوفّر بيئة استثمارية آمنة وطاقة رخيصة، مقابل دعم أميركي حقيقي في ملفيّ التكنولوجيا والبنية التحتية. وبهذا، يتحول اللقاء من مشهدٍ سياسيٍ عابر إلى بداية تحوّل في هندسة العلاقات العراقية–الأميركية نحو منطق الاقتصاد لا السلاح.
سادساً: بين الدبلوماسية والردع – توازن الكلمة والسلاح : يُخطئ من يظن أن الدبلوماسية ضعفٌ أو أن الردع العسكري وحده ضمانة للأمن. القوة الحقيقية للعراق اليوم تكمن في قدرته على الجمع بين الحكمة والهيبة: أن يرفع صوته حين تُنتهك سيادته، وأن يُحسن الصمت حين يكون الصمت جزءاً من إدارة الأزمة.
ولذلك، فإنّ المرحلة المقبلة تتطلب بناء جبهة دبلوماسية واقتصادية فاعلة تتحدث باسم العراق في المحافل الدولية، وتعرض رؤيته كمحور استقرارٍ وتنميةٍ لا كطرفٍ في صراع المحاور.
سابعاً: إعادة تعريف الحياد العراقي : بعد حـ،،ـرب غزّة وتبدّل خرائط النفوذ، بات واضحاً أن المنطقة مقبلة على إعادة توزيعٍ للأدوار بين القوى الكبرى. وإذا كانت واشنطن تميل لتقليص كلفة وجودها العسكري، فإنّ ذلك يتيح للعراق مساحةً نادرة لإعادة بناء دوره القيادي في العالم العربي، بشرط أن لا يقع في فخّ “الانفعال الشعبوي” أو الاستقطاب الطائفي .
إنّ الحياد العراقي حماية له من الانقسام. فحين يلتزم العراق بخطٍّ وطني مستقلّ، فإنه يقدّم نموذجاً في السياسة الرصينة التي لا تندفع خلف الشعارات، ولا تبيع مواقفها مقابل لحظة تصفيقٍ عابر.
ثامناً: الرؤية المستقبلية – من إدارة الأزمة إلى استثمارها : التحوّلات الراهنة في السياسة الأميركية وصعود الرغبة الدولية في تهدئة المنطقة بعد حـ،،ـرب غزّة تمثل فرصة استراتيجية للعراق ليقدّم نفسه مركز توازنٍ جديد في الشرق الأوسط. ولتحقيق ذلك، يحتاج إلى خطة ثلاثية الأبعاد:
1. تحييد الصراعات الخارجية عن أراضيه عبر ضبط الفصـ،،ـائل وتأكيد حصرية السـ،،ـلاح بيد الدولة.
2. بناء اقتصاد استثماري منتج يعيد الثقة بالنظام المصرفي ويفتح أبواب الشراكة أمام الشركات العالمية.
3. إطلاق دبلوماسية اقتصادية تركّز على الطاقة النظيفة، والموانئ، وربط العراق بشبكات التجارة الإقليمية الكبرى.
ختاماً: شجاعة الحذر لا حماسة الصدام : لقد آن للعراق أن يُثبت أن الذكاء السياسي ليس في رفع الصوت، بل في توظيف الصمت كأداة نفوذ، وأنّ الشجاعة ليست في الحرب، بل في تجنّبها حين تكون عبثية.
الذين كتبوا مآسي البلاد كانوا يظنون أنهم يكتبون أمجادها؛ واليوم، على العراق أن يكتب تاريخه من جديد بلغة التنمية لا البنادق، وبعقل الدولة لا ردّات الفعل.
العالم يراقب، والفرصة ما تزال قائمة: أن يكون العراق جسر توازنٍ اقتصادي وسياسي بين الشرق والغرب، لا ساحةً لصراعاتهما، وأن يُثبت أن المستقبل لا يُصنع بالولاء للمحاور، بل بالإيمان بقدرة الوطن على أن يكون مركز القرار لا هامشه.

جوع ينهش الطبقات الفقيرة ورفاهية مفرطة لشرائح أخرى. المشكلة ليست في الفرح بحد ذاته، بل في ضياع الحقوق التي لم تصل لمن يس...
16/09/2025

جوع ينهش الطبقات الفقيرة ورفاهية مفرطة لشرائح أخرى.
المشكلة ليست في الفرح بحد ذاته، بل في ضياع الحقوق التي لم تصل لمن يستحقها.
ما بين الصورتين فجوة تصرخ: لو وُزّعت الثروة بعدل، لما بحث طفل عن لقمة على الأرض، ولا شعر آخر أن الفرح حكرٌ على فئة بعينها.
إن العدالة الاجتماعية ليست شعارات تُرفع، بل هي الخبز على موائد الفقراء، والدواء في مستشفياتهم، والتعليم لأطفالهم.
وما لم تتحقق هذه المعادلة، سيبقى الوطن مقسوماً بين صورة ألم وصورة ترف.

*السياحة العراقية بين الماضي الضائع والمستقبل الممكن : كيف فقدنا الريادة وكيف نستعيدها*؟د. عامر عبد رسنhttps://m.ahewar....
13/09/2025

*السياحة العراقية بين الماضي الضائع والمستقبل الممكن : كيف فقدنا الريادة وكيف نستعيدها*؟

د. عامر عبد رسن

https://m.ahewar.org/s.asp?aid=884003&r=0&cid=0&u=&i=0&q=

في عصر أصبحت فيه تنويع الموارد الاقتصادية ضرورة وجودية للدول التي تعتمد على النفط، برزت السياحة كأحد أهم القطاعات القادرة على تحقيق دخل مستدام وخلق فرص عمل واسعة.
وإذا كانت المملكة العربية السعودية قد استطاعت أن تحوّل السياحة في أقل من عقد إلى ما يشبه “نفطاً جديداً”، فإن العراق – الذي كان يوماً رائداً في السياحة الدينية والثقافية – ما زال متأخراً عن هذا الركب، رغم امتلاكه مقومات حضارية وطبيعية لا تضاهى.
تجارب دول الجوار: من النفط الأحادي إلى اقتصاد متنوع : في السنوات الأخيرة، اتجهت دول قريبة من العراق وذات ظروف اقتصادية شبيهة، إلى بناء مشاريع عملاقة واستثمارات سياحية تتجاوز مئات المليارات من الدولارات،
مستهدفة عشرات الملايين من الزوار سنوياً، وطرحت نفسها على الساحة العالمية كمنافسٍ للأسواق الأوروبية والآسيوية.
هذه الدول استخدمت أدوات متقدمة مثل:
1. استثمار ضخم ومنظم في البنى التحتية والمشاريع الكبرى.
2. تسويق عالمي ذكي عبر المعارض الدولية والفعاليات الثقافية.
3. تشريعات محفّزة تشمل التأشيرات الإلكترونية وتشجيع الاستثمار الأجنبي.
4. القوة الناعمة عبر المهرجانات الموسمية والفنية التي تحولت إلى منصات جاذبة.
لكن هذه النجاحات لم تخلُ من محاولات لإعاقة التجارب الناشئة في أماكن أخرى. فعلى سبيل المثال، شهدت بغداد قبل سنوات تجربة ترفيهية واعدة كادت أن تتحول إلى موسم سياحي ناجح،
لكنها واجهت ضغوطاً من جماعات متشددة، وجرى الحديث حينها على مواقع التواصل عن رشاوى مدفوعة لإفشال التجربة حتى تبقى بعض المدن الأخرى في شمال البلاد مستحوذة على عوائد المهرجانات الفنية.
هذه الحادثة تكشف بوضوح أن التحدي أمام السياحة العراقية ليس فقط في البنى التحتية، بل أيضاً في الصراع الخفي على النفوذ الاقتصادي.
العراق: من الريادة إلى الغياب ؛ كان العراق في زمن قريب أيقونة سياحية للمنطقة:
• بغداد مقصداً ثقافياً وحضارياً.
• الأهوار نموذجاً للسياحة البيئية النادرة.
• المراقد الدينية في النجف وكربلاء والكاظمية وسامراء وجهة لملايين الزوار.
لكن الحروب والعقوبات وسوء الإدارة جعلت هذا القطاع يتراجع بشدة. اليوم، ورغم استقبال العراق أكثر من 20 مليون زائر ديني سنوياً، فإن العوائد الاقتصادية تبقى محدودة جداً، بينما كان يمكن – لو وُضعت رؤية استراتيجية – أن تتجاوز 30 مليار دولار سنوياً.
الفجوة بالأرقام
• الاستثمارات: خصصت دول مجاورة أكثر من 800 مليار دولار للمشاريع السياحية، بينما لم يرصد العراق حتى الآن سوى مبالغ متواضعة لا تشكل 10% من هذا الرقم.
• عدد الزوار: جيران العراق يستهدفون 150 مليون زائر بحلول 2030، بينما العراق لم يضع هدفاً وطنياً لزيادة العدد أو تعظيم العوائد.
• العوائد المالية: تلك الدول تتوقع أكثر من 100 مليار دولار سنوياً من السياحة، فيما يستطيع العراق – إذا طور خدماته – تحقيق ما لا يقل عن 30 مليار دولار بحلول 2035.
• فرص العمل: تم توفير أكثر من مليون وظيفة جديدة في المنطقة عبر السياحة، بينما يمكن للعراق أن يخلق رقماً مشابهاً إذا ما استثمر قطاعه.
ما يحتاجه العراق
1. رؤية وطنية للسياحة (العراق 2035) ترفع مساهمة القطاع إلى 10% من الناتج المحلي.
2. إطلاق مشاريع كبرى مثل “مدينة سومر السياحية” حول زقورة أور، و”كورنيش دجلة” في بغداد، وتطوير ممر النجف–كربلاء كمحور سياحي متكامل.
3. تسويق عالمي نشط بهوية سياحية عراقية واضحة عبر الأجنحة الدولية والمعارض.
4. إصلاح تشريعي يضمن بيئة استثمارية جاذبة.
5. بنية تحتية متطورة من مطارات وفنادق ونقل سياحي.
6. صندوق سيادي للسياحة يمول المشاريع الكبرى من فوائض النفط.
العوائد المتوقعة
• استقطاب 40 إلى 50 مليون زائر سنوياً بحلول 2035.
• تحقيق أكثر من 30 مليار دولار كعوائد سنوية.
• خلق أكثر من مليون فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة.
• تعزيز مكانة العراق كقوة حضارية وثقافية.
الدروس المستفادة من التجارب الإقليمية
1. الرؤية الواضحة شرط لأي نجاح طويل المدى.
2. الاستثمار الجريء في مشاريع كبرى يمنح الثقة ويجذب المستثمرين.
3. التسويق العالمي ضروري لتحويل المواقع الأثرية إلى منتجات اقتصادية.
4. القوة الناعمة: السياحة وسيلة لصناعة صورة دولية إيجابية وليست مجرد قطاع خدمات.
لقد أثبتت التجارب القريبة أن الإرادة السياسية والتنظيم الاستثماري قادران على تحويل السياحة إلى ركيزة اقتصادية موازية للنفط. العراق، بما يمتلكه من نفط حضاري لا ينضب، يستطيع أن يعود إلى موقعه الطبيعي كوجهة سياحية رائدة،
إذا توفرت رؤية وطنية واضحة وقرار شجاع يضع التنمية المستدامة فوق الحسابات الآنية.

*ارتدادات خفض الفائدة الأميركية على العائدات العراقية*هبطت غالبية أسواق الأسهم الرئيسة في الخليج في ختام تداولات الأسبوع...
11/09/2025

*ارتدادات خفض الفائدة الأميركية على العائدات العراقية*

هبطت غالبية أسواق الأسهم الرئيسة في الخليج في ختام تداولات الأسبوع، رغم تزايد التوقعات بأن مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي سيُقدِم قريباً على خفض أسعار الفائدة. ويأتي ذلك وسط تصريحات لمسؤولين في الفيدرالي عن ضعف سوق العمل وضرورة تحفيز الاقتصاد، حيث أشار الحاكم كريستوفر والر إلى أن الخفض قد يكون ضرورياً في الاجتماع المقبل للبنك المركزي هذا الشهر.

ويحمل هذا القرار المنتظر تداعيات مهمة على اقتصادات الخليج والعراق على حد سواء، بحكم ارتباط العملات المحلية بالدولار واعتماد الموازنات على عوائد النفط المُسعّر عالمياً بالعملة الأميركية.

ماذا يعني خفض أسعار الفائدة في أميركا؟

القروض تصبح أرخص، ما يشجع الاستثمار والإنفاق.
عوائد السندات والودائع الأميركية تنخفض، مما يضعف جاذبية الدولار عالمياً.
المعروض النقدي يزداد، ما قد يدفع التضخم للصعود.
انعكاساته على أسواق الخليج

العملات الخليجية المرتبطة بالدولار ستتأثر مباشرة، إذ تُضطر البنوك المركزية إلى تحريك أسعار الفائدة محلياً حفاظاً على استقرار الربط.
الأسواق المالية قد تشهد سيولة أكبر، تدفع المستثمرين نحو الأسهم والعقار بدل السندات ذات العوائد المنخفضة.
البنوك قد تتعرض لضغط على هوامش الفائدة، لكنها تستفيد من نشاط الإقراض.
النفط قد يرتفع إذا أضعف الخفض قيمة الدولار، لكنه قد ينخفض إذا كان الخفض يعكس تباطؤ الاقتصاد الأميركي وتراجع الطلب على الطاقة.
انعكاسات خاصة على العراق

1. *ارتباط الدينار بالدولار* : الدينار العراقي مرتبط عملياً بالدولار الأميركي عبر سياسة البنك المركزي التي تعتمد على نافذة بيع العملة وتثبيت سعر الصرف. أي خفض في الفائدة الأميركية يعني أن العراق يستورد السياسة النقدية نفسها تقريباً، بما يحجّم قدرة البنك المركزي العراقي على المناورة المستقلة.

2. *الأرصدة العراقية في البنوك الأميركية* : عوائد بيع النفط العراقي تُودَع بالدولار في حسابات لدى الاحتياطي الفيدرالي الأميركي وبنوك أميركية أخرى. وعندما تنخفض الفائدة، يتراجع العائد على هذه الأرصدة، ما يقلل من دخل العراق غير النفطي من الفوائد. وبالمقابل، إذا تراجعت قيمة الدولار عالمياً، قد تتأثر القوة الشرائية لهذه الأرصدة سلباً.

3. *الموازنة العامة* : خفض الفائدة قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط مؤقتاً، وهو ما يصب في مصلحة الإيرادات العراقية. لكن المخاطر تظل قائمة إذا كان الخفض نتيجة تباطؤ الاقتصاد الأميركي، ما يعني تراجع الطلب العالمي على النفط وبالتالي ضغوط على الأسعار مستقبلاً.

4. *القطاع المصرفي العراقي* : البنوك العراقية التي تعتمد بدرجة كبيرة على نافذة بيع الدولار قد تجد نفسها أمام تضييق في هوامش الفائدة وضعف في تنويع أدواتها المالية، مما يزيد هشاشتها أمام أي اضطراب في السياسة النقدية الأميركية.

*التحذيرات* :

١- *هشاشة الارتباط بالدولار*: استمرار الربط الكامل يحرم العراق من أدوات حماية داخلية في مواجهة تقلبات الفيدرالي.
٢-*الاعتماد المفرط على الأرصدة الخارجية*: إبقاء معظم عوائد النفط في حسابات أميركية يُعرّض العراق لمخاطر سياسية واقتصادية، خصوصاً في حال تغيّر السياسات أو فرض قيود على التحويلات.
٣-*غياب التنويع*: أي تقلب في أسعار النفط أو قيمة الدولار سينعكس مباشرة على الموازنة العراقية التي تفتقر إلى مصادر دخل بديلة.
التوصيات

1. تعزيز الاحتياطيات المتنوعة: توجيه جزء من عوائد النفط نحو سلة عملات وأصول دولية مختلفة لتقليل مخاطر الدولار.

2. بناء صندوق سيادي داخل العراق لإدارة الفوائض بمرونة واستثمارها في مشاريع محلية منتجة.

3. إصلاح السياسة النقدية لتقليل الاعتماد المطلق على قرارات الفيدرالي، وتطوير أدوات دين محلية مقوّمة بالدينار.

4. تسريع تنويع الاقتصاد لتخفيف أثر أي تقلبات نفطية–نقدية على الموازنة العامة.

*الخلاصة*: خفض الفائدة الأميركية قد يبدو فرصة قصيرة الأمد لارتفاع أسعار النفط وتنشيط الأسواق، لكنه يحمل في جوهره مخاطر هيكلية على العراق بسبب الارتباط الوثيق بالدولار وأرصدة النفط في البنوك الأميركية. لذا نحتاج الى قرارات شجاعة لتنويع الاقتصاد وحماية الاحتياطيات، فإنها ستبقى رهينة لسياسات لا نملك التحكم بها.
https://knoozmedia.iq/2025/09/06/202928/

Address

Baghdad
Baghdad

Alerts

Be the first to know and let us send you an email when د.عامر عبد رسن الموسوي posts news and promotions. Your email address will not be used for any other purpose, and you can unsubscribe at any time.

Contact The Business

Send a message to د.عامر عبد رسن الموسوي:

Share