
17/04/2024
:
هناك عبر التاريخ شخصيات تاريخية مليئة بالغموض ، والأحداث والقرارات الغريبة ، خاصة مع هذا الحاكم بطل فقرة "نقيض" وهو "الحاكم بأمر الله الفاطمي".
كانت فترة حكم "الحاكم بأمر الله الفاطمي"، طيلة فترة ربع قرن كامل من الزمان ، مرت خلالها "الدولة الفاطمية" في عهده ، بالكثير من الأمور السياسية الشائكة ، والاضطرابات التي كان له يدًا فيها ، وذلك بسبب تقلباته الفكرية والسياسية المتأرجحة ، ولعلها كانت هي أسباب نهايته .
ولد "الحاكم بأمر الله" عام 985 ب #القاهرة، وتولى الحكم وهو طفل، وباشر ولايته وعمره 11 سنة، وبالطبع نظرًا لصغر عمره، تدخل العديد من الطامعين في الحكم في أمر الدولة.
لكن لم يمض الكثير من الوقت ، حتى أمر الحاكم الصغير ، بقتل عددًا من كبار رجال الدولة، ولم تمض سوى ثلاث أعوام، حتى أمر بقتل الممسك بمقاليد الأمور "برجوان".
مضت الأعوام وأصبح الصبي الصغير ، شابًا يافعًا وباتت قبضته على الدولة، أكثر إحكامًا من ذي قبل، وأخذ ينفرد بصلاحيات وسلطات أوسع، وذلك وفقًا للمذهب "الشيعي الرافضي"، الذي كان "الفاطميون" يدينون به.
لذلك لم يكن "الحاكم بأمر الله" مجرد حاكمًا سياسيًا فقط، بل كان ولي أمر وأحد أئمة حسب الهرطقة "الشيعية"، فكانت له أيضًا ممارسة الطقوس الدينية .
بدأ "الحاكم بأمر الله" في إظهار نزعته "الشيعية" مبكرًا، فأمر بتعليق لافتات لسب ، و و رضي الله عنهم أجمعين، في كافة ربوع الدولة ومساجدها تحديدًا، وتم إشهار هذا الأمر للناس .
كان أغلب الولاة يستترون في المذهب "الشيعي"، خوفًا من بطش "الحاكم بأمر الله"، ويتعاملون مع سطوة "الحكم الفاطمي"، بحذر شديد، فهم كانوا يحبون ، دون مزايدة منهم.
لم تكن تعاملات "الحاكم بأمر الله" عقلانية قط، بل كانت شديدة الغرابة للغاية، فقد روى المؤرخون أشهر غرائب هذا الحاكم الغريب، فقيل أنه ظل سبع أعوام يرتدي الصوف فقط.
وظل هذا الحاكم الغريب فترات طويلة لا يطيق استخدام الشموع، ويشعر بالارتياح عند الجلوس في الظلام، وفي مشهد غريب أمر بقتل الكلاب في عام 395هـ ، ثم أمر العامة ومنعهم من تناول وتجارة "الملوخية"، وقتل البعض من التجار الذين باعوها سرًا.
لم يكتف "الحاكم بأمر الله" عند ذلك فقط، بل منع أيضًا تجارة الرطب، وأعدم كميات كبيرة منه، ثم أمر بحرق الكروم أو تناوله.
وفي عام 404هـ أمر نفي كل المنجمين، على الرغم من ولعه الشديد باستقراء النجوم، وأمر أيضًا بمنع لعشر أعوام كاملة، ثم أباحها مرة أخرى.
كانت علاقة "الحاكم بأمر الله" شديدة الاضطراب، فقد استيقظ ذات يوم وأمر بهدم كافة "الكنائس" المقامة، في أنحاء المعمورة حتى "كنيسة القيامة" الموجودة ب ، وعقب فترة من الوقت أمر مرة أخرى ، بإعادة ترميم ما تهدم منها .
كما أنه أمر المسيحيين في فترة، بارتداء صلبان ثقيلة للغاية على صدورهم، وأمر اليهود بارتداء قلادات أشبة برأس العجل، الذي عبده "بنو إسرائيل"، ثم انتظر فترة وأمر المسيحيين إما باعتناق #الإسلام أو النفي إلى بلاد الروم، إلا أنه تراجع كعادته عن هذا القرار.
عقب مرور فترة من الوقت، قام بمنع "أهل الذمة" من امتطاء كافة البغال، التي يمتطيها #المسلمون، وكذلك ألا يستخدموا الوسائل العادية، التي يستخدمونها.
كما أمر بعدم خروج المرأة من المنزل ليلاً أو نهارًا، إلا لحاجة قوية للغاية، وإذا ما خرجت يجب عليها أن تنال إذنًا من القاضي، ومن أجل ضمان تنفيذ هذا الأمر أصدر الحاكم قرارًا بمنع تصنيع أحذية النساء، وظل هذا الأمر ساريًا سبع أعوام حتى وفاته.
كانت قرارات هذا الحاكم غريبة للغاية، طيلة فترة حكمه لخمس وعشرين عامًا، لم تفلت من بينها أية شريحة من شرائح المجتمع ..
فالكل نال نصيبه من أذاه وغرابة أطواره، والقرارات المستفزة والمجحفة للحقوق، من رجال ونساء، مسلمين وأهل ذمة، لا تفريق بينهم في العرق أو الجنس أو الدين، حتى من "البيت الفاطمي" نفسه، و صنع بذلك لنفسه أعداءا بعدد شعر رأسه.
تختلف المصادر في تفصيل مقتل الحاكم، لكن هناك روايات كثيرة ترجح أنه كان ضحية مؤامرة دبرت ضده من أعدائه الكثيرين انتهت بمقتله، وإن كان متواتراً في الروايات "السنية" و"القبطية" قتله على يد اخته "ست الملك" لأسباب شخصية.
-المصادر :
كتاب الذهبي في سير أعلام النبلاء
خطط المقريزى - مكتبة مدبولى - القاهرة