ضفاف النيل للترجمة والنشر

ضفاف النيل للترجمة والنشر مؤسسة تعنى بنشر الترجمات الأصلية للغة العربية من اللغات المختلفة، ونشر المطبوعات في مختلف مجالات الفك

بما إن الجو بدأ يبرد، والليل بدأ يطول، واحنا اليوم في إجازة، قلنا في ضفاف النيل نقدم لقرائنا الاعزاء واحدة من قصص الرعب ...
10/10/2025

بما إن الجو بدأ يبرد، والليل بدأ يطول، واحنا اليوم في إجازة، قلنا في ضفاف النيل نقدم لقرائنا الاعزاء واحدة من قصص الرعب "الخفيفة" الملائمة للأمسيات الباردة.. ولكن بما أنها طويلة "شوية"، فكرنا ننزلها بدري شوية..
القصة بعنوان "العجوز المخيف" بقلم الكاتب الأمريكي "هوارد فيليبس لافكرافت"؛ الاسم المعروف في عالم قصص الرعب.. والقصة من ترجمة الزميلة الأستاذة "شهد مجدي عُطيان" Shahd Otyan ؛ الاسم الواعد في عالم الترجمة.....
العجوز المخيف
عقد "أنجیلو ریتشي" ورفیقاه "جو تشانك" و"مانویل سیلفا" العزم على زیارة بیت الرجل المخیف. كان هذا الرجل يسكن بیتًا قدیمًا جدًّا بشارع ووتر على مقربة من البحر. وكانت الألسنة تتهامس بأنّه یملك من المال ما یفتن العقول، ومن الضعف والوھن ما یثیر الشفقة. ومثل ھذا الحال یستثیر شھیة أمثال "ریتشي"، و"تشانك"، و"سیلفا"؛ فهُم لم یعرفوا من المهن إلا تلك التي تخاصم الشرف والكرامة؛ ألا وھي السرقة.
یقول أھل كینجزبورت أشياء كثیرة عن ذلك العجوز المخیف، ویشیعون عنه ما یكفي لأن یُبقي رجالًا من نوع "ریتشي" ورفاقه بعیدین عنه، على الرغم من یقینهم تقریبًا أنّ بین جدران بیت العتیق الذي يعبق برائحة العفن كنزًا لا یُقدّر بثمن. كان في حقیقته رجلًا غریب الأطوار، یظن الناس أنّه قاد یومًا سفن الھند الشرقیة الكبرى؛ فقد مضت به السنون حتى غابت ملامح صباه عن ذاكرة الناس، وانسدل على اسمه ستار العزلة والصمت، حتى جهل الناس اسمه الحقیقي. وفي فناء بیته المهمَل، وبین الأشجار العجفاء الملتویة وضع الرجل العجوز مجموعة غریبة من الصخور الضخمة، رتّبها على نحو عجیب ودھنها بألوان تُظهرها؛ كأنّها أصنام متهالكة في معبد شرقي مھجور. كانت تلك الأشجار وحدھا كفیلة بأن تردع معظم صبیة الحي؛ أولئك الذین یجدون متعة في السخریة من شعره الأبیض الطویل، ولحیته المرسلة، أو قذف نوافذ بیته الضیقة بأحجارھم العابثة. غیر أنّ ثمة ما هو أدهى؛ ما یثیر في نفوس الكبار ـ المتطفلین بدافع الفضول ـ رهبة أشد حین یتسلّلون في الظلام لیتجسّسوا على الرجل العجوز من النوافذ المغبّرة.
ویروي الناس أنّ في غرفة خالیة في الطابق الأرضي، لا یؤنسھا إلا الصمت، مائدة تنتشر علیھا زجاجات عجیبة في جوف كل منھا قطعة من الرصاص تتدلى من خیط كأنّها بندول ساكن ینتظر الإشارة. ویقال أیضًا إنّ ذلك العجوز یتكلم مع تلك الزجاجات منادیًا إیاھا بأسماء غریبة مثل: جاك، وسكار فیس، وتوم لونج، وجو الإسباني، وبترز، ومات إلیس. وما أن یوجِّه الخطاب إلى واحدة منها، حتى یهتز الثِّقَل داخلها بحركات محددة؛ كأنّما تجيبه بلغة وصوت لا یفهمهما غیره. ومَن رأى العجوز في ذلك المشهد المروع؛ وھو غارق في حدیثه مع زجاجاته، لم یجرؤ على أن یخطو ھناك مرة أخرى.
غیر أنّ "ریتشي"، و"تشانك"، و"سیلفا" لم یكونوا من أبناء بلدة كینجزبورت، ولا من أھلھا الضاربین بجذورھم في تقاليدها، وعراقتها، بل جاءوا من نسل مختلط لا رابط بين مكوناته، یقف على الهامش خارج تلك الدائرة السحرية من العادات والأنساب؛ فلم یروا في العجوز المخیف سوى شیخ مترنح عاجز یكاد یسقط من الوھن، لا یقوى على السیر، إلا متكئًا على عصاه المعقودة، وقد أخذت یداه الهزیلتان في ارتجاف یثیر الشفقة، بل إنّھم في قرار أنفسھم أشفقوا على حال ذلك العجوز المنبوذ الذي نفر منه الجمیع، ونبحت الكلاب في وجهه؛ كأنّها تراه وحدها بعیون أخرى. وللصوص كما لغیرھم قانون لا یرحم، فإذا استقرت الحرفة في الروح صارت قیودًا لا فكاك منها، وبات الشیخ الهرم الواھن غنیمة تُغوي وتستفز. وما أفتن الإغراء حین یكون الرجل بلا حساب في بنك، یقضي حاجته القلیلة في دكان القریة بقطع من ذھب وفضة إسبانیة سُكّت منذ 200 عام.
وحین أسدل لیل الحادى عشر من أبریل سدوله، كان "ریتشي"، و"تشانك"، و"سیلفا" قد عزموا أمرھم على موعد لا یعرفه سواهم. وكانت الخطة كالآتي: بينما یتولى "ریتشي" و"سیلفا" استجواب الرجل العجوز، ینتظرھما "تشانك" في شارع شیب ومعه سیارة مغطاة، قرب بوابة الجدار الخلفي لحدیقة العجوز استعدادًا لحمل الغنیمة الذهبیة المتوقعة. كانوا قد رأوا في ھذا الترتیب حصنًا يقيهم أي خطأ محتمل، في حال حدثت مداهمة مفاجئة من الشرطة؛ حيث خططوا لمغادرة ھادئة، لا تثیر ضجیجًا ولا ریبة.
ووفقًا للخطة المرسومة، خرج الثلاثة كل على حدة درءًا لأي شبهة خبیثة قد تُثار لاحقًا. التقى "ریتشي" و"سیلفا" في شارع ووتر عند بوابة بیت الرجل العجوز. كان ضوء القمر يسقط فوق صدريهما؛ وهو ینسكب فوق الأحجار الملونة بین أغصان الأشجار الملتویة التي بدأت تظهر براعمها، ولكنّهما لم یشغلا بالهما بخرافات عابرة؛ فلدیهما ما هو أهم من ذلك. كانا یخشیان أن تكون المهمة شاقة لإجبار الرجل العجوز على البوح بأي شيء عن كنوزه من الذھب والفضة؛ فشیوخ البحر عُرفوا دائمًا بعنادهم وصلابة رؤوسهم، غیر أنّ العجوز كان غارقًا في شیخوخته؛ وهو یقف؛ وفي مواجهته رجلان یعرفان جیدًا أسرار الحیل، وطرق انتزاع الكلام من أفواه الصامتین. وما كان صراخ عجوز متهالك، بلغ أرذل العمر، لیعجزهما؛ إذ يسهل كتمه وحجبه عن الأسماع؛ ومن ثم اتجها نحو النافذة الوحیدة المضیئة؛ فإذا بهما یسمعان الرجل العجوز يهذي كالأطفال مع زجاجاته المعلّقة بخیوط متدلّیة. عندها شدّا الأقنعة على وجهيهما، وتقدما لیطرقا برفق الباب الخشبي العتیق الموشوم بندوب الزمان.
بدا لـ"تشانك" الوقت بطیئًا ثقيلًا؛ وھو یتململ ضجرًا في جلسته داخل السیارة المغطاة الواقفة عند باب الحدیقة الخلفي لبیت العجوز في شارع شیب. كان ذا قلب رقیق على غیر عادة أمثاله؛ فلم تطب له تلك الصرخات الوحشیة التي مزّقت سكون اللیل من أعماق البیت العتیق، عندما أزف الموعد المحدد للفعل الآثم.
ألم یوصِ رفیقیه أن یتوخّیا الرفق بذلك البحّار المسكین؟ وأخذ یرمق الباب الخشبي الضیق المغروس في جدار حجري عالٍ تكسوه عروق اللبلاب؛ وعیناه تضطربان قلقًا؛ وهو یراجع ساعته كل حین متسائلًا: أترى الشیخ أسلم روحه، قبل أن یُفضي بسرّ كنزه؛ فاضطر الرجلان إلى تقلیب أركان البیت بحثًا عن الكنز؟ بید أنّ "تشانك" لم یكن یطیق الانتظار الطویل في ظلمة كئیبة، ومكان موحش كهذا. وفجأة تناھى إلى سمعه وقع خطوات وئیدة، أو رنین عصا تنقر أرض الممر وراء البوابة، تلیھا أنامل واھنة تعبث بمزلاج صدئ، وإذا بالباب الثقیل ینفتح رویدًا. ھنالك، وتحت ضوء باهت ینبعث من مصباح وحید؛ كأنّما یلفظ أنفاسه الأخیرة، أجهد "تشانك" عینیه محاوِلاً أن یُبصر ما أخرج رفیقاه من ذلك البیت المظلم الذي تهیمن علیه الكآبة. غیر أنّ ما وقع علیه نظره لم یكن ما توھّم، إذ لم یبدُ أثر لرفیقیه، بل تجلّى أمامه العجوز المخیف وحده متكئًا على عصاه الملتویة، یبتسم ابتسامة تثیر في النفس رجفة باردة. لم یسبق لـ"تشانك" أن عرف لون عینیه؛ فإذا بهما الآن تسطعان أمامه؛ صفراوین كومیض الموت.
تكبر الصغائر في المدن الصغیرة حتى تغدو قضایا كبرى، ولهذا ظل أھل كینجزبورت یتحدثون، طوال الربیع والصیف، عن الجثث الثلاثة المجهولة التي قذفتها أمواج البحر، وذهب بعضھم إلى الأمور الأهون شأنًا كحكایة العربة المهجورة في شارع شیب، أو تلك الصرخات الوحشیة التي سمعھا ساھرون، وظنوھا آتیة من طائر غریب، أو حیوان ضل طريقه. غیر أنّ الرجل العجوز لم یُبدِ أدنى اھتمام؛ فقد كان رجلًا مُحبًّا للعزلة، والشیخوخة، حین تثقل كاھل المرء، تزید من میله إلى الصمت والتحفّظ، ثم إنّ بحّارًا عتیقًا مثله شهد في صباه ما ھو أفظع وأعجب، لذلك لا تثیره مثل ھذه الصغائر.....
كل الشكر للزميلة الأستاذة "شهد مجدي عُطيان"، المترجمة الواعدة بإذن الله..

ًّا


من ومضات الترجمة...من المهمات الدقيقة في الترجمة كتابة الاسم الأجنبي.. كتابة الاسم الأجنبي مهمة مش سهلة؛ لأن الاسم مش بس...
09/10/2025

من ومضات الترجمة...
من المهمات الدقيقة في الترجمة كتابة الاسم الأجنبي..
كتابة الاسم الأجنبي مهمة مش سهلة؛ لأن الاسم مش بس مجموعة حروف، ده محمَّل بأصل ثقافي، ولهجة، وحتى نطق خاص..
وفي الأسطر التالية رؤى ووجهات نظر حول كتابة الاسم الأجنبي في النص المترجَم..
أول حاجة، بالنسبة لي شايف إننا نكتب الاسم بلغته الأصلية.. ليه؟! لأننا بكده بنحاول نحافظ على الهوية الأصلية، ولو الاسم له طريقة كتابة ونطق دولية شائعة نستخدمها، ونضع الاسم باللغة الأصلية في قوس بجوار الصيغة الشائعة عالميًّا.. ونستخدم الصيغة الشائعة بعد كده طوال النص منعًا لأي لخبطة عند القارئ.. بس نكون وضحنا له الاسم باللغة الأصلية كقيمة مضافة للقارئ من الترجمة..
تاني حاجة، إذا معرفناش نوصل لطريقة النطق باللغة الأصلية، بنشوف الصيغة الشائعة عمومًا..
طيب لو ما كانش الاسم له صيغة شائعة عالميًّا؟! يبقى نروح لتالت حاجة هي إننا نشوف نطقه بالعربي.. ده لو كانت الترجمة من لغة أجنبية إلى العربية.. وفي حالة لو كانت الترجمة من غير العربية إلى غير العربية، ممكن نستخدم المسمى في اللغة الهدف، لو معرفناش نوصل إلى النطق الأصلي أو الشائع..
رابع حاجة.. بالنسبة للاسم في اللغة المصدر، فلو ما كانش هو الصيغة الشائعة عالميًّا أو الشائعة في العربية، ممكن يُذكر في الحواشي أو بين قوسين، لو الموضوع أكاديمي أو يتطلب التوثيق ــ عشان القارئ يعرف الأصل، وليه الاسم اتكتب كده.
دي الطرق اللي أنا شايفها ملائمة، لكن في الواقع، فيه ترتيبات بديلة أو تكميلية ممكن تكون أفضل حسب السياق. مثلًا في النصوص الصحفية أو الأعلام، غالبًا بُيروحوا مباشرة لاستخدام الاسم المألوف عند الجمهور العربي (المسمى الشائع لدى الجمهور المستهدف عمومًا) عشان يكون أسرع في الكتابة، وأسهل على الفهم..
أما النصوص الأكاديمية أو الأعمال اللي بتحتاج تدقيق لغوي أو تاريخي فدي قصة تانية.. يعني غالبًا المترجمين بيكتبوا الاسم الأصلي، ثم المعرب، ربما كذلك الصيغة الموجودة في اللغة الهدف، ويذكرو الأصل في الهامش إن لزم الأمر.
لو فيه وجهة نظر أو رؤية تانية، يكون من المفيد ذكرها في التعليقات لتعميم الفائدة.
بقلم: حسين التلاوي، مترجم وكاتب مصري
ًّا




#تدريب

من ومضات الترجمة....أوقات كتير وإحنا بنقرأ ترجمة عربية، بنحس كده إن الكلام "غريب شوية" أو مش طالع من نهر اللغة العربية، ...
08/10/2025

من ومضات الترجمة....
أوقات كتير وإحنا بنقرأ ترجمة عربية، بنحس كده إن الكلام "غريب شوية" أو مش طالع من نهر اللغة العربية، و"مذاقه" مش زي ما متعودين؛ كأنك بتشرب مشروب طعمه متغير شوية.. الإحساس ده له أسباب كتير؛ أهمها إن المترجِم ساعات بيكون حريص "أكتر من اللازم" على نقل المعنى الحرفي، أو بيخاف يضيف لمسته الشخصية في صياغة الجمل، فيطلع النص زي ما يكون لابس بدلة مش مقاسه بالضبط. كمان اختلاف الثقافة وطريقة التفكير بين لغة الأصل واللغة العربية بيخلّي بعض التعبيرات أو الإيقاعات ما تتنقلش بالنغمة نفسها المكتوبة بيها، ولا بالحيوية نفسها بتاعة لغتها الأصلية..
الحل مش في إن المترجِم "يخترع" أو يزوّد، لكن في إنه يفهم "روح النص" كويس جدًا، ويتعامل مع اللغة العربية؛ كأنها بيته اللي بيرجع له، مش مجرد وسيلة نقل. لازم يسأل نفسه: "لو الكاتب ده كان عربي، كان ممكن يقول المعنى ده إزاي؟"، وده طبعًا من غير ما يضيّع خصوصية أسلوب كاتب النص الأصلي. الموازنة دي محتاجة حس لغوي، وخبرة في أساليب التعبير، وكمان ثقة إن العربية عندها القدرة إنها تحتضن أي فكرة مهما كان أصلها.
وبرغم كل ده، لازم نكون واقعيين: عمرنا ما نقدر نخللي الترجمة "توهم" القارئ مية في المية إنها نص عربي أصيل. دايمًا هيكون فيها نَفَس بسيط مختلف، زي لهجة ضيف محترم بيتكلم بلغتنا لكنه جاي من بلد تاني. وده مش عيب، بالعكس، ده جزء من جمال الترجمة نفسها؛ لأنها بتفتح لنا نوافذ على عوالم وثقافات تانية، من غير ما نحاول نمحي أثر الطريق اللي مشي فيه الكلام، قبل ما يوصل لنا.
* حسين التلاوي، مترجم وكاتب مصري
ًّا

#تدريب



تهنئ ضفاف النيل للترجمة والنشر كل أحرار العالم لمناسبة ذكرى حرب رمضان/أكتوبر التي انتصر فيها جيش مصر على جيش الظلام، وتب...
06/10/2025

تهنئ ضفاف النيل للترجمة والنشر كل أحرار العالم لمناسبة ذكرى حرب رمضان/أكتوبر التي انتصر فيها جيش مصر على جيش الظلام، وتبدَّت فيها الأخوَّة بين البلدان العربية في لمحة تضيء لنا الأمل في مستقبل أكثر إشراقًا..
تحية لأرواح شهداء الحرية والكرامة بإذن الله..
ًّا

صباح الخير، متابعينا الاعزاء، أينما كنتم..معانا النهاردة قصة جديدة للكاتبة الأستاذة "عايدة محمود" Aida Mahmoud.. قصة منا...
04/10/2025

صباح الخير، متابعينا الاعزاء، أينما كنتم..
معانا النهاردة قصة جديدة للكاتبة الأستاذة "عايدة محمود" Aida Mahmoud..
قصة مناسبة بشدة لصباح يوم هادي.. قصة نقَّبت فيها الكاتبة، كعادتها، في ثنايا المجتمع وتفاصيله الخافية عن كثيرين علشان تخرج لنا بحكاية.. حكاية من آلاف الحكايات المتوارية خلف أبواب مغلقة بأصفاد وأَحْكَام.. حكاية حزن مستعِر في جوهره، لكن هادي في مظهره.. وسر الهدوء في العجز.. حكاية أم عروسة.. من غير العروسة.............
أم العروسة
"الحلوة دایر شباكها، شجرة فاكهة، ولا في البساتین.. الحلوة م الشِّباك طالّة، یحرسها الله، ست الحلوین"..
تعالى صوتها بالغناء؛ وهي تنظر إلى اللا شيء. تحرك جذعها؛ وھي جالسة في فراشها، تصفق بیدیها في مرح مصطنع؛ وكأنها لا تموت الآن ببطء؛ وھي تعلم أن في هذه الليلة، بل ربما ھذه اللحظة، تتم خطبة ابنتها الصغیرة، دون أن تستطیع أن تكون بجوارها؛ أن تعیش تلك السعادة التي تحلم بها كل أم.
"یا مین یوصلني لابوها ولا لاخوها وادفع مهرین؟!"، هنا انفرطت دموعها رغمًا عنها، واختنقت الكلمات في حلقها، وتذكرت زوجها الذي حُرِم من التواجد بينهم. كانت أمًا وأبًا لأولاده؛ فزوَّجت الابنة الكبرى وحدها، وحضرت ميلاد حفيدتها الأولى في غيابه، والآن هي مثله؛ أُبعِدت. لم تشعر بقسوة ذلك اليوم عليه، لكنها الان تدرك كم كان الأمر صعبًا، على الرغم من أنه لم یُظهر ذلك، لكنها الآن تدرك.
حكى لها كيف أقام عُرسًا في محبسه، وكيف وزَّع الحلوى علي الجميع، وكيف أخذ زملاؤه في الرقص والغناء. لكنَّه لم يحكِ لها كيف بكى لیلتها؛ وقد حُرِمَ من مشاهدة ابنته الكبرى في ثوب الزفاف. كم تمني أن يكون في استقبال الأھل والأصدقاء؛ أن یُمسِك يدیها، یرقص معها، یزفها إلي زوجها.
"سامعة؟! سامعة یا ماما؟! الناس بترقص علشاني.. شایفة؟! شایفة يا ماما؟؟ طویل أوي فستاني".
ردَّدت الكلمات؛ وھي ترفع كفها، تمسح دمعات خائنة انسابت فوق خدھا مسرعة. نظرت حولها تتأكد من أن أحدًا لم یرھا؛ فوجدت الجميع ينظرن إليها بعیون باكیة. أسرعت تهرب من نظراتهن، وتعود لتنظر إلى اللاشيء، لكنهن تحلَّقْن حولها يشاركنها الغناء، یتبادلن احتضانها ؛ وصوتهن يتعالى بأغنيات الفرح. ھنا أطلقت سراح دموعها، تخرج حرة من
محبسها.. أما سئمت السجن ولعنت سجانها؟! فلماذا تحبس الآن دموعها؟! فلتخرج إحداها حرة.
تذكرت وجه الصغيرة ؛ آية في الجمال. تشابكت داخلها أحاسيس مختلفة.. غضب، وحزن، وعجز، مع شعور فطري بالفرح. أقنعت نفسها أنها مجرد خِطبة لكنها ستكون ھناك یوم الزفاف.
بعد مرور سنوات، كانت تجلس ھنا.. في محبسها؛ تغني في لیلة زفاف الصغيرة، لكن هذه المرة بلا دموع فقد حررتها جميعًا، على أمل أن تكون في هذا اليوم هناك، تحضر حفل الزفاف. لكنَّها ما تزال ھنا.. إلى متي؟! لا تعلم............
(*) الكلمات بين علامتي التنصيص من أغانٍ مصرية شائعة في الأفراح............
خالص الشكر للكاتبة على مشاركتها القصة مع ضفاف النيل للترجمة والنشر
لمعرفة خدمات ضفاف النيل، يمكن التواصل على رسائل الصفحة، أو واتساب: ٠٢٠١٠١٧٦٥٨٢٠٩
ًّا
ًّا

#تدريب

من ورشة الكتابة الأدبية .....أعتقد أن تحديد مكان معين لذروة الأحداث يكون تعسف في التعامل مع النص. النص لو متسلسل بشكل من...
25/09/2025

من ورشة الكتابة الأدبية .....
أعتقد أن تحديد مكان معين لذروة الأحداث يكون تعسف في التعامل مع النص. النص لو متسلسل بشكل منطقي، بيحدد من نفسه مكان الحدث الرئيسي، وتوقيت ذروة الأحداث. يعني لو رواية طويلة لازم تمهيد يوضح المشهد الكامل أمام القارئ تتسلسل من خلاله الأحداث.. لو قصيرة بتكون الأمور أكثر إجمالًا..
علشان كده الكتابة جزء دراسة وجزء موهبة.. من الدراسة نقدر نعرف العناصر الرئيسية للقصة، وكيفية صياغتها.. أما الموهبة فهي تطويع العناصر دي في سياق روائي.. ودرجة براعة التطويع ده هي اللي بتميز عمل عن التاني..
الاستغراق في المصطلحات ومحاولة السير وراها بيوقع الكاتب في فخ النمطية وتحويل العمل الإبداعي لمعادلة لازم تتوافر فيها كل اشتراطات الكتابة.. وده بيفقد القصة روحها.. ده إبداع مش معادلة رياضية.. أحيانًا أشعر وأنا بقرأ إني ماشي في مسارات مرورية محددة.. آه الكاتب قال كده علشان يستوفي شرط كذا.. لأ.. خللي القصة زي ميدان التحرير.. مليان مسارات وإشارات مرورية لكن لا بأس ببعض الفوضى والزحام.. وده اللي يخللي العمل قريب من نفس القارئ، مش مرسوم محدد بشكل قاطع.......
أ. حسين التلاوي (كاتب ومترجم مصري)، ورشة الكتابة الأدبية، ضفاف النيل للترجمة والنشر
للتواصل بخصوص ورش ضفاف النيل في الكتابة الأدبية والترجمة
واتساب: ٠٢٠١٠١٧٦٥٨٢٠٩
أو رسائل الصفحة
ًّا
ًّا
#تدريب
#تدريبية


#مصر


#الخليج

معانا النهاردة قصة مناسبة بشدة لوقت العصاري يوم إجازة.. قصة محملة بالمعاني كعادة قصص الواقعية الرمزية، لكنها خفيفة الحضو...
13/09/2025

معانا النهاردة قصة مناسبة بشدة لوقت العصاري يوم إجازة.. قصة محملة بالمعاني كعادة قصص الواقعية الرمزية، لكنها خفيفة الحضور على الروح.. القصة للكاتبة الأستاذة "عايدة محمود" Aida Mahmoud ؛ وهي موهبة واعدة نأمل بإذن الله في وجود مشروع نشر مشترك معها؛ لأنها كاتبة صاحبة قلم موهوب، تحمل، بكل أمانة، قضايا بلدها ومجتمعها، في إطار إبداعي يضيف عمقًا، دون تجميل أو تزييف..
قراءة طيبة بإذن الله....
وَنس وعِمَّة القاضي
-١-
یُحلِّق بِجناحيه حول البنایات الأسمنتیة، یدور في حلقات یبحث عن لون أخضر عن غصن رطب عن ظل مورق. یعود إلى نافذه التي اختار ان تكون مقرًّا له في إحدى البنایات؛ وھو متعب یشعر بالملل. لم یري الظل ولا الغصن، لم تلمع عیناه برؤیة اللون الأخضر. لم یرَ سوي المزید من البنایات الأسمنتیة، والنوافذ الضیقة، واللون الرمادي الباھت یملا الفراغ حوله.
حتى كانت بدایة فصل الربیع فاذا به یلمح ظلًّا خلف ستارة إحدى النوافذ في البنایة المقابلة. كان أصیص لنبتة لم یستطع أن یعرف ما ھي. أخذ یقترب بحذر تارة، ویحوِّم حولھا تارة أخرى.. نعم ھي نبتة في أصیص علي حافة نافذة لقد ابصر اللون الأخضر یشق التربة السوداء.
-٢-
مر وقت طویل؛ وھي في رحم الظلام، منذ أن ألقى بها صاحبها في باطن الأرض، ولم ینتبه إلى أنها تحتاج إلى رعایة لتشق الأرض، وتخرج إلى النور، لتزھر. وضعتھا یداه على حافة النافذة، وأنتظر أن تشق الارض بمفردھا.
في مساء یوم عاصف أمطرت السماء؛ فأزاحت الریاح ستارة النافذة، وأغرقت أرضها مطرًا. شعرت بالمیاه تغمرها، تغرقها. أصبحت التربة أثقل على كاھلها، لكنها شقت خلالها مسارًا للحیاة. بعد أیام لا تعرف عددها، فتحت عینیها، وكان ھناك شیء غریب؛ شیء دافئ. لون آخر. ضوء تراه من شقوق التربة التي أزاحتها ساقها الجديدة.
كان ھذا الشيء یتضح لها یومًا بعد یوم؛ إنه ضوء الشمس تعرفه بطبیعتها. یمدھا بمزید من القوة لتشق كل يوم أكثر من سابقه. كانت تحتاج إلي مزید من الماء لیكتمل نموھا، وتزھر.
ھنا رأته من خلف ستارة النافذة.
ظلًّا یحوِّم حولها یحلق في السماء. یضرب بجناحيه الهواء حول نافذتھا علَّه یُزیح الستائر التي تحجبها عنه.
تابع نموھا یوم بعد یوم؛ وهو یُظلھا بجناحیه، عندما تشتد الشمس تارة، أو یبلل جناحيه بالماء یضرب بهما الهواء حولها؛ فتتناثر قطرات الماء تبعث فیها الحیاة. وكان یسامرها تارة أخرى؛ فيحكي لها عن الأرض التي يراها، عن السماء التي یحلق بها، یصف لها حقولًا بعیدة؛ یحلم أن یزورھا معها ذات یوم.
كانت تأنس به، تحلم بجناحین كأجنحته؛ لتحلق مثله بعیدًا؛ فكان وَنس. كان سعیدًا بها، ینتظر أن تُشرق شمسها بین یدیه، وتطیب له ثمارها؛ فأشرقت.
-٣-
مرت الأیام علي ھذا الحال من السعادة بینهما إلى أن اكتمل نموھا؛ نبتة صبار تحمل زھرة رائعة الجمال بقلبها؛ تحیط بها أشواكها من كل جانب. "عِمَّة القاضی".. هكذا ناداها.
كان یرى الأشواك یومًا بعد یوم؛ فیغضب لأنه لن یستطیع الاقتراب أكثر. كانت تحزن لغضبه وابتعاده، ولأنه لم یحاول یومًا أن یحملها فوق ظھره لترى البحر الذي حكي لها عنه، ولا الواحة الخضراء، أو الجبال العالیة. كان یستطیع أن یكون جناحها، ولأجله كانت ستطرح أشواكها أرضًا، وتحتمي به. لكنه أرادها زھرة جمیلة بلا أشواك.. لا لیحلِّق بها، ولكن لتكون له في مكان بعید عن السماء. یظل یحكي لھا عن البحر، والواحة، والجبال، دون أن تراھا، دون أن تصحبه یومًا. أراد أن یقتطف الثمار، ویعود لیحلق في السماء یبحث عن نبتة جدیدة في نافذة جدیدة.
في نھایة فصل الربیع، فَرَدَ جناحیه، وحلَّق بعیدا. كانت تعلم أنه لن یعود، وكان یعلم أنها لن تطرح رداء الشوك عنها. عادا كما بدآ، غریبين.. ینظر أحدهما إلى الآخر من بعید، یبتسم إذا مر بھا، ورأى امتداد أغصانها حول نافذتها، وتتابع هي جناحیه الضاربين في الھواء. تتمني أن یرى البحر یومًا؛ أن یجد الواحة، ویحلق فوق الجبل. فعلى الرغم من كل شيء، كان ھو یومًا وَنَس، وأشرقت هي بین یدیه......
تمت بحمد الله
ًّا
ًّا

من ورشة الكتابة الأدبية التي تقدمها ضفاف النيل للترجمة والنشر..الأسبوع الثالث: أدوات الكاتب ـــ اللغة والتخيل٣. التوازن ...
13/09/2025

من ورشة الكتابة الأدبية التي تقدمها ضفاف النيل للترجمة والنشر..
الأسبوع الثالث: أدوات الكاتب ـــ اللغة والتخيل
٣. التوازن بين التعبير والانفعال
أحيانًا يفرط الكاتب في وصف المشاعر؛ فيبدو النص مبالغًا فيه، وأحيانًا يُجفّف النص الى حد البرود. لذا علينا أن نتعلم أن نعبر بقوة، لكن دون صراخ، وأن نكتب بانفعال داخلي، لا يظهر مباشرة. كذلك أن نستخدم الصور، والمواقف، واللغة الدقيقة لإيصال الشعور دون "تسول" العواطف. التوازن سر التأثير؛ فلا نفرض على القارئ أن يشعر، بل نتركه يشاركنا الشعور.......
للتفاصيل: واتساب 0201017658209
أو رسائل الصفحة..
الورشة متاحة في داخل مصر وخارجها
ًّا
ًّا

#تدريب

بحمد الله رجعنا لحضراتكم تاني ومعانا النهاردة قصة رعب جديدة للكاتب الأمريكي هوارد لافكرافت.. القصة من ترجمة الأستاذة شهد...
11/09/2025

بحمد الله رجعنا لحضراتكم تاني ومعانا النهاردة قصة رعب جديدة للكاتب الأمريكي هوارد لافكرافت.. القصة من ترجمة الأستاذة شهد مجدي Shahd Otyan المترجمة الواعدة، والمتدربة مع ضفاف النيل
سهرة طيبة مع القصة......
قطط أولثار
بقلم: هوارد فيليبس لافكرافت
ترجمة: شهد مجدي عطيان

في زمن بعيد كانت هناك مدينة صغيرة تُدعى "أولثار"، تقع وراء نهر "سكاي". غير أنّ في هذه المدينة قانونًا عجيبًا لم يَسُنَّه سلطان ولا قاضٍ؛ وهو أنّه لا يجوز لأي إنسان أن يقتل قطة. وأكاد أُصدِّق تلك الحكاية وأنا أتأمّل ذلك القطّ؛ وهو يجلس أمام المدفأة ويخرخر في هدوء؛ فالقطّ مخلوق غامض، له صلة بعوالم لا تراها عيون البشر؛ فهو روح مصر القديمة ولسان مدائن طواها النسيان في ميرو وعوفر، وهو وريث أسرار إفريقيا العتيقة الموحشة. إنّ أبا الهول ابنُ عمّه؛ وهو يجيد لغته، غير أنّه أقدم من أبي الهول عهدًا، ويحفظ في ذاكرته ما طواه النسيان عن خاطر أبي الهول.
فيأولثار، قبل أن يشتهر بين أهلها حكم يمنع قتل القطط، كان هناك فلاح عجوز وزوجته، ولا يأنسان إلا باصطياد قطط الجيران وذبحها. ولا أدري ما الذي يدفعهما إلى ذلك، إلا أنّ كثيرين يستثقلون مواء القطط في عتمة الليل، ويأخذهم الضيق، إذا أبصروها متسللة في الأفنية والحدائق بالليل. وأيًّا تكن العلّة، فإنّ ذلك العجوز وزوجته كانا يجدان متعة في اصطياد كل قطة تقترب من كوخهما الوضيع، وذبحها. وكانت الأصوات تتسرّب في العتمة بعد أن يُسدل الليل سدوله، فيُخيَّل إلى كثير من الناس أنّ لهما في القتل أسلوبًا عجيبًا يثير الريبة. لكنّ أهل القرية ما كانوا ليخوضوا في تلك الأحاديث مع العجوز وزوجته؛ فمجرّد النظر إلى وجهيهما الذابلين يكفي لإسكات الألسن. كذلك فإنّ كوخهما كان صغيرًا موحشًا، مطمورًا تحت ظلال شجرة البلوط مترامية الجذور في مؤخرة فناء مهمل. والحقّ أنّ أصحاب القطط، وإن حملوا في صدورهم مقتًا شديدًا لهذين العجوزين، فقد غلب عليهم الخوف؛ فلم ينبسوا باتهام يصفهما بالقتلة، بل آثروا أن يحرسوا قططهم من أن تضلّ الطريق إلى الكوخ النائي الغارق في عتمة الأشجار الكثيفة. وحين كان السهو يتسلّل على غفلة فتوارى قطّ عن العين، وترددت في جنح الليل أصوات غامضة، لم يكن من صاحبه إلا أن ينوح نواحًا عاجزًا، أو يواسي نفسه حامدًا القدر أنّ الضحية لم تكن من دمه ولحمه. فأهل أولثار أناس بسطاء، قلوبهم على سجيتها، لا يعرفون للقطط منشأ ولا سرّ مجيئها إلى بلدتهم.
وفي يوم من الأيام دخلت قافلة غريبة من رحّالة قادمين من الجنوب، تشقّ أزقّة أولثار المرصوفة بالحجارة. كانوا داكني الملامح، مختلفين عن سائر الطوّافين الذين اعتادت القرية أن تراهم مرّتين في العام. وفي ساحة السوق نصبوا وجوههم للناس يقرؤون الطالع لقاء فضة، واشتروا خرزات ملوّنة من تجار القرية. لم يكن أحد يعرف من أيّ أرض جاء هؤلاء الغرباء، غير أنّ الناس رأوا فيهم طقوسًا غريبة وصلوات لا عهد لهم بها. كانت عرباتهم مطلية برسوم مدهشة لأجساد بشرية تتوّجها رؤوس القطط والصقور والكباش والأسود، أمّا شيخ القافلة فيضع على رأسه تاجًا بقرنين يتوسّطهما قرص غريب يثير في النفس رهبة وغموضًا.
وفي تلك القافلة كان هناك صبيّ يتيم، لا يؤنس وحشته سوى هريرة سوداء ضئيلة يضمّها إلى صدره. أبقتها له الأقدار بعد أن سرق الطاعون أهله، فلم يبقَ له سوى ذلك الكائن الصغير المكسو بالفرو. فاتّخذها عزاء في وحدته. وهكذا كان الغلام الذي ناداه الغرباء باسم "مينيس" يبتسم أكثر ممّا يبكي، وهو جالس على عتبات العربات غريبة النقوش، يلهو ويلعب بقطّته الرشيقة.
في صبيحة اليوم الثالث من إقامة القافلة في أولثار استيقظ "مينيس" يبحث عن هرّته السوداء، فلم يجد لها أثرًا، فانبعثت من أعماقه زفرات مثقلة بالأسى، فدوّى بكاؤه في ساحة السوق. فأخبره أهل القرية عن العجوز وزوجته، وعن الأصوات المريبة التي تمزّق سكون الليل. وحين استوعب الصبيّ ما سمعه هناك، سكت نحيبه وخيّم عليه صمت الفكر. ثم لم يلبث أن انقلب صمته إلى صلاة، فمدّ ذراعيه نحو الشمس وأخذ يتمتم بدعاء بلغة لم يفهمها أحد غيره. غير أنّهم لم يعنوا بفهمها، إذ كانت عيونهم مسمّرة إلى الأفق يتأمّلون الغيوم؛ وهي ترسم أشكالًا عجيبة تتبدّل كل لحظة. كان المشهد غريبًا، ومع دعاء الصبيّ تكوّنت فوق رأسه سُحب غامضة، أشكال لمخلوقات هجينة متوَّجة بأقراص تحيط بها قرون. ما أكثر تلك الأوهام في الطبيعة لتثير خيال الناظرين!
وفي تلك الليلة غادرت القافلة أولثار، ولم يُرَ من بعدها أثر لهم. وتسرّب القلق إلى أهل القرية حين اكتشفوا أنّه لم يبقَ في القرية قطّ واحد؛ لا الكبير ولا الصغير، ولا الأسود ولا الرمادي، ولا المخطّط ولا الأصفر ولا الأبيض. وأقسم "كرانون" العجوز، شيخ القرية، أنّ الغرباء أخذوا القطط انتقامًا لمقتل هرّ "مينيس"، ثم لعن القافلة والصبيّ. فقال "نيس" الكاتب النحيل إنّ الرجل العجوز وزوجته أرجح في الشكّ، فقد كان كرهيهما للقطط واضحًا. ومع ذلك لم يجرؤ أحد أن ينبس ببنت شفة لمواجهتهما. وحين قال "آتَال" ابن صاحب النزل إنّه رأى عند الغروب كلّ قطط أولثار في ذلك الفناء الملعون تحت الأشجار تمشي ببطء حول الكوخ، اثنين اثنين، وكأنها تؤدي طقسًا غريبًا لم يُرَ بعين بشر، لم يكن أهل البلد على يقين من صدق أقوال الفتى الصغير. ورغم خشيتهم من أن يكون الزوجان قد سحرا القطط، آثروا ألّا يواجهوا الرجل العجوز إلا حين يلقونه خارج فنائه المظلم المقرف.
نامت أولثار في غيظ عبث بأنفسهم، ومع حلول الصباح حين استيقظ أهلها فوجئوا بأنّ كلّ القطط عادت إلى مواقدها المألوفة: الكبير والصغير، والأسود والرمادي، والمخطط والأصفر والأبيض. ولم يغب منها أحد. بدت القطط ناعمة ممتلئة، وصوت خرخرتها يوحي بالرضا. تبادل الأهالي الحديث عن هذا الحدث وتعجبوا منه، ولكن قال العجوز "كرانون" مجددًا إنّ الغرباء هم الذين أخذوهم، وإن لم ترجع القطط أبدًا حيّة من كوخ الرجل العجوز وزوجته. ولكن الجميع اتفقوا على شيء واحد: أنّ امتناع كلّ القطط عن طعامها وشرابها أمر غريب حقًا. ولمدّة يومين كاملين لم تلمس القطط الطعام، واكتفت بالنوم بجوار النار أو تحت أشعّة الشمس، مسترخية في سلامها الجديد.
مرّ أسبوع كامل، ولم يلفت أهل القرية نظرهم إلى أنّ نوافذ الكوخ لم تعد تُضاء بالأنوار ليلًا. ثم قال الكاتب النحيل "نيس" إنّ أحدًا لم يرَ الرجل العجوز وزوجته منذ اليوم الذي اختفت فيه القطط. وبعد أسبوع آخر جمع شيخ القرية شجاعته وتغلّب على خوفه، وقرّر زيارة البيت الصامت الغريب بدافع الواجب، مصطحبًا معه "سانج" الحداد و"ثول" ناقل الحجارة كشاهدين على ما قد يحدث.
عندما اقتحموا الباب الهشّ انكشف لهم ما لم يخطر على بال أحد! هيكلان بشريان قد نظّفتهما الأيام على الأرض الطينية، وخنافس غريبة تزحف في الزوايا المظلمة.
تلا ذلك حديث طويل بين أهالي أولثار؛ فقد جادل الطبيب الشرعي "زاث" مع "نيث" الكاتب النحيل، بينما غرق "كرانون" و"شانغ" و"ثول" في بحر من الأسئلة. وحتى "آتَال" الصغير ابن صاحب النزل لم يَسلم من التحقيقات، وقد منحوه حلوى كمكافأة. وتناولوا أحاديث عن الرجل العجوز وزوجته، وعن القافلة الرحّالة الغامضين، والصبيّ "مينيس"، وهرّه الأسود ودعائه، وشكل السماء أثناء دعائه، وعن تصرفات القطط في الليلة التي غادرت فيها القافلة، وما وُجد لاحقًا في الكوخ تحت الأشجار المظلمة في الفناء المقرف.
ومع مرور الوقت، سَنّ أهل أولثار ذلك القانون العجيب الذي بات يرويه تجّار هاثيج، ويتداول الحديث عنه المسافرون في نير؛ وهو أنّه لا يجوز لأي أحد قتل قطة في أولثار.
تمت بحمد الله

📚✨ لسه داخلين كلية الترجمة أو اللغات وعايزين تبدأو صح؟دلوقتي تقدرو تلتحقو بدورة فردية في الترجمة العملية مدتها شهر واحد،...
06/09/2025

📚✨ لسه داخلين كلية الترجمة أو اللغات وعايزين تبدأو صح؟
دلوقتي تقدرو تلتحقو بدورة فردية في الترجمة العملية مدتها شهر واحد، تتعلمو فيها خطوة بخطوة أساسيات الترجمة وأهم المهارات اللي تحتاجوها خلال دراستكم وبعد التخرج.

✅ الدورة فردية (مش جماعية) عشان تضمن المتابعة الشخصية.
✅ بأسلوب مبسط ومناسب للمبتدئين.
✅ بتكلفة زهيدة جدًا علشان تركزو في التعلم من غير أي أعباء.
✅ شهادة إتمام الدورة

📍 الدورة متاحة أونلاين، يعني تتعلمو وانتم في بيتكم، في مصر أو برة مصر.
للتواصل:
واتس آب: 01017658209
رسائل الصفحة

ًّا

الحمد لله جزء من تغطية التليفزيون المصري ممثلًا في قناة القاهرة لأنشطة وفعاليات مكتبة مدينة نصر العامة؛ ومن بينها فعالية...
17/08/2025

الحمد لله جزء من تغطية التليفزيون المصري ممثلًا في قناة القاهرة لأنشطة وفعاليات مكتبة مدينة نصر العامة؛ ومن بينها فعالية ورشة الحكي اللي تشرف بتقديمها أستاذ حسين التلاوي مدير الضفاف مع الأستاذة الكاتبة أسماء عبد الخالق أسماء عبد الخالق.. خالص الشكر والتحية والتقدير لمكتبة مدينة نصر والكاتبة المتألقة على تنسيقها مشاركة مدير الضفاف في الفعالية..
وبإذن الله دائمًا في فعاليات متنوعة للمساهمة في التنمية الثقافية والاجتماعية النشء واليافعين والكبار..
ًّا
ًّا

انشطة من داخل مكتبة مدينة نصر العامة فى صباح القاهرة الخميس 14-8-2025

النهاردة معانا قصة قصيرة مش واقعية.. لكنها مأخوذة من واقع أشبه بالكابوس، وأغرب من كل خيال.. حتى إن أي محاولة لمحاكاته كا...
13/08/2025

النهاردة معانا قصة قصيرة مش واقعية.. لكنها مأخوذة من واقع أشبه بالكابوس، وأغرب من كل خيال.. حتى إن أي محاولة لمحاكاته كانت لتُتَّهم في أي وقت آخر بأنها ضرب من المبالغة والابتذال..
معانا النهاردة قصة "النصف الآخر من الشهادة" بقلم أ. حسين محمود التلاوي.. تُنشر لأول مرة سواءً ورقيًّا أو إلكترونيًّا..
ًّا
ًّا

Address

السادس من أكتوبر، الحي الرابع، المنطقة 8، 9 شارع الياسمين، قطعة 1880، الدور الأول، (مكتب P6), 6 October City
6 October City

Opening Hours

Monday 10am - 8pm
Tuesday 10am - 8pm
Wednesday 10am - 8pm
Thursday 10am - 8pm
Sunday 10am - 8pm

Website

Alerts

Be the first to know and let us send you an email when ضفاف النيل للترجمة والنشر posts news and promotions. Your email address will not be used for any other purpose, and you can unsubscribe at any time.

Share

Category