15/07/2025
أحلام المدير التنفيذي المراهق: سراب في أرض الوعود؟
————-
في قلب الصحراء القاحلة، لكوكب الزهرة حيث تتراقص الأوهام مع سديم الحرارة، يحلم المدير التنفيذي المراهق لشركة "رؤى المستقبل المحدودة" ببناء أسطورة معمارية لا يضاهيها اي عمل سابق صنعه سكان الكوكب .
لا يرى سوى الأفق، متجاهلاً تحديات الأرض والواقع. "مشروعي الجديد سيكون الأعجوبة الثامنة للكون والأولى في كوكبنا القاحل سننافس كوكب الأرض في الإنشاءات!" يصرخ في اجتماعاته، وعيناه تلمعان ببريق طموح جامح لا يحده منطق ولا تقيده خبرة.
لطالما عُرف المدير الشاب بقراراته المتهورة واندفاعه غير المبرر. فمشاريعه ليست مجرد مبانٍ، بل هي تجسيد لأفكار خرجت من كتب الخيال العلمي. ومن العاب الفيديو جيم هناك "مدينة السراب الأفعوانية"؛ ناطحة سحاب تمتد لمئات الكيلومترات فوق الارض وتحت الماء وربما نربطها بكوكب زحل، يزعم أنها ستوفر حياة مثالية لملايين المخلوقات من جميع الكواكب. وهناك "وادي الخيال التكنولوجي"؛ منطقة تموج بالابتكارات، حيث الروبوتات تعيش بجانب البشر في انسجام تام، والطاقة الكهروبصرية تتدفق بلا حدود.
على الورق، تبدو هذه الرؤى مذهلة. رسومات معمارية تسحر العيون وتخطف الأنفاس، وعروض تقديمية مبهرة تعد بمستقبل باهر. لكن الواقع على الأرض يحكي قصة أخرى. فـ "مدينة السراب الأفعوانية" التي كان من المفترض أن تكون موطنًا لملايين السكان من كل الكواكب، لا تزال مجرد خطوط على رمال متحركة.
التكلفة؟ أرقام فلكية تتجاوز المليارات، تتبخر في مهب الريح مع كل تقليص في التصميم أو تأجيل في التنفيذ. العمالة الماهرة التي كان يفترض أن تتدفق من كل المجرات، تجد صعوبة في التكيف مع بيئة العمل القاسية والوعود التي لا تُفهم.
أما "وادي الخيال التكنولوجي"، الذي كان من المفترض أن يصبح منارة للابتكار الكوني، فيواجه تحديات لا حصر لها. البنية التحتية الأساسية لم تكتمل بعد، والشركات الكونية التي كان يُنتظر منها أن تكون قاطرة التنمية، تبدي تحفظًا ملحوظًا. مع صعوبة في السفر عبر الثقوب السوداء
هل يكفي ضخ الأموال لجذب العقول المبتكرة؟ أم أن البيئة الحاضنة للإبداع تحتاج لأكثر من مجرد السيولة المالية؟
تساؤلات عديدة تدور في الأذهان. هل يمكن لشخص يفتقر إلى الخبرة العملية والواقعية أن يقود مشاريع بهذا الحجم؟ هل الاعتماد الكلي على المال يغني عن التخطيط السليم، ودراسة الجدوى المتأنية، والاستفادة من تجارب الماضي؟
ولكن الأغرب من كل ذلك هو موقف المساهمين. فهم كالقطيع الذي يتبع راعيه الأعمى. ففي كل اجتماع للمجلس، ومع كل تحدٍ يظهر على السطح، لا تسمع سوى التصفيق المدوي. يكفي أن يخرج المدير التنفيذي المراهق ليعلن "نجاحًا" وهميًا، حتى وإن كانت كل المؤشرات تشير إلى عكس ذلك، ليتحول القلق إلى ابتهاج مصطنع. يبدو أن هؤلاء المساهمين يفضلون الإيمان بالوعود الكبرى على مواجهة الحقائق المرة، وكأن مجرد استمرار الحلم يكفي لتبرير استنزاف الثروات.
في النهاية، قد تبقى أحلام المدير التنفيذي المراهق مجرد سراب يختفي في رمال الصحراء. فالبناء ليس مجرد وضع حجر فوق حجر، بل هو فهم عميق للواقع، وإدارة حكيمة للموارد، وقبل كل شيء، رؤية واقعية لا تسبق القدرة على تحقيقها.
فكم من الأحلام الكبرى تحولت إلى مجرد دروس قاسية في فن إدارة الفشل؟ فهل سيستفيق "القطيع" يوماً ليرى أن التصفيق الأعمى لا يبني الحاضر، بل يغتال المستقبل؟