Ahmed Salah Eldeen Taha أحمد صلاح الدين طه

Ahmed Salah Eldeen Taha أحمد صلاح الدين طه DOP, Lighting Designer and Movie Critic

كيوكو.. موسم حصاد الأحلامحضور الغياب في فيلم عن العودة إلى صورة الوطن  الكتابة من خلال لوحة مفاتيح الحاسوب أصبحت عادة، ع...
15/09/2025

كيوكو.. موسم حصاد الأحلام
حضور الغياب في فيلم عن العودة إلى صورة الوطن

الكتابة من خلال لوحة مفاتيح الحاسوب أصبحت عادة، عندي كما عند الجميع؛ لكن عندما يتمكن فيلم أشاهده من دفعي للعودة إلى القلم والورقة البيضاء، وتأنيق الكتابة، هذا أثر يعلمني أنني بصدد فيلم مختلف يزحف داخل مشاعرنا فيظل ملهمًا ويبقى مؤثرًا في التاريخ الغامض للنفس البشرية وسعيها الحثيث نحو فهم جوهرها.
فيلم (كيوكو.. موسم حصاد الأحلام)..
هنا ستواجه فكرة أنك تعاين تجربة طازجة، لكنها ليست طزاجة البدايات، إنها بداية تَفَتُّح وعيٍ مفارِق، يتخطى المعرفة ويتجاوز العلم. إنه وعي بذات عصية، وبحث في المفاهيم الغامضة عن الفن والعلاقة بين الفنان والعمل الفني والموضوع المحتمل أن يتحول إلى عمل فني، والفضاء الذي يضمن مساحة من التواصل بين العمل والفن والحياة.. بين فن وآخر: الرسم والتصوير الفوتوغرافي، التصوير الفوتوغرافي والشعر، والرقص، والموسيقى والسينماتوغرافيا، والخط، والحياة ذاتها بجمالها.. جماليَّاتها، وجماليَّتها.
إنه نص فلسفي لن يفهمه الجميع، ولا يشترط أن يفهمه الجميع.
كل ما هو مطلوب منك كمتلقٍ أن تتأمل الصور المتدفقة وتكتشف ذاتك التي لن تراها إلا على شاشة السينما، وتحديدًا في فيلم كهذا.
عند هذه النقطة أجد قولًا مأثورًا يلح عليَّ للفنان الأمريكي الذي صُنّف على أنه تجريدي (مارك روثكو Mark Rothko): "الرسمة ليست تصويرًا لخبرة؛ الرسمة في حد ذاتها خبرة A painting is not a picture of an experience, It is an experience".
صانع الأفلام الجزائري الفرنسي (حميد بن عمرة) في هذا الفيلم، وربما في أفلامه السابقة أيضًا يقدم لنا هذه الخبرة الجديدة كلِّيًّا ويشاركنا في تأمل رحلته التي يقتفي خلالها أثر ذات عمرها تخطى آلاف السنين. عمرها من عمر حضارة الإنسان على الأرض التي بدأت منذ وعي هذا المخلوق المتفوق بقدرته على التواصل مع بني جنسه ليَخُطَّ أول أعماله التي قد تُعَدُّ فنًا وقد نعتبرها اللغة منحوتة على الصخر.
فيلم (كيوكو.. موسم حصاد الأحلام) يتتبع عودة الفنانة كيوكو ساكازاكي Kyoko Sakazaky وهي خطاطة وفنانة أزياء فرنسية من أصل ياباني إلى موطنها الأصلي.
هذا ما يبدو في البداية من العنوان الذي يأخذ من اسمها الأول واجهة ومن اللقطات الافتتاحية التي تصور من خلال لقطات قريبة رحلتها تلك إلى اليابان، وفي الخلفية مقطع من أغنية عربية غناها مارسيل خليفة من كلمات الشاعر محمود درويش؛ تقول: "يطير الحمام .. يحط الحمام" وهي إشارة لن يغفل عنها أحد حيث الحمام رمز للسفر والعودة الدائمة إلى عُشِّه (وطنه) آخرَ النهار، عندما يرهقه التعب من الدوران في الفضاءات الرحبة؛ يفضل العودة إلى مساحته المحدودة بجسده المهدود الراغب فقط في ليلة أنيسة ودعة آسرة.
يتماهى مع ذكر الحمام ذلك العنوان الذي يشير إلى موسم الحصاد، لكن الحصاد هنا للأحلام، كلمة الأحلام في العنوان فتحت عيني على فكرةٍ شخصيةٍ تراودني دائمًا عندما أسافر خارج الوطن، حيث أشعر كأنني في حلم وأن كل ما حولي غير حقيقي، الناس والأشياء رموز وعلامات تسبح في عالم خرافي.. ربما تكون الأحلام سعيدة وقد تتحول أحيانًا إلى كوابيس، لكنها تتفق جميعًا في يقين لدَيَّ أنها ستنتهي حتمًا في نفس اللحظة التي تطأ فيها قدمي اليمنى أرض المنتهى.
يبدو افتتاح الفيلم هكذا تقليديًا، لكنه لن يستمر كذلك طويلًا ليتحول إلى عمل فني تغريبي، يكسر الاعتياد فيما يفسره التعليق لاحقًا بصوت ستيفاني بن عمرة عندما تقول: "لقد سافر إلى طوكيو ليصوِّرَ امرأة تطارد طفولتها؛ فإذا به يصور أحلامه القديمة" هذه نقطة مهمة لفهم الكيفية التي تطور بها فيلمنا، حيث -كما يُذكر في التعليق- هناك "البلد الذي نحمله في أحلامنا، والبلد الذي ينمو بعيدًا عن حياتنا".
وكما أن (البلد الذي ينمو) سيُخَيِّب دائمًا تصوراتنا عنه والتي تنمو هي أيضًا في بيئة مستقلة منفصلة وبعيدة تمامًا عن الأصل؛ لا يصبح هناك جدوى للاستمرار في خداع أنفسنا بفيلم عن عالم غير موجود، لأن (حميد بن عمرة) رغم الأسلوب الشعري الذي يحرص عليه في سردياته السينمائية، لا يميل إلى الصور الكاذبة.. إلى الحيل والتقنيات المفروضة على الواقع، فيحول مسار فيلمه إلى بحث عن الفن يتطور سريعًا إلى بحث عن الذات في الفن، والفنية في الذات، وهو ما يجعلني أستطيع وأنا مطمئن تمامًا أن أصنف فيلمه كفيلم انطباعي يكتشف مؤلف الفيلم (صانعه المهيمن على تفاصيل روايته) ذاته من خلال مظاهر العالم المحيطة فتتحول الشخصيات والأماكن والتكوينات إلى انعكاس لروح هذا الفنان مثلما فعل رموز المدرسة الانطباعية في لوحاتهم قديمًا.
يمكننا تفكيك الفيلم إلى عدة مراحل: في البداية ومنذ ما قبل التترات نجد السرد كما ذكرنا، يحيلنا إلى رحلة الطير المسافر، الفنانة اليابانية المهاجرة إلى وطنها. بعد ذلك؛ يمهد لنا التعليق فهم العمل الفني الذي يشرع أن يكشف لنا حاله من خلال التساؤل السلبي عن ما لَيْسَهُ الفيلم؟!
نقاط عديدة تبدأ ب(هذا الفيلم ليس كذا وكذا وكذا…) إنه إدراك سابق من صانع الفيلم، وأعتقد أنه إدراك جاء في مرحلة ما بعد التصوير وقبل المونتاج، أن موضوع فيلمه قد تغير، أو يجب أن يتغير، فتحول من الحديث عن العودة إلى الوطن إلى بحث في كنه الفن، مفهوم السينما، علاقة الرقص بالفضاء والموسيقى باللغة والخط باللوحة والشعر بالمونتاج السينمائي، وتصميم الأزياء بحميمية التقاء القماش بالجسد.
نتعرف على أبطال العمل الذين يشكلون محاور السرد الرئيسية من خلال تساؤل كل منهم عن فنه، الراقصة التعبيرية الفرنسية سناء داردن Sanae Dardennes، والموسيقي الإسباني رودريج برڤويه Rodrigue Bervoet وفنانة الخط والملابس اليابانية كيوكو ساكازاكي Kyoko Sakazaki التي تكون عادة صامتة، نادرًا ما تتحدث لكنها تعبر دائمًا من خلال ممارستها لفنها على اللوحة أو القماش الذي تفصِّله للراقصة وعلى جسدها، وصانع الفيلم (المؤلف) حميد بن عمرة الحاضر بصورته على الشاشة وصوته من خلال التعليق الصوتي، دون أن يجتمع صوته وصورته معًا!
لا يتحدث مباشرة في المَشاهد التي يظهر فيها، كأنه أثناء التصوير التزم بدور الشاهد، لكنه من خلال التعليق الصوتي يظهر كثيرًا بكثافة شارحًا مفهومه عن السينما باستفاضة وتفصيل، كأنه قرر في مرحلة المونتاج الذي قام به هو أيضًا أن تكون مشاركته أكبر، أو حتى أنه يستحق أن يكون الفيلم عنه أكثر من أي شخص آخر.
مع استمرار السرد يتحول تساؤل الأبطال من (ما هو الفن؟) و(ما العلاقة بين فن وآخر؟!)، إلى التساؤل: (من أنا؟!)، ثم أخيرًا يأتينا صوت (ستيفاني بنعمرة) الفنانة والكاتبة الفرنسية، الشريكة الأثيرة لصانع الفيلم في كل أفلامه وفي حياته أيضًا، والتي تحضر هنا كذلك ولو لم تكن ظاهرة على الشاشة وهي أصلا ممثلة، لكنها تأتينا بصوتها مجيبة عن سؤال: من هو؟!
الإجابة تتحدث عن ال(هو) دون أن تخبرنا من يكون (هو)، لكن يبدو شبه واضح لنا أنها تقصد حميد بن عمرة نفسه الذي خرج باحثًا عن (آخر) ثم ما لبث أن اكتشف ذاته في ذلك الآخر.

خدعة التشظي:
البعض ذهب للقول بتشظي الحبكة في فيلم (كيوكو.. موسم حصاد الأحلام) إحالة إلى مقولات منظري ما بعد الحداثة، وهو من وجهة نظري انخداع مسبَّب لكنه لا يشير إلى حقيقة الحبكة، أسباب الانخداع عديدة منها على سبيل المثال ذلك الكم الضخم من اللقطات شديدة الإحكام تكوينيًّا وتعبيريًّا، ذلك الإحكام الذي جعل الفيلم أشبه بقصيدة عربية عمودية قديمة كل بيت فيها وحدة كاملة متكاملة يمكن تناولها كعمل فني مستقل، كل لقطة في الفيلم يمكن عرضها كصورة فوتوغرافية ثابتة وستكون مكتفية بذاتها، ضنينًا ما يلجأ صانع الفيلم إلى تحقيق تتابع مشهدي (Sequence)، لا يبدو أنه من الأساس شغل باله بذلك.
نقطة أخرى تحيل إلى هذا الاعتقاد وهي البينية في النمط، الفيلم ليس تسجيليًا بحتًا لأنه لا يتابع أو يعيد تصور الواقع، بل يعيد صناعته: المكان في اليابان لكن الأبطال جاؤوا من الخارج، ووُضِعوا في الحيز الزماني والمكاني دون أن تكون هذه التجربة محور الفيلم، لكنه يناقش من خلال التجربة مفاهيم غير مادية مثل ماهية الفن والعلاقة بين الفنون وكنه السينما وتفسير ما هي عليه ومعنى وجودها وكيفية تحققها، أي سيرورتها وصيرورتها.
في نفس الوقت، هل يمكن اعتبار الفيلم تخييليًا؟!
الإجابة أيضًا لا، رغم أن العلاقات بين الشخصيات تبدو مفتعلة ومقصودة حتى نتساءل في لحظات معينة إن كانت الراقصة الشابة هي حفيدة الفنانة اليابانية بطلة الفيلم، أم أن الأمر كما ورد في الحوار مجرد تشابه، لكن جميع شخصيات الفيلم يظهرون بحقيقة واقعهم ولا يؤدون أدوارًا تمثيلية، لذلك فالفيلم لا يمكن اعتباره تسجيليًا ولا تخييليًا (روائيًا)، لكن بيني وبينكم؛ لو كنتُ موزعَ الفيلم لفضلت أن يصنف الفيلم كوثائقي، ذلك أقرب لتمكين توزيعه على المنصات دون أن يواجه رفضًا سببه عدم الفهم.
التحول الصادم في موضوع الفيلم من كونه أصلًا عن عودة الفنانة اليابانية إلى مسقط رأسها، ثم نفاجأ بالانخراط في البحث عن ذات المخرج ومفهومه عن السينما، سبب آخر للانخداع وتصديق أن الفيلم مرتجل، وأن كل لقطة كانت وليدة اللحظة، لكنه اعتقاد مردود عليه في الحوار بشكل مباشر، عندما جاء التعليق بصوت المخرج معلنًا أن الارتجال (رغم حضوره) أمر محسوب وليس عشوائيًا؛ إنها ملاحظة مهمة تذكرنا بكون الارتجال مكونًا أساسيًّا من مكونات ثقافتنا العربية، لطالما عقدت حلقات الارتجال بواسطة شعراء الفصحى والشعراء الشعبيين، ونذكر في تاريخ المسرح المصري بينما أراد فنانوه الأوائل، في القرن التاسع عشر، القادمون من الشام بعد ارتحال في أوروبا فرض ذلك النمط الرصين للمسرح الأوروبي في أقصى حالات تطوره ورسوخ تقاليده، تقبل عامة الجمهور في مصر نوعًا آخر من الفرق المسرحية الشعبية التي كان الارتجال جزءًا من أدائها، والحوار بين الممثل والجمهور محتملًا دائمًا وممكن عادة، وحاضرًا في أغلب الأوقات. كذلك كان الشعراء الشعبيون دائمًا يتبارون في الارتجال وما يزالون في مختلف الأقطار العربية يفعلون ذلك، فليس غريبًا علينا أن يتشبث بهذه الروح مخرجنا الجزائري الحاضر بثقافته العربية رغم طول عيشه بفرنسا.
إذا تجنبنا خدعة التشظي الظاهري للحبكة؛ نستطيع أن نرى بوضوح أن الفيلم قائم على بنية خطية تقليدية، إنها حتى ليست بنية دائرية تنتهي من حيث تبدأ بل ثمة حبكة خطية واضحة تبدأ بوصول (كعادة الأفلام) وتنتهي بمغادرة.
هناك محور رئيس هو رحلة الفنانة اليابانية إلى مسقط رأسها، وهناك خطوط فرعية كل منها مرتبط بإحدى الشخصيات: الشابة الفرنسية، والموسيقي الإسباني، والمخرج العربي.
كل خط من هذه الخطوط يتقدم مستقلًا ومتفاعلًا مع الخطوط الأخرى.
الراقصة الفرنسية هي أكثر الخطوط التقاء وتفاعلًا مع الخط الرئيس، صحيح أنها فرنسية، ملامحها أقرب إلى الأوروبيين ببشرة فاتحة وشعر وعينين ملونتين وقَدٍّ منحوت على مثالٍ أقرب إلى صور الإغريق والرومان القدامى عن ربات الجمال، لكنها كما تحكي بنفسها تجري في عروقها دماء يابانية إذ إن جدتها قدِمت من اليابان واستقرت في فرنسا حيث نسيت يابانيتها لكنها أيضًا لم تتحول إلى فرنسية. علاقة بين الشابة والفنانة اليابانية يصفها السرد بأنهما تمثلان المستقبل والماضي واحدة للأخرى.
سناء داردن كراقصة تعبيرية حاضرة بفنها الذي تمثله لكنها أيضًا تحقق التعبير عن العلاقة بين المحاور الأخرى، لا تكتفي بتمثيل تلك التأملات في طبيعة فن الرقص وعلاقة الراقص بالفراغ ومقاومته للهواء، التيار الذي لا يمكن أن يجرفه إن لم يسمح له هو بذلك، إنها أيضًا تكرس جسدها لتعبير كيوكو فنانة الملابس والخطاطة عن فنها، فتصبح مرة موديلًا تنطبع على ثنايا جسدها موجات القماش الحريري، ويتحول جسدها نفسه للوحة حية تنقش عليه الأخرى كتاباتها اليابانية، والكتابة في اليابان لها تاريخ أنثوي مميز حيث طورت نساء الطبقات النبيلة أسلوبًا تشكيليًا خاصًا في النقش، خطٌ مميز عن خطوط الكانجي الصعبة التي استوردها اليابانيون من الصين، لم يكن ذلك فقط لصعوبة خط الرجال، لكن أيضًا لأن النساء كن ممنوعات من التعلم فتحايلن بابتكار خط تشكيلي يمكن أن يتحول إلى لوحات وتطريز على الأقمشة ويبقى في نفس الوقت وسيلة للتواصل. إنها الأنوثة التي تطغى على صناعة الفيلم كما يذكر صانعه في التعليق.
رودريج برڤويه، الموسيقي الإسباني الذي يتجول في اليابان مع جيتاره، يجلس وحيدًا يغني ويعزف ويشرح تفاصيل تخص الموسيقى ورؤيته عن هذا الفن، يلتقي أحيانًا بالراقصة، فكلاهما يمارسان فَنَّين متعانقين، هو يعزف وهي ترقص، وفي مشاهد محدودة يظهر الأبطال الثلاثة معًا في تكوينات تعبيرية يتبادلون خلالها المواقع دون أن يكون هناك تفاعل حقيقي مثل الذي لاحظناه في مشاهد الأنثيين، حتى عندما تظهر الراقصة كما لو كانت ترقص على أغنية العازف نجد التقطيع بين اللقطات يكسر تسلسل هذه العلاقة فيتحول المشهد إلى سلسلة من اللقطات التي تقدم تكوينات مختلفة لنفس الأشخاص في نفس المكان، وليس تتابعًا مشهديًا تقليديًا.
أخيرًا المحور الرابع وهو بن عمرة نفسه الموجود دائمًا مع الجميع، حاضر بتكويناته البصرية وبذاته أيضًا، غالبًا كشاهد دون أن ينخرط في فعل ما مع الآخرين، رغم إشارات محدودة مثل ظهوره مع الراقصة/الموديل في لقطات محددة أو تكرار عنصر ما عند ظهوره منفردًا وتصويرها منفردة؛ مثل التمر أو غرفة الفندق نفسها التي التقطت صورته وصورتها فيها، وهي علامات قد يمكننا الإسهاب في تفسيرها. لكنني أتركها لخيال المتلقي.
مع هذه الخطوط نجد محورًا خامسًا موازيًا لهم جميعًا وهو محور صوتي يتمثل في تكرارية أغنية وموسيقى مارسيل ورامي خليفة. تبدأ مع ما قبل التترات وتصاحبنا من خلال توزيعات مختلفة، أحيانًا بالكلمات وأحيانًا كموسيقى مختلفة السرعات حتى النهاية متعلقة ورابطة بين مختلف المحاور الأخرى، وبذلك يتأكد انغلاق حبكة الفيلم وعدم تشظيها.

حضور اليابان:
اليابان مكان أحداث الفيلم، لكنها غير حاضرة، بدا لي ذلك تأكيدًا من صانع الفيلم على الصدمة التي تلقتها البطلة كيوكو عند عودتها لمسقط رأسها واكتشافها أن العالم الذي كان حاضرًا بذاكرتها، أو بالأحرى في أحلامها، ليس موجودًا في الحقيقة إطلاقًا.
أعتقد أن كثيرين منا مروا بذلك في حياتهم لأسباب عديدة، أذكر يومًا وأنا أفضفض مع صديق عراقي عن صدمتي عندما عدت إلى مدينتي التي ولدت وتربيت بها فلم أستطع أن أتعرف عليها إطلاقًا، فصدمني بأنه عندما عاد إلى بلدته في العراق بعد سنين من الغربة لم يجدها أصلا فقد انمحت من الوجود تمامًا.
تُرجم هذا الغياب من خلال الفيلم بشكل مباشر، تخيل أنك في اليابان ولن ترى اليابانيين كثيرًا حتى عندما ترقص سناء داردن وخلفيتها مطعم أو مقهى كبير يظهر من خلال عدسة متسعة الزاوية مزدحمًا بالناس؛ ستلاحظ أن الجميع -تقريبًا- سائحون بملامح أوروبية، ولن تجد إلا بعض النادلات اللاتي تتحركن سريعًا قد تكن يابانيات.
عندما يظهر اليابانيون في لقطات قليلة إما في الشوارع المزدحمة، على الطريق ربما إلى أعمالهم، أو آخر النهار في قطار الأنفاق منهكين عائدين بوجوه بائسة، كل هذه اللقطات تبدو بألوان قليلة التشبع وعالية التشويش على خلاف معظم لقطات الفيلم، أميل إلى تصديق أن ذلك كان عقابًا فنيًا للأحلام المفقودة في عالم اليابان الحقيقية وليس المتخيلة، لكن ربما كان حلًا تقنيًا للتصوير في إضاءة ضعيفة وغالبًا بكاميرا أكشن صغيرة جودتها لا تضاهي الكاميرا التي صور بها الفيلم، خاصة وأن نفس الكاميرا استخدمت في جانب من لقطات داردن في جو يبدو شتويًا شحيح الضوء، وفي حديثها إلى الكاميرا، وظهر أيضًا في هذا المشهد تشويش محدود في الصوت مما يرجح أن المسألة كانت حلا تقنيًا لكنه كان في محله تمامًا بسبب ما أضفاه على اللقطات من حميمية الطبيعية وعدم الافتعال.
كيوكو.. موسم حصاد، الأحلام هو عمل لا يمكن أن نحكيه ولا أن يوفيه الحكي ما يستحق، إنه مساحة بوح وتجربة تلقٍ يجب لتعرفها حقًا أن تعيشها، هو ليس نوعًا من أنواع الفيلم، لكنه شكل من أشكال الفلسفة، لن تعرف أنك تحتاجه؛ لكنك عندما تعرف.. ستحتاجه.
أحمد صلاح الدين طه
١٥ سبتمبر ٢٠٢٥
[email protected]

(كيوكو.. موسم حصاد الأحلام) حضور الغياب في فيلم عن العودة إلى صورة الوطن
https://dedalum.at.ua/publ/ahmed_salah_el_deen_taha/kyoko_the_dream_harvest_season_directed_by_hamid_benamra_sanae_dardennes_kyoko_sakazaki_rodrigue_bervoet/1-1-0-240
رابط بديل:
https://dedalum.blogspot.com/2025/09/blog-post_15.html



  الكتابة من خلال لوحة مفاتيح الحاسوب أصبحت عادة، عندي كما عند الجميع؛ لكن عندما يتمكن فيلم أشاهده من دفعي للعودة إلى القلم والورقة البيضاء، وتأنيق الكتابة، هذا أث....

بداية لذيذة تدعمها موسيقى مؤلَّفة شيقة تضفي جوًا يذكرك بأفلام الوسترن القديمة مع حالة من البهجة، ربما تنذر بصراع فيه لفح...
03/07/2025

بداية لذيذة تدعمها موسيقى مؤلَّفة شيقة تضفي جوًا يذكرك بأفلام الوسترن القديمة مع حالة من البهجة، ربما تنذر بصراع فيه لفحة الترقب وروح الكوميديا. نظرة ذكورية جدًا لعالم ليس فيه إلا النساء.
في فيلم (الرضا Satisfaction) يراهن المخرج الإنجليزي الشاب Bailey Tom Bailey على الشكل الفيلمي التقليدي وينجح في إثبات أن السرد المتسلسل، أي الحبكة المعتادة التي تعتمد على التوالي والسببية ما تزال قادرة على إنتاج أفلام جديدة مرضية تمامًا لتوقعات الجمهور.
يتناول الفيلم حدثًا واحدًا من خلال مشهد وحيد طويل، نهاري خارجي. الحدث الدرامي وقع قبل بداية السرد؛ حيث يبدأ الفيلم بمبارزة شرف بالمسدسات تدور في العصر الفيكتوري بين امرأتين، سيدتي مجتمع هما (مسز فيريتي إلفينستون) و(ليدي بليندا ألينديل) في حضور وشهادة امرأتين أخريين هما (مسز آن سكولي) مع الأولى والآنسة (أوليفيا كيتوود) مع الثانية.
الصراع ظاهري يتمثل في المبارزة نفسها، لكن السرد لا يكشف لنا سبب الصراع حتى قبل اللحظة الأخيرة بقليل، عند اعتراف الأولى بإساءتها للثانية، ذلك الاعتراف الذي لا يشفي غليل الأخيرة فلا تعلن عن رضاها عندما تُسأل: "هل أنت راضية"؛ لا تجيب بنعم؛ هذه الكلمة التي تنهي الصراع حسب القواعد و"يا دار ما دخلك شر"، لكنها تقرر أن تنتقم من الأخيرة بطلقة أخيرة ليست في الرأس تمامًا لكنها تمثل انتقامًا أنثويًا خالصًا يصيب أعز شيء على السيدة الأرستقراطية المتعجرفة دون أن يرديها قتيلة كما قد يظن المشاهد لوهلة أن تلك هي النهاية المحتومة.
معظم صناع الأفلام القصيرة المعاصرين يميلون إلى الشعرية وإلى الرمز والغموض واقتفاء أثر حبكة متشظية تفسح المجال أمام الزمن القصير الذي يستغرقه الفيلم ليشير إلى ما هو خارج خَطِّه السردي فيترك للمتلقي فسحة لإعمال الذاكرة وتمدد الخيال وإكمال النواقص لتعويض الزمن المحدود الذي يستغرقه عرض الفيلم. مخرجنا هنا يعيد اكتشاف الشكل المعروف للفيلم الطويل المعتاد في مساحة زمنية قصيرة، لكنه بحرفية عالية يمسك بزمام المشهد ويدفع المشاهد منذ اللحظة الأولى حتى النهاية للهاث من لقطة لأخرى دون أن يترك أية فراغات سردية لا درامية ولا بصرية ولا صوتية يمكن أن تشتت المشاهد وتصرفه عن الأحداث الكثيفة المتلاحقة، ولو طرفة عين.
يمكن تصنيف الفيلم على أنه تاريخي لما يبدو من الملابس والأسماء والألقاب والأسلحة المزركشة وأسلوب الحديث والأجواء الإنجليزية بما في ذلك القصر ذي الطابع الكلاسيكي في الخلفية، وحتى الموضوع الذي تدور حوله القصة وهو مبارزة شرف، تلك الممارسة التقليدية التي مورست منذ عصر النهضة بالسيوف ثم بالمسدسات حتى جرِّمت في أواخر القرن التاسع عشر، إذًا فنحن نتحدث عن التاريخ، لكنه ليس تاريخًا حقيقيا، إنه التاريخ كما يمكن أن يقع وليس كما وقع فعلًا.
قد يبدو غريبًا أن نرى النساء تمارسن المبارزة بالمسدسات، فقد كان ذلك التقليد -كما هو معروف- خاصًا بالرجال وتحديدًا رجال الطبقة الأرستقراطية وليس العوام، حيث يمكن (استعادة الشرف) أو حسم خلاف أو اتهام من خلال مبارزة بالسيوف أو المسدسات في وقت لاحق، وهي ممارسة استمدت من قانون ألماني قديم يسمح للمتهم أن يبرئ ساحته من خلال قتال مع من يتهمه، حيث كان الاعتقاد راسخًا بأن الله سيتدخل وينقذ الشخص البرئ، إنها ممارسة تذكرني بما كان يحدث عندنا وربما ما يزال موجودًا بشكل محدود هو تقليد (البِشْعَة) وهي ممارسة ليس فيها مبارزة لكن المتهم يكون عليه أن يلحس بلسانه طاسة حديدية مسخنة حتى التوهج؛ إن كان بريئًا سينقذه الله ولن يحس بالنار أما لو احترق لسانه كان ذلك دليلًا على ثبوت الاتهام وكونه مجرمًا.
رغم هذه المعلومة التي تنفي علاقة النساء بمبارزات الشرف إلا كمشجعات أو متفرجات، لكن هناك قصصًا متداولة عن نساء تبارزن بالمسدسات أو السيوف فيما أطلق عليه مبارزات التنانير الداخلية (أو الملابس الداخلية) petticoat duels وسبب إطلاق هذا الاسم أن المتنافستين تخلعان فساتينهما الخارجية حفظًا لها، طبعًا يسهب البعض في توصيف هذا الصراع بكونه كان يتم بصدور عارية أو Topless والواقع أن لا دليل على ذلك لأن النساء في أوروبا في ذلك الوقت كُنَّ يرتدين عدة طبقات من الملابس فوق بعضها وحتى الملابس التي يشار إليها بكونها ملابس داخلية حينها هي في الواقع أكثر احتشامًا من الملابس التي ترتديها سيدة محترمة جدًا -اليوم- في مكان عام.
يستلهم الفيلم إحدى الحكايات النادرة عن مبارزة بين سيدتين وقعت في أواخر القرن الثامن عشر عندما سخرت إحداهما (السيدة إلفينستون) من الأخرى وقالت إنها تبدو أكبر من سنها الحقيقي، وهذا ما اعتبرته الأخرى إهانة لا تغتفر جعلتها لا تسامح غريمتها إلا بعد أن تبادلا إطلاق النار ثم تبارزا بالسيوف حتى جرحت إلفينستون مما جعلها تقر بخطئها، لينتهي الصراع.
الفيلم أغفل المبارزة بالسيوف وركز على جولات عديدة متصاعدة من إطلاق النار.
أيضًا نلاحظ في الفيلم الملامح التي يظهر فيها بوضوح العرق الإفريقي لدى الممثلة التي تؤدي دور (ليدي ألانديل)، وهو أمر غير متوقع في العصر الفيكتوري، فقد كان الفصل العنصري في أقصى حالات تشدده في أوروبا عامة، وبريطانيا خاصة. أي أننا إزاء تاريخ صنع خصيصًا لهذا الفيلم دون سواه.
الموسيقى احتلت مكانًا بالغ الأهمية في إضفاء الأجواء الكلاسيكية سواء بتيمتها الأساسية أو توزيع العزف بأصوات آلات أوركسترالية أضفت فخامة وخفة وتعبيرية ترافقت مع تصاعد الصراع، ذكرتني بشكل خاص بأعمال المؤلف الموسيقي الروسي الكبير مودست موسوريسكي ربما للحس الدرامي القوي الذي بدا يمكن سماعه بشكل مستقل يروي قصة موازية، الموسيقى تواكب جميع الحركات، اللقطات والقطعات، والتعبيرات على وجوه الممثلين، وتتداخل مع أصوات الوتريات المتراوحة بين الحدة والغلظة وأصوات آلات النفخ النحاسية أصوات من الطبيعة مثل صوت الغراب الذي يبدو كما لو كان اصطناعيًا أو تم التحكم فيه بوسيلة ما لجعله جزءًا متماهيًا مع تدفق الموسيقى، يؤدي دوره في اللحن وليس مجرد مؤثر صوتي طبيعي.
أما تصميم الشخصيات بملابسها ومكياجها واكسسواراتها فقد كانت معبرة جدًا وليست مجرد تجسيد اعتباطي للمرحلة التاريخية فمثلًا؛ ليدي ألانديل ترتدي ملابس تميل إلى الذكورية بدون تبرج أنثوي إطلاقًا عدا بعض أحمر الشفاه الزاعق والكحل وتزجيج الحواجب السميكة نسبيًا تلك الأشياء التي تجعل ملامحها أكثر تحديدًا خاصة في اللقطات القريبة وهو ما يعبر عن شخصيتها القوية الساعية للانتقام، بالإضافة إلى سترة سوداء وقبعة طويلة بنفس اللون خالية من الحليات الزخرفية التي قد تميز الأنثى باستثناء سير جلدي بسيط يطوق القبعة تتوسطه عقدة معدنية، بينما في المقابل مسز فيريتي تبدو في قمة زينتها برداء فخم مزركش باللون القرمزي لون الأرستقراطية، وترتدي قبعة شديدة الارتفاع مزينة بالريش من نفس اللون، يعني كما نقول عندنا "على رأسها ريشة" تعبيرًا عن الامتياز الطبقي، وهكذا كما أظهرت الأزياء هذا التناقض الشاسع بين بطلتي الصراع، عبرت بوضوح عن شخصيتي التابعتين اللتين ستتوليان تحكيم المبارزة؛ فتابعة الأولى ترتدي زيًا نسائيًا رقيقا بلون سماوي يعبر عن البراءة وقبعة تذكرك بالفتيات الصغيرات في قصص الأطفال المصورة، بينما تابعة الثانية سيدة لا تقل عنها عجرفة بالغليون الذي تدخنه بتعالٍ، وإن كانت من مظهرها تبدو من طبقة اجتماعية أقل كثيرًا من سيدتها بملابسها التي تبدو كملابس الخادمات في هذه الفترة الزمنية، وبذلك يجعلنا مظهر كل شخصية نقرأ طبيعتها ونفهم دورها وتاريخها وعلاقتها بالشخصيات الأخرى.
رغم البساطة التي يبدو عليها تصميم الكادرات ومحدودية حركة الكاميرا والتصوير في النهار في ظروف خريفية حيث الضوء ساطع لكنه ناعم منتشر في نفس الوقت ومكان التصوير أرض منبسطة تغطيها الحشائش الكالحة الجافة، واللقطات معظمها سردية مباشرة متسلسلة حسب الحبكة التقليدية في الفيلم دون تعقيد ظاهري، لكن هذه السهولة البادية والانسيابية الظاهرة تخبئ خلفها مجهودًا شاقًا قد لا تميزه عين المشاهد العابر لكن عينًا خبيرة ستقدره، وهو ما يقال عنه دائمًا "السهل الممتنع".
على سبيل المثال؛ مدير التصوير دائمًا رغم هذا الضوء المنتشر الذي يملأ المكان والذي يمكن أن يجعل الصورة مسطحة للغاية بدون عمق يحافظ على كون اتجاه الضوء عكس الكاميرا بحيث يضفي تجسيدًا على الكتل التي يشكلها الممثلون والشجرة البعيدة في الخلفية، وطبعا يظهر الأمر للمشاهد أن التصوير تم في ضوء النهار وأن المصور لم يبذل جهدًا في الإضاءة لكن واقع الأمر أن التصوير في إضاءة كهذه أكثر صعوبة من التصوير الليلي مثلًا أو التصوير داخل استوديو حيث يتوجب على المصور إقصاء كل ما يزيد عن حاجته من هذا الضوء الغامر وهي مهمة صعبة للغاية تحتاج إلى العديد من حواجب الضوء والعواكس الموجبة والسالبة حيث الأولى تعيد توجيه الضوء والثانية سوداء تمنع انعكاسه وتزيد التباين ولو قليلًا حتى تثري الإحساس بالعمق في الصورة ولو بشكل نسبي.
أيضا أسهم تكوين الكادرات بمهارة عالية في إبراز العلاقات بين الشخصيات وتطور السرد. مثلا، معظم الفيلم/المشهد تكون فيه مواجهة بين فريقين أحدهما تشكله المرأة المنتقمة وتابعتها الفتاة الرقيقة وكلتاهما متوائمتان وهذا الفريق يحتل يمين المشهد مما يجعلهما عندما تظهران في لقطة متوسطة تكون الأولى على يمين الكادر بينما تنظر في اتجاه اليسار حيث تقف الفتاة وبذلك يسهم التكوين المغلق في تحديد العلاقة المتماسكة بينهما، أما على الطرف الآخر فنجد السيدة المتغطرسة على يمين الكادر وتنظر أيضًا في اتجاه اليمين والمرأة التي جاءت لتقف في صفها على اليسار (صفر على الشمال مجازًا) وبذلك يفتح اتجاه نظرهما الكادر إلى اليمين فيبدو أن العلاقة بينهما ليست متماسكة كالأخريين.
عند إطلاق النار نجد توظيفًا أكثر للقطات القريبة التي تسمح للمشاهد بالغوص في أعماق انفعالات المتبارزتين، ونلاحظ أن التكوين يتطور تبعًا لهذه الانفعالات حتى إنَّ المتعجرفة بعد أن تصيبها طلقة في يدها ولا يصبح لديها من الثقة ما يسمح لها باستئناف تعاليها على الأخرى التي تبدو لها وقد انتوت أن تقتلها حرفيًا هنا نلاحظ في اللقطات القريبة أنها يأتي وضعها في يمين الكادر ناظرة إلى الخارج وخلفها مساحة فارغة، هذا الاختلال في التكوين التقليدي للكادر إسقاط على الحالة التي وصلت لها من الارتباك، وفي المقابل نجد الأخرى وقد استقرت عينها عند منتصف الكادر ليعبر التكوين عن حالة الثبات والثقة والإصرار التي اكتسبتها بعد أن أصابت الأخرى واقتربت من النصر.
المونتاج لعب دورًا هامًا للغاية أيضًا في سحب أنفاس المشاهد من اللحظة الأولى خلال صراع موزون متصاعد مكثف مع ترك فترات صمت محسوبة بدقة.
إن فيلم الرضا أو Satisfaction فيلم يستلهم لحظة تاريخية مركزة ومميزة، ويتناولها من خلال سرد سينمائي كلاسيكي، بقواعد تذكرنا بأن الفيلم القصير استلهم أسسه من القصة القصيرة بضوابطها التي عرفت منذ نهايات القرن الثامن عشر وكانت عادة تدور حول حدث طريف ومفارقة قد تكون في الغالب مضحكة وكانت دائمًا تبدأ بعبارة "يا للعجب!" وكذلك نجد الفيلم يختار حادثة وقعت في نفس هذا الزمن وهي حادثة غير معتادة مما يضفي عليها نوعًا من الطرافة، كما أن انفتاحها على التاريخ يجعل المتلقي شغوفًا بمعرفة حقيقة الواقعة وأبعادها الأخرى التي ربما ليس في مدة الفيلم القصير ما يسمح بالتوسع في طرحها.
اتبع صانع الفيلم بيلي توم بيلي نهج العمل السينمائي الكلاسيكي الذي أقرته الاستوديوهات الكبرى من بدايات السينما. كما هو واضح من تترات الفيلم، لن تجد شخصًا يقوم بعمل مزدوج كما يحدث عادة في الأفلام القصيرة التي قد يقوم فيها فرد بأدوار عديدة كأن يكتب ويصور ويمنتج في نفس الوقت، لكن هنا لدينا مؤلف للسيناريو ومدير تصوير ومونتير ومؤلف موسيقي، كما أن الممثلات الأربعة جميعهن محترفات وعلى الأقل اثنتين منهن لديهن خبرة كبيرة في التمثيل وترشيحات لجوائز هما Gwyneth Keywoth وMichele Moran كما أن الممثلتين الأخريين Ellie Gallimore وMia Khan لا تقلان إجادة في أداء الأدوار التي تميزت بتنوع في الأداء بين الكوميديا الضمنية والإثارة والصراع النفسي الداخلي بين رغبات المتنافستين في تحقيق التفوق وإرادة الرفيقتين في إنهاء الصراع.
الرضا Satisfaction فيلم يقدم في إطار كوميدي يبدو بسيطًا لكنه محكم للغاية، قصة تاريخية ممتعة ترشح صانعه بقوة للدخول في عالم الأفلام الطويلة التي أعتقد أنه سيكون قريبًا واحدًا من صناعها البارزين.
أحمد صلاح الدين طه
28 يونيو 2025
[email protected]

لمن يرغب في تحميل المقال بصيغة pdf لسهولة القراءة وبدون إعلانات، مجانا على تيليجرام، الرابط:
https://t.me/dedalum_tv_news/640
قراءة وفرجة ممتعة
https://dedalum.at.ua/publ/ahmed_salah_el_deen_taha/baileytombailey_satisfaction_shorts/1-1-0-238
رابط بديل:
https://dedalum.blogspot.com/2025/06/satisfaction.html

بداية لذيذة تدعمها موسيقى مؤلَّفة شيقة تضفي جوًا يذكرك بأفلام الوسترن القديمة مع حالة من البهجة، ربما تنذر بصراع فيه لفحة الترقب وروح الكوميديا. نظرة ذكورية جدًا .....

د لا يعرف الكثيرون عن مبارزة الملابس الداخلية أو التنانير الداخلية The Petticoat Duel التي كانت نادرة لكن هناك من يؤكدون...
29/06/2025

د لا يعرف الكثيرون عن مبارزة الملابس الداخلية أو التنانير الداخلية The Petticoat Duel التي كانت نادرة لكن هناك من يؤكدون حدوثها في أوروبا يوما ما بين سيدات أوروبا الأرستقراطيات دفاعًا عن شرفهن (والشرف هنا ليس بمفهومه الحالي فقد دارت إحدى هذه المبارزات بسبب اعتراض سيدة راقية على طريقة تنسيق الزهور التي تمت بإشراف سيدة أخرى).
عن إحدى هذه الوقائع يدور فيلم حيث تتبارز سيدتان بالمسدسات، والسبب غريب جدًا.
عن فيلم الرضا أو Satisfaction كتب أحمد صلاح الدين طه هذه المقالة النقدية على موقع ديدالوم مجمع الفنون
https://dedalum.at.ua/publ/ahmed_salah_el_deen_taha/baileytombailey_satisfaction_shorts/1-1-0-238
بديل:
https://dedalum.blogspot.com/2025/06/satisfaction.html
🎬





رابط

  بداية لذيذة تدعمها موسيقى مؤلَّفة شيقة تضفي جوًا يذكرك بأفلام الوسترن القديمة مع حالة من البهجة، ربما تنذر بصراع فيه لفحة الترقب وروح الكوميديا. نظرة ذكورية جدًا ...

فن الإبراز وسر المعنى: مفهوم العزل في التصوير الفوتوغرافي والسينمائي والتليفزيوني_________________  لماذا لا نتحدث كثيرا...
05/06/2025

فن الإبراز وسر المعنى:
مفهوم العزل في التصوير الفوتوغرافي والسينمائي والتليفزيوني
_________________

لماذا لا نتحدث كثيرا عن المفاهيم التي نوظفها كمصورين ومخرجين لإنتاج الصورة، حتى ليبدو للعديدين من غير المتخصصين أن التصوير هو عمل تقني بحت، وهي صورة مجحفة إلى حد كبير تسهم في تشويش قدرة المتعلمين الجدد على إدراك أبعاد هذا العمل والانخراط فيه بشكل صحيح ومبدع.
من المفاهيم الأكثر تداولا هو العزل أو Isolation ، وهي خاصية أصبح الكثيرون يدركون أهميتها وروعتها سواء على المستوى التشكيلي الجمالي أو على المستوى التعبيري، دائما الفنان يطارد المعنى من خلال الشكل.
أول ما يتبادر إلى أذهان الهواة والمبتدئين وحتى تجار الأدوات الفوتوغرافية عندما يسمع هذا المصطلح هو العزل التقني، بل وعنصر واحد فقط منه وهو العزل عن طريق عمق مجال الوضوح، اسأل أي مصور غير متخصص سيبادر إلى الحديث عن فتحة العدسة والبوكا Bokeh وأي تاجر ستجده يحدثك عن (عدسة العزل) أو أن هذه العدسة (أفضل في العزل) وطبعا غالبًا ما يقصدون العدسات ذات فتحة العدسة الواسعة (٢.٨) أو أوسع.
أهمية العزل هو أنه العمل التعبيري والتشكيلي الأهم بالنسبة للمصور والمخرج، فبينما كان الرسامون التقليديون يتباهون بالتفاصيل العديدة التي يضمنونها في لوحاتهم؛ جاء المصورون الفوتوغرافيون ليقدموا مهارة أخرى مضادة تمامًا لعمل هؤلاء الرسامين، ألا وهي مهارة إبراز التفاصيل؛ بينما فَخِر الرسام التقليدي بأنه يستطيع وضع عالم كامل داخل الإطار، تباهي المصورون الفوتوغرافيون بقدرتهم على اكتشاف عالم كامل في تفصيلة واحدة من تفاصيل الحياة وفي حالة عابرة تمر بها هذه التفصيلة في لحظة واحدة قد لا تستغرق أكثر مما تستغرقه غمضة عين أو ومضة فلاش سريع الطلقات. ونلاحظ أيضًا أن الدمج أو اللاعزل هو صورة من صور العزل أيضًا؛ فالمصور لا يعكف فقط على تحقيق العزل، لكنه يختار أن يعزل موضوعه أو لا يعزله، فإن عزله فلأي درجة يجعله مفصولا عن محيطه كليًا أم إلى حد معين. إدراك المصور أو المخرج لهذه النقطة هي ما يحدد قيمة العزل وأهميته وليس العدسة المستخدمة.
بدأت المسألة إذا مع التصوير الفوتوغرافي، ثم تطورت الأساليب مع مرور الأيام وتطور تقنيات التصوير وظهور السينما والألوان والصوت والبث التليفزيوني، استجابة لخصائص الوسائط المختلفة وحاجاتها الاتصالية وطرقها التعبيرية وتطور تقنياتها وحجم وضخامة الإنتاج والتمويل المتعلق بها.

إذا كيف يحقق المصور والمخرج عزل موضوعهم لتسليط الضوء عليه؟
أولا: هناك العزل الأكثر شيوعًا ومعرفة وهو عن طريق ظاهرة عمق مجال الوضوح أو ال(Depth of field)، التي تعني جعل الموضوع واضحًا بينما كل ما يحيط به (سواء أبعد منه أو أقرب إلى الكاميرا بنسب معينة) غائم أو مضبب أو (Blurred) أو (Out of focus) وبالمناسبة كثيرون من مخرجي التليفزيون يختصرون التعبير الأخير في حديثهم فيقولون إن الصورة (فوكاس) ويقصدون أنها غير واضحة مما يعكس معنى الكلمة ويسبب ارتباكًا عادة للمصورين المتخصصين الجدد.

تقنيًا يتحكم في عمق المجال أربعة عناصر هي:
فتحة العدسة (كلما اتسعت فتحة العدسة قل عمق المجال، ومن ثم زاد عزل الموضوع عن الخلفية).
البعد البؤري للعدسة، حيث العدسات ذات البعد البؤري الأكبر تعطي عمق مجال أقل، فمثلا العدسة ٨٠مم. تعطي عمق مجال أقل من العدسة ١٦مم. مما يعني أن خلفية الموضوع ستصبح أكثر ضبابية عند استخدام عدسة ٨٠مم.
المسافة من العدسة، كلما قلت المسافة بين الموضوع والعدسة نفسها كلما قل عمق المجال وزادت ضبابية الخلفية ومن ثم يزيد عزل الموضوع عن المحيط به، مع الأخذ في الاعتبار أن لكل عدسة مسافة معينة لا يمكن تغيير التبئير (ضبط الفوكس) بعدها، وهي التي يطلق عليها نقطة اللانهاية، بعدها يصبح كل شيء واضحًا ولا يمكن في هذه الحالة توظيف ظاهرة عمق المجال لتحقيق عزل الموضوع.
العنصر الرابع هنا وهو الذي عادة ما يتم إغفاله، هو مساحة سطح المستشعر (السنسور) أو مساحة تعريض الصورة في الكاميرات القديمة، كلما زادت مساحة سطح السنسور يقل عمق المجال الناتج عن مختلف العدسات ومختلف فتحات العدسات بشكل ملحوظ، وهذا ما يجعل الكاميرات الرقمية التي تسمى ذات الإطار الكامل (Full Frame) تنتج صورة ذات عمق مجال أقل وخلفية أكثر ضبابية من الكاميرات ذات الإطار المقتطع (Cropped Frame). كاميرات الفيديو الرقمية ذات المستشعر الصغير جدا (في الغالب يتراوح بين ثُلث بوصة أو نصف بوصة أو ثلاثة أرباع بوصة أو بوصة واحدة كاملة) هذه الكاميرات تنتج صورة ذات عمق مجال أكبر كثيرًا من كاميرات السينما الرقمية التي يصل المستشعر فيها إلى سطح أقرب في مساحته إلى مساحة التعريض لكاميرات السينما التقليدية مقاس ٣٥مم. أو مقاس ٦٥مم. أو ٧٠مم.، وهو ما يجعل مصور الأخبار التليفزيونية أكثر ثقة في وضوح الصورة من المصور السينمائي الذي يستعين بفريق كبير من المساعدين لأداء مهام عديدة يقوم بها جميعًا مصور واحد في التليفزيون.
ويمكن إضافة العزل المزيف كوسيلة خامسة، وهو نوع شائع أيضًا في التصوير الفوتوغرافي الثابت حيث تستخدم برامج معالجة الصور وكثير من تطبيقات الهواتف المحمولة تحقق ذلك بشكل رقمي أو بالاعتماد على الذكاء الإصطناعي لتعطي إيهاما بقصر عمق المجال وتحقق عزل الموضوع المصور خاصة بالنسبة لتصوير البورترية.

ثانيًا: التباين الضوئي، حيث الصورة سواء الفوتوغرافية أو السينمائية أو الفيديوية، هي تجسيد مسطح ثنائي الأبعاد من المساحات المضيئة والمظلمة يمكن توزيعها بحرفية لإعطاء أهمية لعنصر معين فيصبح معرّفًا لعين المشاهد، بينما يتم تنكير العناصر الأخرى التي يقع عليها كم أقل من الضوء، حيث المساحة الأكثر استضاءة أكثر بروزًا والمساحات المظلمة أو شبه المظلمة تصبح متوارية نسبيًا غير ملفتة لعين المشاهد، كما أن المستضيء يظهر أقرب، والمظلم يبدو بعيدًا، المستضيء واضح ومكشوف ومفروغ من أمره، بينما المظلم غامض وقد يكون مكتظًا بالأسرار والأفكار، يحفز خيال المشاهد للتنبؤ بما قد يكون موجودًا فيه أو يمكن أن يكون موجودًا ولا يظهر لعينه أي يمكن اعتبار مناطق الظل فراغات بصرية تشبه الفراغات السردية أو ما نطلق عليه (المسكوت عنه) في القصة السينمائية أو العمل التشكيلي.
هذا هو السبب الرئيسي لكون المصور المحترف لابد أن يستخدم مصادره الخاصة للإضاءة ولا يعتمد على إضاءة المكان، رغم أنها هندسيًا قد تكون كافية لإنتاج صورة جيدة لكنها لا تعطي للمصور القدرة على التحكم الجمالي والتعبيري في الصورة.
هذه النقطة تكون عادة مصدر تعجب للهواة والممولين غير المتخصصين الذين يعتبرون استخدام المصور للإضاءة الصناعية ترفًا لا أهمية له، خاصة أنه قد يستخدم مصادر إضاءة ضخمة جدًا ومكلفة للغاية بينما هو يصور في مكان مفتوح تحت شمس ساطعة، هنا يأتي تفسير هذا الأمر حيث أن عمل المصور الرئيسي هو إدارة الضوء والتحكم فيه وليس فقط توفيره.

ثالثا: العزل عن طريق الألوان، وهو واحد من الأعمال الدقيقة التي يقوم بها المصور بالتعاون مع المخرج ومصمم الديكور ومنسق الإكسسوار ومصمم الملابس والممثلين أو الموديلز، وأحيانا يقوم بكل ذلك بنفسه في الإنتاجات المحدودة الكلفة، وكل ذلك يتطلب فهما تامًا لنظرية الألوان Color Theory والتي تعني ذلك العلم المبني على الأبحاث والخبرات الإنسانية والتراكم الثقافي والمعرفي والذوق الخاص، وتوظيفها من أجل إعطاء الأهمية لعنصر محدد في الكادر يكون هو الموضوع الرئيسي، وتوزيع الأهمية في عمل أشبه بالبلاغة في اللغات المنطوقة.

طبعًا فهم الألوان مجال متسع نكتفي هنا بالإشارة إلى بعض الحالات العامة مثل تباين الألوان حيث ثنائيات الألوان المتقابلة تعطي تباينا يُظهر لونًا على حساب آخر مثل اللون الأحمر في مقابل الأخضر، والأصفر في مقابل الأزرق أو السيان، والأبيض في مقابل الأسود. كما أن الألوان التي توصف بالساخنة مثل الأحمر والبرتقالي والأصفر تبدو أكثر قربًا للعين من الألوان الباردة مثل الأزرق والأخضر والسيان، والألوان ذات التشبع العالي (Saturated Colors) أكثر ظهورًا وقربًا من نفس الألوان إذا كان تشبعها منخفضًا أو ما يمكن أن يطلق عليه الألوان الباهتة مجازًا، كما يستخدم كثيرا ثنائية الأبيض وأسود في مقابل الملون وهي إحدى حالات اللعب على تشبع الألوان حيث تصل الألوان عند تقليل تشبعها جدًا إلى حالة الأبيض وأسود، أيضًا هناك طريقة أخرى لتوظيف الألوان في كثير من الأفلام حيث تكون للفيلم بالتة لونية معينة، أي أن هناك منظومة ألوان محددة تطغى على الفيلم نجد عنصرًا معينًا يظهر بلون محدد كل فترة بحيث يكون هذا اللون مخالفًا تماما لكل بالتة الألوان التي ألفها المشاهد طوال الفيلم، وهنا يصبح ذلك الشيء الذي يحمل هذا اللون مميزًا بشكل واضح معزولًا عما حوله.

رابعًا: العزل عن طريق خصائص العدسات، وأغرب ما في ذلك أنك تستطيع توظيف خاصية وعكسها في نفس الغرض وهو عزل الموضوع الرئيسي، على سبيل المثال تنقسم العدسات إلى ثلاث مجموعات أساسية: (النورمال) وصورتها أقرب لما يراه الإنسان، و(التليفوتو) وهي عدسات محدودة اتساع زاوية الرؤية، تجعل الأشياء المتراصة على محور واحد أمام الكاميرا تبدو أكثر قربًا لبعضها البعض مما هي في الواقع، فيصبح الحجم النسبي لشخص يجلس في المقدمه قريبًا من شخص بعيد جدًا عنه، وهناك مثال قد يذكره الكثيرون وهو لقطة السيلويت للبطل هشام سليم في فيلم عودة الابن الضال وهو يسير تجاه الشمس وتظهر رأسه بنفس حجم قرص الشمس، وهذه لقطة مصورة بعدسة ذات بعد بؤري كبير جدًا كانت فيما يبدو عدسة ١٠٠٠مم.

النوع الثالث من العدسات هو العدسات قصيرة البعد البؤري متسعة الزاوية وهي عدسات زاوية الرؤية بالنسبة لها متسعة جدًا (نسبيًا)، وتظهر الحجم النسبي أبعد للغاية من الواقع، فيظهر الموضوع في مقدمة الكادر ضخما بينما الأشخاص أو الأشياء التي تبعد عنه سنتيمترات قليلة تظهر بعيدة جدًا وصغيرة للغاية.

يوظف المصورون خاصة مصورو الأخبار للتليفزيون كلا النوعين من العدسات طويلة البعد البؤري وقصيرة البعد البؤري لعزل الموضوع (الذي غالبًا ما يكون متحدثًا سواء كان مذيعًا أو ضيفًا) عن الخلفية التي غالبًا ما تكون مكتظة بالأشخاص والحركة الملفتة بينما يكون من المهم جعل المشاهد يركز فقط على الشخص الذي يتحدث لأن مدة ظهوره على الشاشة ستكون محدودة جدًا وليس مطروحًا ترك عين المشاهد يسرقها حدث ما يدور في الخلفية ولو للحظة واحدة.
هنا يستطيع المصور اتخاذ أحد طريقين، الأول أن يقف المصور بكاميرته بعيدا عن الشخص الذي يصوره، ويصور باستخدام عدسة طويلة البعد البؤري (ذات زاوية رؤية محدودة) لأنها ستقصي معظم ما يحدث في الخلفية ويصبح خارج الكادر، كما أن لها ميزة أخرى قد تكون مفيدة أيضًا وهي صغر عمق مجال الوضوح الذي سيجعل الخلفية مضببة غير واضحة فلا تصبح مهمة بالنسبة للمشاهد.
والحل الثاني هو الاقتراب للغاية من المتحدث، واستخدام عدسة قصيرة البعد البؤري، متسعة الزاوية، ورغم أنها ستجعل المشاهد يرى كل ما يدور في الخلفية بسبب اتساع زاوية رؤيتها كما أن كل شيء سيكون شديد الوضوح لأن عمق المجال لها كبير جدا، لكنها أيضًا ستزيد المسافة النسبية بين الموضوع (المتحدث) الأقرب للكاميرا وبين الأشخاص الآخرين الذين في خلفيته والذين سيصبحون أقل أهمية، ولصغر حجمهم لن يهتم المشاهد بهم. ويعيب هذه الطريقة وجوب أن يجعل المصور المتحدث في منتصف الكادر لأن هذه العدسة تسبب تشوها منظوريًا كلما ابتعد الموضوع عن المنتصف.

خامسًا: العزل عن طريق التكوين، وهو ترتيب المكونات داخل الكادر بحيث تلفت النظر لعنصر معين، أي تجعله معزولًا مميزًا لعين المشاهد، فعلى سبيل المثال يمكن أن تقود الخطوط الظاهرة والضمنية في الكادر عين المشاهد إلى نقطة محددة، كما يمكن أن يستخدم التأطير لعزل عنصر محدد مثلما نجد كثيرًا في شخص يقف في النافذة، كما استخدم بعض المخرجين شكل إطار الشاشة الخارجي بطريقة إبداعية لتحقيق العزل مثلما نجد عند ويس أندرسون مثلا حيث يجعل شكل الإطار مرة عريضًا ومرة مربعًا أو دائريًا أو حتى طوليًا، وأيضًا يمكن عزل عنصر معين عن طريق الفراغ السلبي، ولنذكر مثلا لقطة ظهور بطل فيلم لورنس العرب من عمق الصحراء بينما مساحة الكادر ذي الشاشة العريضة تملأها رمال الصحراء والبطل هو ورفيقه قادمان كنقطة وسط كل هذا الفراغ لكنها نقطة وحيدة مميزة تجذب عين المشاهد مباشرة خاصة مع توظيف الخطوط التي ترسمها قمم الكثبان الرملية لتوجه عين المشاهد إلى نفس النقطة.

سادسًا: العزل عن طريق الحركة، والحركة ليست قاصرة على السينما والفيديو فقط الذين يمكن جعل حركة الموضوع الرئيسي مع ثبات العناصر الأخرى أو العكس أحيانًا أو متابعة الكاميرا لإحدى الشخصيات لعزلها عن محيطها والتركيز عليها، أو حركة الكاميرا المقتربة (دوللي إن) وحركة التكبير عن طريق العدسة (زووم إن)، لكن في التصوير الفوتوغرافي أيضًا هناك عزل عن طريق الحركة، وكمثال هناك أساليب شهيرة مثل التقاط صورة سيارة متحركة ومتابعتها بالكاميرا مما يجعل الخلفية مشوشة وتبقى السيارة واضحة، أو التقاط صورة بالفلاش لشخص يقف وسط أناس يتحركون مضائين بأضواء مستمرة فيبدون ضبابيين مع وضوح الشخص الأول، أو حركة راقصة مضاءة بإضاءة مستمرة مع تشغيل إضاءة فلاش عند نقطة محددة فتبدو في هذه اللحظة واضحة بينما تظهر حركتها على طول المسار مشوشة، وغير ذلك الكثير.

سابعًا: الإقصاء، وهو نوع من العزل أيضًا، فبينما يمكنك أن تضمن عنصرًا أو عناصر معينة داخل الكادر، تستطيع تجاهل عناصر أخرى وعدم تصويرها على الإطلاق، وهو ما يفعله بشكل يومي وتلقائي مصورو الأخبار التليفزيونية، وهو ما يجعل الأمانة الملقاة على عاتقهم كبيرة جدًا، فبينما يظن مشاهد الأخبار أنه يستطيع رؤية كل شيء، ويطمئن لهذه الفكرة الوهمية، لا يتمكن هذا المشاهد إلا من مشاهدة ما اختاره له مصور الأخبار وقرر أنه الأهم والمناسب لعرضه على الجمهور.
ثامنًا: العزل الصوتي، وهو ميزة في السينما والفيديو، طبعًا لا يضاهيها التصوير الفوتوغرافي، لأنه يعني خلق تميز لعنصر معين عن طريق ظهور صوته وغياب أو تشويش الأصوات الأخرى في البيئة المحيطة به، ونقصد هنا بالبيئة المحيطة ما يظهر حوله داخل الكادر لعين المشاهد، وليس فقط البيئة المحيطة بالموضوع المصور في مكان التصوير.
يبدأ توظيف العزل الصوتي في مكان التصوير بإقصاء الأصوات المحيطة، فتجد المحترفين يحرصون على استخدام ميكروفونات يمكن تقريبها جدًا من الشخص المتحدث مثل الميكروفون المعلق في ملابس المتحدث، أو الهاند مايك الذي يتميز بزاوية التقاط محدودة للغاية، أو البووم مايك الذي يحمله مساعد الصوت ويوجهه لالتقاط الصوت من المتحدث فقط بزاوية التقاط محدودة ومجموعة من الفلاتر الداخلية أو العوازل المركبة عليه من الخارج والتي تتحكم في إقصاء الأصوات الغير مرغوبة والتي تحيط بالشخص المتحدث مثل صوت الرياح.
بعد التسجيل أيضًا يكون هناك تحكم كبير في عزل الموضوع المتحدث عن طريق المكساج الصوتي، فقد نجد صوت البيئة المحيطة التي غالبا في الدراما ما يتم تخليقها بعد التصوير في استوديو المؤثرات الصوتية، يكون هذا الصوت أو الضجيج عاليا نسبيًا ثم يتلاشى رويدًا ليصبح صوت المتحدث مسموعًا وحده، وقد يتم إقصاء صوت المتحدث نفسه والغوص أكثر في نفسه فيسمع المشاهد صوت حديث داخلي. هذه مةجرد أمثلة للتوضيح لكن تطبيقات العزل الصوتي الإبداعية لا حصر لها.
تاسعًا: العزل السردي (المونتاجي)، وهي خاصية تميز السينما والتليفزيون، حيث يمكن التركيز على عنصر معين عن طريق القطع المباشر بين لقطة واسعة وأخرى مقربة، أو بوضع تتابع معين للقطات المتسلسلة يفهمه المشاهد كإقصاء لعناصر المشهد والتركيز على أحدها فقط.
عاشرًا: العزل المعنوي أو الضمني، حيث العنصر الفريد يصبح بارزًا مثل زهرة نامية في قلب الجبل (البعض قد يتذكر التصوير التليفزيوني القديم لنشيد ديني للمطرب الراحل عبدالحليم حافظ والتي تقول كلماتها: "ياخالق الزهرة في حضن الجبل من فوق" وتظهر صورة لوردة متفتحة نامية وسط صخرة ضخمة صلدة)، أو طفل بملامح رقيقة وسط مجموعة من الجنود المدججين بالسلاح، كما يمكن تصور شخص ينظر في اتجاه العدسة بينما يولي الآخرون ظهورهم للمشاهد، بالتأكيد سيميز المشاهد من ينظر إليه بسهولة أكبر وسيهمل الآخرين. وغير ذلك من الصور العديدة التي يمكننا استدعاؤها بسهولة.

إذًا فالعزل ليس مجرد تقنية محدودة يستخدمها المصور لإبهار عين المشاهد، لكنه مفهوم عميق يمكن اعتباره أصل ما وجدت بسببه وظيفة المصور أو المخرج، الذي يكون عليه من خلال علمه وموهبته مخاطبة عقل المتلقي بتوظيف العزل (أو اللا عزل أحيانًا) لإيصال المعنى والتفاعل مع الموضوع سواء كان هذا العزل بصريًا أو صوتيًا، ظاهرًا أم ضمنيًا.
أحمد صلاح الدين طه
٣ يونيو ٢٠٢٥
[email protected]

https://dedalum.at.ua/publ/ahmed_salah_el_deen_taha/isolation_photography_cinematography/1-1-0-237
رابط بديل
https://dedalum.blogspot.com/2025/06/blog-post_4.html

  لماذا لا نتحدث كثيرا عن المفاهيم التي نوظفها كمصورين ومخرجين لإنتاج الصورة، حتى ليبدو للعديدين من غير المتخصصين أن التصوير هو عمل تقني بحت، وهي صورة مجحفة إلى حد ....

Address

`Arab El-Sheikh Zeid

Alerts

Be the first to know and let us send you an email when Ahmed Salah Eldeen Taha أحمد صلاح الدين طه posts news and promotions. Your email address will not be used for any other purpose, and you can unsubscribe at any time.

Contact The Business

Send a message to Ahmed Salah Eldeen Taha أحمد صلاح الدين طه:

Share

Category