01/08/2025
صحفيات تُمنح الأمومة و تفقد الوظيفة
كتبت: عبير دياب
رغم ما حققته المرأة العربية من تقدم في العقود الأخيرة بعد قرون من الإقصاء والتهميش، لا تزال طريقها نحو المساواة محفوفة بالعقبات. ففي الوقت الذي اقتحمت فيه مجالات كانت "محرّمة" عليها سابقًا، مثل العمل الصحفي، وتمكنت من إثبات حضورها في مؤسسات إعلامية كبرى، لم تسلم من التمييز الذي يُمارس بأشكال صامتة أحيانًا وصادمة أحيانًا أخرى، قد يصل إلى فقدانها وظيفتها.
فرغم التطور المهني، لا تزال الأمومة تُعامَل على أنها عبء مهني "امرأة حامل و صحيفة " في مصر، لا تختلف أوضاع الصحفيات عن نظيراتهن في العالم العربي؛ فإلى جانب التمييز في الأدوار التحريرية وتهميش حضور النساء في المواقع القيادية، تبقى تجربة الأمومة—التي يُفترض أن تكون ذروة الحياة الإنسانية—نقطة انكسار في المسار المهني للعديد من الصحفيات، حيث تتحول فجأة إلى مبرر للإقصاء والتهميش والإبعاد القسري عن العمل.
تحقيق نشرته منصة "إيجوين" بعنوان "صحفيات مصريات يكشفن التمييز والانتهاكات داخل غرف الأخبار بسبب الزواج والإنجاب"، كشف عن شهادات صادمة لصحفيات فقدن وظائفهن أو تراجع حضورهن المهني فقط لأنهن اخترن أن يكن أمهات.
إحداهن تعمل في صحيفة قومية، تم سحب مهامها الميدانية فور إعلانها عن الحمل، ثم تم الاستغناء عنها تمامًا بعد الولادة. أخرى تعمل مراسلة في مؤسسة خاصة، عادت من إجازة الوضع بعد عشرة أيام فقط بسبب ضغط الإدارة، وقال لها مديرها بالحرف الواحد: "عندك طفل؟ انسي الصحافة"، لتسقط بعدها في اكتئاب طويل انتهى باستقالتها. أما ثالثة تعمل في المجال الاقتصادي، فعادت من إجازة الأمومة لتُفاجأ بتقليص مهامها، وخفض راتبها، وتهميش وجودها داخل المؤسسة.
الأخطر أن هذه الانتهاكات تأتي من إدارات وأشخاص يُفترض أنهم يحملون وعيًا أوسع وخبرة أعمق، ويقفون في مواقع مسؤولة تفرض عليهم الدفاع عن حقوق الصحفيات، لا أن يكونوا شركاء في انتهاكها.
وعلى الرغم من بعض التصريحات الفردية التي أدانت تلك الممارسات، لا تزال الأرقام الرسمية غائبة، ولا توجد بيانات دقيقة توثق عدد الصحفيات اللواتي خسرن وظائفهن بسبب الحمل أو الرضاعة.
من المؤسف أن تتحول تجربة إنسانية عظيمة مثل الأمومة إلى عبء مهني وعقوبة اجتماعية. بأي منطق يُحاسَب الجسد الذي يمنح الحياة؟ وبأي حق تُسلب امرأة من الأمان الوظيفي فقط لأنها أنجبت؟ هذه المرأة التي نافست، وكتبت، وبحثت، وتقدمت، لا يجب أن تُقصى عند أول اختبار إنساني.
من حقها أن تنجح في حياتها المهنية دون أن تُخيَّر بين المهنة والأمومة حتى وإن حُرمت من الأجور، وسُلبت من الحقوق، ومُنعت من الفرص، ستظل قادرة على حمل الكلمة ورفع الصوت، لأنها لم تكتب مجاملة، بل نضالًا.
#جندريست
#تدوين