
15/05/2025
مجموعة "من وراء زجاج" للقاص عاطف عبد الفتاح هي عمل أدبي رصين يجمع بين قوة السرد وتماسك البناء، يغوص في تفاصيل النفس البشرية من خلال شخصيات واقعية تعاني وتحب وتخسر وتحاول النجاة، مقدَّمة بلغة سلسة قريبة من القلب، لكنها لا تفتقر إلى العمق الأدبي والثراء الدلالي.
نقاط التميز:
1. تنوع القصص وتكاملها: رغم أن القصص مختلفة في ظاهرها، فإنها جميعًا تتكامل لبناء صورة أكبر لمجتمع مأزوم وهموم إنسانية كبرى، تتراوح بين الحب الممنوع، والعزلة، والتنمر، والانكسار الداخلي، والحنين إلى ما لا يُستعاد.
2. براعة السرد والبناء النفسي: كل قصة تنفذ ببراعة إلى عوالم داخلية معقدة، خاصة في قصص مثل "مائة سيناريو لمعجزة وحيدة" و*"قاموس التنمر"*. يُظهر المؤلف فيها قدرة فائقة على التحليل النفسي والتعبير عن حالات الهشاشة والانكسار التي يعيشها الأبطال.
3. اللغة والتقنيات الفنية: اللغة شفافة وسهلة دون أن تكون سطحية. كما يستخدم الكاتب أساليب الحكي مثل "تيار الوعي" و"الراوي الداخلي" ببراعة تامة. العناوين وحدها تحمل طابعًا مجازيًا يشير إلى رؤية فنية واعية.
4. الشخصيات البشرية حد الألم: شخصيات مثل "أمجد"، "عادل"، "فؤاد"، كلّها تشعر القارئ بأنها مأخوذة من قلب الواقع، تعاني مثلما يعاني، وتبحث عن الضوء كما يبحث هو، دون أن تسقط في الميلودراما المفتعلة.
---
بعض الملاحظات:
1. الطول النسبي لبعض القصص: بعض القصص كانت يمكن اختصارها دون التأثير على عمقها أو رسالتها، فالإطالة أحيانًا تضعف من زخم التأثير العاطفي.
2. غلبة الطابع السوداوي: رغم أن الميل الواقعي يبرر هذا، إلا أن كثافة العتمة وغياب الانفراجات النفسية أو الروحية في أغلب القصص قد تثقل على القارئ في بعض اللحظات.
---
خلاصة:
"من وراء زجاج" عمل قصصي ناضج، يثبت أن القصة القصيرة لا تزال قادرة على اختزال الحياة كلها في لحظة أو موقف أو حتى همسة. عاطف عبد الفتاح يكتب بألم شفيف وصدق موجع، ويمنح القارئ نافذة يطل منها على هشاشة العالم وعلى جراح النفس التي قد لا تُرى... لكنها تُشعر.