
28/06/2025
في بلدٍ تزداد فيه الصعوبات يومًا بعد يوم، خرجت بنات في مقتبل العمر من بيوتهن لا لترفيه أو تسلية، بل بحثًا عن لقمة عيشٍ شريفة. خرجن يحملن الحلم على أكتافٍ أنهكها الهم، مقابل أجرٍ زهيد لا يتعدى 130 جنيهًا في اليوم، لا يوازي تعبهن ولا يُرضي احتياجاتهن، لكنه يرمز إلى كرامتهن.
تخيل فتاة تعمل أسبوعًا كاملاً، لتجمع بضع مئات، ثم تمسك أجرها بيدٍ ترتعش بين التعب والفرحة، فرحة رغم الفُتات، لأنها كسبته بعرقها وشرفها.
ثم تأمل المشهد الآخر: فتاة تجلس في أحد المقاهي، تطلب "شيشة تفاح" بـ120 جنيهًا، تنفق في ساعة ما يُعادل تعب فتاة في يومٍ كامل.
يا سيادة الرئيس، المسألة لم تعد مسألة "طريق"، بل مسألة "حق في الحياة".
نحن جيل عاصر الفرق. كنا في المرحلة الإعدادية، نسمع عن مرتبات 2500 و3000 جنيه، وكانت الحياة مقبولة، والبركة حاضرة، والأسعار في متناول الجميع.
أما اليوم، فكل شيء ارتفع. حين ترفع الدولة بضع قروش في سعر سلعة، يقابلها التاجر بزيادة جنونية. وحين يرتفع سعر البنزين بنصف جنيه، يُحمِّل السائق الراكب أضعافه.
وهنا يفرض السؤال نفسه:
أين الرقابة؟
أين الرقابة على التجار الذين يضاعفون الأسعار؟
أين الرقابة على السائقين الذين ينهكون المواطنين بزيادات عشوائية؟
أين الرقابة على الطرق التي تخطف الأرواح يوميًا؟
أين الرقابة على كل ما يمس حياة الإنسان وكرامته؟
لا تخرج فتاة من بيتها لتعمل بهذه الظروف القاسية إلا إذا ضاقت بها الدنيا، خرجت لتجهز نفسها، لتساعد أسرتها، لتكون شيئًا في هذا العالم القاسي.
كيف لفتاة أن تجهز نفسها في زمنٍ أصبح فيه ثمن الثلاجة 50 ألف جنيه، والغسالة عشرات الآلاف؟ كم من العمر يجب أن تعمل لتصل إلى هذا الحلم البسيط؟!
وإلى متى سنبقى نحن الشباب نُطارد سراب الاستقرار، في ظل أسعار لا ترحم، ومرتبات لا تكفي حتى الاحتياجات الشخصية؟ كيف نحلم بالزواج، بالبيت، بالكرامة، ونحن نغرق في دوامة لا تنتهي؟
منذ ساعات ، سمعنا نبأ الحادث الأليم لفتيات المنوفية، بنات خرجن في الصباح الباكر، يحملن على أكتافهن تعب الوطن، وعاد بعضهن في الأكفان.
ما ذنبهن؟ وماذا ننتظر بعد؟ إلى متى نسمع كل يوم عن أرواحٍ تُزهق في الطريق إلى لقمة العيش؟
اللهم اغفر لبناتنا الراحلات، وارزقهن جنات النعيم، واجعل قبورهن روضة من رياض الجنة.
اللهم اربط على قلوب أهلهم، وكن لهم معينًا وسندًا.
اللهم اجعل سعيهم في ميزان حسناتهم