
31/05/2025
علبة ألوان:
من ستة إلى ستين
بدأت كتابة هذه السيرة عندما كنت في أوائل الخمسينات من عمري. كانت كخواطر وذكريات متفرقة راودتني من وقت لآخر؛ بعضها نشرته على صفحات الفيسبوك، وأكثرها احتفظت به في مفكرتي الخاصة.
لم أكن أتوقع أن تتراكم بهذه الكمية، حتى وجدت نفسي أمام مادة غزيرة، دفعتني إلى التفكير في جمعها في كتاب.
في البداية، كنت آمل أن يتجاوز حجم الكتاب 150 ليصل الي 200 صفحة، لكن المفاجأة أن المشروع اتسع ليصل إلى 660 صفحة، منقسما على كتابين: الأول يضم 400 صفحة في 19 فصلًا، والثاني 260 صفحة في 3 فصول.
بدأت السرد فيها من قبل ولادتي، بالتعريف بعائلتي، ثم ظهوري في ترتيب الأسرة كطفل خامس.
لكني وجدت نفسي أبدأ فعليا في الكتاب من سن السادسة، يوم دخولي إلى المدرسة الابتدائية.
وعندما أنهيت الكتابة، وجدت أنني قد قاربت الي مشارف الستين.
من هنا، ظهرت أمامي الصيغة النهائية للعنوان:
"علبة ألوان – سيرتي من ستة إلى ستين".
وقد بدا لي هذا العنوان ملائما من ناحيتين:
الأولى أنه يعبر حرفيا عن المدى الزمني للسيرة،
والثانية أنه يحمل رمز خفي لم أتنبه له إلا لاحقا.
فعندما جمعت الرقمين (6 + 60)، وجدت الناتج 66، وهو عام ميلادي: 1966.
وقفت عند هذه المصادفة كثيرا.
هل هي مجرد أرقام؟ أم أن هناك رابط أعمق؟ دفعتني هذه الحيرة إلى البحث، فدخلت إلى عالم علم الأعداد (Numerology)، وبدأت رحلة غوص في دلالات الأرقام التي صاحبتني طوال هذا المشروع. وقد اتضح لي أن كل رقم منها كان يحمل معنى عميق ومترابط، يعكس محطات أساسية في حياتي:
كما كان رقم 6 عمر دخولي للمدرسة، كان أيضا عدد الألوان الأساسية التي تحتويها غالبا علبة الألوان البسيطة التي كنا نحملها في طفولتنا: الأحمر، الأزرق، الأصفر، الأخضر، البني، والأسود.
كأنني حين اخترت هذا العنوان، كنت أعود لا شعوريا إلى تلك البدايات البسيطة، حيث تكفي ستة ألوان لرسم العالم بأكمله.
كذلك الرقم 6:
يمثل التوازن، الانسجام، الحب غير المشروط، والعطاء.
يرتبط بكوكب الزهرة (فينوس) رمز الجمال والفن.
في الفلسفة والأديان، يرمز للكمال في الخلق (ستة أيام الخلق في القرآن)، وللإنسانية (خلق الإنسان في اليوم السادس في التوراة).
رياضيا: أول عدد مثالي (1 + 2 + 3 = 6).
الرقم 60:
أساس نظم العد القديمة (مثل النظام الستيني للوقت والزوايا).
يرمز للدورة الزمنية، الاكتمال والبلوغ
ذكر في القرآن في سياق الكفارة (إطعام ستين مسكينا).
يرمز في الثقافات إلى الحكمة والتقاعد والنضج.
ثم بدا لي أن الرقم ستين يعيدنا من جديد إلى العلبة ذاتها.
فكما احتوت العلبة على ستة ألوان، بدت لي وكأن كل لون منها يختزن في جوفه عقدا من الزمن.
ستة ألوان، ستة عقود. وكأن الأعوام الستين قد انسكبت في تلك الأقلام الملونة، ترسمني عاما بعد عام. تحولت العلبة من أداة رسم،الي ان أصبحت مرآة عمري، والألوان سنيني التي انرت بها ظلام الحياة.
الرقم 660:عدد صفحات الكتاب
هو تضخيم آخر لطاقة الرقم 66، مضافا إليها الصفر الذي يرمز إلى الاكتمال والدائرة المغلقة.
يمثل التجسيد المادي الكامل لحجم التجربة الحياتية التي تم استيعابها في كتاب،
الرقم 1966 (سنة الميلاد):
يمكن رؤيته كـ "19" ثم "66". الرقم 66 هنا هو الجزء الأبرز والأكثر تكرارا في سياق الأرقام التي ذكرت.
الجذر الكوني عند تفكيكه: 1 + 9 + 6 + 6 = 22
الرقم 22 هو أحد "الأرقام الرئيسية" في علم الأعداد، ويعرف بـ"البناء الرئيسي".
وهو البناء الكلي لفصول الكتاب 19+3=22
يدل على القدرة على تحويل الأفكار والرؤى إلى مشاريع واقعية ذات أثر طويل المدى.
هذا يتماشى تماما مع فكرة تحويل ذكريات الحياة إلى عمل أدبي قائم بذاته.
من ستة إلى ستين. رقمان ظاهرهما تتابع، وباطنهما ضرب مقدس:
6 × 60 = 360 — دائرة كاملة.
لا شيء يكمل الرحلة أكثر من دائرة مغلقة، لا بداية لها ولا نهاية، عودة مستمرة إلى الذات.
البعد الرمزي الكامل:
عند التأمل في تسلسل الأرقام: 6 → 60 → 66 → 660 → 1966 → 22
نجد أن كل رقم يمثل مرحلة تطور أو انعكاس لمرحلة سابقة:
6: البداية، الطفولة، البراءة. و عدد الالوان الاساسية في غلبة الالوان
60: النضج، التأمل، الحصاد.
66: نقطة التقاء البدايات بالنهايات، توازن بين قطبين.
660: تجسيد التجربة، التعبير الكامل عنها في عمل فني.
"العودة إلى الواحد"
تاريخ الميلاد: 2 أغسطس (2/8):الجذر الكوني له:
2 + 8 = 10 → 1 + 0 = 1.
النتيجة: 1 — الرقم الأول، الأصل، البداية. إنه الرقم الذي تبدأ منه الرحلة، ما بين الصفحة الأولى والـ660،
ايضا الجزء الأول من هذا الكتابِ مكون من 19 فصلا.
هذا الرقم، جذره الكوني
(1 + 9 = 10 → 1 + 0 = 1)
العودة الي البدايه مجددا
البعد الزمني الذي ذكر في الكتاب:
1. الرمزية الدائرية (60 و 360):
2. الارتقاء بالرمز: هنا، ندخل في مرحلة جديدة من تضخيم الرمزية:
66 + 66 = 132.
هذا الرقم بحد ذاته يمكن تحليله في علم الأعداد إلى: 1 + 3 + 2 = 6.
الوصول إلى الرقم 6 مجددا يغلق الدائرة بطريقة رائعة! فبعد كل هذا التضاعف والتضخيم، تعود الرمزية إلى أصلها:
عدد صفحات الجزء الأول 400 الرقم الجذري هنا هو-> 4: (0+0+4=4)يرمز للأسس الثابتة والبناء.
عدد صفحات الجزء الثاني 260
الرقم الجذري هنا هو-> 8 (2+6+0=8) ،وهو يرمز إلى القوةِ، الإنجاز وحصادِ الثمار. إنهُ الجزء الذي يكلل الرحلة بالإنجاز والنضج.
القسم الأول من الكتاب 19 فصل، والرقم 19 هو رقم مهيب في الثقافات القديمة، يبدأ بـ1 (البداية) وينتهي بـ9 (النهاية)، كأنه يريد القول إن كل بداية تحمل نهايتها في طياتها.
إن 19 جسر بين "كان" و"يكون"، بين البراءة والوعي.
الجزءُ الثاني، مكونا من 3 فصولٍ. الرقم 3 يرمز إلى الإبداع، التعبيرِ، والفرح. وكأن هذا الجزءَ هو الخاتمة الفنية التي تعبر عن خلاصة التجربةِ بكل بهجتها
وهكذا، كل رقم في حياتي كان رقم عددي ورقم رمزي، في نفس الوقت ناطق بلغة خفية لا تقرأ إلا بالقلب.
سنة الميلاد، عمر البداية، عدد الصفحات، عدد الفصول، تاريخ اليوم… كلها كانت مثل نقاط ضوء على خريطة وجودي.
كل شيء في هذا الكتاب بدا وكأنه يريد أن يقول شيئا، أن يدل على ما هو أكبر من المصادفة
ربما لا تكون هذه المصادفات سوى صدى لنظام كوني لا نراه، لكننا نلمح أثره في التفاصيل
كل رقم هنا لم يكن محض رياضيات.
لقد كان لكل رقم ظل، ولكل ظل روح، ولكل روح حكاية
كانت الارقام إشارات، علامات، كأنها تنتمي إلى ترتيب أكبر من حياتي الشخصية، إلى إيقاع خفي يدير حركة الزمن والتجربة
وكأن الكون يقول لي: مهمتك أن تعيش، أن تشهد، أن تصوغ، أن تبني من ذاكرتك بيتا للآخرين
يمثل هذا الكتاب رحلة وجودية عميقة، كل رقم فيها كان مفتاح لباب جديد في فهمي لذاتي ومساري.
من علبة ألوان في يد طفل يدخل المدرسة، إلى لوحة متكاملة رسمتها الحياة بسنواتها الستين.
من الستة إلى الستين، ومن التسعة إلى الواحد، ومن الرقم إلى المعنى
ربما تكون هذه السيرة ـ كما يوحي عنوانها ـ مجرد علبة ألوان، لكنها ألوان للرؤية وليست للزينة، الرؤية للقلب وليست للعين
وها أنا أختم كتابي وقد أمسكت بخيط الزمن، كمن يفك شيفرة وجوده
كانت هذه السيرة ما انكشف لي، وليس ما حدث لي. وإن كنت قد بدأت الكتاب بـ"علبة ألوان"، فإني أنهيه كما تغلق العلبة بعد أن رسمت بها عمري كله. فكان كل لون يعادل عقد من عمري ست الوان و اعوام ستين
ستة أقلام في علبة الطفولة.تلك العلبة التي ظنناها لعبة، فإذا بها جوهر الوعي الأول.
لعلها كانت مجرد علبة ألوان...
لكنني كنت اللون السابع الذي لم يصنع في المصنع، اللون الذي لا يباع، ولا ينسى.
عندما انتهيت من آخر سطر في هذا الكتاب، شعرت، بشيء أقرب إلى العودة. فكما يعود الطفل في نهاية يومه إلى علبة ألوانه، ليلملم بقايا خربشاته، عدت أنا أيضا إلى نفسي، إلى حقيقتي الأولى.
لم أكتب هذه السيرة لأتفاخر، ولا لأبرر، كنت اريد ان أفهم. كنت أبحث عن خيط ناعم ينظم اللحظات المتناثرة، ويوصل بين الطفل الذي أمسك أول قلم تلوين، والرجل الذي بات يسائل المعنى خلف كل لون.
وحين أغلقتُ "علبة الألوان" هذه، رأيت أني لم أرسم حياتي فقط، رأيت أيضا كيف كانت ترسمني.
كنت أختار الألوان، لكنني في كل مرة، أكتشف أن بعضها اختارني أولا.
بين ستة وستين، كان الزمن عدادا ، و رحلة بين نغمتين: واحدة تشبه ضحكة طفل، وأخرى تشبه تنهيدة رجل.
وعندما جمعت ما بينهما، حصلت على صورة كاملة، فيها ما يكفي من الألوان ليفهمها الآخر،
وما يكفي من الظلال لأبقى أنا فيها،
واضحا... وغامضا في آن معا.
---
قلين، مايو 2025