
27/05/2025
#قصة: الكلمة، للأديب الروسي: فلاديمير نابوكوف.
- جَرَفَتني ريحٌ ونَيريَّةٌ مُلهَمةٌ من ليلِ الوادي، فوَقَفتُ على حافةِ طريقٍ تحت سماءٍ نقيَّةٍ مِن ذهبٍ خالص، في أرضٍ جبليَّةٍ فَريدةٍ. دونَ أن أنظر، أحسستُ بلمعانِ الجُرفِ الفسيفسائيِّ الهائل، وزواياه، وأوجهه، والمهاوي المُبهرة، ووميضِ البحيراتِ المتعددةِ كالمرآةِ الذي يقعُ في مكانٍ ما تحتي، خلفي. استولى على روحي شعورٌ بالتألُّقِ السماوي، والحرية، والسمو: علمتُ أنني في الجنة. ومع ذلك، داخلَ هذه الروحِ الأرضيَّة، نهضت فكرةٌ أرضيَّةٌ واحدةٌ كنَبرةِ لهيبٍ ثاقبٍ—وكم كنتُ غيورًا، كئيبًا، وأنا أحميها من هالةِ الجمالِ العظيمِ الذي أحاط بي. هذه الفكرة، هذا اللهيبُ العاري من الألم، كانت فكرةَ وطني الأرضي. حافي القدمين، معدمًا، على حافةِ طريقٍ جبلي، انتظرتُ سكانَ الجنةِ الطيبينَ المُشعِّين، بينما كانت ريحٌ، كأنها نذيرُ معجزة، تلعبُ في شعري، تملأ الوديانَ بطنينٍ بلوريٍّ، وتُحرِّكُ حريرَ الأشجارِ الأسطوريَّةِ التي أزهرت بين الجروفِ التي تصطفُّ على جانبي الطريق. كانت الأعشابُ الطويلةُ تلعقُ جذوعَ الأشجارِ كألسنةِ النار؛ وكانت الأزهارُ الكبيرةُ تنفصلُ بهدوءٍ عن الأغصانِ المتلألئةِ و، كأكوابٍ محمولةٍ في الهواءِ مملوءةٍ بضوءِ الشمس، تنزلقُ عبر الهواء، منتفخةً ببتلاتها الشفافةِ المحدَّبة. ذكَّرني عبيرُها الحلو الرطب بكلِّ الأشياءِ الرائعةِ التي اختبرتُها في حياتي.
فجأة، امتلأ الطريقُ الذي وقفتُ عليه، مبهورًا من التألُّق، بعاصفةٍ من الأجنحة. تدفَّقَ الملائكةُ الذين انتظرتُهم من الأعماقِ المُبهرة، أجنحتُهم المطويةُ تشيرُ بحدَّةٍ إلى الأعلى. كانت خطواتُهم أثيريَّة؛ كانوا كالسحبِ الملونةِ في حركة، ووجوهُهم الشفافةُ ساكنةٌ إلا من رعشةِ نشوةٍ في رموشهم المُشعَّة. بينهم، طارت طيورٌ فيروزيَّةٌ بضحكاتٍ مرحةٍ كالفتيات، وتمايلت حيواناتٌ برتقاليَّةٌ رشيقة، منقَّطةٌ ببقعٍ سوداءَ خياليَّة. كانت المخلوقاتُ تتلوَّى عبر الهواء، ممدةً بصمتٍ أقدامَها الحريريَّةَ لتلتقطَ الأزهارَ المحمولةَ في الهواء وهي تدورُ وتحلِّق، مارَّةً بي بعيونٍ وامضة.
أجنحة، أجنحة، أجنحة! كيف أصفُ تلافيفَها وألوانَها؟ كانت كليَّةَ القدرةِ وناعمة—بنيَّةٌ مائلةٌ إلى الصفرة، أرجوانيَّة، زرقاءُ عميقة، سوداءُ مخمليَّة، مع غبارٍ ناريٍّ على أطرافِ ريشِها المقوَّسِ المدور. كالسحبِ الوعرةِ وقفت، متعاليةً بوقارٍ فوق أكتافِ الملائكةِ المُشعَّة؛ ومن حينٍ لآخر، كان ملاكٌ، في نشوةٍ عجيبة، كما لو أنه غيرُ قادرٍ على كبحِ سعادته، يفردُ فجأة، للحظةٍ واحدة، جمالَ أجنحته، فكان ذلك كانفجارِ ضوءِ الشمس، كتألُّقِ ملايينِ العيون... (يتبع)