
01/08/2025
الهجرة بين الحلم الزائف والحقيقة المؤلمة
بقلم/ محمد مطش
في كل صباح تبحر مراكب صغيرة محملة بأرواح كبيرة. وجوه شابة تحدّق نحو الأفق، بحثًا عن حياة كريمة وواقع مختلف، لكن كثيرًا منها لا تصل بل تغرق الأحلام قبل أن تصل إلى شواطئ الأمان. الهجرة، التي كانت يومًا خيارًا للتطوير والفرص واثبات الذات وتحقيق النفس، أصبحت اليوم في كثير من الحالات هروبًا إلى المجهول، محفوفًا بالمخاطر، مليئًا بالخداع، ومكلّفًا حدّ الموت.
الهجرة في تعريفها الدارج والبسيط هي انتقال الأفراد من بلدهم الأم إلى بلد آخر بهدف تحسين ظروفهم المعيشية أو الهرب من أوضاع اقتصادية أو سياسية صعبة، وتنقسم الهجرة إلى نوعين رئيسيين اما هجرة شرعية وهي التي تتم وفق قوانين وإجراءات رسمية اما الهجرة غير الشرعية أو العشوائية وهي التي تتم دون تصريح رسمي، وتُنفّذ غالبًا بطرق خطيرة، مثل عبور الحدود خلسة أو استخدام قوارب الموت اللعينة.
وللهجرة أسباب ودواع تجعل الفرد ساعيا اليها بكل ما يملك من إمكانيات وبكل ما لديه من طاقات حيث تشكل قلة فرص العمل وارتفاع معدلات البطالة وضعف الرواتب والأجور هي من أهم وأبرز الأسباب التي تدفع الشباب إلى التفكير في الهجرة، علاوة على ذلك هناك أمور وابعاد نفسية واجتماعية عديدة منها الفساد الإداري والمحسوبية التي تحرم الكفاءات من نيل الفرص المستحقة والحروب والنزاعات في بعض الدول والتي تحوّل الهجرة إلى ضرورة للبقاء والاستمرار لا خيارًا للتقدم والارتقاء. أيضا البحث عن الحرية الشخصية في ظل أنظمة تقيّد التعبير والإبداع أحد أسباب الهجرة. وكذلك الانبهار بالصورة الغربية للحياة المرفهة، والتي كثيرًا ما تكون غير واقعية وتعكس انطباعات خادعة لدى نفوس كثير من الشباب.
واذا ما تطرقنا الى الهجرة العشوائية " الغير نظامية " فينتج عنها كثير من الاثار السلبية فهي لا تخلو من ثمن باهظ ماديا ونفسيا واجتماعيا، فهي ليست فقط مخاطرة بالحياة، بل لها آثار كارثية على الفرد والمجتمع منها على سبيل المثال موت على الطريق حيث ان مئات الشباب يفقدون حياتهم سنويًا في عرض البحر أو في الصحارى، قبل أن يحققوا أي حلم، والاستغلال البشري فيتعرض المهاجرون غير الشرعيين للاستغلال من قبل عصابات التهريب وتجار البشر، و الفقد المجتمعي حيث تفقد الدول العربية آلاف العقول الشابة التي كانت قادرة على الإسهام في التنمية داخل مجتمعاتهم، والهوية الممزقة حيث ان كثير من المهاجرين يعانون من صراعات ثقافية وعزلة اجتماعية في بلدان المهجر وايضاً الحرمان القانوني حيث ان المهاجر غير الشرعي يعيش في خوف دائم من الترحيل أو السجن، ويُحرم من أبسط حقوقه وإنسانياته داخل المجتمع الوافد اليه.
وفى ضوء ما سبق لابد من إعادة النظر في هذه القضبة واثارها وانعكاساتها على الفرد والمجتمع، ولابد من إيجاد بديل وسبل للخروج من هذا المأزق، فلا أحد ينكر أن الواقع صعب، لكن الحل لا يكون بالهروب منه بل بمواجهته من خلال عدة سبل وأساليب مختلفة منها تنمية المهارات الذاتية من حيث تعلّم المهارات الرقمية، اللغات، والقدرات العملية يفتح آفاقًا واسعة للعمل عن بُعد أو في السوق المحلية، ايضاً البحث عن الفرص في الداخل فقد تكون البداية صغيرة، لكنها ممكنة؛ من مشاريع ريادية، أعمال حرة، أو حتى التدريب المهني. أيضا المشاركة المجتمعية من خلال بناء شبكة علاقات مفيدة عن طريق التطوع والمبادرات يمكن أن يقود لفرص جديدة. وفى نهاية الامر ان فشل تحقيق كل ما سبق فانه يمكن إعادة النظر في السفر او الهجرة لكن بأسلوب شرعي ومقنن لضمان الأمان والكرامة والانتفاع من كافة حقوق المواطنة.
يعلم الكثير منا ان الفرصة الحقيقية ليس على الضفة الأخرى من البحر، بل في داخل كل شاب وفتاة يتخرج ويقدم على الحياة العملية، من خلال قدراتك التي لم تكتشفها بعد، في عزيمتك، وفي إيمانك بأنك قادر على التغيير. لا تجعلوا من أوهام الفردوس المفقود شماعة للفشل، لان الغرب ليس جنة، والغربة ليست سهلة، لا تركبوا مراكب الموت بحثًا عن حياة قد لا تجدونها، بل ابنوا قاربكم بأيديكم، هنا، على أرضكم، حتى وإن كانت البداية صعبة. إن كل مهارة تتعلمها، وكل مشروع تنفذه، وكل فكرة تطبقها، هي طوق نجاة حقيقي، ليس فقط لك، بل لوطنك أيضًا. لا تكونوا أرقامًا جديدة في قائمة الغرقى أو المفقودين، بل كونوا قصص نجاح حقيقية تُكتب في الداخل لا خارجه.