مجلة أبوليوس الرواية الجزائرية

مجلة أبوليوس الرواية الجزائرية رابط المجموعة والمجلة : https://www.facebook.com/groups/apolieus/ قصة ابوليوس

الفتى الأسود الفقير سأل المليونيرة المشلولة:“هل أستطيع أن أشفيكِ مقابل ذلك الطعام المتبقي؟”ابتسمت—ومن هنا تغيّر كل شيء…ف...
23/09/2025

الفتى الأسود الفقير سأل المليونيرة المشلولة:
“هل أستطيع أن أشفيكِ مقابل ذلك الطعام المتبقي؟”
ابتسمت—ومن هنا تغيّر كل شيء…

في ظهيرة صيفية قائظة في أتلانتا، دحرجت كارولاين ويتمن كرسيها المتحرك على الرصيف خارج مقهى هادئ.
كانت رائدة أعمال تقنية سابقة، ظهرت يومًا على أغلفة المجلات، لكنها أصبحت الآن معروفة بعزلتها في البنتهاوس وكرسيها المتحرك.
حادث سيارة قبل خمس سنوات سلب منها ساقيها ومعظم فرحتها.

وبينما كانت تعدّل نظارتها الشمسية، باغتها صوت:

— “عذرًا يا سيدتي… هل أستطيع أن أشفيكِ مقابل ذلك الطعام المتبقي؟”

رمشت كارولاين بدهشة.
كان يقف أمامها فتى لم يتجاوز الرابعة عشرة. بشرته الداكنة تلمع بالعرق، قميصه ممزق، حذاؤه الرياضي مهترئ. كان يمسك بكيس ورقي مجعَّد كما لو أنه يحمل فيه كل ما يملك.
لكن عينيه كانتا ثابتتين—جائعتين، ليس فقط للطعام، بل للفرصة.

في البداية، ضحكت كارولاين بسخرية حادة. توقعت أن يطلب مالاً، أو ربما قصة مبالغ فيها.
لكنها بدلاً من ذلك رأت جدية أزعجتها.
سألت: “ماذا قلتَ للتو؟”

ابتلع الفتى ريقه وقال:
— “أستطيع أن أساعدكِ لتصبحي أقوى. درستُ العلاج—تمارين رياضية، تمددات، أشياء قد تعيد ساقيكِ للعمل مجددًا. أشاهد مقاطع فيديو، أقرأ كتبًا، وأتدرب… فقط لا أستطيع الاستمرار إن لم آكل. أرجوكِ.”

حدقت فيه كارولاين، لا تدري إن كان عليها أن تغضب أم تنبهر.
في عالمها، الأطباء بمعاطفهم البيضاء والمعالجون الحاصلون على شهادات أكدوا لها أن التقدم مستحيل.
ومع ذلك، ها هو مراهق ممزق الثياب يدّعي أنه سينجح حيث فشلوا.

كان اسمه ماركوس كارتر.

رغم غرائزها، تغلّب فضول كارولاين على شكوكها.
قالت أخيرًا، مشيرة إلى كيس المقهى على حجرها:
— “حسنًا، ساعدني، وسأتأكد أنك لن تجوع مرة أخرى. لنرَ إن كان بإمكانك أن تثبت ثقتك بنفسك.”

تلك اللحظة—صفقة غير متوقعة بين مليونيرة مشلولة وصبي جائع—وضعت كليهما على طريق لم يكن أحد منهما ليتنبأ به

كان اسمه ماركوس كارتر.

في صباح اليوم التالي، ظهر ماركوس في شقة كارولاين الفاخرة. بدا متوترًا لكنه مصمم، يحمل دفتر ملاحظات مليئًا بتمارين كتبها بخط يده من كتب استعان بها من المكتبة. راقبته كارولاين وهو يتنقل بخطواته القلقة عبر الأرضيات الرخامية، غريبًا تمامًا وسط عالمها المليء بالثريات والجدران الزجاجية الممتدة من الأرض حتى السقف.

سخرت قائلة:
— “حسنًا يا مدرب، أرني ما لديك.”

بدأ ماركوس بالتمددات. وضع ساقي كارولاين بعناية، مشجعًا إياها أن تدفع ضد المقاومة. في البداية، كرهت الأمر—الألم الحارق، الإحباط، الإهانة من الفشل في أبسط الحركات. لكن إصرار ماركوس كان لا يتزعزع.

— “أنتِ أقوى مما تظنين،” قال لها. “تكرار واحد إضافي. لا تتوقفي الآن.”

يومًا بعد يوم، كان يعود. يعملان مع الأثقال اليدوية، تدريبات التوازن، وحتى الوقوف المدعوم. لعنت كارولاين، وبكت، وكادت أن تستسلم. لكن ماركوس لم يتراجع قط. كان يحتفل بالانتصارات الصغيرة—ارتعاشة في قدمها، ثانية إضافية من الوقوف—وكأنها انتصارات أولمبية.

وفي الوقت نفسه، بدأت شقة كارولاين تتغير. غرفة المعيشة الباردة الجافة امتلأت بالضحك، وبنكات ماركوس الساذجة، وبإيقاع الجهد. حتى مساعدتها الشخصية لاحظت التغيير: كارولاين صارت تبتسم أكثر، وتصدر أوامر أقل، بل وتسأل عن حياة ماركوس.

ما عرفته عنها جعلها تتواضع. كان ماركوس يعيش مع والدته في حي موبوء بالجريمة والفقر. الطعام نادر. ومع ذلك وجد وقتًا ليتعلم، يتسلل إلى المكتبات العامة، يشاهد مقاطع العلاج على هواتف مستعارة، ويرفض الاستسلام.

في عزيمته، رأت كارولاين جزءًا من نفسها—نفس العناد الذي استخدمته لبناء شركتها الأولى. لكن ماركوس كان يملك أدوات أقل، وفرصًا أقل بكثير.

بعد ثلاثة أسابيع، حدث شيء ما. وقفت كارولاين، ممسكة بظهر الأريكة، جسدها يرتجف، لكن ساقيها تحملانها لما يقارب نصف دقيقة. امتلأت عيناها بالدموع. همست:
— “لم أشعر بهذا منذ سنوات.”

ابتسم ماركوس ابتسامة واسعة:
— “أخبرتكِ. أنتِ فقط كنتِ بحاجة لشخص يؤمن أن الأمر ممكن.

مضت شهور. أصبح جسد كارولاين أقوى، لكن الأهم أن روحها تغيّرت. بدأت تخرج من جديد—تمشي خطوات قصيرة في الحديقة وإلى جانبها ماركوس، بينما صار الكرسي المتحرك مجرد احتياط بدلًا من أن يكون سجنًا.

أما ماركوس، فقد تغيّر هو الآخر. مع الطعام المنتظم، والملابس النظيفة، وتشجيع كارولاين، بدأ يكتسب وزنًا، وحيوية، وأملًا. ولأول مرة، أخذ يتحدث عن البقاء في المدرسة، والسعي وراء المنح الدراسية، وربما حتى دراسة الطب.

في إحدى الأمسيات، تناولا العشاء معًا في غرفة الطعام الفاخرة بالبنتهاوس. نظرت كارولاين إلى ماركوس عبر الطاولة، عينيه تلمعان بالعزيمة، وشعرت بالامتنان الذي لم تعرفه منذ سنوات. قالت بهدوء:
— “لقد فعلتَ أكثر من مساعدتي على المشي مجددًا. لقد ذكّرتني لماذا تستحق الحياة أن نقاتل من أجلها.”

مسح ماركوس فتات الخبز عن شفتيه مبتسمًا:
— “وأنتِ منحتِني فرصة لم أكن أظن أنني سأحصل عليها يومًا. وهذا أثمن من الطعام.”

بدأ خبر تعافي كارولاين التدريجي ينتشر بين معارفها. وعندما سألها أصدقاؤها عن تقدمها، فاجأتهم بأن الفضل يعود إلى صبي من الشارع، لا إلى عيادة باهظة الثمن. البعض رفع حاجبيه دهشة، والبعض الآخر أعجب بصدقها، لكن كارولاين لم تكترث.

فهي كانت تعرف ما يهم حقًا.

المليونيرة التي عاشت يومًا في عزلة وجدت حريتها، ليس عبر الثروة، بل عبر صبي رفض الاستسلام. والمراهق الجائع الذي كان يتسول بقايا الطعام، وجد هدفًا، وكرامة، ومستقبلًا.

كل ذلك بدأ بسؤال واحد، طُرح بشجاعة مرتجفة في ظهيرة قائظة:

— “هل أستطيع أن أعالجك مقابل ذلك الطعام المتبقي؟
منقول

21/09/2025
عندما توفي مارلون براندو في يوليو 2004، أغلق جاك نيكلسون البوابات الحديدية الثقيلة لمنزله في شارع مولهلاند درايف وانسحب ...
11/09/2025

عندما توفي مارلون براندو في يوليو 2004، أغلق جاك نيكلسون البوابات الحديدية الثقيلة لمنزله في شارع مولهلاند درايف وانسحب إلى الداخل. الرجل الذي كان يسيطر ذات يوم على كل غرفة بطاقته غير المتوقعة وسحره، أصبح صامتًا ــ شبه غير مرئي. لقد عاش براندو بجواره، في قصر متداعٍ، مثقل بالقصص والأشباح والمجد الماضي. خسارته لم تكن مجرد فقدان صديق: كانت شرخًا في إيقاع حياة نيكلسون.

كان جاك معجبًا ببراندو قبل وقت طويل من أن يصبحا جارين. لم تزدهر صداقتهما تحت أضواء الكاميرات أو في سهرات هوليوود الصاخبة، بل في بساطة الصحبة الهادئة. براندو، الذي كان متوجسًا من الشهرة، وجد راحته في تلك الصمتات. نزهات صباحية، زجاجة نبيذ تُترك أمام الباب، محادثات ليلية طويلة تحت السماء الكاليفورنية ــ تلك كانت لحظاتهما. وعندما تدهورت صحة براندو، كان نيكلسون يزوره كثيرًا. لم يكن يسعى إلى تسليته، بل كان يجلس، يصغي، ويبقى.

بعد وفاة براندو، تغيّر جاك. وقد لاحظ أصدقاؤه ذلك. رفض المقابلات، وتجنب الفعاليات الاجتماعية، ولأول مرة منذ عقود، غاب عن حفل الأوسكار لعام 2005. المنزل الذي كان يملأه الضحك والموسيقى خيّم عليه الصمت. والشارع الذي جمع أسطورتين من هوليوود بدا الآن فارغًا، مثل استوديو تصوير بعد انتهاء آخر مشهد.

أولئك الذين اقتربوا منه وجدوه أكثر تأملًا، وأكثر تحفظًا. وغالبًا ما كانت الأحاديث تعود إلى براندو. كان يتحدث عن البيت المجاور القديم، الذي كان يعج بالحياة، وقد غدا الآن ساكنًا، صمته يفيض حتى يصل إلى عشب منزله. كان جاك يرثي براندو لا كزميل أو أيقونة، بل كأخ ــ كمرآة لنفسه.

لقد أجبرت خسارة براندو جاك على مواجهة حقائق طالما حاول تجنبها: الشيخوخة، التوريث، النهاية. رؤية براندو وهو يذوي هزّته بعمق. قال لصديق ذات مرة: «هكذا سيكون المستقبل». وبعدها بوقت قصير، بدأ يرفض الأدوار ــ ليس بسبب ضعف النصوص، بل لأن شيئًا في داخله قد تبدّل. آخر ظهور كبير له كان في فيلم ?How Do You Know (2010)، في إصدار هادئ، بلا ضجيج.

انكفأ إلى حدائقه وأسطواناته، يقضي الساعات بين الأشجار والطيور التي كان براندو يطعمها في الماضي. وفي بعض الأيام، كان يجلس على شرفته، في مواجهة منزل براندو، يتأمل بصمت. وصف أصدقاؤه هذا الأمر ليس كاختفاء، بل كانسحاب ــ بعيدًا عن الضجيج، وعن التمثيل، وعن ثقل كونه "جاك نيكلسون".

لم يفسر جاك علنًا يومًا سبب هذا الانسحاب. لكن من كانوا يعرفونه فهموا: لم يكن الأمر متعلقًا بتراجع نجوميته. بل كان فقدانًا لشيء حقيقي. براندو لم يكن مجرد جار أو رفيق مهنة ــ كان هو الشخص الذي فهم ألم الشهرة الغريب، وفي الوقت نفسه توق إلى الصمت.

منزل براندو ما زال قائمًا، شبه خاوٍ، يترك نفسه للزمن ببطء. أما جاك فما زال يعيش بجواره، نادر الظهور، إلا في مباراة لفريق اللايكرز أو في نزهة هادئة بين التلال. الرجل الذي كان يخطف أنظار كل مكان صار يراقب الآن من الهوامش، إرثه سليم، صوته خافت، وعالمه صار أضيق.

جاك نيكلسون لم يختفِ. إنه فقط تبع الصمت، حيث لم تعد للكلمات أي قيمة.
منقول
---

اقتباسات من روايتي:"حينَ يعودُ الظّل"...لَمْ أَعُدْ أَعْلَم إِنْ كُنْتُ قَدْ شُفِيتُ أَمْ أَنَّنِي ازْدَدْتُ مَرَضًا، فَ...
08/09/2025

اقتباسات من روايتي:"حينَ يعودُ الظّل"...
لَمْ أَعُدْ أَعْلَم إِنْ كُنْتُ قَدْ شُفِيتُ أَمْ أَنَّنِي ازْدَدْتُ مَرَضًا، فَالْعِلَاجُ هُنَاكَ، عَلّمَنِي كَيْفَ أُخْفِي الْأَلَمَ، لَكِنَّهُ لَمْ يُعَلِّمْنِي كَيْفَ أَتَعَافَى... كُلُّ الطُّرُقِ الَّتِي قَطَعْتُهَا، مِنْ شَوَارِعِ النُّرْوِيجِ الْبَارِدَةِ إِلَى أَزِقَّةِ الْجَزَائِرِ الْعَتِيقَة، لَمْ تُبْعِدْنِي عَنْ ذَاكِرَتِي الثَّقِيلَة... كُنْتُ أَهْرُبُ مِنَ الْمَاضِي، فَإِذَا بِي أَجِدُ نَفْسِي أَحْمِلُهُ مَعِي فِي كُلِّ خُطْوَة، كَظِلٍّ لَا يُفَارِقُنِي. وَرُبَّمَا كَانَتِ الْعَوْدَةُ فِي النِّهَايَةِ لَيْسَتْ إِلَى الْوَطَنِ، بَلْ إِلَى الْجُرْحِ الْأَوَّلِ الَّذِي لَمْ يَنْدَمِلْ يَوْمًا.




  قريبا في معرض الكتاب  #سيلا 2025والآن يمكنكم طلبها أونلاين من دار النشر اسكرايب للنشر والتوزيع.https://www.facebook.co...
01/09/2025



قريبا في معرض الكتاب #سيلا 2025
والآن يمكنكم طلبها أونلاين من دار النشر اسكرايب للنشر والتوزيع.
https://www.facebook.com/Scribe2019
أتمنى أن تنال إعجابكم، ونكون عند حسن الظن بنا🥰🥰

 #٥٠ الف دولار. تستطيع ان تحصل عليهم لو قبلت السكن لمده ٣٠ يوم متواصله  وحدك في هذا القصر المشيد علي جزيرة صغيرة قي المح...
30/08/2025

#٥٠ الف دولار.
تستطيع ان تحصل عليهم لو قبلت السكن لمده ٣٠ يوم متواصله وحدك في هذا القصر المشيد علي جزيرة صغيرة قي المحيط و التي تبعد ٢٠٠ كم من الارض و لا يصلها إشارة محمول و لا إنترنت و لا بها تلفزيون و لا حتي تيار كهربائي .
بالمناسبة المبني مجهز بغرفة نوم مريحة و مكتبة بها مئات الكتب و وسائل إعاشه كاملة من طعام و شراب يكفي لل٣٠ يوم .

الكاتب الأخير قصة من تأليف: عيسى إسماعيل في الليالي الأخيرة من شهرٍ ثقيل، كان عيسى يسير وحيدًا في شارع شبه مهجور، تضيئه ...
30/08/2025

الكاتب الأخير

قصة من تأليف:
عيسى إسماعيل

في الليالي الأخيرة من شهرٍ ثقيل، كان عيسى يسير وحيدًا في شارع شبه مهجور، تضيئه مصابيح صفراء متعبة. كان يحمل بين يديه كتابًا قديما وجده صدفة في سوق شعبي، كتاب لا يحمل عنوانًا ولا اسم مؤلف، لكن أوراقه كانت مليئة برموز وأرقام وخرائط غامضة.

حين قلب صفحاته لأول مرة، شعر بتيار بارد يمر في جسده. لم يفهم لماذا، لكنه سمع في داخله همسًا خافتًا:
"هذا الكتاب لم يأتِ إليك عبثًا… إنه مفتاحك."

أغلق الكتاب بسرعة، وكأنه ارتكب خطأ فادحًا. لكنه منذ تلك الليلة، لم ينم كما اعتاد. كلما أغمض عينيه، رأى صورًا متقطعة: مدينة محترقة، رجال بوجوه بلا ملامح، وصوت امرأة مجهولة تردد جملة واحدة:
"ابحث عن الباب الثالث… قبل أن يُغلق."

عندما استيقظ في الصباح، كان كل شيء يبدو طبيعيًا… إلا الكتاب. لقد تغيّر. صفحات لم تكن هناك من قبل ظهرت، وصفحات أخرى اختفت. كأن الكتاب حيّ، يتنفس ويتحوّل.

ومنذ تلك اللحظة، لم يعد عيسى مجرد رجل عادي. لقد أصبح لاعبًا في لعبة أكبر منه، لعبة لا يعرف قواعدها بعد، لكن كل شيء بدا واضحًا:
الحياة التي كان يعرفها انتهت… ورحلته الحقيقية قد بدأت.

في مساء غامض آخر، جلس عيسى يتأمل الكتاب فوق طاولة خشبية قديمة. كان القمر يطلّ من النافذة نصف مكتمل، يضيء الصفحات التي تغيّرت مرة أخرى. هذه المرة ظهرت رسمة غريبة: باب ضخم مرسوم بحبر أسود، وفوقه رقم (٣) مكتوب بخط متعرّج، كأنه محفور لا مكتوب.

بينما كان يحدق في الرسم، شعر بالهمس يعود:
"الباب الثالث لا يُرى بالعين، بل يُفتح بالبصيرة. اقترب، ولا تخف."

لم يفهم شيئًا، لكنه شعر أن المدينة نفسها بدأت تتآمر عليه. في اليوم التالي، لاحظ أن رجالًا غرباء يراقبونه من بعيد. كانوا يقفون عند زوايا الطرق، لا يفعلون شيئًا سوى النظر نحوه، بوجوه جامدة وعيون لا ترمش.

ازداد فضوله وخوفه في آن واحد. وفي الليل، قرر أن يخرج ليتبع أحد هؤلاء الغرباء. سار خلفه في الأزقة الضيقة حتى وصل إلى مبنى مهجور. هناك، رأى الباب نفسه الذي كان مرسومًا في الكتاب. ضخم، أسود، فوقه الرقم (٣).

اقترب بخطوات بطيئة، وكلما تقدم شعر أن قلبه يخفق بعنف، وأن الهواء يثقل حوله. وضع يده على الباب، فاهتزّ المكان كله. وانفتح الباب ببطء، كاشفًا عن ممر طويل مظلم، يمتد إلى ما لا نهاية.

وقبل أن يتخذ خطوة، سمع صوت المرأة من جديد، لكن هذه المرة كان واضحًا ومخيفًا:
"إن دخلت… لن تعود كما كنت. القرار الآن بين يديك."

تردّد لحظة، لكن الفضول والقدر كانا أقوى من الخوف. رفع رأسه، ابتسم ابتسامة باهتة، ثم خطا داخل الممر. ومع أول خطوة، أُغلق الباب خلفه بصوت هائل، وكأن العالم الخارجي قد انقطع عنه نهائيًا.

حين انغلق الباب خلفه، عمّ صمت ثقيل. كان الممر طويلًا بلا نهاية، جدرانه عالية ومغطاة بنقوش غريبة، كأنها حروف قديمة من لغة منسية. كلما مدّ يده ليلمسها، شعر بحرارة مفاجئة، كأن الجدار حيّ ويخفي في داخله أرواحًا حبيسة.

لم يكن هناك ضوء سوى خيط أزرق باهت يمتد على طول الممر، يدله على الطريق. ومع كل خطوة يخطوها، كان يسمع أصواتًا هامسة من بعيد، أصواتًا تتحدث بلغات لا يعرفها، لكنها تحمل معنى خفيًا يدركه قلبه:
"امضِ… لا تنظر خلفك… الاختبار بدأ."

وفجأة، ظهر عند منتصف الممر مرآة ضخمة، مثبتة بين الجدارين. اقترب عيسى منها ببطء، وعندما نظر إلى انعكاسه، صُدم: لم يرَ صورته، بل رأى رجلًا آخر يشبهه تمامًا، لكنه أكبر سنًّا، بعينين حادتين ووجه يحمل آثار معارك كثيرة.

ذلك "الآخر" في المرآة ابتسم ابتسامة ساخرة وقال بصوت أجش:
– "أنا ما ستصبح عليه إن أكملت الطريق… لكن هل تتحمل أن ترى النهاية؟"

ارتجف قلبه، لكنه لم يهرب. مدّ يده نحو الزجاج، فإذا بالمرآة تهتزّ كالماء، وتجذب يده إلى داخلها. حاول التراجع، لكن قوة خفية سحبته دفعة واحدة.

سقط في فراغ هائل، بلا أرض ولا سماء، وسمع صدى صوته يتردد:
"الممر ليس طريقًا… إنه أنت."

وعندما فتح عينيه من جديد، وجد نفسه في مكان آخر كليًا: ساحة واسعة، تتوسطها ساعة حجرية ضخمة تشير عقاربها إلى الثالثة. حولها، أبواب كثيرة متراصة، لكن جميعها مغلقة عدا باب واحد ينبعث منه ضوء ساطع.

اقترب منه ببطء، وهو يدرك أن ما ينتظره خلفه… سيحدد مصيره إلى الأبد.

وقف عيسى أمام الساعة الحجرية العملاقة، والوقت متوقف عند الثالثة تمامًا. كان صدى عقاربها يطرق أذنيه رغم أنها لا تتحرك. شعر أن كل شيء حوله ينتظر إشارته هو، لا الزمن.

اقترب أكثر، فلاحظ نقشًا صغيرًا أسفل الساعة، بالكاد يُرى تحت الغبار:
"حين تصير أنت الباب الثالث، يبدأ الحساب."

ارتجف، وأحس أن الرقم (٣) يطارده في كل مكان: في الكتاب، على الباب الأسود، وفي هذه الساعة. لم يعد رقمًا عاديًا، بل رمزًا لمصيره.

رفع عينيه نحو الأبواب المحيطة بالساحة. كانت سبعة أبواب، كلها مغلقة بإحكام، إلا بابًا واحدًا يتوهج بنور أبيض ساطع. وقبل أن يتقدّم نحوه، انبثق صوت المرأة ذاتها من العدم، هذه المرة أكثر وضوحًا وصرامة:

– "الساعة الثالثة ليست وقتًا، بل عهدًا. إذا دخلت هذا الباب، لن تكون شاهدًا بعد الآن، بل فاعلًا. هل أنت مستعد لأن تدفع الثمن؟"

لم يجب. كان داخله يعرف أن العودة لم تعد ممكنة. كل ما حوله يدفعه إلى الأمام. مدّ يده نحو مقبض الباب، وعندما فتحه، غمره ضوء شديد كاد يعميه.

لكنه ما إن خطا خطوة واحدة، حتى وجد نفسه في مكتبة هائلة، تمتد رفوفها إلى ما لا نهاية. كتب لا تُعد ولا تُحصى، وأصوات صفحات تُقلب وحدها. في وسط المكتبة، جلس رجل عجوز بلحية بيضاء طويلة، يضع أمامه نفس الكتاب الذي بدأ كل شيء.

رفع العجوز رأسه، نظر إلى عيسى نظرة فاحصة، وقال ببطء:
– "أخيرًا جئت… كنتَ الصفحة المفقودة."

شعر عيسى بقشعريرة تسري في جسده. لم يفهم، لكنه أدرك أن سر حياته كلها مرتبط بهذه اللحظة.

جلس عيسى أمام العجوز الذي بدا كأمين سرّ الأزمنة، أو ربما كاتب القدر نفسه. كانت عيناه عميقتين، كأنهما شهدتا كل البدايات والنهايات. مدّ يده المرتجفة نحو الكتاب، لكن العجوز أوقفه بحركة بسيطة وقال:

– "هذا ليس كتابًا لتقرأه… إنه كتاب ليقرأك."

فتح العجوز الكتاب ببطء، فتطاير غبار كثيف من بين صفحاته. ومع كل صفحة كان يقلبها، كان عيسى يسمع أصواتًا وصورًا من ماضيه: طفولته، لحظات ضعفه، انتصاراته الصغيرة، أحلامه التي لم تتحقق. كان يرى حياته كلها مكتوبة بالحبر قبل أن يعيشها.

ثم توقف العجوز عند صفحة فارغة، وقال بنبرة غامضة:
– "هذه هي الصفحة المفقودة… لم تُكتب بعد، لأنها تنتظر قلمك أنت. إن كتبتها بصدق، ستُفتح لك أبواب لم تُفتح لأحد. وإن تركتها فارغة… ستموت هنا، في فراغ النص."

اقترب عيسى من الصفحة، لكن يده كانت ترتجف. من أين يبدأ؟ بماذا يكتب؟ فجأة، ظهر أمامه قلم أسود، كأنه مكوّن من دخان متجمّد. أمسكه، وإذا بصوت المرأة يعود من أعماق المكتبة:
– "اكتب… لكن تذكّر: كل كلمة ثمن، وكل سطر قدر."

وضع القلم على الصفحة البيضاء، وفور أن لمسها، بدأت الكلمات تنساب وحدها: لم يكن يكتب بيده فقط، بل بروحه. ظهرت جملة أولى:

"في الساعة الثالثة يبدأ الرجل رحلته، لا ليدخل النص، بل ليصبح النص."

ارتجف المكان كله، واهتزت جدران المكتبة. رفوف الكتب أخذت تتحرك، والكتب تتساقط وتفتح صفحاتها كأنها تعلن ولادة جديدة.

رفع العجوز رأسه، وابتسم ابتسامة غامضة:
– "لقد بدأت بالفعل… لم تعد القصة عنك، بل أنت القصة."

وفي تلك اللحظة، انطفأ كل شيء من حوله، وغرق عيسى في ظلام عميق، كأن المكتبة ابتلعته. لكن داخله كان يعلم: لم يعد مجرد باحث عن سرّ… لقد صار هو السرّ.

حين ابتلعه الظلام، لم يشعر عيسى بالضياع كما توقّع، بل بشيء آخر: كان يسمع أصواتًا كثيرة، ليست كالأصوات البشرية، بل كأصوات صفحات تُقلب في عقله. كل كلمة في داخله كانت تتحول إلى جملة مكتوبة، وكل شعور إلى سطر في كتاب لا يراه لكنه يحسّه.

فجأة، أدرك الحقيقة: هو نفسه صار نصًّا حيًّا، كتابًا مفتوحًا تمشي حروفه على الأرض. لم يعد يرى العالم كما اعتاد؛ الشوارع كانت أسطرًا طويلة، الناس كلمات متفرقة، وحتى صوته الداخلي صار أشبه بسطر يقرأه قبل أن ينطقه.

في تلك اللحظة، سمع همسًا جديدًا، هذه المرة ليس من امرأة ولا من عجوز، بل من ذاته العميقة:
"ما دمت نصًّا… فإن القارئ سيأتي."

ارتجف قلبه، وسأل نفسه: من هذا القارئ؟ أهو إنسان؟ أم قوة خفية؟ أم المستقبل نفسه؟

وبينما يفكر، وجد نفسه في ساحة جديدة. لم تكن ساحة عادية، بل كأنها كتاب ضخم مفتوح على صفحة واحدة، وعلى أطرافها جلس مئات الأشخاص بوجوه غامضة، يقرأونه بصمت. كلما تحرك، كانوا يتابعون حركته كأنها كلمات تتحرك أمام أعينهم.

صرخ عيسى:
– "من أنتم؟ ولماذا تراقبونني؟"

لكنهم لم يجيبوا، فقط ابتسموا جميعًا في وقت واحد، ثم قالوا بصوت واحد كأنه صدى:
– "نحن قرّاؤك… وأنت قصتنا."

سقط على ركبتيه مذهولًا. لقد صار وجوده ذاته رواية مفتوحة، وكل خطوة يخطوها تُقرأ وتُكتب في آن واحد. لم يعد يملك سرّه، لأن السر صار مكشوفًا للجميع.

وفجأة، عاد العجوز من جديد، واقترب منه هامسًا:
– "الآن عليك أن تختار: هل تظل نصًّا يُقرأ، أم تتحول إلى الكاتب الذي يكتب نفسه بنفسه؟"

رفع عيسى رأسه، وعيناه تلمعان بوميض غامض. كان يعرف أن الاختيار القادم سيقرر إن كان سيبقى أسير النص… أم سيده.

جلس عيسى في قلب الساحة – الساحة التي لم تكن سوى صفحة بيضاء هائلة – والوجوه من حوله تحدّق فيه دون رمش، كأنها تنتظر الكلمة القادمة. كان يعرف أن كل نفس يتنفسه صار يُقرأ، وكل خطوة تُترجم إلى جملة، حتى صمته أصبح فاصلة معلّقة.

اقترب العجوز منه، صوته هذه المرة صار أكثر حدة:
– "أدركتَ الآن أنك نصّ حيّ، لكنك لم تُدرك بعد أن النصوص إمّا أن تُقرأ… أو تُكتب. إن بقيت قارئًا في كتابك، ستذوب بين السطور. أما إن أمسكت القلم من جديد… ستعيد كتابة قدرك."

رفع عيسى عينيه نحو القرّاء. كانوا كالأشباح، بلا أسماء ولا هويات، مجرد عيون مفتوحة. شعر أنهم ليسوا غرباء فقط، بل ربما يمثلون كل من يعرفه: أهله، أصدقاؤه، خصومه… وحتى من لم يلتق بهم بعد. كلهم كانوا هنا يقرأونه.

وقف بثبات، وبصوت جهوري سألهم:
– "إن كنتم قرّائي… فهل أنتم أحرار أم أسرى كلماتي؟"

ساد الصمت، ثم جاء صوت واحد من بينهم، كأنه لسان الجميع:
– "نحن مرآتك. إن كتبتَ بيدك تحررنا، وإن بقيت سطرًا، سنظل نقرأك حتى تفنى."

شعر عيسى أن قلبه يخفق بعنف. فهم أخيرًا معنى الهمس الذي طارده منذ البداية: لم يكن القدر يريده مجرد شاهد، بل صانع نصّ جديد، كاتبًا يعيد تشكيل مصيره بنفسه.

مدّ العجوز له قلمًا آخر، هذه المرة ذهبيًا، يلمع بوميض يتغير بين النور والظل. وقال:
– "احذر… القلم ليس للزينة. كل ما تكتبه سيتجسد، ولن يمكنك التراجع. فهل تجرؤ أن تبدأ؟"

أمسك عيسى بالقلم، ورسم أول كلمة على الصفحة البيضاء الممتدة تحت قدميه. ومع الكلمة الأولى، بدأ العالم يهتزّ، والوجوه من حوله تختفي تدريجيًا، كأنهم يذوبون في النص الجديد الذي يخلقه.

الكلمة الأولى لم تكن مجرد بداية فصل… بل بداية عالم.

ارتجفت الصفحة البيضاء تحت قدمي عيسى حين خطّ بالقلم الذهبي أول كلمة:

"أنا."

ما إن ظهرت الكلمة حتى دوّى صدى عظيم في الفراغ، كأن الكون نفسه كان ينتظر هذا الإعلان. تحولت الكلمة إلى نور هائل، انبثق منها خيط يمتد في جميع الاتجاهات، كأنها بذرة تتفرع إلى عوالم.

شعر عيسى أن جسده يذوب مع الكلمة، وأن كيانه يتسع ليتجاوز حدود نفسه. لم يعد مجرد رجل، بل صار مركز دائرة تتسع بلا نهاية. كان يسمع أصواتًا لا حصر لها، أصوات بشر لم يلتق بهم، وأمم لم يعرفها، وحتى كائنات لا تشبه البشر. كلهم يتردد في داخل صدى الكلمة:
"أنا… أنا… أنا."

لكن في وسط هذا الاتساع، ظهر ظلّ غامض من بين السطور، ظلّ طويل أسود، يشبهه تمامًا، لكنه بلا وجه. همس الظل بصوت مخيف:
– "كل (أنا) تولد، تُنجب ظلًّا. إن لم تسيطر عليّ… سأكتب عنك ما لم تكتبه."

ارتبك عيسى، وأدرك أنه لم يخلق عالمًا فقط، بل أطلق قوة مضادة: ظلّه النصّي. قوة ستسعى لتزوير كلماته، وتحويل نصّه إلى لعنة.

حاول أن يكتب كلمة ثانية ليواجهه، لكن الظل سبق القلم، ورسم جملة قاتمة على الصفحة:
"أنا لست أنت."

وفور أن ظهرت هذه الجملة، انشقّ النص إلى عالمين متوازيين: عالم يكتبه عيسى… وعالم آخر يكتبه ظله.

أشار العجوز يده من بعيد محذرًا:
– "لقد دخلت معركتك الحقيقية… معركة الكاتب وظلّه. هنا، لا يكفي أن تكتب لتنتصر، يجب أن تكتب بما أنت مؤمن به، وإلا ستمحوك كلماتك."

رفع عيسى قلمه الذهبي، فانبثقت منه كلمات مضيئة كالسيوف:
"الحق… الإرادة… البداية."

وبالمقابل، كتب الظل بالقلم الأسود على الأرض:
"الخوف… العدم… النهاية."

كل كلمة كتبها أحدهما كانت تتحول إلى واقع ملموس. كلمة "البداية" خلقت طريقًا مضيئًا ممتدًا أمام عيسى، لكن كلمة "النهاية" من الظل حوّلته إلى جدار أسود سدّ الطريق. كلمة "الإرادة" فجّرت نهرًا من الضوء، لكن كلمة "الخوف" جعلت النهر يتحول إلى طوفان مظلم كاد أن يغرقه.

كان الصراع مرعبًا: ليس صراع أجساد، بل صراع نصوص. كل كلمة يمكن أن ترفع عالمًا أو تسقطه. وكل خطأ في الكتابة يعني هزيمة كاملة.

وقف العجوز بعيدًا، يراقب، ثم صاح:
– "تذكر يا عيسى… الظل ليس عدوّك الخارجي، بل هو الجزء غير المكتوب منك. إن كتبته أنت، سيخضع لك. وإن تركته يكتبك، سيمحوك من الصفحة."

تردّد عيسى لحظة، بينما الظل يكتب بسرعة كلمات تلتهم النص الأبيض:
"اللاجدوى… العدم… الفناء."

صرخ عيسى بكل ما في داخله، وضرب قلمه على الصفحة بقوة:
"المعنى!"

وفور أن ظهرت الكلمة، توقف الظل للحظة، وارتجف. كانت تلك الكلمة أقوى من السيوف والجدران والأنهار. النور انتشر، وأدرك عيسى أن مفتاح المعركة ليس الإكثار من الكلمات، بل اختيار الكلمة الصحيحة التي تحمل جوهره.

لكن الظل ابتسم ابتسامة قاتمة، وكتب آخر جملة:
"أنا أنت… وأنت أنا."

فتزلزل العالم كله، وبدأت الحدود بين عيسى وظله تتلاشى. لم يعد يعرف أيّهما الكاتب وأيّهما النص، أيّهما الحقيقي وأيّهما الانعكاس.

كانت هذه ذروة المعركة: أن يفهم أن هزيمة الظل ليست ممكنة… إلا إذا تصالح معه.

حين اهتزّت الصفحة الكونية وتلاشت الحدود بينه وبين ظله، أدرك عيسى أن المعركة وصلت إلى لحظة الحسم. لم يعد أمامه سوى خيارين: إمّا أن يستمر في كتابة حرب أبدية مع نفسه، أو أن يكتب كلمة تعيد التوازن.

وقف الظل أمامه، لا يهاجم هذه المرة، بل يحدّق فيه بصمت. كان يشبهه في كل شيء، حتى في الارتباك. قال بصوت رخيم:
– "لماذا تصرّ على محوي؟ أنا لست عدوّك… أنا الجزء الذي حاولت أن تنساه."

تردد عيسى، ثم تذكر كلمات العجوز: "إن كتبته أنت، سيخضع لك."
أمسك القلم، ورسم كلمة واحدة في قلب الصفحة البيضاء:

"الوحدة."

وفور أن ظهرت الكلمة، اندمج النصّان: الحروف السوداء مع الحروف المضيئة، لتشكل سطرًا جديدًا لا يشبه أيًّا مما كان من قبل. لم يعد هناك نور ضد ظلام، ولا بداية ضد نهاية، بل نصّ واحد متكامل.

اقترب الظل ببطء، وابتسم ابتسامة غامضة لأول مرة:
– "الآن فهمت… أنا لست ضدّك. أنا صداك. أنا نصفك الآخر. بدونك كنت ظلامًا، وبدونـي كنت ناقصًا."

ومع تلك الكلمات، ذاب الظل داخل جسد عيسى، لا كمحو، بل كعودة إلى أصله. شعر عيسى بطاقة هائلة تجري في عروقه، كأنه صار اثنين في واحد: الكاتب والنص، النور والظل، الإنسان والقدر.

سقط على ركبتيه من شدة الثقل، لكنه كان ابتسامة صغيرة تلوح على وجهه. فهم أن قوته لم تكن في الانتصار على ظله، بل في احتضانه.

وفجأة، انفتحت الصفحة البيضاء كنافذة، تكشف عالمًا جديدًا يتشكل أمامه: مدن لم تُبنَ بعد، وجوه لم تولد بعد، وأحداث لم تُكتب بعد. كلها تنتظره ليكتبها.

وسمع صوت المرأة من جديد، هذه المرة أكثر دفئًا من أي وقت مضى:
– "الآن صرت جاهزًا… لم تعد سطرًا، بل صرت الكتاب نفسه."

وقف عيسى أمام الصفحة المفتوحة، التي لم تعد مجرد مساحة بيضاء، بل بوابة واسعة تطل على احتمالات لا متناهية. كان يشعر أن كل حرف سيكتبه الآن سيُزرع بذرة في أرض المستقبل.

مدّ يده بالقلم الذهبي، لكن هذه المرة لم يرتجف كما كان في البداية. كان يعرف أن الكتابة لم تعد صراعًا، بل مسؤولية. همس في داخله:
"أنا لا أكتب لنفسي فقط… أنا أكتب للعالم الذي ينتظر أن يولد."

بدأ برسم الكلمات:
"الأمل… العدالة… الحرية."

وفور أن خطّها، تحوّلت إلى مشاهد حيّة: مدن مضيئة، أطفال يضحكون في شوارع لا تعرف الحرب، وجوه يشرق عليها النور. كان يكتب، فيتشكل العالم أمام عينيه، كأن الحروف طوب وأجنحة وماء وهواء.

لكن مع كل كلمة يكتبها، كان يسمع صدى بعيدًا، كأن القرّاء القدامى ما زالوا يراقبونه من مكان خفي. أصواتهم تتردد:
– "اكتب بحذر… فكل كلمة تنبض بحياة."

توقف عيسى لحظة، ثم كتب كلمة جديدة، كلمة لم يجرؤ أن يكتبها من قبل:
"الحب."

عندما ظهرت الكلمة، اهتزت الصفحة كلها بنور دافئ، أعمق وأوسع من أي شيء سبق. شعر أن العالم الجديد لم يكتمل بالقوانين أو بالمدن أو بالعدالة وحدها، بل بهذا المعنى الذي يربط كل شيء ببعضه.

وفجأة، ظهر العجوز من جديد، لكن ملامحه لم تعد كما كانت. بدا أصغر سنًا، عينيه أكثر نقاءً، وصوته أكثر قوة:
– "أحسنت يا عيسى… لقد فعلت ما لم يفعله أحد قبلك. لكن تذكّر… الكاتب لا يتوقف أبدًا. فالعالم الذي كتبته اليوم قد يُمزّق غدًا إن لم تحمه بكلماتك."

شعر عيسى بثقل جديد، لكنه لم يكن يخيفه. لقد فهم أن رحلته الحقيقية بدأت للتو. لم يعد أسير كتاب أو مكتبة، بل صار هو المكتبة نفسها، والكتاب، والكاتب، والقرّاء في آن واحد.

وبينما يغلق القلم الذهبي عينيه للحظة، سمع صوتًا جديدًا هذه المرة، لم يكن العجوز ولا المرأة، بل صوته الداخلي وقد صار أكثر وضوحًا:
"أكتب… ولا تتوقف."

بعد أن بدأ العالم يتشكل من كلماته، لاحظ عيسى أن الصفحة الكونية لم تُغلق، بل فتحت فجأة على باب ضخم، لم يكن من ورق ولا حجر، بل من كلمات متشابكة، متحركة كالأفاعي.

اقترب منه، فقرأ النقوش المنقوشة على إطاره:
"ما يُكتب… يمكن أن يُسرق."

ارتجف قلبه. لم يخطر بباله أن القلم الذهبي الذي بيده قد يكون مطمعًا لآخرين. مد يده ولمس الباب، فسمع أصواتًا تخرج من خلفه: ضحكات باردة، همسات غامضة، وصوت واحد يعلو فوق الجميع:
– "يا من تظن نفسك الكاتب الوحيد… افتح لنا، لنكتب معك."

أدرك عيسى الحقيقة: لم يكن هو الوحيد الذي يعرف سرّ الكلمات الحيّة. كان هناك آخرون، كُتّاب منسيّون أو مطرودون، ينتظرون الفرصة لسرقة القلم وصياغة العالم على هواهم.

ظهر العجوز من جديد بجانبه، لكن هذه المرة بملامح قلقة لم يرها من قبل. قال بصوت منخفض:
– "هذا هو الباب الأخير… إن فتحته، ستواجه من يطمعون في قلمك. إن هزمتهم، ستكون سيد النصوص. وإن انهزمت… سيُعاد كتابة العالم بأيديهم، وربما تُمحى أنت من الوجود."

أمسك عيسى القلم بقوة، والصفحة تهتز تحت قدميه. كان يعلم أن وراء الباب لا ينتظره مجرد ظل آخر، بل جيوش من الكُتّاب المنافسين، لكل منهم قلم، ولكل منهم نص يريد فرضه على الكون.

سمع المرأة تهمس من مكان خفي، كلماتها هذه المرة أقرب إلى تحذير:
– "لا تقاتلهم بكثرة الكلمات… بل بالكلمة التي لا يستطيع أحد أن يسرقها منك."

رفع عيسى رأسه، والباب يتصدّع أمامه، الضوء والظلام يتسربان من شقوقه. مد القلم نحو الباب، وقال لنفسه:
– "إذن… حان وقت كتابة الفصل الأخير."

وانفتح الباب ببطء، كاشفًا عن ممرّ لا نهاية له، وفي نهايته أصوات أقلام تخطّ العالم قبل أن يولد.

ما إن اجتاز عيسى الباب الأخير حتى انفتح أمامه فضاء هائل، لا يشبه الصفحة البيضاء ولا المكتبة القديمة. كان أشبه بساحة كونية، تمتد بلا حدود، تتكوّن أرضها من أوراق متطايرة، وسماءها من حبرٍ سائل يقطر كالمطر.

وفي وسط الساحة، وقفوا: جيوش الكُتّاب.
مئات، وربما آلاف، كل منهم يحمل قلمًا مختلفًا: أقلام من العظام، من الحديد، من الزجاج، حتى من نارٍ ودخان. كانوا يكتبون في الهواء، والجمل التي يخطّونها تتحوّل إلى مخلوقات تحارب من أجلهم: تنانين من الحبر، جنود من الورق، عواصف من علامات الاستفهام.

تقدّم رجل ضخم، يرتدي عباءة سوداء، وفي يده قلم كالسيف، يلمع بخيوط داكنة. صوته هزّ الفضاء:
– "أنت لست الأول يا عيسى… ولن تكون الأخير. كلنا كتبنا قبل أن تكتب، وكلنا نسعى لكتابة الكلمة الأخيرة."

ردّ عيسى بثبات، رافعًا قلمه الذهبي الذي يضيء بين أصابع يده:
– "لكنكم نسيتم شيئًا… العالم ليس ساحة للسيطرة، بل كتاب للحياة. ومن يكتب ليملك… يخسر النص قبل أن يبدأ."

ضحك الجمع، وارتفعت أقلامهم معًا، فانفجرت الساحة بأسراب من المخلوقات الحبرية التي انطلقت نحو عيسى.

أغلق عيسى عينيه لحظة، وتذكّر صوت المرأة: "اكتب بالكلمة التي لا يستطيع أحد أن يسرقها منك."

فتح عينيه، وغرز قلمه في الهواء، وكتب كلمة واحدة:
"الحقيقة."

وفور أن ظهرت الكلمة، تحوّلت إلى ضوء هائل شقّ الساحة نصفين. مخلوقات الظل بدأت تتبخر، وجدران الحبر تنهار. كثير من الكُتّاب تراجعوا، أقلامهم تهتز، وبعضهم اختفى مع نصوصه كأنهم لم يكونوا.

لكن الرجل ذو العباءة السوداء ظل واقفًا، وعيناه تشتعلان. رفع قلمه، وكتب جملة كاملة:
"الحقيقة ليست إلا وهماً."

وعندها، انقسمت السماء فوقهم، واشتعلت المعركة الكبرى: صراع الحقيقة ضد الوهم.

تحولت الكلمة الأولى إلى شمس متوهجة، تنشر نورها في كل اتجاه، بينما الثانية انبثقت منها غيوم كثيفة سوداء تحجب الرؤية، وتحوّل الضوء إلى ظلال مخادعة.

وقف عيسى في قلب العاصفة، يحاول التمسك بصفاء الكلمة التي كتبها، لكن الوهم لم يكن مجرد دخان… بل كان يتخذ أشكالاً مرعبة: أصدقاء قدامى ينادونه، مدن يراها تنهار، صورًا من ماضيه تومض أمام عينيه.

سمع صوت الكاتب الأسود يخترق الضباب:
– "أترى يا عيسى؟ الحقيقة مجرد كذبة آمنت بها. كل كلمة تكتبها يمكن أن أعكسها ضدك. لا حقيقة إلا ما يكتبه الأقوى!"

كاد قلب عيسى يتزلزل، لكن فجأة تذكّر صراعه مع ظله. ذلك اليوم حين فهم أن القوة ليست في محو ما يخيفه، بل في الاعتراف به واحتوائه.

ابتسم وسط الظلام، ورفع قلمه الذهبي، وكتب كلمة جديدة:
"الوهم… جزء من الحقيقة."

وبمجرد أن ظهرت الكلمة، تغير كل شيء: الضباب لم يتلاشَ، بل اندمج مع النور، فصار المشهد أوضح من أي وقت مضى. لم يعد الوهم عدوًا، بل مرآة تكشف حدود الحقيقة، وتجعلها أكثر قوة.

ارتبك الكاتب الأسود، وتراجع خطوة:
– "مستحيل… أنت لا تحاربني… بل تدمج كلماتي مع كلماتك!"

اقترب منه عيسى، والحروف الذهبية تتطاير حوله كأجنحة:
– "الحقيقة لا تخشى الوهم، بل تكبر به. أما الوهم وحده… فيذوب بلا أثر."

غرز قلمه في الصفحة الكونية، وكتب الجملة الفاصلة:
"الوهم بلا حقيقة… عدم."

فارتجّت الساحة، وبدأت الكلمات السوداء تنهار كأبراج من رمل. القلم الأسود تشقق في يد خصمه، والكاتب نفسه أخذ يتلاشى في ضباب الحبر، يصرخ صرخة مدوّية:
– "لن تكون النهاية لك!"

ثم اختفى.

عاد الصمت إلى الساحة، ومئات الكُتّاب الآخرين وقفوا متجمدين، ينظرون إلى عيسى بدهشة وخوف. لم يجرؤ أحد على رفع قلمه.

لقد انتصر. لكن عيسى كان يعرف… أن هذا النصر ليس النهاية، بل بداية اختبار أعظم: كيف يحافظ على العالم الذي كتبه، في وجه أقلام أخرى ستعود دائمًا لتجرب محوه.

ساد السكون الساحة الكونية، بعد أن ذاب الوهم وتلاشى الكاتب الأسود. تناثرت الأوراق كنجوم صغيرة، وأقلام المئات من الكُتّاب الآخرين ارتجفت بين أيديهم. بعضهم انحنى لعيسى، وبعضهم اختفى كأنهم لم يحتملوا نور الكلمة التي خطّها.

لكن وسط الصمت، سمع عيسى همسًا عميقًا يأتي من أعماق الصفحة، همسًا لا يشبه أي صوت سمعه من قبل:
– "كل كاتب ينهزم… يورّث قلمه لمن بعده. لكن من ينتصر في النهاية… يصبح الكاتب الأخير."

شعر ببرودة تسري في عروقه. هل هذا هو قدره؟ أن يصبح الحارس الأبدي للنصوص، أن يكتب إلى ما لا نهاية، دون راحة، دون نوم؟

اقترب منه العجوز – الذي بدا أصغر مما كان، كأنه استعاد شبابه – وقال بنبرة حزينة:
– "لقد وصلت إلى ما لم يبلغه أحد. أنت لست مجرد سطر في كتاب، ولا قارئًا ضائعًا في المكتبة. أنت النصّ كله… وأنت القلم. لكن تذكّر يا عيسى: الكاتب الأخير لا يملك حرية الهرب. سيظل يكتب، لأن توقفه يعني موت العالم."

أحسّ عيسى بثقل أكبر من أي معركة خاضها. نظر إلى القلم الذهبي بين أصابعه، وقد صار يضيء أكثر من أي وقت مضى، كأنه جزء من قلبه.
قال لنفسه:
– "إذن، قدري ليس أن أبحث عن نهاية… بل أن أكتب بلا نهاية."

وفجأة، ظهرت المرأة من جديد، لكن هذه المرة بوجه واضح للمرة الأولى. كانت تشبه كل الوجوه التي رآها في حياته: أمّه، معلمته الأولى، حتى ملامح طفلة صغيرة لم يعرفها لكنها ابتسمت له. قالت بصوت عميق:
– "لا تخف من الخلود يا عيسى. فالكاتب الأخير لا يُحبس في النص… بل يُصبح النص نفسه. ستكتب، لكنك ستعيش في كل كلمة، في كل قارئ، في كل حلم يولد."

امتلأت عينا عيسى بدموع لم يعرف لها سببًا: هل هي دموع خوف أم طمأنينة؟ لم يعرف. لكنه رفع قلمه، وكتب الجملة التي حسمت مصيره:

"لن أكون الأخير… بل الأول الذي لا ينتهي."

عندها ارتجّت الصفحة الكونية مرة أخرى، لكن هذه المرة لم تنفتح أبواب حرب جديدة، بل انفتحت سماء لا نهائية من الكلمات، تمتد كنجوم تضيء الظلام.

وابتسم عيسى، لأنه فهم أخيرًا: النهاية ليست آخر كلمة… بل أول كلمة تُكتب من جديد.

حين خطّ عيسى جملته الأخيرة، شعر أن جسده لم يعد كما كان. أصابعه لم تعد تحمل القلم فقط… بل صارت هي نفسها القلم. قلبه ينبض كحبرٍ حيّ، وروحه تتدفق كسطور تكتب نفسها في فضاء لا نهائي.

لم يعد عيسى مجرد كاتب يخط الكلمات على الصفحة الكونية… لقد أصبح الكلمة نفسها.

كل خطوة يخطوها صارت جملة، كل نفس يتنفسه صار فاصلة، وكل نظرة يوجهها تحوّلت إلى قصة تولد في عالمٍ ما. شعر أن حياته امتدت عبر ملايين النصوص، تقرأه أعين لا يعرفها، وتعيد خلقه آلاف المرات.

لكن وسط هذا الاتساع الهائل، بقي نور صغير يحترق في داخله: صوته الإنساني، الرجل الذي بدأ رحلته كقارئ في مكتبة غامضة، يمشي بين رفوف مهجورة. كان يخشى أن يذوب هذا الصوت وسط ضجيج النصوص التي أصبحها.

فجأة، سمع الهمس المألوف يعود، لكنه أقرب وأكثر وضوحًا من أي وقت مضى:
– "أنت لم تفقد نفسك، يا عيسى… أنت من كتب نفسك لتبقى."

أدرك أن الكلمة التي لا تنطفئ لم تكن حبرًا ولا جملة… بل كانت هويته، إرادته التي قاومت كل ظل ووهم، حتى صارت جزءًا من الكون نفسه.

ومن بعيد، بدأ يلمح عوالم جديدة تُفتح، أبوابًا أخرى لم تكتب بعد، نجومًا تنتظر أن يخطّها أحد. كان يسمع أصواتًا خافتة: أطفالًا يضحكون، شعراء يغنون، عشاق يتهامسون… كلهم يرددون كلماته دون أن يعرفوا أن الكلمة منهم وله.

ابتسم عيسى، وترك نفسه يذوب تمامًا في النص الكوني، مدركًا أنه لن ينتهي، لأنه صار الشرارة الأولى لكل بداية.

في اللحظة التي ذاب فيها عيسى داخل النص الكوني، وظن أنه صار الكلمة التي لا تنطفئ… حدث ما لم يتوقعه.
الضوء الهائل الذي غمره انكمش فجأة، وتحول كل الفضاء اللانهائي إلى نقطة صغيرة من الحبر.

وجد نفسه يسقط… يسقط بلا نهاية، حتى استقر به الحال على مقعد خشبي قديم.
فتح عينيه.

أمامه كانت المكتبة الأولى. نفس الرفوف المغطاة بالغبار. نفس الرائحة الثقيلة للكتب القديمة. ونفس الكتاب الغامض على الطاولة، ينتظره مفتوحًا على الصفحة الأولى.

ارتبك عيسى، ونهض بسرعة.
– "مستحيل… لقد عبرت الأبواب كلها! كيف عدت هنا؟"

اقترب من الكتاب بحذر، فإذا به يلاحظ شيئًا لم ينتبه له من قبل: الصفحة الأولى هذه المرة لم تكن مكتوبة بنفس الحروف القديمة. بل كانت تحتوي على جملة واحدة، بخط ذهبي مألوف:

"كل نهاية… هي عودة إلى البداية."

تجمد في مكانه. لقد كانت خط يده هو. نفس القلم الذهبي، نفس أثر الحروف التي خطها بنفسه.
معنى واحد صعقه: رحلته لم تنتهِ، بل هي دائرة أبدية. كلما وصل إلى الخاتمة، سيعود ليبدأ من جديد، لكن في كل دورة سيكون أعمق، أعظم، وأكثر فهمًا للنص الذي لا ينتهي.

من بين الرفوف، سمع وقع خطوات. التفت بسرعة…
فرأى شابًا يدخل المكتبة بخطوات مترددة، ينظر حوله بدهشة، كأنه يراها للمرة الأولى.

أدرك عيسى الحقيقة المرعبة والجميلة في آن واحد:
هو لم يعد القارئ… بل صار الكتاب نفسه، ينتظر من يفتح صفحاته.

ابتسم وهو يراقب الشاب يقترب من الطاولة.
ثم ترددت كلماته الأخيرة في صدى المكتبة:
– "الآن… تبدأ القصة من جديد."
وانغلقت الصفحة على نفسها.

Adresse

فلسطين
Algiers
16000

Notifications

Soyez le premier à savoir et laissez-nous vous envoyer un courriel lorsque مجلة أبوليوس الرواية الجزائرية publie des nouvelles et des promotions. Votre adresse e-mail ne sera pas utilisée à d'autres fins, et vous pouvez vous désabonner à tout moment.

Partager

Type

الأدب الجزائري

الأدب بكل أجناسه