
10/07/2025
من أقسى ما يُبتلى به الإنسان في رحلته الوجودية، أن يُولد بعقلٍ تجاوز عمره، عقلٍ يزن الأمور بميزان الحكمة، لا تخدعه الألفاظ، ولا تغرّه المظاهر، يرى ما وراء الكلمات، ويفهم خفايا السلوك، يقرأ الصمت كما يقرأ الضجيج، ويُدرك ما لا يُقال أكثر مما يُقال.
وفي قلبه—في ذات اللحظة—طفلٌ لا يشيخ، قلبٌ نابض بالصدق لا يعرف الحيلة ولا يُجيد المراوغة، يحنّ لكل نبضٍ إنساني، ويرتجف لأبسط انكسار.
يجتمع في روحه وعي الفيلسوف وصفاء الطفل، يعيش الصراع الأزلي بين عقلٍ صارمٍ لا يرحم، ومشاعرَ لا تكفّ عن العطاء... يرى بوضوح من يدّعي الحب كذبًا، ومن يمنحه صدقًا، يعرف من يستحقه ومن لا يستحق، لكنه لا يقوى على القسوة، ولا يملك أن يغلق أبواب قلبه في وجه العابرين.
هكذا يُحاصر بين عظمة الإدراك وعذابات الرحمة، بين مرارة الوعي وبراءة الشعور… فيمضي في دنياه شجرةً مثقلةَ الأغصان، تهب ظلّها حتى لمن جاء ليكسرها.