
12/08/2025
السيلفي والتصوير في الشوارع
بين الاخلاقي والقانوني
# # التصوير بالهاتف النقال في الفضاءات تحليل أخلاقي وقانوني في ظل الحقوق المتضاربة
دراسة
**الملخص:**
أصبحت كاميرات الهواتف الذكية امتداداً لليد البشرية، مما جعل التصوير في الأماكن العامة ظاهرة يومية. إلا أن هذه السهولة تطرح إشكاليات أخلاقية وقانونية معقدة، تتعلق بتصادم الحقوق الأساسية: حق الفرد في الخصوصية وعدم الظهور (الحق في الصورة) مقابل حق الآخرين في التصوير والتعبير (حرية التقاط الصور). تختلف التشريعات في موازنتها لهذه الحقوق، وتتزايد المخاطر مع تطور تقنيات التلاعب بالصور.
# # # الإطار الأخلاقي: التوازن بين الحقوق والمسؤولية
1. **الحق في الخصوصية واحترام الكرامة:** حتى في الأماكن العامة، يحتفظ الفرد بمساحة من الخصوصية المتوقعة (Reasonable Expectation of Privacy). تصويره دون علمه أو موافقته، خاصة في لحظات ضعف أو حرج، ينتهك كرامته وحقه في التحكم في صورته.
2. **حرية التعبير والإبداع:** للأفراد الحق في توثيق الأحداث العامة، ممارسة الصحافة المواطنية، والتعبير الفني عبر التصوير. هذه الحرية أساسية للمجتمع الديمقراطي.
3. **مبدأ الموافقة (Consent):** يعتبر الحصول على موافقة صريحة (خاصة عند التركيز على أفراد محددين أو في سياقات حساسة) من ركائز الأخلاقيات. الموافقة الضمنية أقل وضوحاً في الأماكن العامة.
4. **نية الاستخدام:** يختلف الحكم الأخلاقي بين تصوير حدث عام لأغراض إخبارية أو فنية، وتصوير أفراد لغرض السخرية، المضايقة، أو الاستغلال.
5. **تجنب الضرر:** يفرض الواجب الأخلاقي تجنب إلحاق الضرر النفسي، الاجتماعي، أو المادي بالأشخاص المصورين، خاصة الفئات الضعيفة (الأطفال، ضحايا الحوادث، المشردون).
# # # التبعات القانونية: حق الصورة وحق التقاط الصور (مقارنة تشريعية)
يعالج القانون هذه الإشكاليات عبر مفهوم "الحق في الصورة" (Right to One's Image) أو "الحق في الخصوصية التصويرية". جوهره هو حق الفرد في السيطرة على استخدام صورته. تختلف الحماية التشريعية بشكل كبير:
# # # # التشريعات الأوروبية (مع التركيز على فرنسا كنموذج قوي)
* **الأساس القانوني:**
* **النظام العام لحماية البيانات (GDPR):** يعتبر الصور الشخصية "بيانات بيومترية" تخضع للقواعد الصارمة: ضرورة وجود أساس قانوني للجمع (كالموافقة أو المصلحة المشروعة)، شفافية في الاستخدام، حق المعارضة والحذف ("الحق في النسيان" - Article 17).
* **القانون المدني الفرنسي (المادة 9):** ينص صراحة على أن "لكل شخص الحق في احترام حياته الخاصة".
* **المادة 226-1 من القانون الجنائي الفرنسي:** تجرم تصوير أو تسجيل شخص في مكان خاص دون موافقته (تفسير "المكان الخاص" قد يمتد أحياناً ليشمل أماكن عامة إذا كان هناك توقع معقول للخصوصية كداخل مقهى شبه خالٍ).
* **المادة 226-8:** تجرم نشر أو استخدام صورة شخص دون موافقته إذا كان ذلك يضر بكرامته أو سمعته، حتى لو التقطت في مكان عام.
* **المبدأ السائد:**
**الموافقة المسبقة هي القاعدة** لنشر أو استخدام صورة شخص معين في معظم السياقات غير الصحفية/الفنية العامة الواضحة. حرية التقاط الصور في الأماكن العامة مقبولة بشكل عام، **لكن نشرها أو استخدامها تجارياً يتطلب غالباً الموافقة**. التركيز على حماية الخصوصية والكرامة.
# # # # التشريعات العربية (مع التركيز على الجزائر)
* **الأساس القانوني:**
* **القانون الجزائري 18-07 المؤرخ في 10 يونيو 2018 المتعلق بحماية الأشخاص الطبيعيين في معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي (الفصول 10, 11, 12, 33):**
* يلزم الحصول على موافقة صريحة وخاصة ومسبقة وواضحة لمعالجة المعطيات الشخصية (بما فيها الصور البيومترية) (الفصل 10).
* يمنح الشخص الحق في المعارضة (الفصل 33) والحق في طلب التصحيح أو الحذف (الفصل 12).
* يحدد الشروط الصارمة لمعالجة المعطيات الحساسة (التي قد تنطبق على صور تكشف عن الأصل العرقي، الحالة الصحية، المعتقدات الدينية...) (الفصل 11).
* **القانون الجزائري رقم 09-04 المؤرخ في 5 أغسطس 2009 المتعلق بحق المؤلف والحقوق المجاورة:**
* يعترف بحقوق شخصية للمؤلف (مثل حق نسبة العمل إليه وحق احترام العمل)، لكنه **لا ينظم بشكل مباشر حق الأشخاص المصورين في صورهم**.
* **القانون الجزائري الجنائي (مثل المواد 303 مكرر وما بعدها المتعلقة بالتجسس والاعتداء على الحياة الخاصة):**
* يمكن تفسير بعض المواد بشكل واسع لتجريم التصوير الذي ينتهك حرمة الحياة الخاصة بشكل خطير، لكنها أقل تحديداً من القانون الفرنسي فيما يتعلق بالتصوير في الأماكن العامة.
* **المبدأ السائد:**
**تتجه نحو حماية الخصوصية والبيانات الشخصية بشكل متزايد (خاصة مع قانون 18-07)**. الموافقة ضرورية بشكل عام لمعالجة الصور (أي استخدامها يتجاوز مجرد التخزين الشخصي). **يوجد غموض نسبي في تنظيم التصوير غير التجاري/غير الصحفي للأفراد في الأماكن العامة ونشره على وسائل التواصل الاجتماعي**. الثقافة القانونية والقضائية لا تزال تتطور في هذا المجال. التركيز على حرمة الحياة الخاصة والكرامة مستمد من الشريعة الإسلامية والقيم الاجتماعية.
**مقارنة مركزية:**
| المعيار | التشريعات الأوروبية (خاصة فرنسا) | التشريعات العربية (خاصة الجزائر) |
| :----------------------- | :---------------------------------------------------------- | :--------------------------------------------------------- |
| **الأساس القانوني** | قانون الخصوصية (مدني)، قانون حماية البيانات (GDPR)، قانون جنائي خاص بالتصوير | قانون حماية البيانات الشخصية (جزائري 18-07)، قوانين جنائية عامة، قيم دينية/اجتماعية |
| **التقاط الصور في الأماكن العامة** | **مسموح بشكل عام** (باستثناء أماكن توقع خصوصية) | **مسموح بشكل عام غالباً**، لكن قد يكون مثيراً للجدل اجتماعياً |
| **النشر/الاستخدام التجاري** | **يتطلب موافقة صريقة غالباً** (ما لم تكن الصورة جزءاً من حشد أو حدث عام) | **يتطلب موافقة صريقة وفقاً لقانون حماية البيانات** |
| **النشر على وسائل التواصل (غير تجاري)** | **قد يتطلب موافقة إذا كان التركيز على فرد ويسبب ضرراً** (قانون جنائي) | **غالباً يتطلب موافقة (قانون بيانات)، تطبيق عملي متباين** |
| **الحماية الجنائية** | **قوية ومحددة** (نصوص تجرم التصوير السرّي، النشر الضار) | **أقل تحديداً**، تعتمد على تفسير نصوص عامة (انتهاك حرمة الحياة الخاصة) |
| **الحق في الحذف/النسيان** | **قوي** (GDPR، سوابق قضائية) | **موجود نظرياً** (قانون 18-07)، تطبيقه العملي قيد التطور |
| **المركزية** | **حماية الخصوصية والبيانات الشخصية** | **حماية الخصوصية والكرامة والشرف مستمدة من الدين والقيم** |
# # # طرق التلاعب والأضرار الناجمة عن التصوير في الشوارع
1. **التلاعب المباشر:**
* **القص والتغيير السياقي (Out of Context):** أخذ صورة من سياقها الأصلي ووضعها في سياق مختلف لتشويه معناها ونية الأشخاص فيها (مثلاً: تصوير شخص يضحك أثناء جنازة).
* **المونتاج والتزوير:** دمج صور أو تغيير عناصر فيها (إضافة أشياء، حذف أشخاص) لخلق واقع مزيف أو إلحاق الضرر.
* **التعليقات والتسميات الكاذبة:** إضافة نصوص أو هاشتاقات مضللة لتوجيه الرأي العام ضد الشخص المصور.
2. **التلاعب المتقدم (Deepfakes والتزييف العميق):**
* **استبدال الوجوه والفيديو:** استخدام الذكاء الاصطناعي لنقل وجه شخص إلى جسد آخر أو تغيير تعبيرات وجهه أو كلماته في فيديو. هذا يشكل تهديداً وجودياً للحقيقة ويمكن استخدامه للابتزاز، التشهير، أو التلاعب السياسي.
3. **الأضرار الناجمة:**
* **الضرر النفسي:** القلق، الاكتئاب، الخوف من الخروج، الصدمة النفسية (خاصة لدى ضحايا التنمر أو التحرش).
* **الضرر الاجتماعي:** تشويه السمعة، فقدان الوظيفة، العزلة الاجتماعية، وصمة عار.
* **الضرر المادي:** خسائر مالية نتيجة فقدان العمل، تكاليف الدعاوى القضائية.
* **انتهاك الخصوصية والكرامة:** شعور دائم بالمراقبة وفقدان السيطرة على الهوية الرقمية.
* **تأجيج العنف والتنمر:** استخدام الصور لنشر الكراهية، التنمر الإلكتروني، أو التحريض على العنف.
* **تآكل الثقة الاجتماعية:** خلق جو من الشك وعدم الارتياح في الفضاءات العامة.
# # # الخلاصة والتوصيات
يشكل التصوير بالهاتف في الأماكن العامة تحدياً قانونياً وأخلاقياً معقداً يتطلب موازنة دقيقة بين حقوق متعارضة. بينما تميل التشريعات الأوروبية (خاصة فرنسا) نحو حماية صارمة للخصوصية والصورة الشخصية معترفة باستثناءات للصالح العام، تسير التشريعات العربية (مثل الجزائرية مع قانون 18-07) في هذا الاتجاه لكن تطبيقها العملي لا يزال يتطور وسط نسيج اجتماعي وثقافي فريد.
تتفاقم المخاطر مع قدرات التلاعب الرقمي المتقدمة (Deepfakes)، مما يفرض تحديات غير مسبوقة على المشرعين والقضاء. الحلول تتطلب:
1. **تطوير تشريعات رشيدة:** توازن بوضوح بين حرية التصوير/التعبير وحماية الخصوصية/الكرامة، وتتناول صراحةً قضايا التلاعب الرقمي والنشر على المنصات. تعزيز القوانين المشابهة لقانون حماية البيانات الجزائري وتطبيقها.
2. **الوعي المجتمعي:** تثقيف الأفراد حول حقوقهم (الحق في الصورة، الحق في المعارضة والحذف) ومسؤولياتهم عند التصوير ونشر صور الآخرين.
3. **تطوير آليات تنفيذ فعالة:** تسهيل سبل اللجوء للقضاء لحماية الحقوق، وتعزيز دور هيئات حماية البيانات.
4. **مسؤولية المنصات الرقمية:** فرض التزامات أكبر على منصات التواصل لمراقبة المحتوى الضار (التشهير، التلاعب الخطير، التنمر) واحترام طلبات الحذف بناءً على القوانين الوطنية.
5. **أطر أخلاقية للصحافة المواطنية:** تشجيع وضع مبادئ توجيهية أخلاقية لنشر الصور والفيديوهات ذات الأهمية العامة مع احترام حقوق الأفراد.
فهم هذه الأبعاد الأخلاقية والقانونية المتشعبة، والمقارنة بين النُظم المختلفة، هو خطوة أساسية نحو ضمان استخدام هذه التكنولوجيا القوية (كاميرا الهاتف) بطريقة تحترم الكرامة الإنسانية والحقوق الأساسية في الفضاء العام المشترك.